تمهيد

بقلم  أحمد تيمور
إذا قيل: إن العربي لا يخطئ، فالمراد لا يخطئ في اللفظ للملكة اللسانية الراسخة فيه،١ وأما في المعاني فلم يقل أحد بعصمة جنانه، كما قالوا بعصمة لسانه، بل هو خلاف ما صرح به أئمة العربية، ألا تراهم كيف خطَّئوا أبا قيس بن رفاعة٢ في قوله:
منَّا الذي هو ما إن طَرَّ شاربه
والعانسون ومنَّا المُرد والشِّيب

لأنه لم يحسن التقسيم في البيت.

وقد اعترض ابن هشام في «المُغْنِي» على ذكره المُرْد بعد قوله: ما طرَّ شاربه؛ إذ الذي لم ينبت شاربه أمرد، فكأنه قال: منا الأمرد، ومنا المُرد، ثم قال: «والبيت عندي فاسد التقسيم بغير هذا، ألا ترى أن العانسين، وهم الذين لم يتزوجوا، لا يناسبون بقية الأقسام؟ وإنما العرب محميُّون عن الخطأ في الألفاظ دون المعاني.» انتهى.

وقد حاول بعض شراحه تصويب ما في البيت بتقدير أنَّ أصله: منا العانسون والمتزوجون ومنا المرد والشيب، وذكروا فيه أوجهًا أخرى لا تخلو من مثل هذا التكلف.

وقال الجاحظ في كتاب الحيوان: «وليس الأعرابي بقدوة إلا في الجر والنصب والرفع وفي الأسماء، وأما غير ذلك فقد يخطئ فيه ويصيب»، والنصوص على ذلك كثيرة لا تختلف إلا في المبنى فلا حاجة لذكرها، وقد بحثنا فيما وصل إلينا من هذه الأوهام وتفحصنا أسبابها، فرأيناها ترجع إلى الأقسام الآتية:

١  لبعض شعراء العرب أغلاط لفظية نبه عنها العلماء، وفي كونها للضرورة أو لغيرها خلاف لا يسع المقام ذكره.
٢  لم يتعرض البغدادي لهذا البيت في شرحه لشواهد المغني بسوى قوله: «قال أبو عبيد البكري في شرح نوادر القالي: البيت لأبي القيس بن رفاعة، هكذا يقول يعقوب، وغيره يقول: قيس بن رفاعة.» قلنا: للبكري كتابان؛ أحدهما: شرح نوادر القالي الذي نقل عنه البغدادي هذه العبارة، والثاني التنبيه على أوهام القالي في أماليه، وعندنا منه نسخة صحيحة مقروءة كُتبت سنة ٦٦٢ﻫ، ونص ما فيها عن قيس بن رفاعة: «إنما هو أبو قيس بن رفاعة واسمه دثار، وقد ذكره أبو علي — رحمه الله — بعد هذا في كتابه على صحته الخ.» إلا أن أحدَ مَنْ قرأ النسخة زاد لفظ «أبي» قبل رفاعة فصار ابن أبي رفاعة، وكتب فوقه «صح.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤