الْأَرْنَبُ الْعَاصِي

(١) جَدُّ الْأَرَانِبِ

عَاشَ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، أَرْنَبٌ اسْمُهُ: «أَبُو نَبْهَانَ».

الْأَرْنَبُ «أَبُو نَبْهَانَ» كَانَ عِنْدَهُ عَقْلٌ كَبِيرٌ، يُفَكِّرُ بِهِ.

كَانَ بِذَكَائِهِ وَخِبْرَتِهِ وَتَجْرِبَتِهِ، يَعْرِفُ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ.

حَافَظَ عَلَى صِحَّتِهِ وَسَلَامَتِهِ: فِي أَكْلِهِ، فِي شُرْبِهِ، فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ.

لَمْ يَكُنْ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْأَشْيَاءِ الَّتِي يُصِيبُهُ مِنْهَا أَذًى.

لِذَلِكَ طَالَ فِي الْحَيَاةِ عُمْرُهُ، وَأَصْبَحَ أَرْنَبًا كَبِيرَ السِّنِّ.

«أَبُو نَبْهَانَ» خَلَّفَ أَوْلَادًا كَثِيرَةً، مِنَ الْأَرَانِبِ اللِّطَافِ.

أَوْلَادُهُ كَبِرَتْ، وَخَلَّفَتْ هِيَ الْأُخْرَى أَوْلَادًا كَثِيرَةً.

«أَبُو نَبْهَانَ» صَارَتْ لَهُ عَائِلَةٌ، عَدَدُهَا كَبِيرٌ.

صَارَ لَهُ أَوْلَادٌ، وَصَارَ لَهُ أَحْفَادٌ، أَيْ أَوْلَادُ أَوْلَادٍ.

عَاشَ وَهُوَ سَعِيدٌ، فَرْحَانٌ بِأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَأَحْفَادِهِ الْكِثَارِ.

يَجْتَمِعُونَ حَوَالَيْهِ: يُضَاحِكُهُمْ وَيُلَاعِبُهُمْ يَأْنَسُ بِهِمْ، وَيَأْنَسُونَ بِهِ.

يُعْطِيهِمْ نَصَائِحَ وَإِرْشَادَاتٍ تُعَلِّمُهُمْ: كَيْفَ يَعِيشُونَ؟ وَكَيْفَ يَتَعَامَلُونَ؟

يُسَلِّيهِمْ وَيَبْسُطُهُمْ، بِحَكَايَاتٍ ظَرِيفَةٍ، يَحْكِيهَا لَهُمْ، بِاللَّيْلِ.

الْأَرَانِبُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ حَبُّوا «أَبَا نَبْهَانَ»، وَتَعَلَّقُوا بِهِ.

كَانَتْ أُسْرَتُهُ تَسْتَمِعُ لِنَصَائِحِهِ، وَلَا تَعصِي لَهُ أَيَّ أَمْرٍ.

الْأَرَانِبُ الْأَحْفَادُ، عَرَفُوا أَنَّ الْجَدَّ «أَبَا نَبْهَانَ» يُحِبُّ لَهُمُ الْخَيْرَ.

figure
الأَرْنَبُ الْكَبِيرُ يَنْصَحُ حَفِيدَهُ الصَّغِيرَ.

(٢) الْحَفِيدُ «دَحْدَاحٌ»

الْأَرْنَبُ الْكَبِيرُ «أَبُو نَبْهَانَ» كَانَ لَهُ حَفِيدٌ صَغِيرٌ، اسْمُهُ «دَحْدَاحٌ».

عَاشَ الْحَفِيدُ الصَّغِيرُ «دَحْدَاحٌ» مَعَ جَدِّهِ الْكَبِيرِ عِيشَةً رَاضِيَةً.

الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ» كَانَ شَدِيدَ الْعَطْفِ عَلَى حَفِيدِهِ «دَحْدَاحٍ».

كَانَ يُلَاحِظُ عَلَى «دَحْدَاحٍ» أَنَّهُ مَغْرُورٌ بِنَفْسِهِ.

«دَحْدَاحٌ» كَانَ يَلْهُو وَيَعْبَثُ، كَمَا يَشَاءُ، عَلَى هَوَاهُ.

الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ» حَرَصَ عَلَى أَنْ يَنْصَحَ حَفِيدَهُ الصَّغِيرَ.

كَانَ يَقُولُ لَهُ: «لَا تَعْمَلْ شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ تَأَمُّلٍ وَتَفْكِيرٍ. إِذَا مَشَيْتَ عَلَى هَوَاكَ، عَرَّضْتَ نَفْسَكَ لِلْأَخْطَارِ. يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ تَعْمَلُهُ بِحِسَابٍ.»

«دَحْدَاحٌ» لَمْ يَكُنْ يُبَالِي بِمَا يَسْمَعُهُ مِنْ نَصَائِحِ جَدِّهِ الْكَبِيرِ.

نَسِيَ أَنَّ النَّصَائِحَ ضَرُورِيَّةٌ لَهُ، لِكَيْ تَحْمِيَهُ مِنَ الشَّرِّ.

ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَى نَصِيحَةٍ أَوْ إِرْشَادٍ.

فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، كَانَ يَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ، وَنَظَرُهُ إِلَى فَوْقُ!

لَمْ يَهْتَمَّ بِأَنْ يُوَجِّهَ نَظَرَهُ إِلَى تَحْتُ، أَوْ إِلَى الْأَمَامِ!

غَفَلَ عَنْ حُفْرَةٍ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، فَسَقَطَ فِيهَا، وَجُرِحَتْ سَاقُهُ.

فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنَ الْأَيَّامِ، كَانَ عِنْدَ الْفُرْنِ، يَقْتَرِبُ مِنَ النَّارِ!

النَّارُ لَسَعَتْ ذَيْلَ «دَحْدَاحٍ»، فَجَعَلَ يَبْكِي مِنَ الْأَلَمِ.

(٣) نَصِيحَةُ الْجَدِّ

الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ» فَكَّرَ فِي شَأْنِ حَفِيدِهِ الصَّغِيرِ «دَحْدَاحٍ».

قَالَ فِي نَفْسِهِ: «حَفِيدِي «دَحْدَاحٌ» يَنْسَى النَّصَائِحَ الْمُفِيدَةَ. يَجِبُ أَنْ أُفَكِّرَ فِي طَرِيقَةٍ، لِمُعَالَجَةِ مُشْكِلَةِ «دَحْدَاحٍ». أَنَا أَخْشَى أَنْ تَعْمَلَ أَحْفَادِيَ الصِّغَارُ مِثْلَ عَمَلِ «دَحْدَاحٍ». أَحْسَنُ طَرِيقَةٍ، أَنْ أَجْعَلَ نَصَائِحِي كَلَامًا فِي نَشِيدٍ. الْأَحْفَادُ الصِّغَارُ يُحِبُّونَ الْأَنَاشِيدَ: يَحْفَظُونَهَا، وَيَتَغَنَّوْنَ بِهَا. إِذَا حَفِظَ الْأَحْفَادُ نَشِيدًا، تَأَثَّرُوا بِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ.»

«أَبُو نَبْهَانَ» وَضَعَ نَشِيدًا جَمِيلًا، فِيهِ النُّصْحُ وَالْإِرْشَادُ.

كَتَبَ النَّشِيدَ الَّذِي وَضَعَهُ بِخَطٍّ وَاضِحٍ، فِي لَوْحٍ كَبِيرٍ.

قَالَ فِي نَفْسِهِ: «سَيَقْرَأُ أَحْفَادِي هَذَا النَّشِيدَ الْجَدِيدَ الْمُفِيدَ. سَأَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهُ، وَيُسَمِّعُوهُ لِي، كُلَّ صَبَاحٍ. إِذَا حَفِظُوهُ وَفَهِمُوهُ، ضَمِنُوا السَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ.»

الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ» طَلَبَ أَنْ يُقَابِلَهُ حَفِيدُهُ «دَحْدَاحٌ».

«دَحْدَاحٌ» حَضَرَ لِمُقَابَلَةِ جَدِّهِ «أَبِي نَبْهَانَ»، فَقَالَ لَهُ الْجَدُّ: «هَذَا مَنْشُورٌ، فِيهِ تَجَارِبِي وَخِبْرَاتِي، هِيَ دُسْتُورٌ لِلْأَرَانِبِ. نَشِيدٌ جَمِيلٌ، وَضَعْتُهُ لَكُمْ، لِكَيْ تَقْرَءُوهُ، وَتَحْفَظُوهُ. خُذْ هَذَا اللَّوْحَ الَّذِي فِيهِ النَّشِيدُ، وَضَعْهُ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ.»

(٤) نَشِيدُ الْأَرَانِبِ

«دَحْدَاحٌ» أَخَذَ اللَّوْحَ، وَقَرَأَ النَّشِيدَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ.

حَمَلَ اللَّوْحَ، وَسَارَ بِهِ إِلَى بَابِ الْبَيْتِ، وَوَضَعَهُ عَلَى الْبَابِ.

هَذَا هُوَ النَّشِيدُ الَّذِي أَلَّفَهُ الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ»:

كَمْ أَهْلَكَتْ رَصَاصَةُ الصَّيَّادِ
مِنْ أَرْنَبٍ فِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي!
فَابْتَعِدُوا عَنْ شَرِّهِ، وَجَانِبُوا
أَنْ تَهْلِكُوا، يَا أَيُّهَا الْأَرَانِبُ
لَا تَكْسَلُوا عَنْ سَعْيِكُمْ، فِي الْغَابَهْ
فِي هِمَّةٍ، وَخِفَّةٍ وَثَّابَهْ
وَلَازِمُوا جُحُورَكُمْ، عِنْدَ الْخَطَرْ
إِذَا أَتَى الصَّيَّادُ، مِنْ خَلْفِ الشَّجَرْ
فَحَاذِرُوا، وَأَنْتُمُ صِغَارُ
وَجَاهِدُوا، وَأَنْتُمُ كِبَارُ
وَهَذِه نَصِيحَتِي إِلَيْكُمُ
لِتَسْعَدُوا، وَتَغْنَمُوا، وَتَسْلَمُوا
جَزَاءُ مَنْ خَالَفَنِي: النَّدَامَهْ
وَحَظُّ مَنْ طَاوَعَنِي: السَّلَامَهْ!
figure
«دَحْداحٌ» يُعَلِّقُ الَّلوْحَ لِتَقْرَأَهُ الْأرانِبُ.

(٥) اللَّوْحُ عَلَى الْبَابِ

لَمَّا وَضَعَ «دَحْدَاحٌ» اللَّوْحَ عَلَى الْبَابِ، عَلِمَتْ بِهِ الْأَرَانِبُ.

تَسَابَقُوا فِي الْوُقُوفِ قُدَّامَ اللَّوْحِ، لِيَعْرِفُوا مُحْتَوَاهُ.

الْأَرَانِبُ الصِّغَارُ جَعَلُوا يَقْرَءُونَ النَّشِيدَ، مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.

الْأَرَانِبُ لَمَّا قَرَءُوهُ، فَهِمُوا كُلَّ مَا فِيهِ، وَأَدْرَكُوا كُلَّ مَعَانِيهِ.

أَرْنَبٌ ذَكِيٌّ قَالَ: «جَدِّي هُوَ الَّذِي عَمِلَ هَذَا النَّشِيدَ. جَدِّي يُقَدِّمُ لَنَا نَصِيحَةً غَالِيَةً، تَنْفَعُنَا حِينَ نَعْمَلُ بِهَا. جَدِّي يَعْطِفُ عَلَيْنَا كُلَّ الْعَطْفِ، وَيَتَمَنَّى أَنْ نَعِيشَ سُعَدَاءَ.»

الْأَرَانِبُ أَخَذُوا يُرَدِّدُونَ كَلِمَاتِ النَّشِيدِ، بِصَوْتٍ مَرْفُوعٍ.

الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ» سَمِعَ صَوْتَ الْأَرَانِبِ، وَهُوَ فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ.

فَرِحَ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَى صَوَابٍ، لَمَّا عَمِلَ هَذَا النَّشِيدَ لِأَحْفَادِهِ.

قَالَ فِي نَفْسِهِ: «سَأَعْرِفُ تَأْثِيرَ النَّشِيدِ فِي نُفُوسِ الْأَرَانِبِ.»

الْأَرَانِبُ لَازَمُوا بَابَ الْبَيتِ، حَتَّى حَفِظُوا النَّشِيدَ.

الْأَرَانِبُ أَسْرَعُوا إِلَى دَاخِلِ الْبَيْتِ، لِمُقَابَلَةِ جَدِّهِمْ.

الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ» اسْتَقْبَلَ الْأَرَانِبَ، وَهُوَ مَسْرُورٌ كُلَّ السُّرُورِ.

الْأَرَانِبُ شَكَرُوا لِلْجَدِّ «أَبِي نَبْهَانَ» عِنَايَتَهُ بِهِمْ، وَرِعَايَتَهُ لَهُمْ.

قَالُوا لِجَدِّهِمْ: «سَنَعْمَلُ بِنُصْحِكَ وَإِرْشَادِكَ عَلَى الدَّوَامِ. سَنُرَدِّدُ هَذَا النَّشِيدَ الْجَمِيلَ، أَمَامَكَ، فِي كُلِّ صَبَاحٍ.»

(٦) غُرُورُ «دَحْدَاحٍ»

«دَحْدَاحٌ» فَكَّرَ فِي النَّصَائِحِ الَّتِي احْتَوَى عَلَيْهَا النَّشِيدُ.

قَالَ فِي نَفْسِهِ: «جَدِّي يُخَوِّفُنَا بِهَذَا النَّشِيدِ، مِنْ أَذَى الصَّيَّادِ. جَدِّي يَعْتَبِرُنَا صِغَارًا، لَا نَسْتَطِيعُ حِمَايَةَ أَنْفُسِنَا، مِنَ الصَّيَّادِ. لِمَاذَا يُقَيِّدُ حَرَكَاتِنَا؟ لِمَاذَا لَا يَتْرُكُنَا أَحْرَارًا فِيمَا نَعْمَلُ؟ أَنَا لَا أَخَافُ مِنَ الصَّيَّادِينَ، الَّذِينَ يَأْتُونَ إِلَى الْوَادِي. أَنَا لَا أَفْزَعُ مِنْ رَصَاصِ الصَّيْدِ الَّذِي يُحَذِّرُنَا جَدُّنَا مِنْهُ.»

«دَحْدَاحٌ» سَكَتَ قَلِيلًا، وَهُوَ يُفَكِّرُ فِيمَا قَالَ.

بَعْدَ لَحَظَاتٍ، هَدَاهُ تَفْكِيرُهُ إِلَى أَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِهِ: «لَكِنِ الْوَاقِعُ أَنَّ الصَّيَّادِينَ أَجْسَامُهُمْ أَقْوَى مِنْ أَجْسَامِنَا وَالْحَقُّ أَنَّ الرَّصَاصَ الَّذِي مَعَ الصَّيَّادِينَ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُؤْذِيَنَا. جَدِّي إِذَنْ عَلَى صَوَابٍ فِي تَخْوِيفِنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّيَّادِينَ.»

«دَحْدَاحٌ» بَعْدَ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، رَجَعَ إِلَيْهِ غُرُورُهُ، وَقَالَ: «الصَّيَّادُ جِسْمُهُ أَكْبَرُ، وَالرَّصَاصُ الَّذِي مَعَهُ يُصِيبُ الْبَعِيدَ. لَكِنْ أَنَا أَيْضًا، وَإِنْ كُنْتُ صَغِيرًا، لِي قُدْرَةٌ عَلَى الْجَرْيِ السَّرِيعِ. مَتَى رَأَيْتُ الصَّيَّادَ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ، رُحْتُ أَجْرِي بِكُلِّ جُهْدِي. لَا ضَرَرَ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الْوَادِي، وَالسَّيْرِ فِيهِ، وَقْتَمَا أَشَاءُ. لَا خَوْفَ عَلَيَّ مِنَ الصَّيَّادِ، فَلَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ أَذًى.»

(٧) أَفْكَارٌ خَاطِئَةٌ

«دَحْدَاحٌ» اسْتَمَرَّ فِي تَفْكِيرِهِ، وَهُوَ مُنْتَفِخٌ، يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ.

لِسَانُهُ جَعَلَ يُرَدِّدُ كَلِمَاتِ النَّشِيدِ الَّذِي وَضَعَهُ جَدُّهُ، وَسَأَلَ نَفْسَهُ: «لِمَاذَا يَحْرِصُ جَدِّي كُلَّ هَذَا الْحِرْصِ عَلَى تَخْوِيفِنَا مِنَ الصَّيَّادِ؟! لَا بُدَّ أَنَّ هُنَاكَ سَبَبًا خَفِيًّا يَدْعُوهُ إِلَى هَذَا التَّخْوِيفِ الشَّدِيدِ! جَدِّي الْكَبِيرُ نَسِيَ الْفَرْقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، نَحْنُ الْأَحْفَادَ الصِّغَارَ. جَدِّي «أَبُو نَبْهَانَ» حَسِبَ أَنَّنَا مِثْلُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. نَصِيحَتُهُ هَذِهِ صَالِحَةٌ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ، لَا لَنَا. إِنَّهُ كَبِيرُ السِّنِّ بَطِيءُ الْحَرَكَةِ، لَا يَسْتَطِيعُ الْجَرْيَ. هُوَ لِذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُوَاجِهَ الصَّيَّادَ، وَيَنْجُوَ مِنْهُ. هَذَا سَبَبُ تَحْذِيرِ جَدِّي لَنَا مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الْوَادِي. كَيْفَ يَهْرُبُ هُوَ مِنْ وَجْهِ الصَّيَّادِ، إِذَا رَآهُ أَمَامَهُ؟ لَكِنْ أَنَا غَيْرُ جَدِّي الَّذِي كَبِرَتْ سِنُّهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ! أَنَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَهْرُبَ مِنْ وَجْهِ الصَّيَّادِ، فَلَا يُدْرِكَنِي.»

«دَحْدَاحٌ» نَطَّ نَطَّةً بَعِيدَةَ الْمَدَى، لِيُجَرِّبَ قُوَّتَهُ.

فَرِحَ بِنَفْسِهِ، لَمَّا نَطَّ النَّطَّةَ الْبَعِيدَةَ، وَوَثِقَ بِقُدْرَتِهِ.

لَكِنَّهُ قَالَ: «جَدِّي «أَبُو نَبْهَانَ» مَشْكُورٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. أَمَّا نَصِيحَتُهُ، فَهِيَ خَاصَّةٌ بِهِ، لِيَعْمَلَ بِهَا، عِنْدَمَا يَخَافُ.»

(٨) نَصِيحَةُ «عِكْرِشَةَ»

«عِكْرِشَةُ» أَرْنَبَةٌ كَبِيرَةٌ، هِيَ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ لِلْجَدِّ «أَبِي نَبْهَانَ».

الْأَرْنَبةُ «عِكْرِشَةُ» كَانَتْ تُحِبُّ أَحْفَاد أَخِيهَا: الْأَرَانِبَ الصِّغَارَ.

كَانَتْ تَجْلِسُ مَعَهُمْ كُلَّ مَسَاءٍ، لِتَحْكِيَ لَهُمْ حِكَايَاتٍ لَطِيفَةً.

فِي مَسَاءِ الْيَوْمِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ اللَّوْحُ عَلَى الْبَابِ، قَالَتْ: «كُلُّكُمْ، أَيُّهَا الْأَرَانِبُ اللِّطَافُ، قَرَأْتُمْ نَشِيدَ جَدِّكُمُ الْكَبِيرِ.»

الْأَرَانِبُ الصِّغَارُ قَالُوا لِعَمَّةِ أَبِيهِمْ «عِكْرِشَةَ»: «نَحْنُ حَفِظْنَا النَّشِيدَ، وَنَسْتَطِيعُ أَنْ نُسَمِّعَكِ إِيَّاهُ.»

الْأَرْنَبةُ «عِكْرِشَةُ» ابْتَسَمَتْ لِلْأَرَانِبِ الصِّغَارِ، وَقَالَتْ: «لَا يَكْفِي أَنْ تَحْفَظُوا النَّشِيدَ، وَتَتَفَهَّمُوا الْمَقْصُودَ مِنْهُ. أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَتَذَكَّرُوهُ، وَأَنْ تَعْمَلُوا دَائِمًا بِمَا فِيهِ. جَدُّكُمْ عَاطِفٌ عَلَيْكُمْ، عَارِفٌ مَا يَنْفَعُكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ. الْأَرَانِبُ الْكِبَارُ، يَعْلَمُونَ أَخْطَارَ الصَّيَّادِينَ الْأَشْرَارِ. إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَحْمُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ كُلِّ الْأَخْطَارِ. أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْأَرَانِبُ الصِّغَارُ، فَاسْمَعُوا نَصَائِحَ الْكِبَارِ. الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ لَهُمْ تَجَارِبُ كَثِيرَةٌ، تَعَلَّمُوهَا مِنَ الْحَيَاةِ. هُمْ يُعَلِّمُونَكُمْ تَجَارِبَهُمْ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ كُلَّهَا حُبٌّ لَكُمْ».

الْأَرَانِبُ الصِّغَارُ فَهِمُوا نَصِيحَةَ عَمَّةِ أَبِيهِمْ، وَشَكَرُوهَا.

(٩) لِقَاءُ «عِكْرِشَةَ»

فِي الصَّبَاحِ، خَرَجَ الْحَفِيدُ «دَحْدَاحٌ» مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الطَّرِيقِ.

فِي أَوَّلِ الطَّرِيقِ، لَقِيَ «دَحْدَاحٌ» عَمَّةَ أَبِيهِ «عِكْرِشَةَ».

سَأَلَتْهُ: «إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ يَا «دَحْدَاحُ»، هَذَا الصَّبَاحَ؟»

قَالَ لَهَا: «عَزَمْتُ عَلَى أَنْ أَتَمَشَّى قَلِيلًا فِي الْوَادِي.»

قَالَتْ لَهُ: «أَلَمْ تَقْرَأْ لَوْحَ جَدِّكَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ النَّشِيدُ؟ أَلَمْ تَسْتَمِعْ إِلَى حَدِيثِي فِي اللَّيْلِ، مَعَ إِخْوَتِكَ الْأَرَانِبِ؟»

قَالَ لَهَا: «أَنَا الَّذِي أَخَذْتُ اللَّوْحَ مِنْ جَدِّيَ الْكَبِيرِ. وَأَنَا الَّذِي حَمَلْتُهُ بِيَدِي إِلَى الْبَابِ، وَوَضَعْتُهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ سَمِعْتُ حَدِيثَكِ مَعَ إِخْوَتِي الْأَرَانِبِ بِاللَّيْلِ.»

قَالَتْ لَهُ الْعَمَّةُ: «أَخَافُ عَلَيْكَ أَلَّا تَنْتَفِعَ بِالتَّحْذِيرِ.»

«دَحْدَاحٌ» وَقَفَ يُلَاطِفُ عَمَّةَ أَبِيهِ، وَيَقُولُ لَهَا: «جَدِّي «أَبُو نَبْهَانَ» يُبَالِغُ فِي خَوْفِهِ عَلَيْنَا. حَقًّا، أَنْتِ وَجَدِّي مَعْذُورَانِ فِي تَخْوِيفِنَا وَتَحْذِيرِنَا. أَنْتِ وَجَدِّي تَخَافَانِ عَلَيْنَا مِنْ مُفَاجَأَةِ الصَّيَّادِ لَنَا. لَكِنَّكُمَا تَنْسَيَانِ أَنَّ مِثْلِي يَسْتَطِيعُ الْجَرْيَ وَالْفِرَارَ.»

الْعَمَّةُ «عِكْرِشَةُ» قَالَتْ: «لَا تَغْتَرَّ بِنَفْسِكَ. أَنَا مُشْفِقَةٌ عَلَيْكَ. أَحْسَنُ لَكَ يَا حَفِيدَ أَخِي الْعَزِيزَ أَنْ تَرْجِعَ عَنْ عَزْمِكَ.»

figure
«عِكْرِشَةُ» عَمَّةُ «دَحْداحٍ» تَتَحَدَّثُ إلَيْهِ.

(١٠) عِنادُ «دَحْداحٍ»

«دَحْداحٌ» تَرَكَ الْعَمَّةَ «عِكْرِشَةَ» وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْ رَأْيِهِ.

تابَعَ سَيْرَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَأَصَرَّ عَلَى الذَّهابِ إِلَى الْوادِي.

«دَحْداحٌ» دَارَ فِي رَأْسِهِ نَشِيدُ جَدِّهِ الْكَبِيرِ، فَقالَ: «ماذا أَقُولُ؟ مِسْكِينٌ أَنْتَ حَقًّا، أَيُّها الْجَدُّ الْعَزِيزُ! إِنَّكَ كَبِيرُ السِّنِّ، ضَعِيفُ الْجِسْمِ، لا قُوَّةَ لَكَ. صِرْتَ، يا جَدِّي، تَخْشَى كُلَّ شَيْءٍ يَخْطُرُ عَلَى بالِكَ! أَنا لا أَشُكُّ، لَحْظَةً، فِي مَحَبَّتِكَ إيَّانا، وَإِخْلاصِكَ لَنا. لكِنَّكَ تَخْشَى عَلَيْنَا مَا تَخْشَاهُ عَلَى نَفْسِكَ أَنْتَ! إِنَّكَ لَمْ تَعُدْ مِثْلَنَا، فِي النَّشَاطِ، وَالْخِفَّةِ، وَالسُّرْعَةِ!»

كَذَلِك دَارَتْ فِي رَأْسِهِ نَصِيْحَةُ «عِكْرِشَةَ»، فَقالَ: «ماذا أَقُولُ؟ مِسْكِينَةٌ أَنْتِ حَقًّا، أيَّتُهَا الْعَمَّةُ الْحَبِيبَةُ! الْخَوْفُ عَلَيْنَا، نَحْنُ الْأَرَانِبَ الصِّغَارَ، يَمْلَأُ قَلْبَكِ الحَنُونَ. إنِّي أَعْرِفُ سِرَّ ذَلِكَ الْخَوْفِ الَّذِي تَشْعُرِينَ بِهِ، وَتُعَبِّرِينَ عَنْهُ. أَطْلَقَ عَلَيْكِ الصَّيَّادُ، فِي الْوَادِي، رَصَاصَةً، وَأَنْتِ غَافِلَةٌ! أَصَابَتِ الرَّصَاصَةُ، فِي الْحَالِ، رِجْلَكِ الْيُمْنَى، لِسُوءِ حَظِّكِ! أَنْتِ تَذْكُرِينَ دَائِمًا الْأَلَمَ الَّذِي أَحْسَسْتِ بِهِ، فِي تِلْكَ السَّاعَةِ. أَنْتِ، أَيَّتُهَا الْعَمَّةُ، لَسْتِ مِثْلِي، فِي السَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ.»

figure
«دَحْدَاحٌ» يَزْحَفُ هَرَبًا مِنَ الصَّيَّادِ.

(١١) مُوَاجَهَةُ الصَّيَّادِ

«دَحْدَاحٌ» لَمْ يَكُفَّ عَنِ السَّيْرِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْوَادِي.

دَخَلَ حَقْلَ الْبَرْسِيمِ الْأَخْضَرِ النَّاضِرِ، وَجَالَ فِي أَنْحَائِهِ.

جَعَلَ يَقْضِمُ أَعْوَادَ الْبَرْسِيمِ، فِي طَرِيقِهِ، وَيَتَلَذَّذُ بِأَكْلِهَا.

ظَلَّ يَجِيءُ وَيَرُوحُ فِي الْحَقْلِ: يَتَنَزَّهُ، وَيَرْتَعُ، وَيَتَمَتَّعُ.

قَالَ: «لِمَاذَا يَمْنَعُنَا الْكِبَارُ، أَنْ نَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَ الْأَحْرَارِ؟!»

… لَمْ يُفِقْ مِنْ غَفْلَتِهِ، إِلَّا حِينَ انْطَلَقَ رَصَاصُ الصَّيَّادِ.

دَوَّى صَوْتُ الرَّصَاصِ الشَّدِيدِ فِي أُذُنَيْهِ، فَانْزَعَجَ أَشَدَّ انْزِعَاجٍ.

أَحَسَّ، فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، بِأَنَّ غَمَامَةً ثَقِيلَةً تَغْشَى عَيْنَيْهِ.

لَقَدْ سَدَّدَ الصَّيَّادُ إِلَى الْأَرْنَبِ الصَّغِيرِ «دَحْدَاحٍ» رَصَاصَتَيْنِ: الرَّصَاصَةُ الْأُولَى: انْحَرَفَتْ عَنْ «دَحْدَاحٍ»، فَلَمْ تُصِبْهُ. الرَّصَاصَةُ الْأُخْرَى: لَمْ تَنْحَرِفْ عَنْهُ، بَلْ أَصَابَتْ رِجْلَهُ.

وَجَدَ أَنَّ: رِجْلَهُ الْيُمْنَى قَدْ أُصِيبَتْ بِجُرْحٍ أَلِيمٍ!

«دَحْدَاحٌ» انْتَفَضَ جِسْمُهُ، بَعْدَ أَنْ عَرَفَ مَا أَصَابَهُ!

تَحَامَلَ عَلَى نَفْسِهِ، وَحَاوَلَ أَنْ يَجْرِيَ، وَلَكِنَّهُ عَجَزَ!

زَحَفَ، بِكُلِّ جُهْدِهِ، إِلَى أَعْشَابٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ، وَاسْتَخْفَى وَرَاءَهَا.

دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَنَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ أَشَدَّ النَّدَمِ، وَقَالَ: «لَيْتَنِي سَمِعْتُ نَصِيحَةَ جَدِّي! لَيْتَنِي طَاوَعْتُ عَمَّةَ أَبِي!»

(١٢) دَرْسٌ مُفِيدٌ

الصَّيَّادُ ظَلَّ يَبْحَثُ عَنْ «دَحْدَاحٍ» هُنَا وَهُنَاكَ، دُونَ جَدْوَى.

الْأَرْنَبُ الصَّغِيرُ غَابَ عَنْ عَيْنَيْهِ، خَلْفَ لَفَائِفِ الْأَعْشَابِ.

ظَنَّ أَنَّ الْأَرْنَبَ هَرَبَ مِنْ حَقْلِ الْبَرْسِيمِ، وَتَرَكَ الْوَادِيَ.

الصَّيَّادُ يَئِسَ مِنَ الْبَحْثِ، فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ، عَنِ الْأَرْنَبِ الْهَارِبِ.

لَوْ عَلِمَ مَكَانَهُ بَيْنَ الْأَعْشَابِ، لَهَجَمَ عَلَيْهِ، وَاصْطَادَهُ.

«دَحْدَاحٌ» بَقِيَ مُخْتَبِئًا، يَشْعُرُ بِوَجَعِ الْجُرْحِ فِي رِجْلِهِ.

كَتَمَ أَنِينَهُ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ الصَّيَّادُ صَوْتَهُ، فَيُسْرِعَ إِلَيْهِ!

بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ … قَدَرَ عَلَى أَنْ يَمْشِيَ بِبُطْءٍ وَتَعَبٍ!

الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ» أَصَابَهُ قَلَقٌ لِغَيْبَةِ «دَحْدَاحٍ».

خَرَجَ لِيَبْحَثَ عَنْهُ … فَلَاقَاهُ، وَهُوَ رَاجِعٌ مِنَ الْوَادِي.

الْجَدُّ أَدْرَكَ مَا أَصَابَ الْحَفِيدَ، فَقَالَ لَهُ، وَهُوَ يَهُزُّ رَأْسَهُ: «هَذِهِ عَاقِبَةُ الْعِصْيَانِ! لَعَلَّكَ لَا تَعْصِينِي بَعْد الْآنَ!»

«دَحْدَاحٌ» مَشَى بِجَانِبِ جَدِّهِ «أَبِي نَبْهَانَ»، وَهُوَ خَزْيَانٌ.

لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْبَيْتِ، قَصَدَ إِلَى عَمَّةِ أَبِيهِ «عِكْرِشَةَ».

«دَحْدَاحٌ» قَصَّ مَا حَدَثَ عَلَيْهَا، وَهُوَ يَبْكِي بَيْنَ يَدَيْهَا.

كَانَ يُعَانِي مِنَ النَّدَمِ، أَشَدَّ مِمَّا يُعَانِي مِنَ الْأَلَمِ!

«عِكْرِشَةُ» عُنِيَتْ بِتَضْمِيدِ جُرْحِهِ، وَجَعَلَتْ تُوَاسِيهِ.

(١٣) غَلْطَةٌ لَا تَعُودُ!

الْأَرَانِبُ أَخَذُوا يَأْتُونَ لِزِيَارَةِ «دَحْدَاحٍ» مِنْ كُلِّ مَكَانٍ.

الْأَرَانِبُ أَسِفُوا لِمَا حَدَثَ لَهُ، وَتَمَنَّوْا أَنْ يَتِمَّ شِفَاؤُهُ.

بَعْدُ أُسْبُوعَيْنِ، خَفَّ الْجُرْحُ الَّذِي فِي رِجْلِ «دَحْدَاحٍ».

لَمْ يَعُدْ يَشْعُرُ بِالْأَوْجَاعِ الَّتِي كَانَ يَشْعُرُ بِهَا، عِنْدَ إِصَابَتِهِ.

بَدَأَ يَخْرُجُ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَيُشَارِكُهُمْ فِي اللَّعِبِ وَالْمِرَاحِ.

لَمْ يَكُنْ يَنْسَى، فِي كُلِّ يَوْمٍ، أَنْ يُنْشِدَ مَعَهُمْ نَشِيدَ الصَّبَاحِ!

كَانَ يَتَذَكَّرُ مَا حَدَثَ لَهُ، لَمَّا خَالَفَ النُّصْحَ وَالْإِرْشَادَ!

جَدُّهُ «أَبُو نَبْهَانَ» لَمْ يُوَبِّخْهُ عَلَى عِصْيَانِهِ لَهُ، وَنِسْيَانِهِ نَصِيحَتَهُ.

كَانَ الَّذِي عَانَاهُ مِنَ الْوَجَعِ، أَصْعَبَ مِنْ كُلِّ لَوْمٍ وَتَوْبِيخٍ.

لَمَّا شُفِيَ «دَحْدَاحٌ» أَقْبَلَ عَلَى جَدِّهِ، يُعَانِقُهُ، وَيُقَبِّلُهُ.

«دَحْدَاحٌ» قَالَ لِجَدِّهِ: «سَامِحْنِي يَا جَدِّي. غَلْطَةٌ لَا تَعُودُ. عَرَفْتُ غُرُورَ نَفْسِي، وَنِلْتُ جَزَاءَ عِصْيَانِي، وَعُقُوبَةَ نِسْيَانِي! تَعَلَّمْتُ أَنِّي مُحْتَاجٌ لِسَمَاعِ إِرْشَادَاتِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ!»

«أَبُو نَبْهَانَ» سَامَحَ حَفِيدَهُ، وَتَمَنَّى لَهُ كُلَّ خَيْرٍ.

«دَحْدَاحٌ» قَابَلَ عَمَّةَ أَبِيهِ «عِكْرِشَةَ»، وَقَالَ لَهَا: «أُعَاهِدُكِ عَلَى أَنْ أَكُونَ، فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَيَّامِ، مُطِيعًا عَلَى الدَّوَامِ.»

الْعَمَّةُ «عِكْرِشَةُ» فَرِحَتْ بِمَا قَالَهُ «دَحْدَاحٌ».

figure
«دَحْداحٌ» يَعْتَذِرُ لِجَدِّهِ «أَبي نَبْهانَ».

(١٤) وَصِيَّةٌ نَافِعَةٌ

«دَحْدَاحٌ» كَبِرَ، وَأَصْبَحَ لَهُ فِي الْبَيْتِ أَوْلَادٌ كِثَارٌ.

كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُمْ، بِاللَّيْلِ، لِيُسَامِرَهُمْ بِالْحِكَايَاتِ.

حَرَصَ عَلَى أَنْ يُحَفِّظَهُمْ نَشِيدَ جَدِّه «أَبِي نَبْهَانَ».

هَذَا النَّشِيدُ وَصِيَّةٌ نَافِعَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ:

كَمْ أَهْلَكَتْ رَصَاصَةُ الصَّيَّادِ
مِنْ أَرْنَبٍ فِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي!
فَابْتَعِدُوا مِنْ شَرِّهِ، وَجَانِبُوا
أَنْ تَهْلِكُوا، يَا أَيُّهَا الْأَرَانِبُ
لَا تَكْسَلُوا عَنْ سَعْيِكُمْ، فِي الْغَابَهْ
فِي هِمَّةٍ، وَخِفَّةٍ وَثَّابَهْ
وَلَازِمُوا جُحُورَكُمْ، عِنْدَ الْخَطَرْ
إِذَا أَتَى الصَّيَّادُ، مِنْ خَلْفِ الشَّجَرْ
فَحَاذِرُوا، وَأَنْتُمُ صِغَارُ
وَجَاهِدُوا، وَأَنْتُمُ كِبَارُ
وَهَذِه نَصِيحَتِي إِلَيْكُمُ
لِتَسْعَدُوا، وَتَغْنَمُوا، وَتَسْلَمُوا
جَزَاءُ مَنْ خَالَفَنِي: النَّدَامَهْ
وَحَظُّ مَنْ طَاوَعَنِي: السَّلَامَهْ!

يُجَابُ مِمَّا فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ عَنِ الْأَسْئِلَةِ الْآتِيَةِ:

(س١) كَيْفَ كَانَ يَعِيشُ الْأَرْنَبُ «أَبُو نَبْهَانَ» مَعَ أُسْرَتِهِ؟ وَمَاذَا كَانَتْ تَصْنَعُ أُسْرَتُهُ مَعَهُ؟
(س٢) مَاذَا حَدَثَ لِـ«دَحْدَاحٍ»، حِينَ كَانَ يَسِيرُ وَنَظَرُهُ إِلَى فَوْقُ؟
(س٣) مَاذَا فَعَلَ «أَبُو نَبْهَانَ» لِمُعَالَجَةِ مُشْكِلَةِ «دَحْدَاحٍ»؟
(س٤) مَاذَا فَعَلَ «دَحْدَاحٌ» بِاللَّوْحِ الَّذِي أَعْطَاهُ لَهُ جَدُّهُ «أَبُو نَبْهَانَ»؟ وَمَا هِيَ الْأَفْكَارُ الْمَكْتُوبَةُ فِيهِ؟
(س٥) مَاذَا فَعَلَتِ الْأَرَانِبُ حِينَ قَرَأَتِ اللَّوْحَ؟ وَمَاذَا قَالُوا حِينَ اسْتَقْبَلَهُمْ جَدُّهُمْ «أَبُو نَبْهَانَ»؟
(س٦) مَا هِيَ الْأَفْكَارُ الَّتِي دَارَتْ فِي رَأْسِ «دَحْدَاحٍ» نَحْوَ الصَّيَّادِينَ؟
(س٧) مَا هُوَ شُعُورُ «دَحْدَاحٍ» نَحْوَ نَصِيحَةِ جَدِّهِ؟
(س٨) بِمَاذَا أَوْصَتِ الْعَمَّةُ «عِكْرِشَةُ» الْأَرَانِبَ الصِّغَارَ؟
(س٩) مَاذَا دَارَ مِنْ حَدِيثٍ بَيْنَ الْعَمَّةِ «عِكْرِشَةَ» وَ«دَحْدَاحٍ»؟
(س١٠) بِمَاذَا يُفَسِّرُ «دَحْدَاحٌ» خَوْفَ الْعَمَّةِ «عِكْرِشَةَ» عَلَيْهِ مِنَ الصَّيَّادِينَ؟
(س١١) مَاذَا حَدَثَ لِـ«دَحْدَاحٍ» حِينَ خَرَجَ إِلَى الْوَادِي؟ وَكَيْفَ كَانَتْ حَالُهُ؟ وَمَاذَا قَالَ؟
(س١٢) مَاذَا قَالَ الْجَدُّ «أَبُو نَبْهَانَ» لِحَفِيدِهِ «دَحْدَاحٍ» حِينَ رَأَى مَا أَصَابَهُ؟ وَمَاذَا فَعَلَتِ الْعَمَّةُ «عِكْرِشَةُ»؟
(س١٣) مَاذَا فَعَلَ «دَحْدَاحٌ» بَعْدَ أَنْ شُفِيَ مِمَّا أَصَابَهُ؟ وَمَا هُوَ عَهْدُهُ مَعَ عَمَّةِ أَبِيهِ «عِكْرِشَةَ»؟
(س١٤) بِمَاذَا كَانَ يُسَامِرُ «دَحْدَاحٌ» أَوْلَادَهُ لَمَّا كَبِرَ؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤