الأسود والأبيض

عندما اجتمع الأصدقاء في المساء كانت حالة «لوزة» قد تحسَّنَت؛ فاستطاعَت أن تُشارك في المناقشة. وقد افتتح «تختخ» الحديث قائلًا: لقد ذهبتُ إلى منزل الشاويش «علي» وعاينتُ الكتابة، ومن نوع الخط وارتفاع الكتابة على الحائط يمكن أن نقول إن كاتبها في حوالي الثالثة عشر أو الرابعة عشر من عمره.

نوسة: هذه معلومات على جانب كبير من الأهمية!

تختخ: هناك معلومات أخرى … لقد قذفني هذا المجهول بطوبة، وحاول إصابتي كما أصاب «لوزة».

محب: وهل رأيته؟

تختخ: لا، برغم أنني التفَتُّ سريعًا إلى الاتجاه الذي أتَت منه الطوبة، ولكنني لم أرَ سوى رجل عجوز وزوجته، وأستبعد أن يكون أحدهما هو الذي قذفني بالطوبة، وبخاصةٍ أنهما كانا في الاتجاه الآخر وعلى بُعد كبير!

محب: وهل وصلتَ إلى استنتاج حول هذه النقطة؟

تختخ: نعم. إن اتجاه الطوبة وارتفاعها يقطعان بأن الذي قذفها يسكن أحد المنازل المجاورة لمنزل الشاويش «علي»!

نوسة: هذا يُضيِّق نطاق البحث!

تختخ: ليس كثيرًا؛ فهذه المنطقة مزدحمة بالمنازل والسكان، وسنحتاج إلى مراقبة دقيقة للمكان فترةً طويلة.

عاطف: إنني مستعد للقيام بهذه المراقبة.

تختخ: ولكن في ذهني خطة أخرى.

التفتَ الأصدقاء إلى «تختخ» الذي صمت قليلًا، ثم عاد يقول: سوف نضع أحدنا كطُعم للعدو المجهول.

لوزة: طُعم؟! لا أفهم ما تقصد؟

تختخ: كما يضع الصياد في سنارته سمكةً صغيرةً كطُعم للسمكة الكبيرة، وكما يضع صياد الأسود خروفًا كطُعم للأسد حتى يقع في المصيدة. سيذهب أحدنا ليقوم بدور الطُّعم حتى يُحاول العدو المجهول أن يقذفه بالطوبة، وتكون بقيَّتنا في المراقبة وتعرف من أين تأتي الطوبة.

عاطف: ومن الذي سيقوم بدور الخروف؟

ابتسم الأصدقاء جميعًا وقالت «لوزة»: إنكَ يا «عاطف» تصلح لهذه المهمة ولا ينقصك سوى فروة.

وارتفع ضحك الأصدقاء لهذه «القفشة»، واحمرَّ وجه «عاطف» وقال: لا بأس أن أكون أنا الضحية إذا كان ذلك سيحل لغز الكتابة والطوبة.

محب: فلْنذهب الآن.

تختخ: إن الساعة أشرفَت على السادسة والنصف، وستكون الشوارع مُزدحمة، وأقترح أن نُؤجِّل العملية كلها حتى الصباح حيث يكون الناس في أعمالهم، وتخلو الشوارع، ونستطيع أن نقوم بالمغامرة!

لوزة: لقد قلتَ لنا يا «تختخ» إن الشاويش «علي» مشغول بحل لغز، ألم تعرف منه أي لغز هذا الذي تحدَّث عنه؟

تختخ: ليس عندي أي فكرة … كل ما سمعتُه منه أنه مشغول بحل لغز هام، وأننا لن نستطيع حلَّه، وسيُثبت هذه المرة أنه أذكى منَّا.

محب: وهل تعتقد أن الكتابة والطوب الذي يُلقى علينا له علاقة باللغز الذي تحدَّث عنه الشاويش؟

تختخ: لا أدري، وإن كنتُ أستبعد وجود صِلة بين اللغز الذي تحدَّث عنه الشاويش وهذه الأعمال الصبيانية.

لوزة: ولماذا لا نبحث عن اللغز الذي تحدَّث عنه الشاويش؟

عاطف: كيف؟ هل نمشي في الشوارع نقول لغز لله يا محسنين؟!

نوسة: يمكننا أن نتصل بالمفتش «سامي» ونعرف منه.

تختخ: إنني أقترح أن نحل اللغز الذي وقعنا فيه أولًا، ثم نُفكِّر في لغز آخر؛ فهناك إنسان مُهمَّته تشويه سمعتنا، أو الوقيعة بيننا وبين الشاويش «علي»، بل إنه يعتدي علينا بالطوب … هذا الإنسان لا بد من العثور عليه أولًا وقبل كل شيء، وبعدها نبحث عن اللغز الذي تحدَّث عنه الشاويش، فدعونا الآن ننصرف إلى لقاء في الساعة العاشرة من صباح غد في هذا المكان.

نوسة: إن الوقت ما زال مبكِّرًا … تعالَوا نذهب إلى الكازينو نتناول بعض الجيلاتي … إن البقاء في البيوت شيء يُضايق في هذا الحر.

وافق الأصدقاء بحماسةٍ على الاقتراح، وسرعان ما ركبوا درَّاجاتهم وانطلقوا في اتجاه شاطئ النيل، وبعد دقائق كانوا يسيرون ببطء على الكورنيش، وقد رقَّ الهواء، وبدأَت الشمس تميل إلى الغروب. وفي طريقهم إلى كازينو «الجود شُط» رأوا ولدًا طويل القامة يرتدي الملابس الرياضية يتمشَّى وقد أمسك بكلبٍ ضخم أبيض اللون … ونظر «تختخ» إلى «زنجر» وحمد الله أن الكلب الأبيض مربوط وإلا دارت معركة رهيبة بين الكلبَين ربما لم يكن «زنجر» هو الطرف الأقوى فيها، ولكنهم ما إن وصلوا إلى حيث كان الولد يسير حتى سمعوا همهمةً من الكلب الأبيض، ولم يتردَّد «زنجر»؛ فقد ردَّ على الهمهمة بمثلها، وكأنما يقول نحن هنا.

وتجاوز الأصدقاء الولد، ومضَوا في طريقهم، ولكن الأمور لم تسِر كما تمنَّى «تختخ»؛ فلم يكد يتجاوز هو و«زنجر» الكلب الأبيض وصاحبَه بأمتارٍ قليلة حتى سمع «تختخ» صاحب الكلب وهو يصيح به: «بوبي» هيا! ونظر «تختخ» خلفه، وشاهد الولد يفك الكلب الأبيض من المقود، ويُطلقه في اتجاه «زنجر» وهو ينظر إلى الأصدقاء باستخفاف، ولم يكن بقية الأصدقاء قد لاحظوا ما حدث، فمضَوا في طريقهم إلى الكازينو، ولكن «تختخ» توقَّف عندما سمع أقدام الكلب الضخم تطرق أرض الشارع متلاحقةً وسريعة، وأدرك أن معركةً غير متكافئة ستنشب فورًا بين الكلبَين، وتمنَّى «تختخ» بينه وبين نفسه أن يهرب «زنجر» بدلًا من أن يقع فريسةً للكلب العملاق، ولكن الذي كان يخشاه وقع وبأسرع ممَّا تصوَّر … فلم يكن «زنجر» الكلب الذي يهرب من معركة مهما كانت نتيجتها … إنه بطل الألغاز والمغامرات الشجاع، وسادس الأصدقاء، وصاحب المواقف الكثيرة التي تميَّزت بالجرأة … وعندما نزل «تختخ» من فوق درَّاجته مناديًا «زنجر»، كان «زنجر» قد توقَّف عن السير واستدار في شجاعة، ووقف في انتظار الهجوم … وكان الولد الرياضي صاحب الكلب يقترب في هدوء وتحدٍّ من «تختخ»، وهو ما زال يُشجِّع كلبه «بوبي» لافتراس «زنجر».

وكشَّر الكلب الأسود الشجاع عن أنيابه المسنونة، ووقف ساكنًا لا يرد على زمجرة «بوبي» بمثلها … وانقضَّ الكلب العملاق على «زنجر» كالصاعقة … وأحسَّ «تختخ» بقلبه يقع بين قدمَيه، ولكن «زنجر» الذكي المُدرَّب لم يقِف في مكانه؛ لقد نام على الأرض سريعًا حتى أصبح الكلب الأبيض فوقه تمامًا، ثم أطلق أنيابه في عضةٍ قويةٍ في بطن الكلب جعلَته يعوي صارخًا من الألم … ثم وقف «زنجر» سريعًا وقفز كالقذيفة على الكلب الأبيض، وسرعان ما اشتبكا في صراعٍ دام.

كان بقية الأصدقاء قد افتقدوا «تختخ»، ولمَّا سمعوا صوت الصراع التفتوا خلفهم، وسرعان ما استداروا وعادوا إلى حيث كان الصراع على أشده بين الكلبَين، وقد تجمَّع المارَّة في شكل حلقة حول الكلبَين وكأنهما في مباراة المصارعة الحرة.

أدرك «تختخ» أنه بالرغم من شجاعة «زنجر» ومهارته فإنه قد لا يستطيع الاستمرار في المعركة طويلًا، ولم يكن في إمكانه أن يتدخَّل، فأسرع إلى الولد الرياضي يطلب منه سحب كلبه، ولكنه لم يستجب للطلب، وترك كلبه ليقضي على الكلب الأسود الذكي.

في تلك اللحظة أقبلَت سيارةٌ مسرعةٌ اضطرَّت المتجمِّعين إلى التفرُّق، واضطرَّت الكلبَين إلى أن يبتعد كلٌّ منهما عن الآخر، فأسرع «تختخ» يحتوي «زنجر» بين ذراعَيه ويبتعد به عن المعركة، وقد دُهش كثيرًا عندما وجد «زنجر» يرفض الانسحاب ويُحاول القفز من بين يدَيه ليستأنف الصراع، وزادَت دهشته عندما وجد الكلب الأبيض العملاق قد وقف يلهث، وقد تقطَّعَت أنفاسه وبدا أنه راضٍ تمامًا عن الابتعاد عن «زنجر» المهتاج، وعبثًا حاول صاحبه أن يُحمِّسه للمعركة من جديد؛ فقد رفض كل نداء لاستئناف النزال.

أحاط الأصدقاء ﺑ «تختخ» و«زنجر» وهم يتساءلون عمَّا حدث! ولم يكد «محب» يسمع القصة حتى تركهم قبل أن يدركوا ما سيفعل، وذهب إلى الولد وقال له في غيظ: إن ما فعلته لا يدل على الشجاعة! … كيف تُطلق مثل هذا الكلب الضخم على هذا الكلب الصغير؟!

ردَّ الولد في تعال: لقد كنتُ أسمع عن كلبكم هذا أخبارًا كثيرة، وأحببتُ أن أرى الحقيقة عندما يدخل في صراعٍ مع «بوبي».

محب: إنكَ تلبس ملابس رياضية، فإذا كنتَ رياضيًّا حقًّا أدركتَ أن هناك شروطًا للمصارعة في كل أنواع الرياضة، فلا بد أن يكون الخصمان من وزنٍ واحد … إن شكلكَ رياضي، ولكنكَ لست رياضيًّا!

صاح الولد: هل تُهينني؟!

محب: إذا كنتَ تعد هذه إهانة … فأنا أُهينك!

الولد: خُذ حذرك … وإلا ضربتكَ وجعلتكَ أضحوكةً للناس!

مدَّ «محب» الشجاع يده إلى كتف الولد وهزَّه هزةً عنيفة، وقال: إنني أتحدَّاك أن تمد يدك … وإلا مسحتُ بكَ أرض الشارع! زمجر الكلب الأبيض عندما رأى ذراع «محب» تمتد إلى صاحبه، وكان «تختخ» قد أدركَ ما يحدث، فأسرع إلى «محب» يجذبه بعيدًا، ثم قال للولد في هدوء: لقد تصرَّفتَ بحماقة … وسأتركك هذه المرة دون عقاب، ولكني أُحذِّرك أن تُكرِّرها … وإلا!

ردَّ الولد في تحد: وإلا ماذا؟!

تختخ: وإلا جعلتُك تندم على تصرُّفاتك السخيفة!

تجمَّع الأصدقاء حول «تختخ» والولد، وقال «عاطف»: إنه وكلبه متشابهان … ضخامة في الحجم وجبن شديد.

الولد: إنكم تتظاهرون بالشجاعة لأنكم مجموعة، لكن لا تظنوا أنني وحدي … إن لي مجموعةً أقوى من مجموعتكم بكثير … ولن تكون هذه نهاية المعركة بيننا وبينكم!

واستدار الولد ومضى بكلبه، واتجه الأصدقاء إلى كازينو «الجود شُط»، ولكن قبل أن يختفي الولد عن أعينهم أشار «تختخ» إلى «عاطف» ليتبعه. وجلس الأصدقاء في الكازينو وأخذوا يربتون على الكلب الأسود الشجاع الذي أخذ يلحس جسده ويدَيه، كأنما يُنظفهما من آثار المعركة.

وفجأةً قال «تختخ»: ألم تُحسُّوا بشيء غير عادي في هذه المسألة؟

ردَّت «نوسة»: إني أُحس أنها مسألة مُدبَّرة، وأن هذا الولد كان يقصد الاشتباك معنا!

تختخ: أكثر من هذا … إن هذا الولد ليس غريبًا عن موضوع الكتابة على منزل الشاويش «علي» … صحيح أنه أطول ممَّا توقَّعت، ولكن لا تنسَوا أن له مجموعةً تعمل معه كما يقول.

لوزة: هل تعني أن هذا الولد ضِمن مجموعةٍ تُحاول الإيقاع بنا؟

تختخ: نعم، وسوف يتَّضح لكم صحة ما أقول عندما يعود «عاطف».

تأخَّر «عاطف» في العودة إلى الأصدقاء، وبدءوا جميعًا يُحسُّون قلقًا عليه. وبعد أن مضى أكثر من ساعةٍ بدون أن يظهر، قرَّر «تختخ» أن يقوموا على الفور للبحث عنه، وقالت «نوسة»: لكن من غير المعقول أن نطوف بالمعادي كلِّها بحثًا عنه. لا بد من خطة محدَّدة!

وركب الأصدقاء درَّاجاتهم، وقال «تختخ»: سنبحث عنه قُرب منزل الشاويش «علي». إنني ما زلت مُصِرًّا على أن الولد صاحبَ الكلب يسكن قريبًا من منزل الشاويش.

لوزة: لعلَّه الولد الذي قذفني بالطوب.

تختخ: لا أستبعد هذا.

وانطلق الأصدقاء مسرعين … كانت الشمس على وشك المغيب في ذلك اليوم الصيفي الحار عندما وصل الأصدقاء قُرب المنزل، فقال «تختخ»: الآن سنُجرِّب خُطَّتنا … سأتقدَّم أنا لفحص الكتابة مرةً أخرى، وستقفون بعيدًا وعيونكم على المنازل المحيطة بمنزل الشاويش، وبخاصةٍ التي تكون على مرمى حجر منه؛ لترَوا من أين تنطلق الطوبة … واختفوا بحيث لا يراكم أحد.

لوزة: ولكن قد تُصيبك الطوبة يا «تختخ»!

تختخ: لا بأس، كل ما أرجوه ألَّا تُصيب رأسي … فإنني في حاجة إليها. وتفرَّق الأصدقاء ومعهم «زنجر»، على حين تقدَّم «تختخ» من جدار منزل الشاويش، وقد أخفى رأسه قدر الإمكان حتى لا يُصاب فيه، ووقف يتأمَّل الجو مرةً أخرى وهو يتوقَّع الطوبة بين لحظةٍ وأخرى … وقد استعدَّ للالتفات السريع.

لم يطُل انتظار «تختخ»؛ فقد انطلقَت الطوبة ولكنها لم تُصِبه … فالتفتَ مُسرعًا وخُيِّل إليه أنه شاهد ولدًا يختفي مسرعًا من إحدى الشرفات، وقد اتَّضح له صحة ما رأى عندما تقدَّم منه الأصدقاء وأشاروا جميعًا إلى الشرفة التي انطلقَت منها الطوبة.

لم يتردَّد «تختخ» لحظةً واحدة، بل أخذ «لوزة» معه وصعد مُسرعًا سلالم المنزل الذي أشار إليه الأصدقاء، وكان مكوَّنًا من طابقَين، وتوقَّف أمام إحدى الشقتَين اللتَين في الدور الثاني وطرق الباب، وبعد لحظات فُتِح الباب وأطل عليه وجه سيدة عجوز، فقال «تختخ»: آسف لإزعاجك، ولكني أبحث عن ولدٍ قذف صديقتي هذه بطوبة منذ ساعات وأصابها في رأسها. ردَّت السيدة: ليس في هذه الشقة أولاد على الإطلاق؛ فإنني أسكن فيها مع زوجي وحدنا … ولعلك تسأل عن «سعد» فهو يسكن في الشقة المقابلة، وهو ولد عفريت يُعاكس كلَّ الناس! شكرها «تختخ» وأسرع إلى الشقة الثانية، ودقَّ الجرس، وسرعان ما برزَت الشغَّالة فقال لها: أُريد أن أُقابل «سعد». صاحت الشغَّالة تنادي: «سعد» … «سعد» … هناك أولاد يُريدون مقابلتك!

وبرز ولد طويل رفيع منكوش الشعر، وما كاد يرى «تختخ» حتى اصفرَّ وجهه وحاول أن يختفي، ولكن «تختخ» لم يتردَّد فمد يده وجذبه إلى الخارج، وكانت الشغَّالة قد انصرفَت، فقال له «تختخ» بصوتٍ يقطر منه الوعيد: أين «عاطف»؟! تلعثم الولد لحظات، ثم قال: لا أعرف ولدًا بهذا الاسم!

تختخ: إنك تكذب، ولكن الكتابة التي كتبتَها على حائط الشاويش، والطوبة التي قذفتَ بها «لوزة»، ومحاولتك إصابتي الآن؛ كل هذا يكفي لإبلاغ الشرطة عنك!

سعد: إنني لم أفعل شيئًا!

تختخ: لا داعي للإنكار، وليس في نيتي أن أُبلغ عنك الشاويش إذا مسحتَ هذه الكتابة وأبلغتَني متى رأيت «عاطف».

سعد: إنني أخشى …

تختخ: لا تخشَ أحدًا، وإذا كنتَ على حقٍّ فيجب أن تقول الحقيقة ولا تُخفيها!

سعد: لقد كان هذا الولد الذي تُسمِّيه «عاطف» يتبع «مدحت»، وقد اكتشف «مدحت» هذه الحقيقة، واستطاع أن يقوده إلى قُرب المنزل الكبير حيث نجتمع وتشاجر معه!

تختخ: ومن هو «مدحت»؟ … وأين هذا المنزل؟

كان «تختخ» قد ترك ذراع «سعد»، فانتهز «سعد» هذه الفرصة، وبحركةٍ سريعةٍ قفز إلى داخل المنزل، ثم أغلق الباب.

وقف «تختخ» لحظات، ثم قال ﻟ «لوزة»: هيا بنا؛ فلم يعُد في استطاعتنا إخراجه من المنزل!

لوزة: وكيف نعثر على «عاطف»؟

تختخ: سنجده قد عاد إلى البيت!

لوزة: كيف؟

تختخ: هيَّا بنا … ستعرفين كل شيء الآن.

عاد «تختخ» و«لوزة» إلى حيث كان يقف «محب» و«نوسة» و«زنجر»، وشرح لهم «تختخ» في كلمات سريعة ما حدث، فركبوا درَّاجاتهم وانطلقوا مُسرعين إلى منزل «عاطف» … الذي ظهر خارجًا من باب المنزل إلى الحديقة، وصاحَت «لوزة» عندما رأَته: «عاطف» … «عاطف»!

أسرع الشقيقان يتعانقان … وتقدَّم بقية الأصدقاء إلى «عاطف» يُسلِّمون عليه، فقال بسخريته المعهودة: إن من يرانا الآن يعتقد أننا لم نلتقِ منذ سنة مثلًا!

نوسة: ماذا حدث يا «عاطف»؟! لماذا تأخَّرت؟

عاطف: بسبب علقة ساخنة.

محب: علقة! ممن؟

عاطف: من صاحب الكلب وعصابته.

تختخ: تقصد «مدحت»؟

عاطف: بالضبط … كيف عرفتَ اسمه؟

تختخ: سأقول لكَ بعد أن تروي لنا ما حدث.

عاطف: تبعتُ الولد من بعيد … ولكن يبدو أنه أذكى ممَّا نتصوَّر؛ فقد أدرك بطريقةٍ ما أنني أتبعه، فقادني إلى منزل ذي حديقة واسعة تُشبه ملعب الكرة، كثيفة الأشجار كأنها غابة أفريقية، ولم أتردَّد فدخلتُ خلفه بعد أن تركتُ درَّاجتي في الخارج، ولم أكَد أدخل حتى وجدتُ نفسي محاطًا بخمسة أولاد خرجوا من بين الأشجار، وقفز بعضهم من فوقها وسألوني: لِمَ دخلت الحديقة؟ … وعندما تردَّدتُ في الإجابة سخر مني «مدحت» وقال: إنكَ مغامر فاشل! ولمَّا وجدتُ عددهم كبيرًا تمالكتُ أعصابي ولم أردَّ عليه … ولكني وجدتُه يتمادى وظنَّ أنني جبان … وسكت «عاطف» قليلًا وأخذ يتحسَّس وجهه ويمد ذراعَيه، ولاحظ الأصدقاء آثار الضرب على وجهه ويدَيه، فقال «محب» مهتاجًا: ثم ماذا؟

قال «عاطف»: ثم زاد «مدحت» من سخريته، وقال إنه يعرفنا جميعًا، ويعرف أننا نُسمِّي أنفسنا المغامرين الخمسة، ويجب أن نُطلق على أنفسنا اسم الجبناء الخمسة!

وتنفَّس «عاطف» نفسًا عميقًا، ثم قال: وعند هذا الحد لم أستطِع منع نفسي، فرفعتُ يدي ولكمتُه لكمةً قوية، أسقطتُه على ركبتَيه، ولم أكَد أفعل هذا حتى انقضَّ عليَّ بقية الأولاد ودارت معركة …

وابتسم «عاطف» في هذه اللحظة، ثم قال: لقد بذلتُ ما بوسعي طبعًا، ولكنهم كانوا كثيرين، وبعضهم قوي جدًّا، وهكذا ضربوني علقةً ساخنة، وقد استطعتُ طبعًا أن أُصيب بعضهم، ثم رأيت أن لا فائدة من الاستمرار في المعركة، فلجأتُ إلى ساقيَّ وأسرعتُ إلى درَّاجتي، وكانت ثيابي ممزَّقة، فرأيت أن أعود إلى المنزل لأُغيِّر ثيابي أولًا … وقد استسلمتُ إلى دش بارد وراحة طويلة قبل أن أستطيع الخروج.

كان «عاطف» كعادته يبتسم وهو يروي القصة، وكأنها وقعَت لشخصٍ آخر … على حين كان «محب» يغلي وهو يستمع، وما كاد «عاطف» ينتهي من كلامه حتى وقف «محب» صائحًا: هيَّا بنا … يجب ألَّا ننتظر لحظةً واحدةً ونذهب لضرب هؤلاء الأولاد وننتقم ﻟ «عاطف»! …

مدَّ «تختخ» يده وأجلس «محب» مكانه، ثم قال: ما زلتُ أُريد الاستماع إلى بقية القصة فهي لم تنتهِ بعد.

عاطف: فعلًا … ولكنني أخشى إن رويتُ الباقي أن ينفجر «محب» غضبًا!

تختخ: سنتمالك جميعًا أعصابنا حتى نجد الأسلوب الملائم للرد على هؤلاء الأولاد.

عاطف: إنهم يتحدَّوننا … وقد عرفتُ منهم أنهم كوَّنوا عصابةً باسم «الفهود السبعة» … وأنهم يُريدون القضاء على المغامرين الخمسة تمامًا، وهم يرتدون أقنعةً تُشبه وجه الفهد في أثناء مغامراتهم.

صمت «عاطف» … وصمت الجميع؛ فقد كانت هذه أول مرة يتلقَّون مثل هذا التحدي من أي مخلوق … وأدركوا أن الفهود السبعة حاولوا أولًا الإيقاع بينهم وبين الشاويش «علي» … ثم حاولوا إصابتهم بضرب الطوب … ثم ضرب «عاطف» علقةً ساخنة كإنذارٍ لهم بعد أن حاولوا ضرب «زنجر» بواسطة «بوبي».

قال «محب»: ماذا نفعل؟ هل نخاف؟! إننا يجب أن نقبل التحدي، وسوف يعرفون أن لا أحد يستطيع القضاء على المغامرين الخمسة مُطلقًا!

ظلَّ «تختخ» صامتًا ينظر إلى «محب»، ثم قالت «لوزة»: وهل يحلُّون الألغاز مثلما نفعل؟!

ردَّ «عاطف»: لقد فهمتُ من كلامهم أنهم منهمكون فعلًا في حلِّ لغز هام، وأنهم سوف يُحقِّقون انتصارًا ضخمًا!

انتبه «تختخ» عند سماع هذا الكلام، وقال: سنُحاول أولًا أن نجمع أكبر قدرٍ من المعلومات عن هؤلاء الأولاد، وسنعرف من «عاطف» المكان الذي يجتمعون فيه، ثم نراقبهم.

«محب» مهتاجًا: إنني غير موافق على هذا الكلام! … لن نُضيِّع وقتًا في البحث والتحري؛ فهؤلاء الأولاد يتحدَّوننا ويجب أن نقبل التحدي ونسحقهم!

تختخ: يجب أن تسمع كلامي!

محب: لن أسمع كلام أحد … سوف أتصرَّف وحدي!

وبدا واضحًا أن انشقاقًا سيقع بين المغامرين الخمسة لأول مرة منذ عملوا معًا، فقالت «نوسة»: أرجو أن نُحافظ على أعصابنا، وأن نتخذ أُسلوبًا مُناسبًا للرد على هؤلاء الأولاد!

ولكن «محب» لم ينتظر، لقد أسرع يقفز إلى درَّاجته، وانطلق وهو يقول: إنني بصراحةٍ لا أستطيع تضييع الوقت في الكلام، وعُدُّوني منفصلًا عن المغامرين الخمسة إذا لم تتخذوا قرارًا سريعًا لتأديب هؤلاء الأولاد!

أسرعَت «نوسة» خلف شقيقها «محب» وهي تُناديه، ثم استقلَّت درَّاجتها ومضَت خلفه، وبقي «تختخ» و«عاطف»، و«لوزة» تُجفِّف دموعها وهي ترى هذا الانشقاق بين صفوف المغامرين الخمسة لأول مرة … هؤلاء الأصدقاء الذين حلُّوا عشرات الألغاز معًا … وأحبَّ بعضهم بعضًا كل الحب … واجتازوا المخاطر والأهوال وهم مجموعة لا تنفصل.

بعد لحظات قال «تختخ»: سوف نجد وسيلةً للرَّد على الفهود السبعة … وسأذهب الآن إلى المنزل فعندنا ضيوف، وسوف يكون موعدنا غدًا صباحًا هنا … وعليكَ يا «عاطف» الاتصال ﺑ «محب» وإقناعه بالعودة.

خرج «تختخ» وخلفه «زنجر» فاستقلَّ درَّاجته. كانت رأسه ميدانًا لعشرات الأفكار والخواطر … هل هذه هي نهاية المغامرين الخمسة؟! هل هو على حق أو «محب»؟! هل يذهبون لمعركة مع هؤلاء الأولاد بدون أن يضعوا تقديرًا للموقف؟!

كان «زنجر» … يمشي خلف صاحبه، وقد نكس رأسه. لقد أحسَّ أن الأمور ليسَت على ما يرام … وأن شيئًا سخيفًا يحدث بين الأصدقاء. وبدا أنه تذكَّر المعركة التي خاضها منذ ساعات … وأخذ يسأل: هل انتهَت المغامرة دون أن يلتقي بالكلب الأبيض مرةً أخرى؟ … ووصل الكلب وصاحبه إلى المنزل دون أن يصل أحدهما إلى إجابةٍ عن أسئلته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤