الوطن

وجانبٍ من الثرى يُدعَى الوطنْ
مِلْءُ العيونِ والقلوب والفِطنْ
مُزَيَّنٌ للآدميِّ العاقلِ
وكلِّ سهْليٍّ١ وكل عاقلِ٢
والأسدِ الخادرِ في البوادي
والنَّملِ فيما اتخذتْ من وادِ
ونَزْعةُ الناس إلى أوطانها
كنَزْعةِ الإبْل إلى أعطانِها
يُحبُّه الأقوام منذ كانا
ولا يُساوون به مكانا
إذا أتاهم أَيْسَرُ النِّداءِ
مِنه جَرَوْا لغاية الفداءِ
أو ذُكِر الحنينُ والحِفاظُ
لم تجرِ إلا باسمه الألفاظُ
كم من دماءٍ سِلنَ حولَ حوضِهِ
ومن عُروضٍ زُلنَ دون عِرضهِ
وفي سبيله قضى رجالُ
من أن يُلاقَوْا تستحي الآجالُ
وباسمه كم تاجَرَ الفُسَّاق
وانقادتِ الناس لهم فساقوا

•••

وتَكرُمُ الدارُ على الحرِّ الأَبي
كرامةَ الأمِّ عليه والأبِ
وليس من عِرضٍ ولا حريمِ
تحميه فوق الوطن الكريمِ
الجسمُ من تُربته ومائهِ
والرُّوحُ رَوْحٌ هبَّ من سمائهِ
وكلُّ ما حولك من هِباتِهِ
وما وَلدْت فهو من نباتِهِ
أمانة الأوَّلِ عند الآخر
خِزانةُ الآثار والمفاخر
وحوضُ ما جفَّ من الشبابِ
وقَصَفَ الدهرُ من الأحباب
ورَسْمُ ما بان من الليالي
وأثرُ الأيام في الخيالِ
ومُخِلقُ الشبابِ والمشيبِ
ومُلبسُ البالي على القشيبِ
وفي ثراه البلقَعِ اليَبابِ
ما شِئتَ من أهلٍ ومن أحبابِ
وَفَى له من ليس بالوفيِّ
وهشَّ من لم يكُ بالْحَفِيِّ

•••

والمُلْكُ كالناسِ له أوطانُ
يَنظِمُها للأمم السلطانُ
يَدينُ جنسٌ سائرَ الأجناسِ
ويَدَّعي ناسٌ وَلاءَ ناسِ
يأتمرُ الضعيفُ بالقويِّ
ويأمُرُ الراشدُ في الغَوِيِّ
في دُولةٍ ممدودةِ الطِّرافِ
مشدودةِ البُهرةِ٣ بالأطرافِ
بلَّغها العنفُ ذُرا الإقبالِ
كالريح تَبني الماء كالجبالِ
هبَّتْ ضُحًى عليه فاشمخرَّا
وركدت عشيَّةً فخرَّا
روما التي راع اتِّساقُ مُلْكها
وَهَتْ يواقيت القرى مِن سلْكِها
أمست هوتْ عن عرشها المُعظَّمِ
وأصبح التاجُ كأن لم يُنظَمِ
لم تَتَّقِ اللهَ ولا الأيامَا
في أُممٍ سَبَتهمو أيامَى
بنو الزمان، فوقهم بنُوها
تكبُّرًا وسُنَّة سَنُّوها
وما لهم من وطنٍ سواها
على تداني الدار أو نواها
كثيرُ أوطانٍ بلا التئامِ
وأُمَمٌ شتَّى بلا وِئامِ
وجَمْرةٌ في كَبِد المنقادِ
ولاعجٌ من كامن الأحقادِ
وكلُّ فأس وقعتْ في الدار
تنزل بالأُسِّ والجدار
فحكَمَ الله على الرومانِ
وأدركتْهمْ سُنَّةُ الزمانِ
لِترثَ الأيامَ شُبَّانُ الأممْ
والإرْثُ للشباب حق من أمَمْ
وأنجزَ الله النبيَّ وعدهْ
وساد قومُه الزمانَ بعده
فورثوا قيصرَ في المشارقِ
وأخذوا الغرب بسيف طارقِ
وأمَّنوا الأمصار فاتحينا
وعَدَلوا في العالَمينَ حينا
واتخذوا كُلَّ القرى أوطانا
وحاسنوا الأهلين والقُطَّانا
فحيث حَلَّ العربيُّ حيَّا
من الملا قبيلةً وحيَّا
وشاطر الأرضَ على التساوي
محاسنَ الأقوام والمَساوي
حتى انقضى سلطانُهم وزالا
وفضلُهم باقٍ ولن يزَالا
تغيَّرت كدأْبها البلادُ
وانتقل الزِّمامُ والمقادُ
ودينُهم بين الشعوب دينُهمْ
يُعييِ على الأيام مَن يَدينهمْ
وذلك اللسانُ باقٍ لم يَزَلْ
يمضي عليه مَن جلا ومَن نَزَلْ
لم يبقَ منهمو سوى الأصواتِ
وعجَبٌ تكلُّمُ الأمواتِ
١  ساكن السهل.
٢  ساكن الجبل كالوعل.
٣  الوسط.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤