الرسالة الحادية عشرة

من العلوم الناموسية والشرعية في ماهية السحر والعزائم والعين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ

اعلم أيها الأخ، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أنَّا قد ذكرنا في خمسين رسالة تقدَّمت لنا قبل هذه الرسالة فنونَ العلم وغرائب الحكمة، ورتَّبناها وجمعنا فيها علومًا كثيرة وأغراضًا جمة وحِكَمًا بليغة، ورتَّبناها بحسب ما تقتضيها درجات المتعلمين ومراتب الطالبين المستفيدين، فكما لا ينبغي أن نبذل العلم لمن ليس هو من أهله ولا يعرف فضله، فهكذا لا يجوز ولا يحلُّ أن نمنع منه مَنْ هو مسترشد وطالب له، ولا نبخل به على مستحق.

فينبغي لمن حَصَلَت له هذه الرسائل من إخواننا الكرام أن يدفع منها إلى كل مَنْ يستحق ما يقرب من فهمه وما يعلم أنه يصلح له أو يليق بمرتبته أولًا فأولًا، على الترتيب الذي رتَّبناه في رسالة الفهرست.

فكلما ارتقت نفسه في العلم إلى درجةٍ درجة، وانتهت إلى مرتبةٍ مرتبة في المعرفة، رُقِّيَ إلى ما بعدها ودُفع إلى ما يتلوها إلى أن تبلغ نفسه إلى حدِّ كمالها.

وقد جعلنا الرسائل كلها على أربعة أقسام: القسم الأول رياضية يبتدئ يها، والقسم الثاني جسمانية طبيعية يتلو بها، والقسم الثالث نفسانية عقلية من بعدها، والقسم الرابع ناموسية إلهية هي آخرها.

وهذه الرسالة هي آخر الرسائل من القسم الرابع، وهي الحادية والخمسون، نريد أن نذكر فيها ماهية السحر وكيفية عمل الطلسمات، وأنها كأحد العلوم والمعارف المتعارَفة وكبعض الحكم المستعمَلة، ونستشهد عليها بما سمعناه من العلماء وعرفناه من كتب القدماء الذين كانوا فيما مضى قبلنا.

واعلم أيها الأخ، أيَّدك الله، أننا رأينا اليوم أكثر الناس المتغافلين إذا سمعوا بذكر السحر يستحيل واحد منهم أن يصدِّق به، ويتكافرون بمن يجعله من جملة العلوم التي يجب أن يُنظر فيها أو يُتأدب بمعرفتها، وهؤلاء هم المتعالمون والأحداث من حكماء دهرنا المتخلِّفين والمدَّعين بأنهم من خواصِّ الناس المتميزين؛ وذلك لأنهم لما رأوا بعض المتعاملين بهذا العلم والخائضين في طلبه من غير معرفة له إما أبله قليل العقل أو امرأة رعناء أو عجوزًا خرفة بلهاء، فرفعوا أنفسهم عن مشاركة مَنْ هذه حاله إذا سمعوا بذكر السحر والطلسمات أنفةً منهم؛ لئلَّا يُنسبوا إلى الجهل وإلى التصديق بالكذب والخرافات، إذ كان أولئك السخفاء الطالبين لهذا العلم يطلبونه لأغراض لهم سخيفة دنيئة من غير معرفة توجب الطِّلْبة ولا ما المقصود منه والغرض، ولم يعلموا أن هذا هو جزء من الحكمة، بل هو جزء وآخر علوم الحكمة؛ لأنه يُحتاج قبله إلى تعلُّم علوم تقدمه؛ فمنها علم النجوم الذي هو معرفة ثلاثة أشياء وهي: الكواكب والأفلاك والبروج.

فالبروج اثنا عشر برجًا، والأفلاك تسعة، والكواكب المعروفة ألف وتسعة وعشرون كوكبًا، فمنها سبعة سيارة، وقد ذكرناها في الرسالة الثالثة من القسم الأول من كتابنا هذا، وهو كالمدخل على علوم النجوم وجميع ما يُحتاج إلى تقديمه من ذلك.

فأما سوى البروج والكواكب والأفلاك فمنها العقدتان اللتان تسمى إحداهما الرأس والآخر الذَّنَب؛ فالرأس يدلُّ على السعود والذَّنَب يدل على النحوس، وليسا هما كوكبين ولا جسمين ظاهرين، ولكنهما أمران خفيَّان، فخفاء ذاتيهما وظهور أفعالهما يدل على أن في العالم نفوسًا خفيَّة عن الحس، أفعالها ظاهرة وذاتها خفيَّة، يسمون الروحانيين الذين ذكرناهم في الرسالة التي هي قبل هذه الرسالة، وهم أجناس الملائكة وقبائل الجن وأحزاب الشياطين، ويعرف ذلك أصحاب العلوم والسحر والطلسمات، فاقرأ تلك الرسالة التي لنا قبل هذه الرسالة؛ لتعرف هذا المعنى على التمام والكمال منها إذا قرأتها، ويتحقق لك أيها الأخ ما هو موجود في العالم من أفعال الروحانيين كما ذكرناه ورتَّبناه وشرحناه فيها، فأما معرفة أفعال النجوم وتأثيراتها فيما تحت فلك القمر من بعد المعرفة بدلالاتها فهي من الحكمة الروحانية والتأييد الإلهي والعناية الربانية، وأجلُّ العلماء المشهورين بهذا العلم هو بطليموس صاحب المجسطي وغيره من الكتب التي له في هذا العلم وغيره من العلماء.

واعلم يا أخي أن الكواكب ملائكة الله وملوك سمواته، خَلَقَهم لعمارة عالمه وتدبير خلائقه وسياسة بريَّته، وهم خلفاء الله في أرضه، يسوسون عباده ويحفظون شرائع أنبيائه بإنفاذ أحكامه على عباده لصلاحهم وحفظ نظامهم على أحسن الحالات.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله، أنه لا يكاد يعرف كيفيات تأثيرات هذه الكواكب وأفعالها في جميع ما في هذا العالم من الأجسام والأرواح والنفوس إلا الراسخون في العلم البالغون في المعارف، والناظرون في العلوم الإلهية المؤيَّدون بتأييد الله وإلهامه لهم.

واعلم يا أخي أن أول قوة تسري من النفس الكلية نحو العالم ففي الأشخاص الفاضلة النيِّرة التي هي الكواكب الثابتة، ثم من بعدها في الكواكب السيَّارة، ثم من بعدها فيما دونها من الأركان الأربعة في الأشخاص الكائنة منها من المعادن والنبات والحيوان.

واعلم يا أخي أن مثال سريان قوى النفس الكلية في الأجسام الكلية الجزئية جميعًا كمثال سريان نور الشمس والكواكب في الهواء ومطارح شعاعاتها نحو مركز الأرض.

واعلم أنه إذا اتفق في وقت من الزمان أن تكون الكواكب السيَّارة في أوجاتها وإشراقها، ويكون بعضها من بعض على النسبة الأفضل التي تسمى النسبة الموسيقية، سَرَتْ عندها تلك القوى من النفس الكلية، ووصلت بتوصُّل تلك الكواكب إلى هذا العالم، فجرى أمر الكائنات على أعدل مزاج وأطبع طبائع وأجود نظام.

وتسمى تلك الأحوال سعادة، وإن اتفق أن يكون الحال على ضد ما ذكرت كان الأمر بالضد، ولا يكون ذلك بالقصد الأول ولكن بأسباب عارضة، كما بيَّنَّاها في رسالة الآراء والمذاهب في باب علل الشرور وأسبابها، فتعرَّفها يا أخي من هناك.

واعلم أيها الأخ، أنه ليس في معرفة الكائنات قبل كونها صلاحٌ لكل أحد من الناس؛ لأن ذلك منغِّص للعيش، وإنما يراد هذا العلم ليُترقَّى فيه إلى ما هو أشرف منه، ويُعرف الشر الذي فيه بمعرفة الأسباب والعلل، فتتنبَّه النفس من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، وتنبعث من موت الخطيئة، وتنفتح لها عين البصيرة، وتعرف حقائق الموجودات وتتحقَّق أمر المعاد، فتزهد في الدنيا وتهون عليها مصائبها، ولا تحزن ولا تجزع إذا علمت موجبات أحكام النجوم والفلك، كما ذُكر عن رسول الله أنه قال: «مَنْ زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات.» وتصديق ذلك قول الله تعالى: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ.

واعلم أيها الأخ، أن هذه العلوم تنقسم على خمسة أقسام: أحدها علم الكيمياء الذي ينفي الفقر ويكشف الضر، والثاني علم أحكام النجوم الذي يُدرَك به ما كان ويكون، والثالث علم السحر والطلسمات التي تلحق الرعية بالملوك والملوك بالملائكة، والرابع علم الطب الذي يحفظ صحة الأجسام ويشفي نوازل الأسقام، والخامس علم التجريد تعرف النفس به ذاتها وتشرف بعد تجرُّدها على مستقرها، وقد تكلَّمنا في رسالة لنا في النجوم بما هو كالمقدمة وما يحتاج إليه في معرفته قبل هذه الرسالة، وقد كان علم السحر والطلسمات تابعًا لعلوم أحكام النجوم وتاليًا له ومتعلقًا به وعليه، والمنافع به كثيرة مشهورة، فقد سُمِع بخبر الطلسمات وكثرتها؛ فمنها خبر الذي كان الرأس ونقلها الزيتون والطلسم الذي للتمساح، وطلسم البَق وطلسم الحيات وطلسم العقارب وطلسم الزنابير، وغيرهما مما يسمع بالأخبار عنه دائمًا من قوم، ولا يجوز عليهم التواطؤ في أوقات مختلفة وعلى وجوه متفرقة.

ومع هذا فلا بد مما يورد على هؤلاء المنكرين لهذا العلم والمكذِّبين لمن يدَّعي صحته من الشهادات بعض ما ذكر المتقدِّمون في كتبهم وسطروه من أخبارهم.

ويحكي من ذلك ما كان واضح الشهرة لا يخفى موضعه على طالبيه، ولا يكذب قائله حتى لا يجد السفهاء إلى تكذبينا سبيلًا.

فنقول: إن أفلاطون الفيلسوف قد ذكر في المقالة الثانية من كتاب السياسة على علوٍّ في قدره أنه قال: إن جرجيس الذي في أهل مدينة أوروبا كان رجلًا يرعى الغنم، وكان أجيرًا لمتسلِّط كان في ذلك الوقت على مدينة أوروبا، وجاءت في ذلك الزمان أمطار وكان معها زلازل، فانشقَّ موضع من الأرض وصارت فيه خسفة في الموضع الذي كان فيه ذلك الرجل الذي يرعى الغنم فيه.

فلما رأى الرجل تلك الخسفة عجب منها ونزل إليها، فرأى هناك أشياءً عجيبة، وكان مع سائر ما هناك فرس معمول من النحاس في يده كوًى مشقوقة، فاطَّلع في جوف الفرس من تلك الكوى فإذا في جوف الفرس إنسان ميت، مقداره فيما يراه منه أكثر من مقدار إنسان، ولم يكن عليه شيء أصلًا سوى خاتم ذهب كان في يده، فأخذ ذلك الخاتم وخرج من الخسفة.

واتفق أن الرعاة اجتمعوا على ما جَرَتْ عادتهم من الاجتماع شهرًا فشهرًا؛ ليُنهوا إلى الملك أمر أغنامه، وحضر معهم الراعي وهو لابس لذلك الخاتم، فبينا هو جالس مع سائر الرعاة إذ عرض له أن ضرب بيده إلى خاتمه فأداره في أصبعه، حتى صار فصُّه إلى داخل مما يلي راحته، فلما فعل ذلك خفِيَ عن الجلوس الذين كانوا معه حتى لم يتبينوا أنه جالس ولم يبصروه، وجعلوا يتكلَّمون في أمره مما يدل على أنه قد انصرف عنهم.

وكان هو يتعجَّب من ذلك الكلام، ثم إنه ضرب بيده إلى خاتمه فأدار فصَّه إلى خارج، فلما أداره صار القوم يرونه.

فلما فهم ذلك ضرب خاتمه ليرى هل فيه هذه القوة فوجده يعرض منه ذلك الأمر بعينه؛ أنه متى أدار فصه إلى داخل استتر واحتجب عن البصر، ومتى أداره إلى خارج ظهر وأبصره الناس.

فعند ذلك لما اختبر بهذا من أمره في خاتمه تلطَّف واحتال أن يصير في عدد الرسل إلى الملك، فلما وصل إليه قتله وصار معه الآن.

تأمَّل هل ترى أن أفلاطون الفيلسوف — مع فضله وعقله — كتب هذه الآية في كتاب من كتبه وهو الذي صنَّفه في السياسة، وهو مع هذا يجوز أن يعتقد ويظن أنه يرى أن هذا الطلسم على الخاتم الذي تقدَّم ذكره قد عمل للحكمة التي بعدها غاية، حتى صار في قوة الفعل إلى الحدِّ الذي ظهر منه في العمل الذي يعمل به، وإنما السبب الذي يدعو هؤلاء الأحداث إلى التكذيب والإنكار لمثل هذا هو ما فيهم من الكسل وقلة الرغبة في التعلُّم، والأنفة وقلة الحياء، يحمل هؤلاء على ما يفعلونه من الجحود لهذه العلوم وتكذيب مَنْ قال بصحتها؛ لأنهم يجدون هذا أسهل عليهم وأخف مؤنة.

وإياك، أيها الأخ، أن تسلك سبيلهم وتحتذي مثالهم أو تشاركهم أو تتشبَّه بهم، بل يكون الطلب أبدًا فكرك وإصابة الحق غرضك، وفي اقتناء الحكمة ودركها شهوتك؛ لتسعد بذلك وتفوز مع السعداء والشهداء.

ثم قد حكى ابن معشر جعفر بن محمد المنجِّم قال في كتاب مذاكرته لشادب بن بحر: حدَّثني محمد بن موسى أنس الخوارزمي. قال: حدَّثني يحجب بن منصور المنجِّم، قال: وصلت أنا وجماعة من المنجِّمين إلى المأمون وعنده جماعة، وإنسان قد تنبَّى ونحن لا نعلمه، وقد دعا بالقضاة ولم يحضروا بعدُ، فقال لي ولمن حضر من المنجِّمين: اذهبوا فخذوا طالعًا لدعوى إنسان بشيء يدَّعيه، وعن قوى ما يدل عليه الفلك من صدقه وكذبه، ولم يُعْلمنا المأمون أنه متنبِّئ، فجئنا إلى بعض الصحون فأحكمنا الطالع وصوَّرناه؛ فوقعت الشمس والقمر في دقيقة واحدة في الطالع، والطالع الجَدْي، والمشتري في السنبلة ينظر إليه، فقال كل مَنْ حضره غيري: ما يدَّعيه صحيح.

فقلت أنا: هو في صحة، وله حجة زهرية عطاردية، وتصحيح الذي يطلبه لا يصحُّ ولا يتمُّ له ولا ينتظم.

فقال: من أين؟ قلت: لأن صحة الدعاوى من المشتري أو تثليث الشمس أو من تسديدها إذا كانت الشمس غير منحوسة، وهذا الحال هبوط المشتري والمشتري ينظر إليه نظر موافقة إلا أنه كاره لهذا البرج والبرج كاره له، ولا يتمُّ التصحيح والتصديق، والذي قالوا من حجة زهرية عطاردية ضرب من المخرفة والتزويق والخداع.

فتعجَّب من ذلك فقال: أنت لله درُّك!

ثم قال: أتدرون مَن الرجل؟ قلت: لا. قال: هذا الرجل يزعم أنه نبي!

فقلت: يا أمير المؤمنين، فمعه شيء يحتج به؟ فسأله فقال: معي خاتم ذو فصَّين، ألبسه فلا يتغيَّر مني شيء، ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك نفسه من الضحك حتى ينزعه، ومعي قلم شاني آخذه فأكتب به ويأخذه غيري فلا ينطلق إصبعه.

فقلت: يا سيدي، هذه الزُّهَرة وعطارد قد عمِلا عملهما. فأمره المأمون أن يفعل ما قال ففعله، فعلمنا أنه من علاج الطلسمات.

فما زال به المأمون أيامًا كثيرة حتى تبرَّأ من دعوى النبوة ووصف الحيل التي احتالها وعمل بها في الخاتم والقلم، ثم وهبه المأمون ألف دينار.

ثم لقيناه بعد ذلك فإذا هو من أعلم الناس بعلم النجوم.

فأما ما قد ذُكر في القرآن في مواضع كثيرة من ذكر السحر وتكرير ذكره فمن ذلك ما قيل في سورة البقرة قال: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ.

فإذا كان قد بلغ من قوة السحر وعلمه أن يفرِّق بين المرء وزوجه فأي شيء بقي بعد هذا؟ أو هل في ذلك الخبر شك بعد ما نطق به القرآن وعرفنا منه صحته؟ وقد قال عز وجل في سورة المائدة: وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وقال عز من قائل في سورة الأنعام: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وقال، عز وجل، في سورة الأعراف: قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ.

ألا ترى أن القرآن يستعظم سحرهم! وقال تعالى في هذه السورة: وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ وفيها أيضًا: وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ وفي سورة يونس: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ، وقال تعالى في تلك السورة: فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ، وقال تعالى في سورة بني إسرائيل: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا. وفيها: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا، وقال تعالى في سورة طه: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى، وفيها: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا، وفيها: فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، وفيها: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

وهذا أيضًا أيها الأخ، أيَّدك الله، كما تسمع وترى ما ذَكَرَ القرآن من تكرير ذكر السحر في هذه المواضيع أتراه باطلًا لا أصل له؟ أعوذ بالله أن نسحر أحدًا من الخلق وأن نقول هذا، الآن نرجع أيضًا إلى ما عليه أصحاب الشرائع الأُخَر وما في كتبهم التي يتديَّنون بها ويشهدون بصحتها، فمنها ما في التوراة مكتوبة ما يعتبره ويقر بصحته أمَّتان من الأمم وهم اليهود والنصارى جميعًا، والتوراة موجودة بأيدي اليهود والنصارى باللغة العبرانية وباللغة السريانية وباللغة العربية لا خلاف بينهم فيها، بل هم متفقون على صحتها وحقيقة ما فيها، وفيها مكتوبة في قصة عيصو قال: «كان عيصو بن إسحاق صاحب صيد، وكان كلما خرج إلى الصيد خرج إليه ابن النمرود بن كنعان فيقول: صارِعْني على أنِّي إنْ غلبتك أخذت صيدك، وكان على ابن النمرود قميص آدم خرج معه من الجنة، وكان فيه صور لكل شيء خلقه الله من الوحش والطير ودواب البحر، وكان آدم إذا أراد صيدًا من شيء من الوحش أو غيرها وضع يده على صورته في القميص فيبقي ذلك الشيء حائرًا واقفًا أعمى حتى يجيء فيأخذه، فكان كلما صارعه أخذ ابن النمرود عيصو ابن إسحاق فضرب به الأرض وأخذ صيده.

فلما طال ذلك على عيصو شكا إلى أبيه إسحاق ما يَلْقى من ابن النمرود، فقال له إسحاق: صف لي القميص. فوصف عيصو فقال له إسحاق: هذا قميص آدم، ولن تغلبه ما دام عليه، فإذا جاءك يطلب المصارعة فقل له: حتى تنزع القميص. فصارِعْه إذا فعل ذلك فإنك تغلبه، فإذا غلبته فخُذ القميص وعُدْ.

فخرج عيصو يريد الصيد، فجاءه ابن النمرود كعادته وطلب المصارعة، فقال له عيصو: تنزع ثيابك ثم نتصارع، فنزع ابن النمرود القميص، ونزع عيصو ثيابه، ثم اصطرعا، فضرب عيصو به الأرض وجلس على صدره، ثم وثب عيصو وأخذ القميص والصيد ومضى في الهرب يعدو، وأعجز ابن النمرود المشي في البرية، فقال: يا بني، ما دام القميص عليك فلن يغلبك، فإذا مضيت إلى الصيد فأردت أن تصيد شيئًا فضع يدك على صورته في القميص فيقف لك حتى تأخذه.

وكان عيصو إذا أراد صيدًا من الوحش وضع يده على صورته في القميص فيقف أعمى لا يبصر حتى يجيء عيصو ويأخذه.

فمن ها هنا كان يُدْخِل يده ويصيد بالقميص، وهذا، أيها الأخ، خبر مشهور يعرفه جميع مَنْ يقرُّ بصحة التوراة من اليهود والنصارى ولا يجحدونه البتة، وأيضًا في التوراة في السِّفْر الثاني منها في قصة يعقوب مع لابان خاله قال: فلما ولدت راحيل يوسف قال يعقوب للابان: وجِّهني وسِرْ حتى أنطلق وأذهب إلى بلدي ومكاني وأرضي مع أولادي، وأُعْطي نسائي الذين وعلت معهم لك، فقال لابان: أخبرني كم أجرك أعطيك؟ فقال يعقوب: أربع، وأرعى غنمك وأحفظها بالليل والنهار وأسعى في جميع غنمك، وأعزل كل أحمر سمين، وكل أبقع وكل حمل ملمع ببياض في سواد، وكل أملح بياض من الغنم، وكل أصلح أبيض من المعز، فليكن ذلك أجري، وأشهد على هذا الطعن اليوم لكن بعد هذا اليوم على أغبر وأملح بياض وأحمر من المعز أو ملمع بسواد وبياض من الضأن فهو أجري، فقال: لا بأس، نعم. ليكن كما ذكرت. وعزل في ذلك اليوم التيوس الملح ببياض، وكل شيء في غنمه أصلح أو أبقع أو أحمر وكل ما كان فيها بيضاء، وكل ملمع بسواد وبياض فجعلها على أيدي ولده. وفرق يعقوب بين مرعى غنمه ومرعى غنم لابان، وجعل بينهما مقدار مسيرة ثلاثة أيام، وغنم كل واحد منهما على حدة في موضع. وكان يعقوب يرعى سائر غنم لابان التي بقيت، وأخذ يعقوب قضبًا رطبًا من لوز وداب، وقشر منها قشورًا وجعل من البياض في القشور، وركز القضبان التي قشرها في مجرى الماء من المستقى في موضع ترد منه الغنم للشرب فيستقبل الغنم فتفرح وتتحرَّك أولادها في بطنها إذا رأت القضبان تنتج الغنم جلحًا وملحًا؛ ففي كل سنة أول ما يحمل الغنم متقدمة جعل يعقوب يركز تلك القضبان في المأمن المستقى ولا يركِّزها في مؤخر الغنم، فاستغنى الرجل وكثرت ماشيته.»

فهذا أيضًا في التوراة ما لا يرفعه أحد، فاعرفه أيها الأخ، ثم أيضًا في كتب أخبار ملوك بني إسرائيل التي تجري عند اليهود مجرى التوراة يُذْكَر أنه كان فيهم نبي يقال له شمويل، وهذا مشهور في الأنبياء عليهم السلام وله كتاب، والنصارى واليهود معترفون مصدِّقون بنبوته وجلالة قدره، وكتابه معهم، ويذكر في الكتاب أنه نصب لليهود ملكًا يقال له طالوت، وأمره الله تعالى بقتل العماليق ففعل، إلا أنه خالف من قبل مواشيهم، وسقط عن مرتبة الملك، ومسح له داود سيرًا، ومات شمويل وأقبل طالوت على قتل السحرة والعرافين، فقُتِلَ مَنْ قُتِلَ وهرب مَنْ هرب، وأقبل أهل فلسطين لمحاربته فجمع العرَّافين لهم ودخل الرعب من كثرة الجيوش المنصبَّة عليه، ولم يجد مَنْ يسكن إلى قوله كعادته من نبي ولا ساحر ولا عرَّاف ولا حاكم، فقلق لذلك وقال لخاصته: اطلبوا لي ساحرًا أسأله عن عاقبة أمري؟ فدُلَّ على ساحرة فسكن إليها وسألها أن تحيي له نبيًّا يسأله، فسألته: أي الأنبياء يختار أن تحييه؟ فاختار شمويل فأحيتْه، وفزعت عند رؤيته فصرخت، فقال لها طالوت: لا تفزعي، ماذا رأيت؟ فقالت: رجلًا شيخًا بهيًّا مثل ملائكة الرب مشتملًا ببُرنس قد صعد من الأرض، فعلم طالوت أنه شمويل أرسله الله فدخل إليه وسجد بين يديه، فقال شمويل: يا طالوت لمَ أرجعتني وأحييتني؟ قال: لما ضاقت بي الأرض من أهل فلسطين ومحاربتهم إياي وزوال عناية الله عني ومنعه الأحلام مني، فدعوتك لأشاورك في أمري. فقال شمويل: إن الله تعالى قد نقل الملك إلى صاحبك داود وغضب عليك وعلى بني إسرائيل بما فعلتموه في مواشي العماليق، وهو ناصر فلسطين عليكم ومُدِيلهم منكم فتصير معي غدًا في الأموات. فخرَّ مغشيًّا عليه، وعرفته الساحرة فأقبلت إليه ومَنْ كان معه، ولم يزالوا به حتى أفاق وأضافهم ليلتهم وانصرفوا مُصبِحين، فالتحمت الحرب فوقعت الهزيمة على العبرانيين، فأكثر القتل فيهم، وقتل طالوت ثلاث بنين، واتكأ هو على حَرْبته فأخرجها من ظهره، فاجتمع بنو إسرائيل على تمليك داود فدافع بهم مَنْ ناوأوهم.

فهذا كله أيضًا، أيها الأخ، قد وردت به الأخبار فمنها ما هو من جهة الفلاسفة، ومنها ما هو من جهة الأنبياء وكتب الشرائع، ومنها ما هو مذكور في القرآن من ذكر السحرة بما قد حكيناه فيما تقدم.

أفَترى هذا كله كذب لا أصل له، وسُخْف وحماقة ممن يذكره عند هؤلاء المتعجبين المنكرين بأنفسهم المكذبين بما يسمونه — بجهلهم — تكبرًا منهم وتيهًا وصلفًا؛ لقلة عقولهم وقصر علومهم وقصورهم عن نيل العلوم الحقيقية، فيجدون الإنكار والتكذيب أخفَّ عليهم؟! والله المستعان، ونسأله حسن التوفيق والاختيار، ونقول: إن آخر ما سمعنا عمن ادعى علوم الطلسمات وأفعالها ممن نُقِلَت إلينا أخبارهم وبلغنا آثارهم اليونانيون، وهؤلاء لهم عند الناس أسماء مختلفة؛ فمنها الصابئون والحراسون والحتوفون، وقد كانوا إذا أخذوا أصول علومهم عن السريانيين وعن المصريين على حسب تنقُّل الصنائع والعلوم في البلدان بما يحدث لها من السياسات والأديان، وقد كان من رؤساء أوائلهم أربعة: أولهم أعادمايون وهرمس ولومهرس وأراطس، ثم تفرَّقت جيوشهم إلى الفوثاغرية والأرسطانونية ومن الأفلاطونية والأقعوروسية.

وهم يزعمون أن العالم متناهٍ في مساحة إلا أنه كُرِيُّ الشكل، ويزعمون أن ليس لوجوده مبدأ ثانٍ، وإنما هو متعلق بالباري سبحانه وتعالى تعلُّق المعلول بعلَّته.

وهم يزعمون أن العالم الأرضي أيضًا تتمُّ أموره بأشياء: أحدها المادة القابلة للمزاج والتأليف وهي العناصر الأربعة، والثاني النفوس المحركة والساكنة في أشخاصه، والثالث تحريك العالم السماوي للعناصر الأربعة والمتولدات منها حتى تتهيَّأ لقبول تأثيرات الأنفس من التحريك والتسكين والجمع والتفريق والحر والبرد والرطوبة واليبس التي تمكِّن الصانع من تأثيرات الصنعة في المادة لكل مصنوع.

والرابع: حفظ الإله الأعظم سبحانه وتعالى لقوى جميع الموجودات عليها وإمداده بالمعونة لها وتتميمه لأغراضها ومقاصدها وقسمة الأمور الموجودة على الكواكب السبعة.

وزعموا أن الكواكب الثابتة مقسومة على الكواكب السيَّارة ممتزجة من قواها ومعينة لها على أفعالها.

وزعموا أن الفلك التاسع المماس لفلك الكواكب الثابتة وهو المنتهى لفلك البروج مصوَّر بصور تخصه.

وإن كل درجة من درجاته تنقسم قسمين: أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب، فيها صور قد وفت عليها المراعات لتأثيراتها العارضة عليها على طول الزمان على ما يذكره أصحاب الطلسمات.

ولما قسموا الأمور الأرضية على الكواكب السبعة ورتَّبوها تحت تدبيرها والتأثير فيهاجروا أيضًا على ذلك السبيل في أمر الجهات والأقاليم والنواحي والمدن والرساتيق.

وأما النفوس فعندهم أن منها ما لا يتعلق بالأجسام ولا يسكن الجنة بوجه من الوجوه؛ لعلوِّها عليها وارتفاعها عن أوساخها وأقذارها.

ويسمون هذه النفوس الإلهية، وهي عندهم تنقسم قسمين: أحدهما خيِّر بالذات ويسمونهم الملائكة، ويتقربون إليها اجتلابًا لخيرها.

والقسم الثاني: شرير بالذات ويسمون أشخاصه الشياطين، ويتقربون إليها استكفاءً لشرِّها، وجعلوا لكل واحد منهم دعاءً مقررًا وبخورًا معلومًا وسياقة عمل يتوصلون به إلى ما يرومونه منهم.

ونفوس أخرى متعلقة بجثة الكواكب لا تفارقها، وهي مع ذلك تتعلق وتنصرف في العالم الأرضي صنفين من التصرف: أحدهما بطبائع أجسادها كما ذُكر في كتب أحكام النجوم.

والثاني بنفوسها ونفوس أخرى متعلقة بالأجساد لا تفارقها ولا تصبر عنها إلا بمقدار ما تفارق الجثة لفسادها.

ومن هذه الطبقة من النفوس نوع يسكن الجثة الإنسانية ويتصرف بها وفيها ولا يفارقها إلا مفارقة النفس سائر أشخاص الحيوانات والنباتات ومُضِيها إلى بحر طوس؛ يعني كرة الأثير؛ لتعذب هناك إلى أن تطلب الانقلاب منه والهبوط إلى مادة تصلح لسكانها أو تتمكن من إدراك نجاتها.

ويزعمون أنهم يقدرون على معرفة مَنْ هذه سبيله؛ وذلك بأن يشاهدوا أخلاقه وعاداته، فإذا وجدوه شبيهًا بالبهيمة في تصرُّفه مع الطبيعة من غير فكر ولا رويَّة ولا قبول علم ولا فكرة ولا نصرة دين أو تصفُّح لمذهب حكموا عليه بأن نفسه نفس بهيمة لا تصلح إلا لعمارة الدار وإقامة نوع الإنسانية فقط.

والنوع الآخر: نفوس يمكن فيها أن ترتقي إلى الأفلاك وتسكن بها وتلتذَّ بها، وفيها عند صحتها ويمكن أن تهبط عنها وتسكن الجثة وتتعلَّق بها عند مرضها وتلتذَّ وتُعذَّب بها وفيها.

وهذه النفوس الإنسانية البشرية، وهم يزعمون أيضًا أنهم يمكنهم أن يعلموا إلى ماذا تئول إليه عاقبة الإنسان بعد وفاته إذا فارق الدنيا وهو على ما يشاء قدير من حاله.

وذلك أن لكل واحد من الآراء والديانات تصنيع بالمعتقد له إلى صنف ما من صنوف الأخلاق وتحرُّك إلى فنٍّ من الفنون في الأعمال، كالمذهب الذي يشتدُّ توحُّش أهله وتقشُّفهم، والمذهب الذي يكثر الجدل فيه والمنافرة، والمذهب الذي يكثر فيه قتل النفوس وأخذ الأموال، والمذهب الذي يفرط فيه ذبح الحيوانات وأكل اللحوم إلى غير ذلك من المذاهب الآخذة من الانهماك في شيء من الأعمال؛ فإن هذه الأعمال إذا كثرت من الإنسان ألبسته من الأخلاق بما توجبه عادته التي قد دام عليها وعُرِفَ بها.

وزعموا أيضًا أن كل صنف من أصناف الأخلاق وإن كان موجودًا في الناس فإنه في نوع ما من أنواع الحيوانات أقوى وأظهر؛ وذلك أن الشجاعة في الأسد، والختل في الذئب، والروغان للثعلب، والحرص للخنزير، والسلامة للحمار، والذلة للبعير، والسهو للوزغة، واللجاجة للذبابة، والخنا للدب، والولع للقرد، والظلم للحية، والسرقة للعقعق، والاختطاف للبازي، والفزع للأرنب، والاحتضار للظبي، والغلمة للتيس، والزهو للطاووس، والغدر للغراب، والنسيان للفأرة، والاحتكار للنملة، والممارسة للكلب، والمواثبة للديك.

وأشباه ذلك من لوازم الأخلاق لأصناف الحيوانات، وكلُّ خُلق من هذه الأخلاق مشترك فيه عدة من أنواع الحيوانات، ويختلف فيه بالقلة والكثرة فيكون كل مقدار من هذه مقصورًا على نوع من الأنواع.

فإذا كان الإنسان — وهو على حدٍّ ما من تلك الحدود — انتقل إلى ذلك النوع الذي حظه من ذلك الخلق المقدار الذي عليه قد مات، ويشبه أن يكون هذا الملك عكس مسلك صاحب الفراسة؛ لأن هذا المسلك يتطرَّق فيه من الخلق إلى استخراج الأخلاق وفي كل جثة تحلُّها وطينة تخصها، يخلط لها النعيم بالعذاب والألم باللذة؛ ليكون ذلك خدعة لها ورباطًا بطول مدة تعلُّقها بها حصلت فيه من محبسها إلى أن يستوفي منها ما حصل عليها وتفي ما لها، وما الله بظلَّامٍ للعبيد.

فهذا الذي قد ذكرته كله وحكيتُهُ عنه من أصولهم ومقدمات علومهم في تصحيح مذهبهم في السحر والطلسمات.

وإن كنت تركت أكثر مما ذكرت وأسقطت أكثر مما حكيت؛ تجنبًا للإكثار وطلبًا للاختصار، فإني تركت ذكر ما عندهم في ذلك مما يجري مجرى ما قد ذُكر في كتاب الخواص كفعل المغناطيس وغيره من الخواص، فإني تركته لظهوره، غير أني أذكر جملة أخرى لتقف منها أيها الأخ، أيَّدك الله، على جميع أغراضهم وتصور أحوالهم في مطلوبهم، وأنهم أيضًا زعموا أنهم لمَّا استقرت عندهم هذه المقدمات وأنِسوا بها وطال خوضهم فيها فرَّعوها وبنوا عليها، وقالوا: فإذا كان هذا الذي تقدَّم ذكره مستقرًّا مستمرًّا، وكانت الكواكب والنفوس المستعلية على الأجسام بهذه الحال من العلم والقدرة، وكانت هذه هي المواتية لنا والمستعلية علينا، فإن الحاجة تضطرنا إلى التقرُّب إليها والتضرع لها في إصلاح ما فسد فينا، وتسهيل ما عسر علينا، وتسديد ما عدل عن الصواب من أفكارنا وآرائنا؛ ليحصل لنا بذلك أمران: أحدهما طيب العيش في الدنيا، والثاني التمكُّن من الإخلاص إلى الآخرة.

وكانوا إذا أرادوا التقرُّب إلى كوكب أو إلى نفس منها عملوا الأعمال التي قد وقع لهم أنها موافِقة لطبيعته، وسألوا عند ذلك حاجتهم التي هي داخلة تحت قدرته ويقولون: إنهم إذا عملوا صنفًا من أصناف الأعمال الطبيعية وتقرَّبوا بها إلى الكواكب المراعي لها من غير تعرُّض لشيء مما يتعلَّق على أحكام النجوم؛ فإنه يكون التأثير عنه في قضاء الحاجة ضعيفًا لانفراد ذلك الكوكب منها بالإرادة فقط.

وهكذا إذا عملوا وسلكوا مسلك الاختيارات النجومية في التماس الحاجة من غير مراعاة الأعمال الطبيعية كان التأثير في قضائها ضعيفًا أيضًا، بل لا يكاد يتمُّ في أكثر الأمر لانفراد الكوكب فيها بالطبيعة فقط كما تسمع وترى كثيرًا ممن يتعاطى ذلك ويطلبه بحمله من غير وجهه، ويرومه من غير جهته، من البُلْه والعوام القليلي المعرفة بهذا الأمر، الجُهَّال بأصول هذه الصناعة؛ أعني صناعة الطلسمات والسحر، ويزعمون أنهم إذا جمعوا بين الأمرين وسلكوا في طلب حوائجهم السبيلين اجتمعت لهم فيها طبيعة الكوكب وإرادته وكان ذلك أوكد السبب وأحمد في الطلب وبلوغ الغرض.

ويزعمون أن ذلك العمل إن صدر عن سريرة مدخولة ونية مضعوفة جرى مجرى العبث والولع وسقط الانتفاع به، وربما كان داعيًا إلى العكس له والمضرَّة فيه وبه، وكانوا ينظرون إلى المدن التي في قسمة كوكب ما من الكواكب على ما أدَّتهم التجربة إليه كما هو موجود مذكور في كتب أحكام النجوم فيميزونها وينظرون أيتها في ولايته إذا كانت في شرفه، وأيتها في ولايته إذا كانت في بيته، وأيتها في ولايته إذا كانت في جده، وأيتها في ولايته إذا كانت في وجهه، فإذا تميَّز لهم الاستقرار لأحوالها والتصفُّح لحوادثها انتظروا حصول ذلك الكوكب في بعض تلك الحظوظ؛ فابتدءوا ببناء هيكل لذلك الكوكب لتلك المدينة التي ذلك الحظ مقصور عليها، وصوَّروا معه مراعيه من الكواكب والصور التي تكون في درجته، ووضعوها في ذلك الهيكل وسنُّوا له سنة أعمال، وثبَّتوها في دستور يتركونه عند سَدَنته ويضيفون إليها ذكر الأمور التي تصلح أن يسألها إذا كان في ذلك الحظ من حظوظه مما هو داخل تحت قسمته، وجعلوا ذلك اليوم من كل سنة عيدًا لذلك الكوكب في ذلك الهيكل، فكان الإنسان من عامَّتهم إذا عَرَضَت له حاجةٌ ما استغنى فيها فسأل عنها في حيز؛ أي الهيكل، فإذا عرفوه نذر لذلك الهيكل نذرًا يليق به، وخرج به إليه في يوم عيده وفعل الأفعال المسطورة له وسأله حاجته.

والمثال في ذلك تمييز الحوائج أن الشمس مثلًا إذا كانت في الحمل — هو شرفها — جعلت في درجة الطالع، وكانت الحوائج التي يمكن أن يسحر بها إنما هي ما كانت من الأمور في قسمة البرج الخامس من الولد، واللذة والفرح بسبب برج الأسد الذي هو الخامس من طالعها، فإذا كانت في الأسد فجُعلت في درجة الطالع كانت الحوائج التي تمكن أن يسحر لها، إنما هي ما كانت من الأمور متعلقة نفسها بالديانات والربانيين والقضاة ونحوها من الأسفار بسبب برج الحمل الذي هو شرفها، وهو التاسع من الطالع، والقمر إذا كان في الثور الذي هو شرفه وجعل في الطالع فإنما يتمُّ من الحوائج ما كانت في القسمة الثالثة من الإخوة والأخوات والقرابات والأسفار القريبة؛ بسبب السرطان الذي هو الثالث من الطالع، وإذا كان في السرطان وجُعل في الطالع، فإنما يتمُّ به الأمور وتُقْضَى به الحوائج ما كانت في قسمة الحادية عشرة من الرجاء والسعادة على ذلك سائر حظوظ الكواكب، وجعلوا الكواكب السيَّارة من الهياكل بحسب ما أوجبه عدة حظوظها، وكانت للشمس منها عدة أشرافها.

قالوا: وللقمر عدة أشرافها أنبياء النواميس والسنن، وكذلك لبقية الكواكب السيَّارة، وزعموا أن التجربة أدَّتهم إلى ذلك وإلى معرفة قوى تأثيراتها؛ فمنها «كلب الجبار» وهو الشعرى العبور، ومنها «الأورون» وهو الجَدْي، ومنها «هروس» وهو الرامي، ومنها «السهى» وهو الكوكب الصغير الذي في بنات الشِّعرى الكبرى، وعملوا أيضًا هياكل أخرى كأنها النفوس المجردة وأجروها مجرى الكواكب والحوائج: منها «الفلوطي» وهو الملك الموكل بالجحيم والهاوية، ومنها «لفوسدور» وهو الملك الموكل بالبحر، ومنها «للموجاس» وهو الملك الموكل بالرياح، ومنها «لميس» وهو الموكل بالروائع العارضة من الجن، ومنها «الفرطوس» وهو الملك الموكَّل بالأمواج إلى غير ذلك مما تخيَّلوه، فتمَّت لهم بذلك سبعة وثمانون هيكلًا، ثم عملوا على هذا الوجه من العمل هيكلًا في وقت كانت الكواكب السيَّارة كلها في خطوطها، وقسموها قسمين: فجعلوا أحدهما للرجال والآخر للنساء، وفي كل واحد من قسميه بيت عظيم ليس في حيطانه نقب ولا في بابه شق، حتى إذا أطبق بابه لم يبقَ منه شيء من الضوء البتة، وجعلوا بابه مما يلي الجنوب وصدره مما يلي الشمال، وصوَّروا بأسمائها البروج الاثني عشر، وعملوا صور الكواكب السيَّارة كل واحد منها معمول من المادة الموافِقة كالشمس من الذهب، والقمر من الفضة، وزُحل من الحديد، والمشتري من الزئبق، والمريخ من النحاس، والزُّهَرة من القلعي، وعطارد من الأسراب.

وجعلوا كل واحد على صورته التي يكون عليها في برج شرفه مما هو مبيَّن في كتب أحكام النجوم، وبين يديها مطرح لطيف عليه سبعة أقراص جواري، قد وُضِعَت على مثال المرامي ووجهها إلى التماثيل، وعلى كل واحد منها مجهود حربة معمولة من طين أحمر، كل واحد منها على اسم كوكب من الكواكب السبعة والقريبة من الأصنام للقمر، ولها دور واحد: البعيد منها لزحل، ولها سبعة أدوار، وكل واحد منهنَّ، فأدوارها على مرتبة كونها، وفي كل واحدة منهنَّ مجمرة ولها بخور مفرد؛ فالتي للشمس العود، والتي للقمر الكلية، والتي لزحل الميعة، والتي للمشتري العنبر، والتي للمريخ السندروس، والتي للزُّهَرَة الزعفران، والتي لعطارد المصطكي، وعن شمال الكواكب إبريق شراب وثلاثة قضبان طوال من خشب الطرفا، قد قُطعت من شجرتها قبل صياح الديك، وسكِّين حديد نصابها منه، وخاتم حديد فصُّه منه، لطيف في قدر الظفر منقوش عليه صورة جرجاس رئيس الأبالسة، فإذا حضر عند ذلك، وهو هيكل جرجاس، وفيه يُدْخلون أحداثهم وجواريهم إلى دينهم، وفيه تُذْبَح الديكة، وفيه تلاوة السِّرَّيْن اللذين سنذكر حالَيهما فيما بعدُ، فيأتي رئيس الكهنة، فيدخل إلى بيت من الرجال، ويقعد على ذلك المطرح يحاذي المادة قبل غيبوبة الشمس، ويطبق الباب، والسُّرُج تشتعل والدجى تفتر، وهو جاثٍ قد افترش رِجْله اليسرى ونصب اليمنى، ووضع إبهامه وسبَّابته ووسطاه من يده اليسرى بالأرض، ورفع مثلهنَّ من يده اليمنى، وأقبل يقول في ذلك الوقت قبل صياح الديك قولًا هذا معناه: يا جرجاس الجراجسة، وإبليس الأبالسة، وكبير الشياطين، وعظيم الجن أجمعين، أسألك وأتضرَّع إليك، وأطرح نفسي بين يديك، عالمة أنه لا يخلِّصني إلا رضاك، ولا ينجيني إلا مداراتك إذ كنت مني جاريًا مجرى الحس، وساكنًا مسكن النفس، ومتصرفًا فيما تحت شعاع الشمس.

أخلاطنا بك مثورة، وأعضاؤنا مختلفة، وخِلْقَتنا مشوَّهة، وأفكارنا مبلبلة، وأقدامنا مزلزلة.

وقد عزمنا في صباح ليلتنا هذه على إدخال بعض أحداثنا في دعوتنا وإسماعه سر ملائكتنا، فاحضر معنا واشهد لنا وعلينا، واصرف شرك وبليَّتك غدًا، واطرد ذوي المكر والخداع من أصحابك عن موقفنا.

وأنا أقرِّب إليك وأذبح بين يديك عدوًّا من أعدائك أزرق مربيقًا أفلق، قد طال ما عاداك بطبعه، وكان ذلك بحمده وتسنَّم إلى بِنَا الحرار، وتسلَّق إلى غصون الأشجار، وصوَّح في وجوه الأشجار، وصفَّق بصفيق السماوية والإنذار، فارتاع له جنابك، وتلجلج من خوفه لسانك، ودبَرت بإقباله هاربًا عنه، ونفرت بنفوره مذعورًا منه، وأجعل لك ذلك رسمًا مرسومًا وقانونًا معلومًا في كل حدث أسمعه سِرِّي وأحركه لك في شيء تُصلح به أمري. حتى إذا صاحت الديكة أمسك عن كلامه وأقبل على ما ينتفع به من نوم أو غيره، فإذا أسفر الصبح أقبل، وقد اجتمع مَنْ حضر من رجال أهل دعوته وحدهم، وجيء بالأحداث الذين يريدون إدخالهم الدعوة وإسماعهم السر فوقفوا على باب بيت السر، ويُعرَّى أحدهم ويقبض على عضده كاهنان، فيُدخلانه وهو مشدود بعصابة وهو يمشي القهقرى، حتى يصل إلى ذلك البيت إلى رئيس الكهنة، ومعه رجل يكفله، ويطبق الباب، والسرج تتَّقِد، والمجامر تدخر، فيقول له رئيس الكهنة: أتحب أن تدخل في ديننا فتسمع ملائكتنا؟ فيقول: نعم. فيقول له: على أنك إن خرجت عن ديني أو أظهرت أحدًا على سري أذلَّ الله رأسك هذا الذي تحت قبضتي بين أصحابي، وأسقط إكليلك من ورائك! فيقول: نعم.

فيقول: لكن إن أقمتَ على ديني وحفظتَ سرِّي فإن رأسك يكون بين أصحابك عاليًا وإكليلك ثابتًا.

ثم يقول لكفيله: أتكفل أنت على إقامته على ديني وحفظ سري؟ فيقول: نعم. فيُضجعه الكاهن على ذلك البساط قدَّام المائدة على جانبه الأيسر، ويتلو على رأسه أسماء الملائكة المذكورة والمرتبة، وهي سبعة وثمانون اسمًا وجرجاس رئيس الأبالسة.

ثم بعد ذلك يقول: طوباك إذ صرت من أهل الاستماع لهذه الأسرار، وإن لم تكن لله طاهرًا فإن الله يطهِّرك.

ثم يتناول تلك السكِّين التي وصفتها ليذبحه بها، فيتقدَّم كفيله فيقول له: فادفع إليَّ خاتمك رهنًا عنه أنه يحفظ المناسك ويقيم على الدعوة ويكتم السر، فيدفع إليه خاتمه والديك.

فيقول الكاهن: فأنا إذن أقبل نفسًا بدل نفس، وندبًا بين يدي الشمس المحيية للنفوس وجرجاس رئيس الأبالسة.

ثم يترك الديك على عنق الغلام ويذبحه وهو يقول: يا جرجاس ملك الأبالسة اقبل هذه الذبيحة، واترك هذا الغلام لأبويه وللملائكة.

ثم يُحمي ذلك الخاتم الحديد بالسراج ويكويه على ظهر إبهام يده اليمنى، وقد أمسك بها تسعة وتسعين، ويكويه ببعض تلك العيدان من الطرفا إلى صدره وجبهته كيًّا خفيًّا لئلَّا يظهر.

ثم يُلبسه ثيابًا جددًا بيضًا وخفًّا من جلود ذبائح الملائكة، ويشد وسطه بعمامة، ويعطيه فطور ملح يرسمه رسمًا مثلثًا، وكذلك يفعل بسائر أصحابه.

وأما جمهور الناس فإنهم يكونون خارج بيت السر في الهيكل وما يليه، يقضون تَفَثَهم ويوفون نذورهم ويذبحون قرابينهم من أصناف الحيوانات ومن الديَكة لجرجاس رئيس الأبالسة، كما ذكر أفلاطون في كتابه المسمى «قاذون» من أن سقراط الحكيم معلمه أوصى عند موته فقال: اذبحوا عني ديكًا في الهيكل فإنه نذرٌ عليَّ، فكانت هذه وصيته آخر عهده من دار الدنيا، ويأكلون لحوم سائر ذبائحهم لئن شاءوا كيف شاءوا إلا لحوم ديوك نذر السر؛ فإنها لا تأكلها إلا بروح الكهنة في بيت السر، حتى إذا فرغ رئيس الكهنة من الأخذ على الأحداث شرع في إسماعهم السر؛ وذلك أن لهم صنفين من الكلام كل واحد أطول من سور القرآن الطوال: أحدهما يسمونه سر الرجال والآخر يسمونه سر النساء، فسرُّ الرجال لا يسمعه إلا الرجال، وسر النساء لا يسمعه إلا النساء، والسرَّان جميعًا متساويان في عدد الألفاظ والحروف.

وإن ألفاظهم جميعًا إذا نُثِرَت ثم نُظِمَت نظامًا تكون فيه كل كلمة أحدهما بين لفظتين من الآخر حدث منهما تأليفات كثيرة، وإنه يكون في جملة تلك التأليفات أربعة تأليفات كل واحد منها يتضمَّن قوانين وبراهين علم من العلوم الأربعة، التي أحدها الطب الذي تصحُّ به الأجسام وتُنْفَى به الأسقام والآلام ويتمكَّن من الانتفاع بسكني الدار.
  • والثاني: علم الكيمياء الذي به يُدْفَع الفقر ويُكْشَف الضُّرُّ.
  • والثالث: علم النجوم وأحكامها الذي به يُطَّلع على ما يكون قبل أن يكون.
  • والرابع: علم الطلسمات الذي به يلحق الرعية بطبيعة الملوك، والملوك بطبيعة الملائكة، والذي يمنع من كشف هذه العلوم وبذلها للجمهور من العامة ما يتخوَّف به على الخاصة؛ إذ كانت العامة بما هي عليه من الضعف في الهمة وقلة العلم وقوة الشر بسوء الأخلاق وقبح العادات ينهمكون في الشهوات كيف كانت ويتناولونها من أين وُجِدَت، ولا يراعون في ذلك رجوعًا إلى دين ومروءة ومعرفة بالواجبات والمحظورات، فيفسد بذلك الترتيب المحمود ويخرج عن الحدِّ المعروف إذا دخل العامي إلى معرفة علم الكيمياء مثلًا إذا أنفق ما ينفقه فيما لا يحصل إلا فيما أباحته له الشريعة.

وهكذا إذا علم ما لا يجوز أن يعلم من علم الطب من الشمومات والخواص التي هي قوى الأدوية من المعادن وغيرها.

فينبغي أن يصان أيضًا هذا العلم عمن لا يستحقه ويُمْنَع عمن ليس هو أهلًا لاستعماله.

فإنه إذا علم العامي — الذي تقدَّم ذكره ووصفه من علم الطلسمات — ما لا يجوز لمثله أن يعلمه ولا يستعمله كانت الحال فيه كالحال التي حكاها أفلاطون الفيلسوف في كتابه في السياسات.

وقد تقدَّمت حكايتنا لذلك في صدْر رسالتنا هذه من حال الراعي الذي قَتَل الملك وجلس في الملك مكانه من غير أن يكون له أهلًا ولا مستحقًّا لذلك.

وقد كان من المعظَّمين عندهم: قولوس، وأسروا الروم ورثة السر «قلبه بوار»، وهي التي حرَّمت منع المعزى، وجعلتهنَّ للقربان فقط خالصة وأن لا يقربهنَّ حامل ولا يأكل لحومهنَّ.

ويعظمون آروس، وصب الماء الذي سقط من الآلهة في أيام أسطرونيقوس، وخرج قاصدًا إلى بلد الهند فخرجوا في طلبه فلحقوه وسألوه أن يرجع إليهم فقال لهم: إني لا أدخل بعد هذا بلد حران، ولكن أجيء إلى كاذي — ومعنى كاذي ها هنا هو مكان في شرق حران — وأتفقَّد مدينتكم.

وهم إلى اليوم يخرجون في يوم عشرين من نيسان من كل سنة لتوقُّع ورود ذلك الصنم، يسمون ذلك العيد عيد «كاذي»، فانتظارهم لورود هذا الصنم مثل انتظار اليهودي للمسيح. وهم يحفظون الجناح الأيسر من الديك الذي يُذْبَح في بيت سر الرجال ويعلقونه على الحوامل وأعناق الصبيان على سبيل الحرز.

ومن رسومهم العامية أيضًا استكثارهم من الأكل والشرب، وتوسُّعهم في النفقة في أول يوم من نيسان، وهو رأس السنة عندهم. فهذا ما عرفناه وسمعناه من الأخبار والدلائل على تصحيح الرأي في علوم النجوم، وما يتبع ذلك من علوم السحر وعلوم الطلسمات.

وأما الاحتجاج على كل حال فصلًا فصلًا، ومعنًى معنًى، وإقامة البرهان على دون ذلك ونصرته، فكتب القدماء والفلاسفة مملوءة به، وهو أكثر من أن نحصيه في كتاب واحد وفي رسالة واحدة.

فأما قوة الرقى والعزائم والوهم والزجر وما أشبه ذلك وتأثيراتها، فإن مَنْ شاهد الأفعال التي تورثها الأدوية والعقاقير في الأجساد وفي الأنفس المقارنة للأجساد من أصناف التأثيرات، وما قد تشاهده أيضًا وتسمع به من تأثيرات بعض الأدوية والعقاقير والأحجار في بعض؛ كحجر المغناطيس في الحديد وجذبه، وجذب السقمونيا في الصفراء، وجذب الحجر الأرمني في السوداء، وحجر الشب ومنفعته لوجع المعدة إذا حُمِلَ عليها من خارج، ومنفعة ذيل الذئب للقولنج، ومنفعة الخيوط المخنَّق بها الأفعى إذا أُلْقِيت على خارج مَنْ به ذبحة، ومنفعة عود الصليب من الداء الذي يُسمَّى أم الصبيان، ومضرة الأرنب البحري في الرئة لأنه يُقرِّحها، والزرانيخ تُقرِّح المثانة، والمُرْدَاسَنْج إذا أُلْقِيَ في الخل بدَّل حموضته بالحلاوة، وإذا أُلْقِي في النَّوْرَة سوَّد البدن، وحجر المغناطيس الذي يجذب الحديد إذا هو دُلكَ بالثوم بطل الفعل عنه، فإذا غُسِلَ بالخل عادت تلك القوة إليه ورجع إلى فعله. ومثل هذا كثير جدًّا يطول شرحه وتعديده، وقد ذُكر منه كثير في كتب الخواص وجرَّبه كلَّه أو أكثره مَنْ ينشط من النار بتجربته، فقد شاهد هذه الأمور خاصة من الجمادات وكيف تؤثِّر التأثيرات الظاهرة بعضها في بعض، فقد رأينا تأثيرات النفس الناطقة في النفس الحيوانية من أصناف التأثيرات في قمعها لها وكسرها لقوتها، وما هو مذكور مسطور في الكتب المصنَّفة في إصلاح الأخلاق للفلاسفة وفي كتب الدين، وفيما ذُكر من الوعد والوعيد، ومما تُكسر به الأخلاق الرديئة والأفعال القبيحة من المقاومة لها بأضدادها من الأفعال الجميلة؛ كمن يقهر الحدَّة التي هي من قوى النفس الغضبية التي تُسمَّى النفس الحيوانية بالحلم الذي هو من قوى النفس الناطقة، ويقهر العجلة بالأناة والشهوة بالعفة، وسائر الأخلاق الرديئة بالأفعال الجميلة المحمودة، ورأينا ما تؤثِّر أيضًا النفس الناطقة في النفس الشهوانية، ولا سيما إذا استعانت الناطقة على الشهوانية بالنفس الحيوانية التي تسمى الغضبية بقهرها لها بها، وبقمعها حتى تنقاد لها وتذللها وتقيمها على الاعتدال في سائر أحوالها حتى لا تخرج عن العدل وعما توجبه السياسة الفلسفية والأوامر والنواهي الشرعية والسنن الدينية، حتى لا تدعها تخرج عن ذلك ولا تجاوزه إلى ما لا يحلُّ في الشريعة ولا إلى ما لا يجوز في العدل عند الفلاسفة.

ثم قد رأينا أيضًا ما تؤثِّر النفس الناطقة في النفسين البهيميتين؛ أعني الغضبية والشهوانية، اللتين في الحيوان بما قد استخرجته من الأسباب المؤثرة فيها كالزجر، وما تفعله من الزجر في نادي الحيوانات، كما يفعل الرائض بالخيل وتذليله لها للركوب، وغير ذلك، كما يفعله الفيَّال بالفيل من رياضته وتذليله، وغير ذلك مما يجذب به النفس الناطقة النفس البهيمية إلى تدبيرها وسياستها، وكما يفعل الصفير للخيل والبقر عند شربها والحداء للجمال وغيرها، وما يفعلونه إذا أرادوا حثَّها على السير أشاروا إليها بإشارات قد عوَّدوها هي حتى تنقاد لهم إلى ما يريدونه منها، وما يفعلونه إذا أرادوا منها أن تقف وتمسك عن السير أمسكت ووقفت لهم، ونفوسها تقبل هذه الإشارات المختلفة على اختلاف طبائعها. والزجر للخيل والبغال والحمير غير الزجر للإبل والبقر والغنم، وكل جنس من هذه وكل نوع منها يُراض بإشارةٍ ما غير الأخرى، تؤثِّر فيه تلك الإشارة ويكون خاصة فيها، فتؤثِّر تلك الإشارات المختلفة في أنفس الحيوانات، وتقبلها منهم أنواع الحيوانات قبولًا ظاهرًا واضحًا على اختلاف طبائعها، وتقهرها النفوس الناطقة وتجذبها إلى ما تريد منها على اختلافها، كاختلاف تأثيرات العقاقير على اختلاف طبائعها في الأعضاء المختلفة بالخواص التي فيها؛ فهذا أيضًا دليل على أن الرقى والعُوذ،١ تعمل في الأنفس وتؤثِّر فيها على قدر جواهرها وطبائعها.

ثم إن الحكماء دلت على الخواص التي في العقاقير والأدوية على طبائعها، وأثبتت كل طبع وكل خاصية لماذا يصلح وينفع؟ ولماذا يضر ويؤذي؟ ولأي داء ينفع؟ ولأي عضو من الأعضاء يضر؟

كذلك أيضًا قد دلَّت على هذا الرُّقى والعُوذ والنُّشَر، وأثبتت ما يفتح لكل شيء من الحيوان وما يخصه؛ مثل رقية قلم السرور ورقى الحياة، ومثل ما تؤثِّر رقية العقرب ورقية الزنابير وغير ذلك من الحيوان، ومثل ما يؤثِّر السحر في أنفُس الآدميين وأجسادهم، وهو شيء يطول الشرح فيه، وقد حكينا فيما تقدَّم من رسالتنا هذه ما قد دلَّ على صحة القول به وصحة العلم بالطلسمات، وفي بعض ما ذكرناه كفاية في الدلالة على صحة القول به وصحة العلم لمن وقع بما قلناه فيه. وأما هذه الرُّقى والنُّشَر والعزائم وما يشاكلها فإنما هي آثار لطيفة روحانية من النفس الناطقة تؤثِّر في النفس البهيمية وفي الحيوان، فمنها ما يحرِّكها ويزعجها ومنها ما يقمعها، ومنها ما يعمل فيها تأثيرات قوية أعمالًا مختلفة؛ فيه إصابة بالعين وربما شجَّه وربما صرعه.

فقد رأينا كثيرًا مَنْ يصرع الإنسان في أقل من ساعة إذا جلس بين يديه! وإنما ذلك أثر لطيف يبدر من نفس فيعمل في نفس أخرى، كما يبدر الشرر من النار فيقع في الأجرام فيحرقها، إلا أن الذي يبدر من النفس روحاني لطيف؛ لأنه يخرج من النفس اللطيفة ويعمل في لطيفة مثلها، والذي يخرج من النار هو أكثف منه على قدر كثافة النار، ويعمل في الأجرام الكثيفة ويكون سبب هذا الأثر — إذا نظرت وتصوَّرت صورة المنظور إليه — في الفكر، والفكر هو أحد حواس النفس الناطقة، ومؤدَّى ما يحيط به إلى النفس بدر من النفس بادر فأثَّر في نفس المنظور إليه فصرعه.

وهذا موجود ظاهر في الملقوعين،٢ وكثيرٌ من الناس مَنْ يدفع هذا ولا يؤمن به ولا يصدِّقه، وهو شيء واضح مُشاهَد وما يسمعه دائمًا.

فيُحْكى عن قوم من أهل النهد أنهم يؤثِّرون في غيرهم بأوهامهم أشياء عجيبة ينكرها أكثر الناس، وبذلك يُدْفَع السحر، كما حكينا في هذه الرسالة عنهم، ويُدْفع الرقى والوهم؛ لأن مثل هذا هو من اللطائف التي تشبه الغيب، ولكنه موجود، وفي الملقوعين خاصة ظاهر، وإنما يدفعه مَنْ يدفعه من جهة أنه قد تشبَّث بدعاوى كاذبة قد أصَّلتها أصحاب المخاريق الكذابين ودسُّوها فيما يشبه ذلك الجن، كما قد حكينا في صدر هذه الرسالة في معنى تكذيبهم بما يستمعونه من ذكر السحر وذكر عمل الطلسمات إذا سمعوا من بعض الطالبين له من الجُهَّال الخائضين في طلبه، والمتعاطين له من غير معرفة به أصلًا، ولا عرفوا أصوله؛ مثل إنسان أبْلَه قليل العلم والعقل جميعًا، أو امرأة رعناء جاهلة أو عجوزة، كذَّبوا هؤلاء ورفعوا أنفسهم عن أهل هذه الطبقة؛ إذ ظهر لهم نقصهم وجهلهم إذ وجدوا أكثر هذه الأمور التي قد أفسدها أولئك الجهال الكذابون باطلة، حكموا على جميعها بالبطلان؛ ولأن الذي هو من جهة الكذابين هو أكثر وأعمُّ.

فأما الأصل الذي هو من الحكماء فهو صحيح وعن الأصول الصحيحة، وهو قليل جدًّا.

وقد رُوِيَ عن رسول الله أنه قال: «السحر حق. العين حق.» ورُوِيَ أنه سُحِرَ به، وأن السحر استُخْرِج من الجُبِّ والحديث في ذلك مشهور،٣ ورُوِيَ عنه أنه أمر رجلًا لُقع صعدًا أن يُسقى له، وهذا أيضًا حديث مشهور، وإنما أمر الرجل أن يغسل له ليزول عن الملقوع ما أثَّرت فيه العين بما بدر منها وأن يزول ذلك بما يبدر منه؛ ولأنه علم ذلك بخصوصيته وكيفيته وعرف السبيل فدلَّ عليه.

ومثل هذا ما نشاهده من التثاؤب، ونرى إن تثاءب رجل تثاءب جليسه، حتى ربما يتثاءب جماعة من مجلس واحد.

وهذا من جهة العدوى، وهي أيضًا أثرٌ يؤثَر، فبدأ من النفس التي ينظر إليها ويؤثِّر فيها، وهذه الصفات التي ذكرناها دليل على تأثير الرقى والنُّشَر والعزائم في الأنفس البهيمية التي في أصناف الحيوانات، وإنما ترى الراقي يستعين على الرقية بالنفث والنفخ وغير ذلك؛ لأن النفث والنفخ هما من جوهر هذه البهيمة بحركة من النفس المنطقية، ويؤثِّران فيها كما يؤثِّر الصفير والنفير وسائر الإشارات التي ذكرناها، وإنما يقف على حقائقها واللطائف التي فيها الحكماء المطهَّرون الذين أُيِّدوا بالوحي من الله عز وجل، فهم يعرفون سبب كل شيء وفي ماذا يؤثِّر؟ وإلى أي جوهر من الحيوان يؤدي؟ فمنها ما دلُّوا عليه ووقع في أيدي الناس وعملوا بها كما يرى، مثل ما دلُّوا على حجر المغناطيس وما فيه من الطبع الذي يجذب الحديد، ومثل هذا لو كان خبرًا ما صدَّق به كثير من الناس وكذَّبوه كما كذَّبوا غيره ما لم يشاهدوه ولا يعرفوه، ولكن العيان والمشاهدة في الأجساد والحجرية والعقاقير المواتية، أفليس يمكن أن يكون مثل هذا في الحيوان مع ما فيه من الفضل على الموات بالنفس البهيمية الممتزجة المتهيئة لقبول أثر النفس الناطقة فيها، وما يشاهَد من أفعالها. ولا سبيل لنا إلى إدراكها أكثر مما أدركناه ومعرفة كيفيتها وعللها والأسباب إلا بتوفيق من الحكماء الذين خُصُّوا بعلمها عليهم السلام: فمنهم من أُعطي كثيرًا منها كما رُوِيَ عن المسيح، عليه السلام، أنه كان لا يمر بحجر ولا شجر ولا بشيء من الأشياء إلا ويكلِّمه ويعرِّفه لما يصلح له، ولم يكن ذلك الكلام من الممات جوابًا، بل كان إشارةً وتوهيمًا واعتبارًا، وكان عليه السلام، يعرف ما فيها بوحي من الله تعالى خالقها، وهو يورث الحكمة مَنْ يشاء من عباده المصطفين، صلوات الله عليهم أجمعين ورحمته وبركاته.

والآن قد مضى من الكلام في هذه الرسالة أيها الأخ البارُّ الرحيم، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، ما نظن أن لك فيه مقنعًا وكفاية من جهة السمع والخبر، ولا سيما إذا كنت تأمَّلت ما قد تقدَّم لنا من الكلام في خمسين رسالة عملناها قبل هذه؛ فهي مقدمات لها ومُعِينة في إحاطة علمك.

فلهذا نريد الآن أن نقطع الكلام ها هنا لبلوغنا غرضنا لتمام هذه الرسالة الأخيرة، التي هي آخر الرسائل التي ضمنَّا لك علمها ووفينا بتمامها. أعانك الله وإيانا أيها الأخ البارُّ الرحيم على ما يرضيه، ووفَّقنا وإياك فيما أدنانا إلى مقصوده بنا، وبلَّغنا إلى غاية مشيئته فينا من الكمال الذي قصدنا. فله الحمد منا ومن جميع إخواننا الكرام دائمًا أبدًا بلا زوال ولا انقطاع كما هو أهله ومستحقه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(١) فصل في بيان حقيقة السحر وغيره

اعلم أيها الأخ، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن السحر ينصرف في اللغة العربية على معانٍ كثيرة قد ذكرها أصحاب اللغة العارفون بها وأصحاب التفسير لها.

ونريد أن نذكر منها ما يليق بكتابنا هذا؛ ليكون دليلًا على ما نورده من القول في هذا الفن؛ فمن ذلك أن السحر في اللغة العربية هو البيان والكشف عن حقيقة الشيء وإظهاره بسرعة العمل وأحكامه، ومنه الإخبار بما يكون قبل كونه، والاستدلال بعلم النجوم وموجبات أحكام الفلك، وكذلك الكهانة والزجر والفأل، فإن كل ذلك إنما يوصَل إليه ويُقْدَر عليه بعلم النجوم وموجبات الأحكام الفلكية والقضايا السماوية.

ومن السحر قلب العيان وخرق العادات، ومنه ما يُعمل من الخيال والحكايات والتمثيلات، ومنه الدك والشعبذة، ومنه البخورات المنتنة التي تجلب الصَّرَع والبله والحيرة وما شاكل ذلك.

وهو ينقسم أقسامًا كثيرة ويتنوَّع أنواعًا شتَّى، ويقال عليه في جميع اللغات بأقوال مختلفة قد ذكرتها العلماء وبيَّنتها الحكماء، ومنه سحر عملي ومنه سحر علمي، ومنه حق ومنه باطل، ومنه ما رُمِيت به الأنبياء ووُسِمَت به الحكماء، ومنه ما يختص بعلمه النساء. والعرب تقول إذا أرادت السرعة في البيان وإقامة الدليل والبرهان: سحرني فلان بكلامه. وإذا كشف الغطاء وأزال الشبهة يقول العلماء: أتى بسحر عظيم سَحَرَ به العقول. ومن ذلك قول النبي في رجل مدح صاحبًا له فصدَق ثم ذمَّه فصدَق في مقام واحد: «إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرًا.»

كذلك لما رأت الأمم الماضية والقرون الخالية من الأنبياء ما رأت من المعجزات الباهرات والآيات الظاهرات والبيان اللائح والدليل الواضح سمَّوهم سحرة. ووسموا به الحكماء لما رأوهم يخبرون بالكائنات فيتكلمون بالإنذارات والبشارات بما يكون في العالم من السرور والخيرات ونزول البركات والنعمات، فنسبوهم إلى الكهانة لمَّا عُمِّيت عليهم الأنباء ولم يعرفوا النبوة والأنبياء عليهم السلام، وزعموا أن لهم أصحابًا من الجن يأتونهم بأخبار السماء فيعلمون بذلك ما كان وما يكون. وقد ذكر الله تعالى في كتابه حكايةً عن هذه الطائفة ما رُميت به الأنبياء من السحر؛ مثل ما قال فرعون لما جاء موسى عليه السلام، بالمعجزات لقومه لما رأوا من موسى وهارون: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى. عنى بذلك أن موسى عليه السلام إنما يعمل ما يعمله بتخيُّل وتحيُّل وشعبذة لا حقيقة لقوله ولا صحة لعلمه، مثل ما أشار عليه هامانه وسوَّل له شيطانه بقوله: وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ، يعني كل مشعبذ وممخرق٤ ومنمِّق لقوله وملفِّق لعمله، وما كان من قصته وتسليم السحرة إلى موسى وهارون، عليهما السلام، وما كان منهم ورجوعهم عما كانوا عليه نادمين وتبرِّيهم مما كانوا يعملون، وقولهم: آمنَّا برب موسى وهارون. ومثل ما قالت الجاهلية المشركون في نبينا محمد : إنه ساحر كذَّاب؛ قال الله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ.

وكل نبي نطق، وكل حكيم صدق، وأتى بالمعجزات وأظهر الآيات، أُلْقِيَ عليه هذا الاسم وعُرِفَ بهذا الوسم، عند الأمم الطاغية، والأحزاب الباغية، تكذيبًا للأنبياء، وردًّا على الحكماء.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن ماهية السحر وحقيقة هذا هو كل ما سُحِرَت به العقول، وانقادت إليه النفوس من جميع الأقوال والأعمال بمعنى التعجب والانقياد والإصغاء والاستماع والاستحسان والطاعة والقبول.

فأما ما يختص منه بالأنبياء، صلوات الله عليهم، فكالعلم بالأمور التي ليست في وُسْع البشر العلم بها إلا من جهة الوحي والتأييد وأخذها من الملائكة، وهي الكتب المنزَّلة، والآيات المفصَّلة، والأمثال المضروبة، الدالَّة على حكمة الله سبحانه وتوحيده، وبيان الحلال والحرام، وإيضاح القضايا والأحكام، والإخبار بالغيب بما كان وما يكون؛ ولذلك كانت الجاهلية تقول لمن اتبع الرسول ودخل الإسلام: قد صار فلان إلى دين محمد وقد عمل فيه سحره.

فهذا هو السحر الحلال، وهو الدعاء إلى الله سبحانه بالحق وقول الصدق. والباطل منه ما كان بالضد؛ من مثل ما يعمل به أضداد الأنبياء وأعداء الحكماء، من تنميق الباطل وإظهاره، ودفعهم الحق وإنكاره بالباطل من القول، وإدخال الشكوك والشُّبَه على المستضعفين من الرجال والنساء ليصدُّوهم عن سبيل الله وطريق الآخرة، وليسحروا عقولهم بالباطل وليحُولوا بينهم وبين الفوز والنجاة. وهم شياطين المشركين ورؤساء المنافقين في الجاهلية والإسلام، وهم في كل عصر وزمان يصدُّون عن دين الله سبحانه ما قدروا عليه، ويزيلون من سنة الناموس بسحرهم ما وصلوا إليه؛ فهذا هو السحر الحرام الباطل الذي لا ثبات له ولا دوام، والذي لا برهان عليه ولا دليل صادق مرشد إليه، والعامل به ملعون، والمصدِّق مفتون، والطالب له مشئوم.

(٢) فصل في أن السحر المذكور في القرآن …

وأما السحر المذكور في القرآن المنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت فإن العامة قد قالت فيه أقوالًا مسترذَلة لا صحة لها.

ولهذا القول معنًى دقيقٌ قد ذكرته العلماء الذين عندهم علم من الكتاب لمن وثقوا به من خواصِّهم وأودعوه عند أولادهم النُّجَباء وإخوانهم الفُضَلاء.

ونريد أن نضرب في ذلك مثلًا قد حُكِيَ وخبرًا قد رُوِيَ، يقرب به عليك فهم ما تريد الوقوف عليه والوصول من ذلك إليه، وبالله التوفيق.

(٣) فصل حُكِي أن ملِكًا من ملوك الفُرس كانت له نعمة ظاهرة …

حُكِيَ أن ملِكًا من ملوك الفُرس كانت له نعمة ظاهرة وهيبة قاهرة، وسلطان عظيم وملك عقيم، وكان له وزير له رأي وعزيمة، قد رأى السعادة في تدبيره والكفاءة في توزيره، قد كَفَاه أمر التدبير مما يحتاج إليه، فهو مشغول بلذَّته وتناوُل نهمته، في لذة من عيشه وأمان من مصائب الزمان وحوادث الأيام.

والوزير يُورِد ويُصدِر بحميد رأيه وجميل نيته وحسن طويَّته، فأقام الملك على ذلك مدة من دهره وبُرْهة من عمره.

فلما كان في بعض الأوقات عرضت للملك علَّة كدَّرت عليه عيشه ونغَّصت حياته، فتغيَّر لونه، وهزل جسمه، وضعفت قوَّته، واشتغل من تلك العلة، واستدعى وزيره وقال له: قد ترى ما نزل بي من هذه العلة التي قد حالت بيني وبين اللذات حتى قد تمنيت الموت ومللت الحياة.

فرقَّ له الوزير وبكى عليه، ثم خرج فجمع الأطباء والتمس الدواء، ولم يدع مستطبًّا ولا معزِّمًا ولا صاحب نجامة وكهانة إلا أحضره، وأعلمهم علَّة الملك وما يجده من الألم والوجع، وأنه يشكو ضرَبان جسده والتهاب حرارة في قلبه وكبده، فكلٌّ قال وما أصاب، وعمل وما أفلح، وعالج فما أنجح.

واشتدَّت تلك العلة بالملك، واشتغل الوزير بذلك عن تدبير المملكة وسياسة الخاصة والعامة من خدم المملكة ورعيتها، واضطربت الأعمال وعصت العمال، وكثرت الخوارج في أطراف المملكة وأقاصي الدولة؛ فعظُم ذلك على الوزير وتحيَّر، وخاف على الملك الهلاك، فعاد إلى جمع الحكماء وإحضار العلماء ومَنْ قدَر عليهم من الشيوخ القدماء، وأعاد عليهم القول واستدعى منهم الجواب، وكان فيهم شيخ كبير قد عرف وجرَّب، فقال:

أيها الوزير، إن العلة التي بالملك معروفة بظاهرها، خفية بباطنها، ومثل هذه العلة لا يكون إلا عن حالين: إحداهما في النفس والأخرى في الجسد.

فالذي في النفس ينقسم قسمين: فأحدهما يختص بالنفس الناطقة والقوة العاقلة والآخر يختص بالنفس الحيوانية والقوة الشهوانية.

والذي يختص بالجسم أيضًا ينقسم قسمين: بالحر واليبس، والآخر بضده وهو البرد والرطوبة.

وأما ما يختص بالنفس الناطقة فهو الفكر في المبدع، جل جلاله، وما أبدع، والحيرة فيما خلق وَبَرأ وأنشأ، وإعمال الرويَّة وإجالة الفكر في كيفية الابتداء والانتهاء، وما شاكل ذلك من الأمور الإلهية.

فإن النفس إذا غرقت في هذا الأمر وانغلقت عليها أبوابه وتعذرت أسبابه ضاقت وحرجت فأحرقت طبيعة الجسد، فضعفت القوى الطبيعية عن تناول الغذاء وحدث بالجسم ما ترى من الضعف والتغير والهزال والضنى.

ولا يزال ذلك كذلك يتزايد ما دامت تلك العلة مستدامة والخاطر مشغولًا بها والأبواب عليه مغلقة والأسباب متعذرة، ولا يجد مَنْ يفتح عليه ما انغلق من أبوابه ويسهل ما صعب من أسبابه.

وأما القسم المختص بالنفس الحيوانية والقوة الشهوانية فكالعشق للصورة البهيمية من النساء والصبيان والأحداث والمردان؛ مثل ما يعرض للعاشق إذا غاب عنه معشوقه وحيلَ بينه وبين محبوبه، فيظهر به من الضعف والتغيير ما يكون به تلف الجسد وانحراف المزاج وفساد البنية، وربما دخل عليه زيادة أدَّته إلى الماليخوليا واحترق ووصل المرض إلى شغاف قلبه فهلك وباد.

وأما ما يكون في الجسد من العلل العارضة من جهة الطبائع الأربع فإن لكل علة تحدُث من فساد المزاج غلبة الطبائع بعضها على بعض، فله علامات يُستدل بها على تلك العلة ومواضع يقصد بالأدوية إليها، ولا يجب للطبيب الحاذق أن يبدأ بدواء العليل إلا بعد السؤال له عن السبب في تلك العلة ما هو؟ وكيف كان؟ وعما كان؟ وما أصله؟ أهو شيء من المأكولات أسرف في أكله؟ أم مشروب أترف في شربه؟ أو غم عرض له؟ أو همٌّ دخل عليه؟ أو حال اشتغل به قلبه وفكره؟ أو صورة حسنة رآها فوقعت في قلبه، ثم حيل بينه وبينها ومُنع من تناول لذَّاته منها؟ وأي موضع يجد الوجع من جسمه؟ وبماذا يختص من أعضائه؟ وأي شيء يشتهيه؟ وأي حديث يُلهيه ويُرضيه؟ وأي سماع يُطربه؟ فإذا أخبر العليل طبيبَه بشيء مما ذكرناه إذا سأله، وكان العليل صحيح العقل، ازداد الطبيب الماهر علمًا به، واستشهد على ما أخبره لفظًا بما يدل من البرهان عليه بالحس، وما تبيَّن له من صحة النبض مما يستدل به على صحة ما أورده المريض.

ويسترشد الطبيب على قول المريض وشهادة النبض بشاهدٍ آخر وهو الماء، فإذا اتفق النبض والماء مع شكوى المريض فقد عرف حينئذٍ الطبيب العلة وما يختص بها من الأعضاء، فإن تغلبت إحدى الطبائع وضعفت الأخرى أرسل إلى ذلك العضو ما يوافق طبيعته ويلائم قوَّته؛ لينقمع به ضدُّه الذي يضايقه في مكانه بالملاطفة والتدريج، ولا يحمل عليه بالدواء الحاد في أول دفعة؛ فإنه ربما أحدث له ذلك فسادًا لا يُرْجَى صلاحه، والمثال في ذلك النار المشتعلة في الحطب أول ما وصلت إليه؛ فإنها إذا قويت وأُلْقي عليها الماء ازدادت حرارتها وقويت بخاراتها، فأتلفت ما وصلت إليه واحتوت عليه. فاسأل أيها الوزير عن بدء هذه العلة كيف كانت؟ وما السبب فيها والحال الموجِب لها؟ فلعلَّنا إذا عرفنا ذلك نتداركه بالملاطفة وحسن التدبير إن شاء الله. قال الوزير: أيها الحكيم، إن في أدب وزراء الملوك، ومن الواجب على مَنْ صحِب الملوك ألَّا يبدأهم بالسؤال لهم عما لا يجب له السؤال عنه، ولا يهجم عليهم بذلك إلا أن يبدءوا به، ولا يطلب الدليل على ما يقولونه، بل يستمع ويصدِّق ويسلِّم إليهم في جميع أمورهم، ولا يعترض عليهم في أفعالهم وأعمالهم، وأنا أهاب الملك وأخاف منه أن أسأله عن شيء لم يُبْدِه وحالٍ يخفيها ولم يُطْلعني عليها، لا سيما في أمر نفسه وجسمه. قال الحكيم: أيها الوزير، إنه لا سبيل إلى شفائه ومعرفة دوائه إلا بعد الإبانة عما ذكرته لك، وأنا أرى أن سؤالك له عن أمره وما أخفاه من سره يكون سببًا لحياته ونجاته إن شاء الله، فإذا أعلمك ذلك فأعلِمْني به واحفظه عنه؛ لئلَّا تنسى مما يحكيه شيئًا.

ثم انصرف ذلك الشيخ ومَنْ حضر المجلس من الأطباء، ونهض الوزير فدخل على الملك، فلما رآه أنِس به وأدناه بقربه وسأله: هل وجد له دواء واتجه له عنده شفاء؟ فأكثر الوزير من الدعاء له، ثم أقبل عليه فسأله عن بدء العلة كيف كان؟ وما الذي كان السبب في حدوثها به؟ فلما سمع الملك من وزيره هذه المسألة التي لم يكن سأله عنها قبل ذلك أمر مَنْ كان بين يديه من خدمه أن يُقْعِدوه ويُسْنِدوه ففعلوا ذلك، ثم أمرهم بالبعد عنه، فلما رأى الوزير ذلك خاف على نفسه وفزع واستوى الملك جالسًا على فراشه وقال له: ادنُ مني وأعِدْ هذه المسألة عليَّ، واصدقني، فإني أرجو الشفاء بصدقك إياي، وإنك قدرت على الدواء في إزالة الداء إن شاء الله؛ فإني لم أسمع منك هذا السؤال قبل هذا، والواجب على الملوك في أدب المملكة ألَّا يبدءوا مَنْ يُلمُّ بهم من عبيدهم وخواصهم بكشف أسرارهم وبما يحدث منهم في خلواتهم وما يجيلونه في أفكارهم، لا سيما إذا لم يجدوا له أهلًا يكشفونه لهم ويودِعونه عندهم، ويرجون بهم فتح ما انغلق عليهم بابه وتعذرت أسبابه.

وقد كنت في طول هذه المدة التي حدَثت بي فيها هذه العلة أريد مَنْ يسألني عن ذلك فأُبْديه له فلم أجد سائلًا يسألني عن ذلك، وكلما عدمت مَنْ أبثُّ إليه الشكوى وأخرج إليه بما أجد من البلوى صعبت العلة عليَّ، وتزايدت المحنة لديَّ.

فلما سمع الوزير ذلك من الملك تحقق قول الشيخ الحكيم المجرب وعلم أنه صدق وأصاب.

وقال له الوزير: أرجو أن أكون موضعًا لهذا الأمر وكشف هذا السر.

فقال الملك: إن شاء الله. ثم ابتدأ الملك فقال: إني كنت في بعض الأيام قد ظهرت نعمة الله تعالى عليَّ، وأحضرت أجلها لديَّ، وأمرت بإخراج ما في خزائني من الجواهر النفيسة والآلات الثمينة مما جمعته أنا في أيامي وما ورثته عن آبائي، فأُحضر بين يديَّ في خلوة من حشمي وعبيدي وخُزَّاني الذين كانوا نقلوه إليَّ بين يدي، فرأيت منظرًا أطربني غاية الطرب، وفرحت بها وطربت لها وأخذت منها بالنصيب الأوفر والحظ الأجزل من الغبطة والسرور، والجذل والحبور، فكبرتْ نفسي وعظُم قدري وظننت أنِّي قد وصلت إلى ما لم يصل إليه أحد غيري، وأنِّي من أسعد السعداء، ثم إني نمت فرأيت في منامي كأني في تلك الحال على أحسن ما يكون وأتمِّه وأكملِه، وكان رجال دولتي وعبيد مملكتي كلهم قيام بين يديَّ، خاضعون لي ساجدون، سامعون لقولي مطيعون لأمري، وأنا على سرير مملكتي في محل كرامتي.

فبينما أنا كذلك إذ رأيت رجلًا شابًّا مليح الصورة حسن الأثواب لم أرَه قبل ذلك الوقت ولا عرفته، وكأنه بالقرب مني ينظر إليَّ نظر المستهزئ بي، غير هائب ولا خاضع بين يديَّ ولا مسلِّم عليَّ، مستقِلٌّ بجميع ما أنا فيه وكأنه يملك ما لا أملكه، ويقدِر على ما لا أقدر عليه، ويصل إلى ما لا أصل إليه، فغاظني ذلك منه، وكأني قد هممت بالإيقاع به وأمرت به مَنْ كان بين يديَّ من خدمي وأصحابي من جميع أهل مملكتي ورجال دولتي أن يقعوا به، وهو قائم في مكانه يضحك بي! وكأنهم لم يصِلوا إليه ولا قدروا عليه، وكأنه قد زاد استهزاؤه بي واستزراؤه ولم يهُلْه شيء مما رآه.

فلما رأيت منه ذلك هالني وأفزعني، فقمت من مكاني وتنحَّيت عن سريري ودنوت منه، وقلت له: مَنْ أنت؟ ومن أين أنت؟ وكيف وصلت إليَّ؟ ومن أين دخلتَ عليَّ؟ فقال لي: يا مسكين، يا مغرور بسلطان الأرض والملك الجزئي، أي ملك أنت! إنما أنت مملوك ولست بمالك! فلِمَ تدَّعي المُحال وترضى لنفسك بالكذب وجميع ما أنت فيه زائل مضمحل؟! فإنه عما قليل يفارقك وتفارقه، وإنما المُلْك المُلك السماوي والسلطان الإلهي، فإن بادرت وعملت ما يُقرِّب إلى ربك وصلت إليه وكنت ملكًا بالحقيقة، ونِلْت ملكًا لا يبلى ولذَّة لا تفنى، فتكون ملكًا بالحقيقة، تفعل نفسك إذا زَكَت، وروحك إذا صفت، ما أنا فاعل، وتصل إلى مثل ما أنا إليه واصل.

ثم إنه ارتفع من الأرض وأقبل يمشي في الهواء ويجول في الفضاء إلى أن رأيته وصل إلى السماء وغاب عني فلم يرَ وسمعت هاتفًا يقول: «لمثل هذا فليعمل العاملون.»

فلما رأيت ذلك منه أيقنت أني لست بمالك وأنِّي مملوك كما قال، وأنِّي لست بعالم وأنِّي جاهل، وأنِّي لست بإنسان وأنِّي حيوان. ثم انتبهت وأجَلْتُ الفكرة وأعملت الرويَّة، وكثُر تخيُّلي لذلك الشخص وما قال لي ورأيت من مملكتي، وسعة قدرته والمكان الذي رقى إليه، واشتهيت المعرفة بالعمل الذي هو وصل إليه، فاشتغلت بهذا الشأن عن جميع ما كنت بسبيله من تلك اللذات، وانقطعت عن جميع الشهوات، وزهدت في المأكول والمشروب، وأقبلت أُجيل فكري وأقلِّب نظري في أهل المملكة ورجال الدولة فلم أرَ فيهم مَنْ يصلُح أن أكشف له هذا السر، ورأيتهم كلهم مُشاغَل بالحال التي أَزرى بها عليَّ ذلك الشخص، وأني وإياهم مماليك، وأن الأسماء التي استعرناها لا تصلُح لنا ولا تليق بنا، وإنها ذاهبة زائلة عنا، وخشيت أن أُبْدي أمري إلى مَنْ ليس هو من أهله فأُنْسَب إلى الجنون وقلة العقل، فصمتُّ عن الكلام وزادني الفكر الغم والهم والأسف، فحدث بي من ذلك ما ترى من التحول والتغير والصفات.

فهذا هو سبب وجعي ومبدأ علَّتي، وأظن أني خارج من هذه الدنيا بهذه الحسرة إن لم أصل إلى العمل الذي يُوصلني إلى ما وصل إليه ذلك الشخص الذي رأيته. وقد خرجت إليك بأمري، وكشفت لك ما أخفيت من سري، فإن كان لي عندك فرج فمُنَّ به عليَّ، وإن عدمت ذلك فاكتم سري ولا تخرج إلى أحد بشيء منه كما خرجت به إليك من أمري؛ لئلَّا أُنسَب إلى الجنون وزوال العقل فيذهب المُلْك مني ومنك، ويطمع فينا الأعداء؛ لأن علة زوال العقل أصعب العلل، متعذر دواؤها معدوم شفاؤها.

ولكن قد طمعت أن لي عندك فرجًا لما رأيتك قد سألتني عن هذا السؤال ولم يكن هذا من عادتك معي، ولمعرفتي أن فيك من الأدب الذي يصلح للملوك ما لا يحملك على مثل ما أقدمت به عليَّ من ابتدائك لي بالسؤال عن سري الذي لم أُبْدِهِ فاصدقني كما صدقتك.

قال الوزير: فأعدتُّ عليه ما كان وما جرى من الشيخ الذي أشار عليَّ بذلك وأمرني به.

فقال: عليَّ بالشيخ فقد وضع يده على الداء، وأرجو أن يكون عنده الدواء، فخرجت من عنده وأحضرت ذلك الشيخ وقصصت عليه الحال من أولها إلى آخرها فبكا وقال: انكشفت العلة وعرفنا دواءها وقدرنا على شفائها إن شاء الله، ثم نهض معي حتى دخلنا على الملك، فلما رأى الشيخ فرح به ورفعه وأقبل عليه وأنس به، وأقبل يعيد الحديث عليه من أوله إلى آخره، فأقبل الشيخ على الملك وقال له: إن العمل الذي يوصل إلى مثل ما رأيت لا يكون إلا بعد العلم بتوحيد الخالق، جل جلاله، ومعرفته حق معرفته، فإذا صحَّ لك ذلك وعلمته ابتدأت تشرع في تعلُّم العلم المؤدي بك إلى عبادته الموصل لك إلى جنته ودار كرامته، فإذا أحكمت العمل بتلك العبادة وصلت إلى مرادك ونِلْت عرضك، ولا يكون ذلك إلا بعد ترك جميع ما ملكته وقدرت عليه من أمور الدنيا.

قال الملك: قد رضيت بذلك وطابت نفسي به، وقد تعجلت بترك جميع ما كنت فيه، وتمنيت الموت والراحة من هذا العالم.

فقال الشيخ: إن هذا العلم غير موجود عند أحد في بلدنا هذا، وإنما هو موجود بحقيقته عند رجل من الحكماء مقامه في إقليم الهند بجبال سرنديب تحت خط الاستواء، فإن عنده مفاتيح ما انغلق من هذا الأمر وصعب من هذا السر.

قال الملك: فأنَّى لي بالوصول إليه والقدوم عليه وأنا على ما ترى من نحول الجسم وضعف القوة وكثرة الأعداء وما تراه من اضطراب الحال وفساد الأعمال والعمال، وكثرة الخوارج علينا والأعداء لنا، وتمنيهم الوصول بالأذية إليَّ وانتزاع ما في يديَّ من هذه المملكة الفانية والقنية المضمحلَّة، وإن كنت غير متأسف على فقدها ولا حزين على زوالها بعد ما سمعت ورأيت، وإنما أخشى أن أدرك إذا خرجت منه وبعدت عنها فأُقْتَل وأموت في الطريق ولا أصل إلى ما تكون به السعادة بعد الموت، وأكون قد تعجَّلت الذل والهوان في الدنيا وسرعة القدوم عليه في الآخرة.

قال الشيخ: صدق الملك فيما ذكر ولنا في ذلك تدبير آخر.

قال: وما هو؟

قال: أنا أكتب إلى الحكيم أُعْلِمه بالحال وننظر ما يكون من جوابه فنعمل به إن شاء الله.

قال الملك: افعل ذلك، وخف على الملك ما كان يجده وسكنت نفسه إلى قول الشيخ.

وقال للوزير: اعلم أنِّي قد وجدت العافية، وقد سكنت تلك الحركة الفكرية، وبردت الحرارة التي كنت أجدها في قلبي، وأستدعي من الطعام والشراب ما أمسك به القوة ودعت إليه الحاجة، وفشا في أهل المملكة من أعمال الدولة أن الملك قد أفاق من علَّته وزال عنه ما كان يجده.

ففرح الناس بذلك وسكنت الفتنة فتسارعت الخوارج إلى الطاعة وعمَّت البركة وشملت النعمة، وعاد الأمر إلى أحسن ما كان في مدة يسيرة، وقويت نفس الملك ووثق بما وعده الشيخ الموفق الرشيد، فكتب الشيخ إلى رب بيت الحكمة في ذلك الزمان يُعْلمه بما جرى ويسأله أن يُنْفِذ إليه مَنْ يراه ليفتح عليه من العلم ما يصلح له ويعلمه ما ينبغي له في جسده.

فلما وصل الكتاب إلى الحكيم ووقف عليه استدعى تلامذته، وكان له اثني عشر تلميذًا حاضرين معه، فأعلمهم بما وصل إليه وقرأ عليهم الكتاب فقالوا: مُرْنا بما تريد لنمتثله ونأتي فيه بما تؤمله، فأفرد رجلين منهم وقال لهما: اذهبا إلى الملك، فإذا دخلتما عليه فليبدأ به أحدكما فيلزمه حتى يبلغ في العلم الرياضي إلى حد يجب له إذا وصل إليه ووقف عليه الارتقاء إلى العلم الإلهي، ثم ينفصل عنه ويلزمه الآخر حتى يوقفه منه عند الحد الذي ينبغي له، فإذا رأيتماه قد حسنت أفعاله وزَكَت أعماله فانصرفا عنه ولا تطلبا عليه جزاءً ولا شكورًا.

ثم ابتدأ بوصيتهما وبتحذيرهما من الوقوع في حبائل الدنيا وشبكة إبليس، وقال لهما: إنكما في مكان بعيد عن محاسن الدنيا وزخارفها ونضارتها وبهجتها وما يجده أهلها من فتنتها، وستردَّان على الملك على مملكة واسعة ونعمة ظاهرة ولذات متواترة، وإياكما الميل إلى شيء منها والمحبة لها فإنكما إن فعلتما ذلك ومِلْتما إلى شيء مما تريانه انفسدتما وأفسدتما وخرجتما من الصورة الإنسانية إلى الصورة الحيوانية والرتبة الشيطانية بالفعل، وخرجتما من فسحة الجنان وروضة الروح والريحان، وجاورتما الشيطان في دار الهوان، وخرجتما من سعة الكل إلى سجن الجزء.

قالا: سمعنا وأطعنا وتوجَّهنا من حيث هما إلى إقليم الملك، وكتب الحكيم إلى الشيخ يُعْلمه بذلك، وجعله عينًا عليهما ينقل إليه أخبارهما وما يعملانه ويعاملان به الملك.

ثم قدما على الشيخ بالذي هما عليه من الشعث وقلة الجمال ما يليق بالنساك من الفقر وسوء الحال.

فأخبر الملك بقدوم الرجلين من عند الحكيم ففرح بهما الملك واستبشر، ثم أمر بإيصالهما إليه فدخلا عليه فقام لهما قائمًا على قدميه، وأمرهما بالجلوس فجلسا مجالس العلماء المفيدين، وجلس الملك والوزير مجالس المتعلمين المستفيدين.

ثم تقدَّم المبتدئ بالعلم الرياضي فعلم الملك والوزير حتى أحكماه وتعلَّماه — الملك ووزيره — وقاما بموجباته وأحكامه.

ثم انفصل الأول وتقدَّم الثاني فتلا عليهما الحكمة الإلهية إلى أن بلغا من ذلك غاية ما كان عنده واستفادا ما كان في وُسعه.

فلما فرغا مما أمرا به وأرادا الانصراف أقبل الملك عليهما وقال: إني لا أجد لكما مكافأة على ما فعلتماه بي وتوليتماه من أمري إلا أن أسلِّم إليكما ملكي فتتدبَّرانه وتحكمان فيه بما أردتما، وقد أبحتكما جميعه وهو عندي قليل لكما.

فلما سمعا ذلك منه ردَّا عليه ردًّا جميلًا، وانصرفا إلى مكان كان الملك قد أعدَّه لهما فتشاورا فيما عرضه الملك عليهما وأهداه إليهما من ملكه، وقد مالت أنفسهما إلى ما رأياه من حسن الدنيا وبهجتها، وما عايناه من حسن قنيتهما وطيب لذتها فقالا: لا بأس أن تجتمع لنا المنزلتان وننال السعادتين: الملك في الدنيا والآخرة، وعزما على قبول ما أهدى الملك إليهما من ملكه والجلوس فيه والقيام به، ثم خلا الملك بوزيره فقال له: اعلم يا أخي أن هذه الدنيا فانية ولسنا مخلَّدين، وقد نِلْنا من لذاتها ونعيمها ما قد نلناه، ووصلنا منها إلى ما وصلنا إليه وقدرنا عليه، فهلمَّ بنا نتخلَّى منها ونلزم مداومة النظر في هذا العلم الشريف والعمل اللطيف الذي نصل به إلى الفوز والنجاة من بعد الموت، فإننا لا نشك في وصول الموت إلينا ونزوله علينا، فلعلي وإياك نجتمع في الملك السماوي كاجتماعي وإياك في الملك الأرضي، فقال: افعل، وقويت نيتهما وطابت أنفسهما بذلك.

فلما دخل الرجلان في وقت دخولهما على الملك أعاد القول عليهما وما يريده ومن تسليم الملك إليهما، ورجا بذلك سعادة المملكة وأهلها بتدبيرهما وحكمتهما، ورجا لأهل بلده ومَنْ يكرم عليه من أهله أن يصلوا إلى مثل ما وصل إليه من ذلك العلم والعمل، فتعم البركة وتشمل النعمة وتكمل السعادة؛ فقَبِلَا ما أهداه إليهما وتقلَّدا ما اعتمد فيه عليهما، وجعل أحدهما وهو المعلِّم له العلم الإلهي في مقام المملكة وصاحبه في مقام الوزارة.

واشتغل هو ووزيره في مداومة النظر في العلم والقيام بالعمل والاجتهاد في العبادة والزهادة في الدنيا والتهاون بها واطراح شهواتها وترك لذاتها.

فكتب الشيخ إلى الحكيم بذلك فأيس من عودتهما إليه، وعلم أنهما قد افتتنا بما رأياه ومالت أنفسهما إليه، وتمنيا الخلود فيه، وأقاما على ذلك في تدبير الملك وسياسة المملكة إلى أن مات الملك ولحق به وزيره بعد مدة يسيرة، وصار إلى رحمة الله سبحانه ودار كرامته، ونالا الملك السماوي ووصلا إليه، وافتتن الرجلان بالدنيا وتخلَّيا عن العلم والعمل، وانهمكا في اللذات الدنيوية، واسترجع الحكيم ما كان أودعهما إليه من حكمته فنسيا ما كانا له ذاكرين، وغاب عنهما ما كانا له حاضرين، وفارقا ملك السماء وأخلدا إلى ملك الأرض، فأُهْبِطا من الجنة وبعُدَا من الرحمة، وانقلبا على عقبيهما خاسرين فأهارَّا٥ وأمارَّا مَنْ حضرهما بما فعلا، وافتتن الناس بهما «وتعلموا منهما ما يضرهم ولا ينفعهم» وبدت سوءاتهما، وقالوا: هذان العالمان اللذان كانا يأمران بترك الدنيا والزهد فيها قد عادا إلى ما كانا ينهيان عنه ويحذران منه، ولو لم يعلما أن العاجلة هي النعمة الحاصلة لما اختاراها، ولا رجعا إليها بعد ما علما، وزاد بهما جموح الطغيان، واستحوذ عليهما الشيطان فأنساهما ذكر الرحمن، فصارا أعداءً للحكماء وأضدادًا للعلماء.

وكتب الحكيم إلى الشيخ يأمره بالتنحي عنهما والبعد منهما خوفًا عليه من شرهما ففعل ذلك.

وأقبلا على تناول أمور الدنيا وشهواتها، وفارقا السحر الحلال الذي أُنْزِل عليهما وأمرا بفعله وعمله وكان به نجاة مَنْ نجا ورجعا إلى السحر الحرام فضلَّا وأضلَّا.

وهذا حديث يدل على حالة الملكين: هاروت وماروت، وما كان من أمرهما وهبوطهما من السماء إلى الأرض، ومفارقتهما جوار ربهما والملائكة الذين كانوا معهما كمفارقة إبليس للملائكة باستكباره وعصيانه، ومفارقة آدم للجنة التي كان فيها بما كان من خطئه ونسيانه؛ فهذا بيان ماهية السحر والسحرة والعمل به وكمية أقسامه وما الحق منه وما الباطل بحسب ما احتمله البيان، واتسع له الإمكان.

(٤) فصل في أن مداواة العِلَل الحالَّة بالأجسام والعلم بها من أجَلِّ المعلومات

واعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن مداواة العِلَل الحالَّة بالأجسام والعلم بذلك من أجَلِّ المعلومات الطبيعية والمعارف الجسمانية كما قال النبي وسلم: العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان، وهو أيضًا ضرب من السحر الحلال؛ لأنه قلب العادة من حال الفساد إلى الصلاح، ومن النقصان إلى التمام، والسحر الحرام منه ما كان الضد من ذلك كإدخال الفساد على الأجسام وما يكون تافهًا، وفساد أمزجتها وانحلال طبائعها مثل ما يعمل بالسموم القاتلة وما يُتَّخذ لذلك من الأدوية والعقاقير الفاعلة بخصائصها وما تفعله في الأجسام من العلل والأسقام، فكل مَنْ فعل ذلك وأقدم عليه بالعَمْد والقصد إلى فساد الصورة الإنسانية بسبب دنيا ينالها أو شيء من قنيتها فهو ساحر مفسد في الأرض ممن حلَّ قتله ونفيه من الأرض، وهو ممن حارب الله عز وجل ورسوله وسعى بالفساد، وممن استحق قطع الأعضاء وفساد الصورة مثل ما فعل فرعون بالسحرة لما رآهم وقد أفسدوا عليه ما كان يعمله، وأسقطوا هيبته عند أصحابه والملأ من قومه.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن كثيرًا من الأطباء المبتدئين وغير المجربين يقتلون العليل ويزيدون المرض بالمرضى فيخطئون من حيث ظنوا أنهم قد أصابوا، فكم من عليل قتلوه ومن صحيح أسقموه ومن ذي سلامة أعطبوه؟! والتفقد لهذا الباب والتحرز منه والتنبيه عليه والإرشاد إليه فيه فائدة جليلة.

ونريد أن نُبيِّن لك ما يكون تعلمه من ذلك؛ فإنه لا بد لك من استعماله إذ كانت الأجسام مرتهنة بحدوث الآلام والأوجاع والأسقام والداء والدواء؛ لأن من شأن إخواننا، أيَّدهم الله وإيانا بروح منه، المعرفة بجميع العلوم والاطلاع عليها ومعرفة أهلها.

فاعلم أيها الأخ، أنه يجب على مَنْ أراد العلم بصناعة الطب أن يبدأ أولًا بدرس الكتب على الحكماء وقراءتها على العلماء، ومعرفة مقدمات العلل والأسباب التي تكون منها وتحدث عنها، ومعرفة جميع الأدوية لأخلاطها على النسبة الفاضلة والقسمة المعتدلة، ومعرفة الطبائع الأربع واختلافها، وكيف تكون صحة المزاج في وقت الصحة؟ وكيف يكون فساده في وقت الفساد؟ وكيف يعرف وزن بِنْيَة الجسد في جانبيه معرفة هندسية؟ فإذا صحَّ ذلك له وأحكمه وعرف العلامات الدالة على العلة في النبض والماء وما ينفصل عن الجسد ويخرج من الفضول الحادثة عن العلل العارضة، وبعد ذلك ابتدأ بتعلم الصناعة النجومية والأحكام الفلكية؛ لأنها هي الأصل والعمدة في جميع الأعمال الأرضية وما يعرض في الأجسام الطبيعية.

فإذا عُرِف من ذلك بحسب ما وُفِّق له وأحكمه وعرفه، فحينئذٍ وجب له التقدم إلى العليل، فإذا رآه وعرف علَّته وسأله عن بدايتها وسمع كلامه إن كان ذا سلامة في عقله، وإن عدم ذلك نظر في شواهد أدلته وما يبدأ منه من علته، فإذا صحَّ له ذلك نظر في مولد العليل، فإن أعدم ذلك نظر في الطالع الذي دخل عليه فإذا رآه يوجب السلامة نظر في بيت الحياة وصحَّ له ذلك أقدم على دوائه بنفس واثقة بسلامته، وأخذ في تلطُّفه في دوائه الذي يصلح لتلك العلة غير شاك لزوالها وغير يائس من بُرْئها فيقوى على العمل بالعلم، ويكون في فعله ذلك تابعًا لأعمال الحكماء وأفعال الأنبياء؛ لأنهم لم يدعوا إلى الله عز وجل، ولم يظهروا ما علموه حتى عرفوا الأصول وموجباتها والقراءات وأحكامها.

فلما تحققوا ذلك علموا مراد الله سبحانه من خلقه معرفته، وتوحيده وعبادته وأنه، عز اسمه، لذلك خلقهم وبسببه أوجدهم.

وأي نفس عدمت ذلك كانت ناقصة غير كاملة، ومريضة لا سالمة، فوجب عليهم التقدم إلى أصحاب العلل النفسانية في الأوقات التي أوجبت لهم التقدم إليهم والتحنُّن عليهم، وعلموا أن دواءهم ينفع وعلاجهم ينجع مثل ما فعل الطبيب الحاذق بأهل المدينة التي دخلها المذكورة قصته في رسالة اعتقاد إخوان الصفا.

فعند ذلك دعوا إلى الله سبحانه بالتذكر والموعظة الحسنة من إقامة الدين وسنة الناموس وما أوجبه ذلك الزمان وحكم بذلك تأثير القرآن، وكانت أدويتهم وعقاقيرهم التي تفعل في أمراض النفوس مثل ما تفعل الأدوية والعقاقير في الأجسام بما أظهروه من الآيات وعملوه من المعجزات إعذارًا وإنذارًا وتخويفًا، ومنعوا من أشياء كان الناس يعملونها، وحذَّروا منها وحرَّموها على فاعلها كما يفعل الطبيب بالعليل من منعه من المآكل الرديئة والأشربة وما يكون به قوة الداء وضعف الدواء، كما قال، عز اسمه: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا والأنبياء، صلوات الله عليهم، ضمنت لأهل الطاعة الجنة ولأهل المعصية النار، كذلك الطبيب يعد العليل إن قبِلَ وصيته وصبر على استعمال ما يأمره وترك المخالفة له بطيب العيش والعافية والحياة؛ فإنه متى عدل عن ذلك إلى ضده مات وهلك.

ومعجزات الأنبياء وآيات الحكماء تنقسم على أقسام كثيرة مختلفة متباينة قد خص كل شيء في كل زمان بموجب كل قران بشيء منها، كذلك أدوية الأطباء تختلف بحسب اختلاف العلل.

ومن المعجزات ما يكون رحمة ونعمة ومنها ما يكون سخطًا ونقمة عند الخروج من الطاعة وارتكاب المعصية، فالنعمة والرحمة من ذلك ما ظهر من فضل الني في ذلك الزمان الموجب لظهوره وما جاء به من الخيرات والبركات والمواد المتصلة به ونزول النصر عليه من عند الله، وقوة مَن استجاب إليه واتساع دوره وعلو ذكره ورفيع قدره، ومنفعة أهل ذلك الزمان به واجتماعهم على دينه وإزالة الشك منهم في نفسه.

وأما ما يكون من المعجزات به والسخط والبلية على مَنْ أنكره وكذَّبه واستكبر عليه وأنِف من الانقياد إليه مثل ما حلَّ بقوم نوح من الطوفان العظيم، ومثل ما نزل بقوم هود من الريح العقيم، وبفرعون وزملائه من الغرق، وبقوم صالح لما عقروا الناقة، وهذا مذكور في القرآن من القصص عن أخبار الأنبياء المتقدمين والأمم المخالفين.

واعلم يا أخي أن العلم والعمل المختص بالأنبياء، صلوات الله عليهم، وما أظهروه من المعجزات والآيات فهو علم إلهي وتعليم رباني يتصل بهم من الملائكة وحيًا وإلهامًا، وليس هو تعليمًا أرضيًّا ولا علمًا جزئيًّا، وإنما هو تأييد كلي وفيض عقلي، وإنما يخرجون منه إلى العالم بحسب ما يحتملونه، ومن المعجزات ما يكون به الإعذار والإنذار، ولو أرادوا هلاك الأمم الذين كذَّبوهم والفرق الذين أنكروا عليهم في أول مرة لفعلوا، وإن فعلوا لكانوا بخلاف ما أُرْسِلوا له؛ لأنهم إنما أُرْسِلوا لإصلاح الفاسد، وأيدوا بوسع الطاقة في الاحتمال والصبر على الأذى وترك الكبر والغضب والحمية، واستعمال الرفق والتأني في الأمور لما يرجى بذلك من الصلاح العام للعالم ونجاة الذين أُرْسِلوا إليهم وخلاصهم من الجهل والعمى، فإذا لجَّت الأمم الطاغية والأحزاب الباغية في العصيان واستحوذ عليهم الشيطان بعد أن وجبت عليهم الحجة واتضحت لهم المحجة أتت الأنبياء بالآيات، وأظهرت المعجزات وخرقت العادات وأحاطت بالدين كذبوهم البلايا وحلَّت بهم الرزايا، وهلك منهم مَنْ هلك عن بينة وحيَّ مَنْ حيَّ عن بينة، فضعفت قوة إبليس، وانطفت نيرانه وتفرقت عنه شياطينه وهلكت أعوانه وخرست ألسنتهم واندحضت حجتهم، كذلك الطبيب إذا خالفه العليل أول مرة صبر عليه ورفق به وداواه بالملاطفة وسهَّل عليه الأمر، فإذا تمادى في الخلاف والخروج عن طاعته ومخالفته فيما يأمر به واستعمال ما ينهاه عنه خلَّاه ومراده لنفسه فيهلك.

وبهذا الشأن يكمل لك يا أخي معرفة مداواة الأنفس والأجسام فتكون قد أحكمت السياستين وعرفت المنزلتين.

وإنما أردنا بما ذكرناه تنبيه إخواننا، أيَّدهم الله بروح منه، والحث لهم على الاجتهاد في معرفة العلوم كلها بحسب ما يتفق لهم، ووقفوا عليه ووجدوا السبيل إليه، وجعلنا ما أوردناه في هذه الرسالة مقدمات ومداخل وطرقًا ومنازل إلى نهايات العلوم وغايات الحِكَم، لعلهم إذا نظروا فيها ووقفوا عليها تشوَّقت نفوسهم إلى علم ما غاب عنهم منها، فيجدُّون في الطلب ويسألون أهل العلم عما لا يعلمون، كما قال، عز اسمه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، وكما قال الرسول : «استعينوا على كل صناعة بأهلها.» فعند ذلك يصيرون هداة مهذبين قد وقفوا على الصراط المستقيم.

(٥) فصل في العلماء العالمين بعلم النجوم والهيئة …

اعلم أيها الأخ، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن العلماء العالمين بعلم النجوم والهيئة وحوادث الجو وأصحاب الفأل والكهانة والزجر وحدوث الروحانيات وأصحاب عمل الطلسمات والعلامات والآيات والخبايا وما شاكلها؛ فإنهم لا يتهيأ لهم ذلك إلا بعد معرفتهم بالأصول وما يبدو منها من الفروع.

فإذا صح لهم ذلك عملوا بحسب ما ينبغي لهم أن يعملوه من هذه الأشياء ويخبروا به بالدلالة على ما يكون منه ويحدث عنه، وهم في ذلك متباينون في الدرجات متفاوتون في الطبقات بحسب اجتهادهم في التعليم ومداومة العلم ومجالسة العلماء ومرافقة الحكماء، والاشتغال بالدروس في الكتب الموضوعة فيها، والتبحر فيها بصفاء الذهن وأعمال الروية واستقراء ما كان ليحكم به على ما يكون، ومعرفة مواليد السنين وموافقتها في الحساب والنسب ومعرفة التواريخ والبدايات، وما يكون في ابتداء الأعمال من الطوالع، وما يوجب دوام ذلك، وما يوجب الكواكب الثابتة وزواله وتغييره بانتقالها من مثلثة إلى مثلثة، واجتماعات الكواكب ونظر بعضها إلى بعض، وارتفاعها في أوجاتها وترقيها في درجاتها وهبوطها في حضيضها، فإذا نظروا نظر التأمل والاستقراء لواحد واحد منها كان مَنْ له ذلك قريبًا من الإصابة في أحكامه.

فإذا وقعت له الإصابة وذاق حلاوتها فما أقل ما يخطئ؛ فإنه بالإصابة تقوى بصيرته ويزيد في سعيه واجتهاده ويستحلي الظفر بالصدق، ويحرص في أن تكون أقواله صادقة وأحكامه صحيحة، فعند ذلك يبرع في العلم على أقرانه ويصير رئيس أهل زمانه فتُكْشَف له الأسرار، وتصير ما بين يديه جليَّة لا يغيب عنه شيء منها، ويصير بنفسه الزكية ورويته الفكرية وتخيُّله الصادق كالفلك المحيط المطلع على ما دونه؛ فهو يخبر بما يكون قبل أن يكون في أقرب نظر وأيسر ملاحظة، ثم كذلك من دونه كما وُفِّق له ورُزِق الظفر به.

وهذا الفن من هذا العلم يُسمَّى نجامة، وكانت الجاهلية تسميه زجرًا وكهانة، وهو ضرب من السحر أيضًا، وبه ينصب الطلسمات ويعمل الأعمال، ونريد أن نذكر فنًّا من العلم بذلك وكيفية الحكم والاطلاع عليه شبه المقدمة والمدخل؛ ليكون دليلًا على ما ذكرناه وبيانًا لما وصفناه، وبرهانًا لما قدَّمناه إن شاء الله.

(٦) فصل في أن العلم الذي به المعرفة بالأشياء الحادثة …

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن العلم الذي به المعرفة بالأشياء الحادثة والأمور الكائنة التي تقوم وتدوم وتكون عواقبها بحسب موجبات ما يكون من الحركات السريعة والبطيئة هو ما يجب على الناظر في ذلك الراغب في علمه أن يعرف الأوقات والأحايين التي يكون فيها الابتداء بالأعمال والأفعال بأدق النظر وأصح التأمل حتى يعرف ما هو كائن من ذلك الابتداء وما تصير عاقبته إليه، وهو أن يعرف مواضع البروج الاثني عشر والكواكب المضيئة والنجوم السيارة والثوابت والطوالع في الفلك والعلم بمواضع السهام وما إلى آخر الاثني عشر برجًا والأوتاد وولاة الزمان وأرباب الساعات والأديان والمدبري أرباع السنة، الناظرين على الأيام والساعات وتقويم الحساب السبعة في طولها وعرضها، وأن ينظر في ذلك نظرًا صحيحًا وحسابًا مصححًا، ويقوِّم الطوالع إقامة مستوية مصيبة، ويقوِّم حساب البروج والأوتاد بدرجاتها ودقائقها وموضع الرأس والذَّنَب وموضع السهم الذي كان به ذلك العمل والاجتماع والامتلاء والأجزاء والاثني عشر برجًا والطالع وصاحبه، وصاحب اليوم والساعات، وأين موضع القمر الذي هو أنفع الأشياء في النظر وأصدقها في الخبر، وأحسنها دلالة على ما يحدث في عالم الكون والفساد؛ إذ كان هو أكثرها اختصاصًا بتدبيره وكيف سلامته من النحوس، وبُعْده من الطريقة المحترقة.

فإن جميع ما كانت بداية العمل به في وقت سلامته وحسن استقامته كانت عاقبته محمودة ونتيجته سالمة ومنفعته كاملة، ويكون دوامه وقوامه بحسب إبطاء الحركة وسرعتها وما دلت عليه أدلتها، وإن كان متصلًا بالنحوس هابطًا في ناحية الجنوب، أو يكون في آخر البروج أو في أول درجة منها ثم لم يُتِمها فإن ذلك رديء، أو يكون في هبوطه أو خاليًا عن صاحب بيته لا ينظر إليه، أو ساقطًا عن الوتد أو يكون مع الجوزهر، فإن ذلك الابتداء لا قوام له. وأعرف الكوكب الذي انصرف عنه القمر، والكوكب الذي يتصل به القمر في وتد هو أو ما يلي الوتد أو ساقط؛ لأن القمر إذا كان ساقطًا لم يكن فيه خير، إلا أنه يكون في الموضع الثالث من الطالع، وإن كان صاحب بيته ساقطًا؛ لأنك إن وجدت صاحب بيت القمر في الوتد الطالع أو وسط السماء أو الحادي عشر أو الخامس فكان شرقيًّا مستقيم السير، كان بذلك موافقًا للأمر الذي تبتدئ به، كالزُّهَرة لأمور النساء والسرور، وكموافقة المشتري للمِلل والأديان والذكور، وموافقة عطارد للكتابة، والشمس للسلطان والرياسة، والقمر للتعليم والرسل.

وينبغي أن تنظر في كل علمٍ تبتدئ به إلى الشمس والقمر وأصحاب شرفيهما أو حدودهما، ثم تنظر إلى وسط السماء؛ لأنك متى وجدت هذين الموضعين نقيَّين من النحوس ويكون أصحابهما — أعني شرفيهما — أو صاحب الطالع في موضع حسن، فإن الابتداء يكون محمودًا تامًّا ذا فضل، ولا سيما إن سامتت السعود المضيئة، وكان صاحب الطالع شرقيًّا؛ لأن تشريق الكواكب يدل على المغالبة والظفر والتمام والسرعة في درك الحاجة وغربي الكواكب، وإن كانت في وتد يدل على الإبطاء والثقل والتطويل، وإن وجدت القمر في موضع حسن وصاحبه ساقط فإن الابتداء بالعمل وحسن عاقبته رديئة، وإن وجدت القمر وصاحبه ساقطين فاقضِ برداءة أول العمل وآخره، وإن كان القمر وصاحبه بموضع حسن فإن العمل تامٌّ على ما طلب صاحبه بتمامه وقوامه، ولا سيما إن كان صاحب الطالع في وتد، وهو سعد، وإن كان نحسًا وموضعه صالح فأنفع الأشياء أن يكون المشتري أو الزُّهَرة في الطالع، فإن ذلك يدل على تمام العمل وحسن العاقبة واستعجال منفعة وعموم بركة، لا سيما إذا كان القمر متصلًا بالسعود، وذلك السعد ليس بناقص ولا راجع، فهو موافق لكل عمل إلا لعبد أراد الإباق من سيده وأخذ ما ليس له.

فصل

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن القمر أول الكواكب بتدبير ما تحته من عالم الكون والفساد وهو الواسطة؛ ولذلك يحتاج أن تنظر أولًا في ذلك إلى ما يكون من سعادته ونحسه، ثم تعرف زيادته في بدايته، وإنه من وقت انصرافه عن الشمس يبتدئ بالقوة ثم يتغير عند تسديسه إياها وتربيعه وتثليثه ومقابلته لها، وتكون قوته على قدر الكوكب الذي يتصل به عند ذلك وجوزهره والحد الذي فيه ذلك التربيع والتثليث والتسديس والمقابلة، فإن وجدت القمر زائدًا في نوره فإن ذلك أفضل في الأعمال التي يُستحب فيها الزيادة، وإذا نقص من ضوئه فإن ذلك أفضل في الأمور التي يُستحب فيها الانتقاص.

وكذلك إذا انفصل القمر من الشمس إلى أن ينتهي إلى تربيعها الأيسر فإنه صالح لطلب الحق.

وإذا انفصل من تربيعها الأيسر إلى أن ينتهي إلى مقابلة الشمس فذلك جيد للمبتدئ بالخصومات والجدل والمناظرات في الأشياء.

وأما ما بين المقابلة والتربيع الأيمن فموافق للمظلومين بالخصومة والدين، ثم إلى أن يصل إلى مجاسدة موافق لأصحاب العمل بالعلم وطلب الحق.

(٧) فصل في سعادة الطالع وقوة الساعة

أفضل سعود الطالع والكواكب إذا كان سعدًا في البرج الذي هو فيه ويكون سعدًا في البرج الثاني منه.

والبروج المنقلبة تصلُح لكلِّ أمر فيه مغالبة وفخر، لا سيما الجَدْي والحمل وذوات الجسدين لأصحاب العمل بالسحر والحيل، والثابتة لأصحاب العقد والربط ونصب الطلسمات وما يريد به صاحب الثبات.

فإن أردت عملًا يدوم ويقوم من علاج ذهب أو فضة أو عمل شيء يربطه روحانية، فليكن القمر والطالع ببرج ثابت وذي جسدين.

وإن أردت الابتداء بعمل تريد معاودته في كل يوم فليكن الطالع برجًا ذا جسدين والقمر في برج منقلب ينظر إلى الطالع.

فإن أردت العمل بدوام ثباته وقوته فليكن ذلك، والطالع برج ثابت ذو جسدين، والقمر في برج ثابت متصل بصاحب بيته من تثليث أو تسديس، وصاحب بيته بريء من النحوس والاحتراقات والرجوع.

فإن لم يمكنك ذلك فليكن القمر متصلًا بالسعود، وليكن ذلك السعد ينظر إلى صاحب الطالع من تثليث أو تسديس، واحذر المقابلة والتربيع؛ فإن أقوى ما يكون نظر السعود من التثليث والتسديس.

ثم أضعف ما يكون نظر السعود من التربيع والمقابلة، وأضعف ما يكون نظر النحوس من التثليث والتسديس، وأقواها من التربيع والمقابلة، فافهم ذلك واعرفه.

فإذا اتصل القمر بصاحب بيته من صداقة وكان نحسًا كان أيضًا صالحًا في الحوائج وجميع ما يعمل، وإذا كان سعدًا وهو ينظر إلى الطالع كان أجود وأحسن، واحذر من جميع الأعمال كلها من موضع القمر مع الذَّنَب، ونظره إلى النحوس من التربيع والمقابلة والمقارنة، واحذر في جميع الأمور والأعمال من فساد القمر؛ فإنه يدل على العُسْر والعناء والتطويل في العمل والمشقة فيه بنقصانه، ولا سيما إن كان نقصانه من الأنواع الثلاثة التي هي الضوء والحساب والسير، وأفضل ذلك أن يكون زائدًا فيها جميعًا ولا ينظر إليه المريخ بشيء من النظر؛ لأن نظر المريخ إلى القمر في زيادة منحسة عظيمة.

وكذلك نظر زُحَل إلى القمر إذا كان القمر ناقصًا، وأقوى ما يكون القمر بالليل إذا كان فوق الأرض، وأقوى ما يكون الطالع بالنهار وأن يكون القمر تحت الأرض.

ومن أفضل الأشياء أن يكون القمر والطالع في بروج مستقيمة المطالع، فإذا كان كذلك دلَّ على السرعة في الحاجة والنجاح، ولا سيما إذا كان في بروج ثابتة وذوات جسدين.

واعلم أن الحمل أسرع البروج المنقلبة تقليبًا، والسرطان أكثرها تقليبًا، والجَدْي أكثرها سعيًا، والميزان أقواها وأعدلها.

واعلم أن الأوتاد أسرع في تمام العمل والفراغ من غيرها، ويلي الأوتاد إبطاء، والساقطة بطيئة وهيئة فشلة.

وأسرع ما يكون العمل أن يكون سعد في الطالع أو مع القمر ويكون مستقيم السير.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن العلم بعواقب الأعمال إنما يُعْرَف من صاحب تثليث بيت القمر، وصاحب الطالع وبقدر مواضعهما وحالهما ونظر الكواكب إليهما، فقل في مثل ذلك واحكم على عاقبة الأمر بما لاح لك فيه إن شاء الله.

(٨) فصل في أن ذوات الجسدين من البروج أكثرها وجوهًا وصورًا

واعلم يا أخي أن ذوات الجسدين من البروج أكثرها وجوهًا وصورًا، وهي تصلح للشركة والمؤاخاة وما عُمل فيها من شيء فإنه يعود مرارًا.

وإذا كان القمر والطالع في برج ذي جسدين ونظر إلى السعود فإن ذلك جيد؛ لأنها زائدة صالحة موافِقة لكل عمل، والجوزاء أكثرها وجوهًا وأوفقها للصناعة والحساب والمنطق والتجارة والترويج أيضًا، والسنبلة تصلح للأخذ والإعطاء والكتابة والأدب، والقوس يصلح لأمر السلطان والرياسة ولأصحاب الجراءة والبأس والنجدة، والحوت يصلح للغاصة في البحر ومَنْ يعمل فيه ونحو ذلك. والبروج الثابتة موافِقة لكل عمل يحب صاحبه ثباته وطوله؛ لأن القمر والطالع أقوى دلالةً إذا كانا فيها، وإذا ابتدأ بالعمل في برج ثابت دلَّ على ثبات ذلك العمل بطوله وتمامه في آخره، فإن كان ذلك نحسًا أتاه الشر منه.

والعقرب أخف الثابتة، والأسد أثبت، والدلو والثور أرطب، ولا تدع النظر في سهم السعادة وصاحبه؛ لأنهما إذا كانا في ابتداء العمل بمواضع حسنة دلَّا على صلاح ذلك العمل وحسن عاقبته، وأفضل ذلك أن يكون صاحب السهم مشرفًا في مكان معروف.

فاعرف الصور والأشياء على مناظرة القمر لرب ذلك البرج والطالع، واجعل القمر يناظر ربه أبدًا؛ فإنه أسرع لما تريد من الأعمال وأنجح لها بتوفيق الله تعالى.

(٩) فصل قال بطليموس: إن مثل الكوكب إذا لم ينظر إلى بيته …

قال بطليموس: إن مثل الكوكب إذا لم ينظر إلى بيته كالرجل الغائب عن منزله وداره فلا يستطيع أن يدفع عنها ولا يمنع منها، وإذا كان رب الطالع ينظر إلى بيته فهو بمنزلة رب الدار الذي يحفظها ويمنع منها وهو بعيد عنها، فاجعل القمر في جميع الابتداء في موضع حسن جيد ولا تتوانَ فيه، أو اجعله مع السعد أو يتصل بسعد، واجعل البرج الذي تريد منه الحاجة يكون مسعودًا.

واعلم أن سهم السعادة في الابتداء والمسائل يحتاج إليه فلا تُسْقطه عن مناظرة القمر أبدًا ومقارنته؛ فإن للقمر شركة في سهم السعادة، ولا تلتفت إلى الدرجة التي يطلع فيها؛ لأن كل صورة ودرجة تطلع من تلك الصورة موافِقة لأمر واحد وأمرين وأكثر من ذلك. واعلم أن البروج المنقلبة تصلح لما يكون فيه المغالبة والاجتهاد.

(١٠) فصل في أن جميع ما يجرى في عالم الكون والفساد …

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن جميع ما يجرى في عالم الكون والفساد المرتب تحت فَلَك القمر من جميع ما فيه من كبيرة وصغيرة وحية وميتة وناطقة وصامتة، ومن ذي نمو وزيادة، وكل ذي نور ومحاق، فبتدبُّر فلكي وأمر سماوي، لا يخرج عن النظام الذي ركَّبه بارئه، عز اسمه، عليه وجعله فيه، لا يعدوه وكلٌّ مستقر في مكانه اللائق به.

وأفعال الكواكب روحانياتها تسري في عالم الكون والفساد كسريان القوى النفسانية في الأجساد؛ فلكل كوكب في الفلك وجوه وحدود، ولحدودها درج، ولها صورة تنحط من كل صورة إلى عالم الكون والفساد، روحانية متصلة بمثلها مرتبطة بشكلها؛ وهي موكلة بها المدة المقدرة لها، وهم ملائكة الله سبحانه الذين لا يحصي عددهم إلا هو، ولا تنزل إلا بأمره وحكمته.

ولما كان العلم بذلك يوجب لمَنْ علمه الفضيلة الإنسانية، وهي التصور بعد الموت بالصور الملكية؛ أوردنا منه في رسائلنا ما صلح أن نورده إلى إخواننا الكرام، أيَّدهم الله وإيانا بروح منه؛ ليقفوا عليه فيكونوا قد اطلعوا على مقدمات العلوم ومباديها فيكون معينًا لهم على التمهر فيها ومشوقًا لهم على الاطلاع عليها؛ ولئلا يجهلوا علمًا من العلوم ويتعدَّوا رسمًا من الرسوم، حتى لا يبغضوا العلم فيعادوا حامله ويصدُّوا عنه طالبه. وإنما وضعنا هذه الرسالة في معنى ما ذكرناه وماهية ما وصفناه من السحر والعزائم والكهانة والرقي والفأل والزجر، بما بيَّنَّا ذكره فيما بعدُ إن شاء الله تعالى؛ تنبيهًا للنفس اللاهية والأرواح الساهية الذين لا معرفة لهم بكيفية الموجودات ولا دراية بسريان الروحانية ولا بما تُظهره في عالم الكون والفساد، فأردنا إعلامهم وإيقافهم على معنى ما خفيَ عنهم وصعُب عليهم.

واعلم يا أخي أن جميع الأعمال والصنائع والحرف والمهن، وما يجري بين الناس من الأخذ والإعطاء، والبيع والشرى، والجدل والكلام، والاحتجاج في الأديان، وإقامة الدليل والبرهان، وما يكون من خرق العادات، وقلْب الأعيان، وتحويل الأشياء بعضها إلى بعض، ومزْج بعضها ببعض، فكل ذلك سحر وعزيمة، والعالم كلهم قائمون بعلمه وعمله، ولكن كل عمل يعمل بحسب استطاعته وبلوغ سعيه، وما يجد السبيل إليه بقدرته وطاقته، وكل ذلك بتدبير فلكي موجِب لكل عاقل ما هو عامل وقائم بسبيله لا يفوته ولا يتعدَّاه، ما دام ذلك الحكم مستمرًّا في مجراه حتى ينتقل منه إلى سواه.

وقد ظنَّ كثير من الناس ممن لا علم لهم ولا معرفة عندهم أن ما يجري في العالم الأرضي والمركز السفلي لا يكون إلا منه ولا يظهر إلا عنه، وقد عدموا معرفة الأصل في ذلك، ولو علموا وتحقَّقوا أن الحركة هي سبب النشوء؛ لَبَانَ لهم أن أصل الحركة الدورية هو الفلك المحيط والمحرِّك له هو النفس الكلية بأمر الباري جل جلاله؛ ولذلك أهملوا النظر في علم النجوم ودعاهم جهلهم بمعرفتها إلى الرد على أصحاب العلم، وعادوهم وانحازوا عنهم فانفردوا منهم، ونسبوا جميع ما يجري في العالم من الخير والشر، والعرف والنكر، والمحمود والمذموم، إلى فعل الباري سبحانه وأنه هو مريده، والأمر في حكمة الباري، عز اسمه، بخلاف ما ظنوه وغير ما تخيلوه؛ إذ كان أصل الخلقة خيرًا كله جودًا كله، لا تفاوت في خلقه النوراني وفيضه الروحاني. وقد بيَّنَّا هذا المعنى في الرسالة الجامعة.

واعلم يا أخي أن معرفة خلق الكواكب على ما وصفتها الحكماء وأخبرت بها العلماء مما ينبغي لك أن تعلمه ولا يسعك أن تجهله.

واعلم أنه العلم الذي كانت الكهنة يقدرون به على ما يعلمونه من الأعمال المستحسنة، وكذلك أصحاب الزجر والفأل.

ونريد أن نذكر في هذا الفصل شيئًا من ذلك لتعرفه فتعمل به إذا احتجت إلى العمل به إن شاء الله.

(١١) فصل في معرفة خِلْقة الكواكب والبروج على ما ذكرته الحكماء

«الحَمَل»: ذو جثة مجوفة، عظيم الوسط، برَّاق يتلألأ، صلب فيه اعوجاج. «الثور»: مجوَّف، عظيم الجثة كبير، متصل به شيء صغير، إلى البياض مائل، يابس المغمز خشن اللمس. «الجوزاء»: دقيق الوسط، عريض الطرفين، طويل، فيه اعوجاج، مصمت. «السرطان»: كثير العدد، خشن اللمس، يتفتت. «الأسد»: براق يتلألأ، صلب شديد الصلابة، عريضه أكثر من طويله، له انحراف. «السنبلة»: كثيرة العدد، مجتمعة لها أصل واحد، لها جثة، حسنة اللمس، ضعيفة الجسد، أعلاها غليظ وأسفلها دقيق. «الميزان»: طويل مشيخ، يدخل بعضه في بعض، ملتوٍ بعضه على بعض، مختلف الجوهر، ينتشر وينطوي. «العقرب»: طويل، محوز، مجوف. «القوس»: مصمت النصف الأول والنصف الأخير، مجوَّف، أصهب يابس، إلى الحمرة مائل. «الجَدْي»: كحلي، مجوف، مستقيم، مثل القصب والبردي. «الدلو»: أخضر، مصمت كله إلا خمس درجات من آخره فإنه مجوف. «الحوت»: أبيض إلى الخضرة النصف الأول منه، والثاني أبيض إلى آخره.

(١٢) فصل في خِلْقة الكواكب

  • الشمس: مدورة براقة، ينتشر لها ضياء وحُسن وصْف، تنقي الإنسان وتُجلي الغم.
  • القمر: مدور فيه كسر وثلمة إذا كان ناقصًا، مدور مستدير العرض إذا كان تامًّا، كاملًا أكمل الألوان، أسود صقيل فيه بعض الصفاء.
  • عطارد: صغير خفيف حقير، ينتشر وينطوي.
  • الزُّهَرة: مختلفة مشرقة اللون، طيبة الرائحة، ذات نماء، لها ثمان زوايا براقة تُثنى.
  • المريخ: أحمر يابس، في حمرته كمودة، صحيح، طوله أكثر من عرضه.
  • المشتري: أصفر، كريم الجنس، طويل عريض، فيه انحناء والتواء.
  • زحل: أسود، حقير خسيس، كريه المنظر كريه الرائحة، مربع، في تربيعه اعوجاج.

(١٣) فصل في الإخبار عن الأشياء الكائنة الغائبة

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن الإخبار عن الأشياء الكائنة الغائبة عن نظر العين بالخير والشر، وبما في الضمير من الأمور المكتمة في نفس الإنسان السائل فهو أيضًا سحر وكهانة، وهو مما ينبغي لك أن تعرفه ليتبين لك صحة ما ذكرته الحكماء من ذلك.

ونريد أن نُبيِّن لك شيئًا منه؛ ليكون مُعينًا لك على ما تريد أن تقف عليه مما رغبتَ فيه وسألتَ عنه.

(١٤) فصل في أن علماء الهند هم العارفون بصناعة النجوم

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن علماء الهند هم العارفون بصناعة النجوم المخصوصون باسم الكهانة، ويلحق بهم في العلم بذلك حكماء الفُرْس ومن بعدهما اليونانيون.

وأما الزجر فمختصٌّ به العرب في الجاهلية، وبعد ذلك الفأل في الإسلام، وقد وُضِعَت في هذا العلم كتب مستحسنة، بيَّنوا فيها من هذا البيان ما يكون في الوصول إلى بلوغ الغرض منه، فإذا أردت ذلك وسألك سائل عن خبر وضمير أو خبي يريد منك الإخبار به والقول عليه، فاحكم على ذلك من أرباب الساعات.

مثال ذلك: إذا سألك رجل عما في يده في أول ساعة الزُّهَرة، فاعلم أنه شيء أبيض حسن اللون طيب الرائحة مما يدخل النار ويخرج كالفضة.

وإن جاءك في وسط الساعة فإنه شيء حسن طيب الرائحة من العطر.

وإن جاءك في آخر الساعة فإنه شيء ضعيف لين مما يُنسب إلى الماء.

وإن جاءك في أول ساعة الشمس فهو صغير من نبات الأرض، وإن جاءك في وسط الساعة فإنه ذهب أو نقرة أو حلي من ذهب مدور أو دينار، وإن جاءك في آخر الساعة فإنه شيء رقيق ناري شبه القوارير.

القمر: إن جاءك في أول ساعاته فإنه فضة قليلة فيها رداءة أو خاتم فيه فص أسود أو نقرة أو فضة ناقصة للعيار، فإن جاءك في وسط الساعة فإنه شيء مدور فيه صدْع أو كسر كالدرهم المكسور أو ورد أو شيء من الكافور، وإن جاءك في آخر الساعة فهو زرنيخ أحمر أو أصفر.

المريخ: إن جاءك في أول ساعته فإنه شيء طويل أحمر، النحاس أشبه بذلك، وإن جاءك في وسط الساعة فهو شيء أحمر عريض، إما حلقة أو امرأة، وإن جاءك في آخر الساعة فهو شيء حاد طويل مثل السنان أو الخنجر.

عطارد: إن جاءك في أول ساعته فاعلم أنه كتاب أو ديوان حساب، وإن جاءك في وسط الساعة فاعلم أنه نبات الأرض إلى السواد وما هو عريض يابس.

وإن جاءك في آخر الساعة فهو حجر مثقوب أو حب لؤلؤ أو دراهم أو شيء منقوش أو فيه صورة.

المشتري: إن جاءك في أول ساعته فهو جوهر ياقوت أو لؤلؤ، وإن جاءك في وسط الساعة فإنه خرز أو بلور، وإن جاءك في آخر الساعة فإنه شيء مثل خاتم ساذج فصه، أو فصه فيروزج.

زحل: إن جاءك في أول ساعة فاعلم أنه حديد أو رصاص، وإن جاءك في وسط الساعة فإنه من نبات الأرض ثقيل، وإن جاءك في آخر الساعة فهو لا محالة شيء مثل عناب أو نبق أو شبه ذلك.

(١٥) فصل في معرفة أرباب الساعات

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أنه إذا صحَّ لك معرفة هذا العلم من هذا الباب قدرت على الإخبار بما شرحناه في الفصل الذي قبل هذا؛ وهو أن تعلم أن الكواكب السبعة التي هي أرباب الأيام السبعة.

فربُّ يوم الأحد الشمس، وربُّ يوم الإثنين القمر، وربُّ يوم الثلاثاء المريخ، وربُّ يوم الأربعاء عطارد، وربُّ يوم الخميس المشتري، وربُّ يوم الجمعة الزُّهَرة، والسبت زحل.

فإذا كان رب اليوم كوكبًا من الكواكب فهو مدبِّر الساعة الأولى من ذلك اليوم، ثم رب الساعة الثانية الذي دونه، والذي بعد رب الساعة الثالثة، وكلما انتهى إلى رب اليوم ابتدأ بالعدد إلى تمام أربع وعشرين ساعة، كيوم الأحد مثلًا فإنه للشمس، وهو رب الساعة الأولى، والزُّهَرة رب الساعة الثانية، وعطارد رب الساعة الثالثة، وكذلك ساعات أرباب كل يوم.

(١٦) فصل في معرفة ما تدل عليه الكواكب من أعضاء الحيوان

  • لزحل: الأذن اليمنى في ظاهر الجسم، وفي داخله الطحال.
  • وللمشتري: الأذن اليسرى، ومن داخله الفؤاد.
  • وللمريخ: المنخر الأيمن، ومن داخله الكليتان.
  • وللشمس: العين اليمنى بالنهار، ومن داخله المعدة.
  • وللقمر: بالليل العين اليسرى، ومن داخله الرئة.
  • الزُّهَرة: لها من خارج الجسم والوجه والصدر، ومن داخله القلب.
  • ولعطارد: اللسان، ومن داخله المرارة.

(١٧) فصل في معرفة الخبيء

إذا كان حيوانًا فاستدلَّ على خلقة رأسه بخِلْقة رأس الطالع، وعلى خِلْقة صدره بخِلْقة صدر وسط السماء، وعلى خِلْقة بطنه بخلقة وسط السابع، وعلى عدد أرجله وخِلْقته بخِلْقَة أرجل الرابع وعددها، وعلى حسنه وقبحه بمشاهدة السعود والنحوس؛ إن كان القمر منحوسًا فإن الذي سألت عنه من أعضاء الجسد قبيح، وإن كان مسعودًا فإنه أحسن.

(١٨) فصل في معرفة الخبيء من الثاني عشر وصاحبه

إن كان الثاني عشر برجًا هوائيًّا فهو من الهواء، وإن كان أرضيًّا فمن الأرض، وإن كان مائيًّا فمن الماء، وإن كان ناريًّا فمن النار.

ثم انظر إلى صاحب الموضع كذلك وامزجهما، فإن كان أحدهما أرضيًّا وصاحبه مائيًّا فهو نبات، وإن كان أحدهما مائيًّا وصاحبه أيضًا فهو جوهر جسدي، مثل الأجساد والكباريت، وإن كان أحدهما أرضيًّا والآخر هوائيًّا فهو من الحيوان الذي ينحل من الأرض، وإن كانا أرضيين فهو أرضي، وكذلك في جميع الأشياء.

(١٩) فصل في معرفة ما تدل عليه الحدود من كلام حكماء الفرس

  • الحَمَل: حد المشتري وهو الأول ست درجات، يدل على جوهر أبيض وأصفر يعمل بالنار. الثاني: الزُّهَرة ثمان درجات، يدل على شيء شديد يابس يضرب إلى السواد وإلى الصُّفْرة تذيبه النار، وكل ذلك مدحرج أو مدور إلى العرض ما هو. الثالث: عطارد سبع درجات، يدل على نقش سواد أو على شيء كتابة أو نبات أسود. الرابع: المريخ خمس درج، يدل على شيء طويل أحمر يشبه النحاس. الخامس: زحل، أربع درجات، يدل على حديد أو رصاص أو شيء أسود أصله رديء أو ميت، أو شيء لا قيمة له.
  • الثور: الأول حد الزُّهَرة ثمان درجات، نبات الأرض، لكنه جوهر أبيض من نبات أبيض. الثاني حد عطارد سبع درجات نبات الأرض، لكنه جوهر قد تغيَّر عما كان عليه. الثالث حد المشتري سبع درج، حيوان ذو أربع قوائم مما يكون له قرون. الرابع حد زحل درجتان، جوهر من جنس الأرض، لكنه شديد خشن يابس أسود. الخامس حد المريخ ست درج، حيوان يأكل اللحم.
  • الجوزاء: الأول منها حد عطارد سبع درجات، حيوان من جنس الناس، ومن الطير العقبان مما يأكل اللحم ويستأنس بالناس ويأْلف البيوت وينطق. الثاني حد المشتري ست درجات، حيوان الأنس، ومن الطير القصار الأعناق، وكل ذلك إلى البياض. الثالث حد الزُّهَرة سبع درجات، حيوان ذو ألوان مختلفة من الطير لا واحد ولا اثنين، مختلفة ألوانها. الرابع حد المريخ ست درجات، الحيوان الأنسي، ومن الطير مما يأكل اللحم. الخامس حد زحل أربع درجات، حيوان يضرب إلى السواد.
  • السرطان: أول حدٍّ منه لبهرام ست درجات، سباع الماء، وجوهر قد عمل بالماء والنار. والثاني للمشتري سبع درجات، جوهر الماء مما يؤكل ويُنْتَفع به. الثالث حد عطارد سبع درجات حيوان. ومن الطير ما يأكل اللحم، حَسَن المنطق، صغير، فيه لونان. الرابع حد الزُّهَرة سبع درجات، جوهر يخرج من الماء أو حيوان لين أو شيء ريحه طيب. الخامس حد زحل ثلاث درجات، حيوان، لكنه لا يُنْتَفع به، وهو أسود فيه حمرة، ضخم لا يكون إلا في الماء.
  • الأسد: أول حدٍّ منه لزحل ست درجات، شيء شديد لا يُنتفع به، يابس مثل الحجر ولكنه إلى الطول ما هو. الثاني حد عطارد سبع درج، جوهر أسود يابس لا يُنْتَفع به، دنس. الثالث حد المريخ خمس درج، جوهر أسود لا يُنْتَفع به، دنس. الرابع حد الزُّهَرة ست درجات، شيء النصف الأول منه يابس والنصف الآخر رديء لا يُنتفع به. الخامس حد المشتري ست درجات، ذو أربع قوائم، يأكل اللحم ويستوحش من الناس، ضخم.
  • السنبلة: أول حدٍّ منها لعطارد سبع درجات، نبات صغير ثقيل إلى الطول ما هو. الثاني للزُّهَرَة ست درجات، نبات لا يكون له ثمر، عظيم، جوفه أطيب من خارجه. الثالث حد المشتري خمس درجات، شيء دسم عزيز. الرابع حد زحل ست درجات، شجرة كثيرة الشوك، ثمرها أحمر له لونان، وله نور حسن حار يابس. الخامس حد المريخ ست درج، حيوان جسيم طويل يضرب إلى السواد، كثير الأرجل، صبور.
  • الميزان: الأول لزحل سبع درجات شيء أسود. الثاني حد الزُّهَرة خمس درجات حيوان يطير، وما لا يطير لا يكون له قوائم، عدو للناس. الثالث حد عطارد خمس درجات، حيوان ثقيل لا يُنتفع به. الرابع حد المشتري ثمان درجات، شيء أبيض مؤنث. الخامس حد بهرام خمس درجات، حيوان يأكل اللحم، وفيه ألوان.
  • العقرب: أول حدٍّ منه للمريخ ست درجات، حيوان يكون في الماء، ويؤذي دواب الماء، ويكون كثير القوائم. الثاني حد الزُّهَرة خمس درجات، جوهر في الماء حسن يُنتفع به. الثالث حد المشتري ثمان درجات، يكون في الماء، دقيق طويل، يُنتفع به، يأكله الناس. الرابع حد عطارد ست درجات، جوهر يكون في الماء، يابس منتن. الخامس حد زحل خمس درجات، حيوان لا يُنْتَفع به، شبه شيء قذر.
  • القوس: أول حدٍّ منه للمشتري ثمان درج، جوهر عزيز شبه حجر، النصف الأول والنصف الثاني حيوان ذو أربع قوائم، يُنتفع به ويُحمل عليه. الثاني حد الزُّهَرة ست درجات، النصف الأول حيوان، والنصف الثاني جوهر أحمر عزيز. الثالث حد عطارد خمس درجات، النصف الأول حيوان، والنصف الثاني جوهر لا يُنتفع به. والرابع زحل، ست درجات، جوهر أسود يذاب بالنار، أحمر أصم. الخامس المريخ، خمس درجات، حيوان مفسد، عدو للإنسان.
  • الجَدْي: أول حدٍّ منه للزُّهَرَة سبع درجات، جوهر نباتي. الثاني عطارد سبع درجات، من جوهر الأرضين، طير، قد تشبه الماء والنار. الثالث حد المشتري ثماني درجات، حيوان ذو أربع قوائم ذو قرون. الرابع حد زحل أربع درجات، جوهر شديد يعمل بالنار، لا يذوب، حديد. الخامس حد بهرام أربع درجات، جوهر شديد، تذيبه النار، ويضرب إلى الحمرة، نحاس.
  • الدلو: أول حدٍّ منه لزحل سبع درجات، حيوان من دواب الأرض مما يتأذى به الناس. الحد الثاني للزُّهَرَة ست درجات، حيوان. الحد الثالث للمشتري سبع درجات، حيوان يشبه الإنسان، وطير يشبه دجاجة تربَّى في الماء. الرابع حد المشتري خمس درج، يأكل اللحم، أكثر ما يكون من الطيور، يشبه النسر والعقاب. والخامس حد المريخ خمس درجات.
  • الحوت: أول حدٍّ منه للزُّهَرَة اثنتا عشرة درجة، ثياب تُصْنَع من وبر الحيوان، قوي متشابه الألوان. الثاني حد المشتري أربع درجات، حيوان يكون في الماء. الثالث حد عطارد ثلاث درجات، نبات يكون في الماء، لا يُنتفع به إلا في النار. والرابع حد المريخ تسع درجات، حيوان يكون في الماء يؤذي ما يكون فيه من الدواب. الخامس حد لزحل درجتان، حجر وَدَع يتكون في الماء على ساحل البحر، يحمل حديدًا وحجرًا عليه حديد.

(٢٠) فصل في معرفة النوبهرات من كلام حكماء الهند

الحمل أول نوبهر فيه ذهب، الثاني نبات، الثالث نبات أخضر، الرابع ذو أربع قوائم، الخامس ذهب أو ياقوت أحمر، السادس حيوان ذو رِجْلين، السابع نبات، الثامن صقر أبيض، التاسع ذو رجلين. «الثور» أول نوبهر منه نبات، الثاني حجر، الثالث ذو روح وقوائم، الرابع ذهب، الخامس نبات، السادس إنسان، الثامن صقر أبيض، التاسع روح ذو رجلين. «الجوزاء» أول نوبهر منه نبات، الثاني شبهه، الثالث إنسان، الرابع نبات، الخامس رصاص أو قلعي أو أسرب، السادس من دواب الماء، السابع ذو أربع قوائم، الثامن نبات من الأرض، التاسع ذو رجلين. «السرطان» أول نوبهر منه نبات، الثاني جوهر أو صدف، الثالث حب، الرابع نبات، الخامس حديد، السادس برذون أو بغل، السابع نبات، الثامن جوهر أو حجارة، التاسع دواب الماء. «الأسد» أول نوبهر منه ذهب، الثاني ذو أربع قوائم، الثالث إنسان، الرابع حية، الخامس أسد أو نمر، السادس ذو أربع قوائم، السابع امرأة، الثامن عقرب أو حية، التاسع برذون أو بغل. «السنبلة» أول نوبهر منه صوف، الثاني حرف، الثالث إنسان، الرابع شاة، الخامس جاموس، السادس طير، السابع العلق الذي يكون في الماء، الثامن كلب، التاسع امرأة. «الميزان» أول نوبهر منه نبات، الثاني سهم، الثالث ذو أربع قوائم، الرابع مثله أو غراب أو ضبع، الخامس طير يأكل اللحم، السادس امرأة، السابع ملح، الثامن دواب، التاسع نبات. «العقرب» أول نوبهر منه زنبور أو عقرب، الثاني دب أو قرد، الثالث فراخ حدأة أو رخمة، الرابع سيف، الخامس عقرب أو حية، السادس فيل، السابع سلحفاة، الثامن إنسان، التاسع نعامة. «القوس» أول نوبهر منه ذهب، الثاني نبات، الثالث إنسان، الرابع نبات، الخامس أسد، السادس جارية، السابع نبات أخضر، التاسع برذون أو إنسان. «الجدي» أول نوبهر منه ضب، الثاني صدف، الثالث إنسان، الرابع دجاجة أو ديك، الخامس فيل، السادس ريح، السابع سيف، الثامن نبل، التاسع إنسان. «الدلو» أول نوبهر منه حرف، الثاني إنسان، الثالث طير أو عنز، الرابع جمل أو حمار، الخامس حيوان غريب، السادس جوهر الماء، السابع خنزير، الثامن نبات، التاسع إنسان. «الحوت» أول نوبهر منه طير الماء ودواب الماء، الثاني طير الماء، الثالث فضة أو لؤلؤ أو صدف أو زبد البحر، الرابع قوائم أبلق، الخامس حيوان يأكل اللحم، السادس برذون أو رجل، السابع إنسان، الثامن ثمر أو بير، التاسع سمكة.

(٢١) فصل في أن لأصحاب هذه الصناعة والحكم على هذه المسائل دلائل كثيرة

واعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن لأصحاب هذه الصناعة والحكم على هذه المسائل دلائل كثيرة، تركنا ذكرها والاستقصاء فيها؛ إذ كنا إنما نذكر من كل علم شبه المقدمة والمدخل إلى باقيه؛ ليكون تحريضًا لإخواننا على التمهر فيه والشوق إليه؛ لأن بالشوق إلى الشيء يكون الحرص على الاطلاع عليه والمعرفة به. ومثل هذا العلم يجب لإخواننا، أيَّدهم الله وإيانا بروح منه، أن يعرفوه ويتعلموه ولا يزهدوا في شيء منه؛ لأنه علم جليل نفيس شريف، وجوهر سماوي وبدؤه إلهي، وجميع ما في العالم السفلي والمركز الأرضي فتدبيره يكون في حال نشوئه وبلائه ونقصانه وتمامه.

ونريد أن نذكر أول ما ابتدأ به أصحاب هذه الصناعة وجعلوه مقدمة للمبتدئين ليعرفوا به ما يتفرَّع من المسائل، ومعرفة الضمير الذي يسأل عنه السائل ما هو؟ وماذا يكون منه؟ وما الذي يصدر عنه؟ وهو الأصل المعتمَد عليه في صناعة الكهانة والنجامة.

والذي يختص منه بالكهانة هو ما لا يستعين عليه صاحبه بآلة ولا بإظهار حساب ولا نظر في كتاب، بل بجودة الحفظ، وذكاء النفس، وصحة العقل، وجودة التمييز، وحدَّة الخاطر، مع مساعدة ما اتفق له في مولده الموجب له ذلك.

فإذا عرف موضع القمر وتقويم الطالع وأرباب الساعات والأيام، وجاءه السائل أخبره عما سُئل عنه وما يكون من أمره، وعن ابتداء عمله وكيف تكون عاقبته، وأما ما يختص بالزجر فهو أن يجعل أول ما تقع عينه عليه في وقت المسألة جوهر ما يُسأل عنه، فإذا رأى ذلك نظر إلى جوهر الطالع في ذلك وموضع وقت القمر، فإذا وافقه حَكَمَ به وأخبره بما يكون منه، فإن عدم النظر رجع إلى حسن السمع فجعل أول صوت يسمع مثل ما قدمنا ذكره في النظر، وله علم يختص به يطول ذكره.

(٢٢) فصل في استخراج الضمير للسائل

واعلم يا أخي أن المسائل على ثلاثة أوجه: فأول ذلك أن تعلم في أي شيء جاءك السائل وعما سأل عنه؟ والوجه الثاني من أين هذه المسألة؟ وأي شيء كان سببها أولًا؟ والوجه الثالث أن تعلم هل تُقْضَى أو لا؟ وإلى ماذا تصير عاقبتها؟ قال: أو قِس إذا أردت أن تعرف ذلك ابتدِئ بمعرفة الدليل على ما أصف لك.

ومعرفة ذلك أن تنظر إلى الطالع وصاحبه، وإلى القمر وإلى رب بيته، وإلى الشمس وإلى رب بيتها، وإلى صاحب الساعة وإلى سهم السعادة. واعمل بأجودهم موضعًا وأكثرهم شهادة، فإن لم تجد شيئًا مما ذكرنا فانظر إلى صاحب الطالع وإلى صاحب الشرف وصاحب الحد وصاحب المثلثة وصاحب الوجه، ثم اعرف أيها المستولي على الطالع، وهو أن تنظر أيها أكثر حظًّا في الطالع فاتخذه دليلًا.

واعلم أنه إذا كان جيد الموضع — وجودة موضعه أن يكون في بيته أو في شرفه أو في جده أو في مثلثه أو وجهه ويكون نقيًّا من النحوس — فإنه الدليل.

واعلم أن لصاحب البيت خمسة حظوظ، ولصاحب الشرف أربعة حظوظ، ولصاحب الحد ثلاثة حظوظ، ولصاحب المثلثة حظين، ولصاحب الوجه حظًّا واحدًا، فاعمل بأكثرهم شهادة وأجودهم موضعًا.

واعلم أنه إذا كان صاحب الطالع في الطالع فهو أَولى به من غيره، فإن لم يكن في الطالع وكان صاحب الشرف في الطالع فهو المستولي له كله، فإن كانا جميعًا في الطالع فهما شريكان، وإن كان لأحدهما شهادة أخرى فهو أقوى موضعًا، وهو الدليل بفضل شاهد أن يكون له كوكب له في الطالع شهادة ويتصل بأحدهما، أو يكون القمر في بيت أحدهما أو يتصل بأحدهما، فإذا كان كذلك فهو الدليل بفضل شهادة، فإن لم يكونا في الطالع فعليك بالدليل.

واعلم أن أقوى ما يكون من الأدلة وأَولاها بالمسألة أقواها موضعًا وأكثرها نصيبًا.

واعلم أن لكل طالع ربًّا، وقد يبقى الطالع ساعتين حتى يخرج، وقد يجوز أن يسأل في تلك الساعتين عن مسائل كثيرة، فإن كان صاحب الطالع هو دليل تلك المسائل كلها كانت تكون على أحد أمرين: إما مصلحة كلها وإما رديئة كلها، وليس الأمر كذلك.

وقد يكون القمر متصلًا يومه كله أو ساعات من النهار بكوكبٍ ما، والمسائل تختلف؛ منها ما يكون ومنها ما لا يكون بجودة النظر في الأصول.

(٢٣) فصل في ذكر أوتاد الفلك وأرباعه والبيوت الاثني عشر

واعلم أيها الأخ، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن الفلك الأعلى يدير فلك البروج وسائر الأفلاك من المشرق إلى المغرب في اليوم والليلة دورة واحدة، وفي كل وقت من الأوقات يكون بعض درج فلك البروج في أفق المشرق، وبعضها في حقيقة درجة وسط السماء، وبعضها في أفق درجة الغارب، وبعضها في درجة الرابع، ومن كل موضع من هذه المواضع إلى الآخر يكون ربع الفلك، وكل ربع منه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: منها ما يُسمَّى بيتًا فيكون الفلك في كل وقت أربعة أرباع على قدر فصول السنة، ويكون اثني عشر بيتًا على عدد البروج، والربعان اللذان من الطالع إلى وسط السماء، ومن الغارب إلى الرابع يسمَّيان منقلبين ذكرين شرقيين متيامنين، والربعان اللذان من العاشر إلى الغارب ومن الرابع إلى الطالع يسمَّيان ثابتين مؤنثين غربيين متياسرين.

وقد يقال أيضًا: إن فوق الأرض يَمْنَة وأسفل الأرض يَسْرَة، وفي قسمة أخرى بالربع الذي هو من الطالع إلى وسط السماء شرقي مقبل، والربع الذي من وسط السماء إلى درجة الغارب جنوبي زائل، والربع الذي هو من الغارب إلى درجة الربع غربي مقبل ذكر، والربع الذي من درجة الرابع إلى الطالع شمالي مؤنث زائل.

ويسمى الربعان المؤنثان والنصف الذي من وسط السماء إلى آخر الدرجة الثالثة الأخيرة منه يقال له الصاعد، والنصف المقابل يقال له الهابط.

وهذه الأربعة تنقسم على اثني عشر قسمًا على عدد البروج، ويقال لكل قسم منها بيت.

(٢٤) فصل في معرفة البيوت

فأول بيوت الفلك هو البيت الذي يطلع أوله من أفق المشرق، والذي بعده هو الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، ثم كذلك سائر البيوت يُسمَّى كل بيت منها باسم العدد الذي يليه إلى الثاني عشر، وكل بيت من هذه البيوت الاثني عشر يُسمَّى باسمٍ مخصوص ويُنْسَب إلى أشياء موجودة فيه.

(٢٥) فصل في البيت الأول

  • البيت الأول: يقال له الطالع، وهو يدل على الأبدان والحياة وعلى حالات كل ابتداء، وحركة المثلثة الأولى تدل على الحياة والعمر وطوله وقصره، والثانية تدل على القوة في الجسم، والثالثة تدل على الصورة.
  • والبيت الثاني: يقال له بيت المال، وهو يدل على جمع المال واكتنازه وأسباب المعاش وحالاتها والأخذ والإعطاء، والمثلثة الأولى تدل على المال، والثانية على الأعوان والمعاش، والثالثة تدل على المروءة واللطف.
  • والبيت الثالث: من الطالع يقال له بيت الإخوة والأخوات والأقرباء والأصهار، والعلم والرأي، والدين والفقه، والخصومات والأديان، والكتب والأخبار، والرسل والأسفار القريبة والنساء.

    والأحلام القليلة المثلثة الأولى تدل على الإخوة والأخوات، الثانية تدل على القرابات، الثالثة تدل على الرعية.

  • البيت الرابع: من الطالع يقال له بيت الآباء، وهو يدل على حالات الآباء الأصل والجنس والأرضين والقرى والمدائن والبناء، وعلى كل شيء مستور مما كان تحت الأرض، وعلى الكنوز، وعلى العاقبة والموت وما بعده مما تصير إليه حالات الإنسان الميت من الدفن والنبش، أو الصَّلْب والحرق، أو الرمي به في بعض المواضع، أو أكل لحم الحيوان أو غير ذلك من حالاته، وما يختص بالنفس من الثواب والعقاب في المعاد، ولا يتهيأ لأحد النظر في هذا القسم المختص بالنفس إلا للعلماء من إخواننا الفضلاء، وقد ذكرنا كيفية ذلك في رسالتنا الجامعة عند ذكر شرح رسالة كيفية اللذات والآلام، والموت وما بعد الموت.

    المثلثة الأولى تدل على الآباء والأمهات، الثانية تدل على العاقبة في الأمور، الثالثة تدل على الأرضين وبناء المدائن.

  • البيت الخامس: من الطالع يقال له بيت الولد، وهو يدل على الولد، والرسل والهدايا، والرجاء وطلب النساء، والمصادقة والأصدقاء، والمدن وحالات أهلها، وعلى غلَّات الضِّياع وكثرتها وقلتها.

    والمثلثة الأولى تدل على الولد واللذة، والأكل والشرب، والثانية تدل على الأخبار والرسل، والثالثة تدل على المخاطبة والمصادقة.

  • البيت السادس: يقال له بيت المرض، وهو يدل على الأمراض وأسبابها والزمانة، والعبيد والإماء، والوضيعة والظلم والنقلة من مكان إلى مكان.

    المثلثة الأولى تدل على المرض، والثانية تدل على العبيد، والثالثة تدل على الهمة والفكر.

  • البيت السابع: منه يقال له بيت النساء، وهو يدل على النساء والتزويج وأسبابه، والخصومات والأضداد، والسفر والسلف وأسبابه، والشركة. المثلثة الأولى تدل على النكاح، الثانية تدل على الأضداد، الثالثة على الشركة.
  • البيت الثامن: يقال له بيت الموت، وهو يدل على الموت والقتل والمواريث، وعلى السموم القاتلة والخوف، وعلى كل شيء هلك وضل، وعلى الودائع والبطالة والكسل. المثلثة الأولى تدل على الموت، الثانية تدل على الخوف، الثالثة تدل على المواريث.
  • البيت التاسع: يقال له بيت السفر، وهو يدل على الأسفار والطرق والغربة، وأمر الربوبية والنبوة والدين وبيوت العبادة كلها، والفلسفة وتقدمة المعرفة وعلم النجوم والكهانة، والكتب والرسل والأخبار والرؤيا.

    المثلثة الأولى تدل على السفر وموافقته. الثانية تدل على الدين والعبادة والكتب والعلم والفلسفة. الثالثة تدل على الرؤيا والأحلام.

  • البيت العاشر: يقال له بيت السلطان، وهو يدل على الرفعة والملك والسلطان والوالي والقاضي والشرف والذكر والصناعات والأمهات.

    والأعمال المثلثة الأولى تدل على السلطان والعز والولايات، الثانية تدل على المسألة الغامضة وعلى الملائكة والوحي ويقال: إنها السلطان والعز، والولايات الثلاثة تدل على الأمهات.

  • البيت الحادي عشر: يقال له بيت السعادة، وهو يدل على السعادة والرجاء، والأصدقاء والمحبة والثناء، والمواعيد والآمال، والولد والأعوان.

    المثلثة الأولى تدل على الرجاء في الأمور، والثانية تدل على السعادة، الثالثة تدل على الأصدقاء والسخاء والكرم.

  • البيت الثاني عشر: يقال له بيت الأعداء وهو يدل على الأعداء والشقاء والحزن والغموم والحسد والنميمة والمكر والحيل والعناء والدءوب، ويدل على الجيوش. المثلثة الأولى تدل على الأعداء. الثانية على الشقاء والنميمة والغموم. الثالثة على الدءوب.

(٢٦) فصل في الاستدلال على المسائل والإخبار بها

إذا سُئِلت عن مسألة فانظر إذا أقمت الطالع بدرجاته ودقائقه وعرفتَ الدليل فانظر إلى القمر في أي البروج هو؟ وفي أي الحدود هو؟ وعمن ينصرف من الحدود؟ وبمن يتصل؟ وبأي الموضعين كان أقوى؟ فاقضِ عليه.

بيان ذلك أنَّا نظرنا فوجدنا الطالع الحمل حد بهرام، وكان بهرام ساقطًا، وكان زحل ساقطًا، وكان القمر في الثالث من الطالع في بيت عطارد، وكان عطارد في السابع من الطالع، وكانت الزُّهَرة في الدلو، فإذا الدليل هو القمر؛ لأن بهرام كان ساقطًا، وكان زحل ساقطًا أيضًا، وكان القمر في الثالث من الطالع في بيت عطارد؛ فلهذا قلنا: إن الدليل القمر؛ وذلك أنَّا لم نجد أقوى من القمر، وكان في الثالث من الطالع في بيت فرحه، وكان يتصل بعطارد من التثليث، وكان عطارد في السابع بيت الزُّهَرة، وكان نظرها إليه من تثليث، وعطارد أيضًا صاحب بيت المريض، يدل على أن السائل يسأل عن كتاب ورد عليه من أخ له يذكر فيه حال مرض امرأة من بعض أزواجه يئول حالها إلى البرء.

(٢٧) فصل إذا سألك سائل عن نفسه وحاله …

إذا سألك سائل عن نفسه وحاله وما يصيبه فانظر إلى الطالع وصاحبه، ومَنْ ينظر إلى الطالع وإلى القمر أمسعودة أم منحوسة؟ فإن كانت مسعودة فحاله حسنة له، وإن كانت منحوسة فحاله سيئة، وإن كانت ممتزجة فحاله متوسطة.

وإن سألك عن دوام ما هو فيه؟ فانظر إلى صاحب الطالع والقمر، فإن كانا في برج ثابتة أو في الأوتاد فإنه يدل على دوام ما هو فيه، وإن كانا فيما يلي وتدًا فإنه يدل على زوال ما هو فيه، وإن كان النحس قبل الوتد فقل له: قد كنت في شر، وإن كان في وتد فقل له: أنت فيه اليوم، وإذا كان النحس بعد الوتد فقل: الخوف عليك فيما بعدُ، ولا سيما إذا كان في الثاني عشر، فإن كان صاحب الطالع منصرفًا من سعد إلى سعد فقل: من خير إلى خير، وإن كان من نحس إلى نحس فقل: من شر إلى شر، فإن نظر صاحب الطالع إلى صاحب بيت القمر فقل: تصيب سرورًا، وإن نظر إلى صاحب بيته وشرفه فإنه يرتفع من منزلة إلى منزلة، والكوكب الذي ينصرف عنه صاحب بيت القمر هو الأمر الذي يصير إليه فيما يستأنف، وإن سألك عن مال فانظر فإن كان صاحب الطالع يتصل بصاحب الثاني فإنه يصيب الذي طلب، وإن كان يدفع بينهما كوكب فإنه يحول بينهما في ذلك إنسان من جنس ذلك الكوكب، ومعرفة ذلك أن تعرف صاحب أي بيت هو من بيوت الفلك فتنسبه إليه إذا نظر إلى بيته، فإن كان صاحب الثاني في الثاني فإنه يصيب من عمل يديه، وإن كان صاحب الثاني في الثالث فإنه يصيب من إخوانه وأخواته، وإن كان في الرابع فمن الآباء والأرضين، وإن كان في الخامس فمن الولد والتجارة، وإن كان في السادس فمن العبيد أو المرضى، وإن كان في السابع فمن النساء والخصومات والشركة، وإن كان في الثامن فمن المواريث، وإن كان في التاسع فمن الدين والأسفار، وإن كان في العاشر فمن السلاطين والآباء، وإن كان في الحادي عشر فمن الأصدقاء والإخوان والتجارات، وإن كان في الثاني عشر فمن الدواء وأمر فاسد، وإن كان في بيته فهو وسط وإن كان في هبوطه فهو رديء قليل.

وكذلك إن كان منحوسًا أو راجعًا فهو فاسد رديء، وإن كان مسعودًا فهو صالح، وإن اتصل صاحب الثاني بالمريخ فمن السرقة واللصوصية والآثام والخصومات، فإن اتصل بزحل فهو شيء من عسر وكد لا يوصل إليه إلا بعد تعب وشدة، فإن اتصل بالمشتري فمن الورع والدين والنسك والفقه، فإن اتصل بعطارد فمن الكتابة والحساب والتجارات والكلام، وإن اتصل بالزُّهَرة فمن قِبَل النساء، وإن اتصل بالشمس فمن قِبَل الملوك والسلاطين، وإن اتصل بالقمر فمن قِبَل الكلام والرسالة.

(٢٨) فصل في كلام حكماء الهند وغيرهم في الضمير

وإن كان الدليل الأول رب الطالع أو الكوكب القابل تدبيره فإن الضمير عن موضع رب الطالع من الفلك أو عن موضع قابل تدبيره من الفلك، وقد يخرج الضمير من درجة الطالع نفسها، وذلك أن تنظر أي كوكب يتصل به درجة الطالع، فإن الضمير من قبل موضع ذلك الكوكب من الطالع، ولا تغفل عن الكوكب الذي يكون في الطالع إذا لم يسقط عن درجة الطالع، فإن الضمير جوهر ذلك الكوكب.

وإن نظر إلى صاحب أي بيت هو فيه من الطالع فإن المسألة عن جوهر ذلك البيت الذي ينظر إليه.

والدليل الثاني: قول ويرونس وأنطليقوس وبطليوس وواليس ورانبوس؛ وذلك أن تنظر صاحب أي بيت هو، وأن تنظر إلى البرج الذي فيه سهم السعادة، فإن المسألة عن جوهر ذلك البيت من الطالع، فإن كان في الطالع فإن المسألة عن نفسه، وإن كان في الثاني فمن المال، وكذلك بقية البروج الاثني عشر.

والدليل الثالث: قول علماء الهند، فإنهم قالوا إذا سُئلت عن شيء قد أُخْفِي عنك فانظر إلى رب حظ الدرجة، والطالع، ورب الحد، ورب الدرجة، أيها أقوى؟ وبماذا يتصل؟ فرب ذلك الموضع هو الدليل على الشيء الذي أُخْفِي عنك، وأقواها أن تنظر إلى درجة الطالع في أي برج هو؟ وفي أي برج يقع؟ فإن كان صاحب ذلك البرج هناك فإن وجدت هنالك كوكبًا فإن الضمير عن مثل ذلك البيت عن الفلك، فإن لم يكن هناك كوكب فانظر أين تجد حظ صاحب ذلك البيت، فإن الضمير على مثل موضع صاحب الحظ من الطالع وموضع صاحبه.

والمثال في ذلك أن الطالع كان اثنتي عشرة درجة من الحمل، فألقيت لكل برج درجتين ونصفًا، وبدأت بالطرح من الحمل الذي هو الطالع، فبهذا الحساب يكون في الأسد الذي هو بيت الولد، فلم يكن الشمس هناك ولا كوكب غريب، ونظرت إلى الشمس فوجدتها في السابع فقلت: إن المسألة عن ولد يريد أن يخطب امرأة، ولو كانت الشمس في السادس فقلت من مرض ولد، وكذلك بقية البروج الاثني عشر إن شاء الله.

(٢٩) فصل في استخراج الدليل من النوبهرات

وذلك أن تأخذ من الحمل إلى درجة نوبهرات الطالع لكل برج تسع، ولكل ثلث درج وثلث نوبهرًا واحدًا، فما اجتمع معك من النوبهرات فألقِها من اثني عشر.

فإن لم يتم اثنا عشر فألقها من الحمل وابدأ بحيث انتهى؛ ففي ذلك البرج نوبهر الطالع. فإذا عرفت ذلك أين وقع؟ فانظر ما يُسمَّى ذلك البرج من الطالع بيت مال أو بيت أخوة أو غير ذلك، فإن الضمير عن مثل جوهر ذلك البرج من الطالع.

مثال ذلك: إن سُئلت عن مسألة وكان الطالع من عشر درجات من الحمل، فكان ذلك ثلاث نوبهرات، وألقيت ذلك من الطالع فانتهى العدد إلى الثالث من الطالع، وفيه زحل وهو راجع، فقل المسألة عن غائب متى يرجع، وكان عطارد هو صاحب نوبهر الطالع في وسط السماء، والطالع مع الشمس، فقل هذا الغائب له سلطان عظيم وشرف كبير، ومعه جماعة جند وأجلَّاء من الناس كبراء؛ لأن الشمس هي صاحبة الشرف الطالع في الدلو، ونور العالم في الدلو مع عطارد في وسط السماء، وزحل صاحب بينهما في الجوزاء — بيت عطارد — يدل على أن هذا الغائب أمير المؤمنين، فإن استشهدت على ذلك أن زحل يكون صاحب سنة العالم وهو صاحب بيت الشمس وعطارد جميعًا وكانت المسألة هل يرجع من سفره أم لا؟ فنظرت فعلمت أنه راجع إن شاء الله، وكذلك الحال في السائل بمثل ذلك الدليل يستدل على الحكم عليها والإخبار بها.

(٣٠) فصل فيما اجتمعت عليه الحكماء القدماء من العلماء الأوائل من الأدلة

فيما اجتمعت عليه الحكماء القدماء من العلماء الأوائل من الأدلة؛ وذلك أن في الطالع تسعة أدلة وفي غيره ثلاثة أدلة، فالذي في الطالع صاحب الطالع وبيت شرفه ومثلثه وحدِّه ووجهه ونوبهره واثنا عشريته، والكوكب الذي يسير إلى درجة الطالع، ومَنْ في الطالع وفي غير الطالع، وسهم السعادة وصاحبه، وصاحب بيت الشمس بالنهار والقمر بالليل.

فانظر إلى أكثرها شهادة وولاية فهو الدليل، فإذا أنت عرفتَ الدليل فانظر بمَنْ يتصل أو مَنْ يتصل به من بعد تسوية البيوت الاثني عشر، فإن البيوت قد تنقسم من برجين فيكون بعضه من وتد الأرض وبعضه من وسط السماء، فإذا كان ذلك كذلك فخُذ بأكثر درجات الطالع ودع الأقل وانسب الضمير إلى ذلك الذي في وسط الطالع، فإن كان لا يتصل بشيء ولا يتصل به شيء فالمسألة عن نفسه.

فإن كان الدليل قد زال عن الطالع إلى الثاني منه وخرج منه جزء فالمسألة عن شيء قد خرج من يد مَنْ سأله، وكذلك إلى تمام البروج الاثني عشر إلى جوهر البيت الذي فيه الدليل، وكذلك إذا لم يكن اتصال.

وإذا كان اتصال فالاتصال أَولى بالدليل، فاعرف عند ذلك الدليل ومَنْ يتصل به الدليل، واعمل بالبيت الذي ينظر إليه الدليل ودع الآخر، وانسب الضمير إلى ذلك البيت، فإن كان الدليل في هبوط فالمسألة عن سرقة أو شيء قد هبط أو اتضع أو المحبوس، وإن كان لم يتصل من برج إلى برج فمن نقلة أو سفر، وإن كان الدليل لصاحب الثامن أو الثاني عشر وهما بيت النحس فالمسألة عن موت أو خوف، وإن كان الدليل قد وقف للرجوع فإنه يسأل عن مسافر متى يرجع؟ وإن كان واقفًا يريد الاستقامة فإنه يسأل عن مسافر متى يستقيم؟ وإن كان الدليل متحيرًا فإنه يسأل عن تحيره، وإن كان الدليل مع الرأس في شرفه أو في وسط السماء فإنه يسأل عن ملك أو رئيس أو أمر الدين له، وإن كان مع الزُّهَرة والمريخ ينظر إليها أو مع المريخ والزُّهَرة تنظر إليه فإنه يسأل عن تهمة النساء، وإن كان مع الذنب فإنه يسأل عن كلام وخصومة، وكذلك إذا كان القمر في الطالع فإنه يسأل عن خصومة أو عن خبر، وإن كان الدليل في الرابع أو مع الرأس في السابع، والرابع أن المسألة عن مال مدفون مثل كنز أو مخبأة، وكذلك إذا كان صاحب الثاني في الرابع وصاحب الرابع في الطالع والبرج ناري، فالمسألة عن كيمياء هل يصح له أم لا؟ وإن كان البرج من برج النار فالمسألة عن حرب، وإن كان الدليل مع الذنب فإنه يسأل عن سحر هل يصح أم لا؟

فإن شهد عطارد حقق ذلك، وكذلك إذا كان الدليل زحل وهو مع عطارد وعطارد ينظر إليه فإن المسألة عن سجن، وإذا كان الدليل تحت الشعاع فالمسألة عن محبوس، وإذا كان الطالع بيت عطارد أو شرفه وكانت الأدلة في مواضع عطارد وله بها اتصال فإن المسألة عن كتاب.

(٣١) فصل في معرفة المسائل وأجوبتها «البيوت وما يتفرَّع منها»

  • بيت الحياة: إذا سُئلت عن عمر إنسان فانظر إلى رب الطالع والقمر، فإن كان بيت الحياة قد انصرف عنه كوكب فإن الكوكب الذي يتصل به القمر يدل على ما بقي من عمره، وإن كان صاحب الطالع تحت الشعاع يدخل في الاحتراق والقمر منحوس أو ساقط من الطالع أو بعض النحوس في الطالع أو السابع فإنه يدل على موت السائل، ووقت ذلك يُعْرَف من رب الطالع.

    فإن كان ساقطًا أو ينظر ما بينه وبين درجة الاحتراق مما وجد بينهما من الدرجة فذلك ما بقي من عمره، وإن كان في برج منقلب فأيام.

    وإن كان في برج ذي جسدين فشهور، وإن كان في برج ثابت فسنون، وأشد ذلك أن يكون النحس في الطالع أو ينظر إلى الطالع أو إلى الرابع أو الثامن.

    فأما إن كانت السعود تُسعد الطالع والقمر يرى من النحوس وصاحب الطالع كذلك، فإن ذلك يدل على طول العمر والبقاء، ثم عد ما بين القمر والنحس وما بين رب الطالع إلى أن يحترق، فما خرج من حساب القمر فهو وما خرج من الطالع عدد العمر.

  • بيت المال: إذا سألت عما يُرْجى أو سأل سائل: هل أُصيبُ مالًا أو لا؟ فانظر إلى رب الطالع والقمر، فإن اتصل برب بيت المال ووجد القمر ينقل من رب بيت ذلك المال إلى رب بيت الطالع فقل: نعم. تصيب المال، وكذلك إن كانت السعود في بيت المال أو يتصل القمر بها، أو رب الطالع أصاب مالًا كثيرًا ومنزلة رفيعة، فإن كان ذلك السعد متحيرًا ساقطًا فإنه لا يصيب من المال إلا قوت يوم بيوم، ولا يكون له منزلة ولا جاه، فإن اتصل القمر أو رب الطالع بنحس وكان النحس في الثاني من الطالع فإنه يدل على إدبار حال صاحبه، وإن كان القمر خالي السير فإن السائل لا يزال على تلك الحال التي هو عليها حتى يموت. وخير السعود في بيت المال المشتري؛ لأنه يدل على الدنانير والدراهم.

(٣٢) فصل إذا أردت أن تعرف كم مقدار ما تصيب من المال

إذا أردت أن تعرف كم مقدار ما تصيب من المال في الأمر الذي ترجوه أنت أو مَنْ سألك عن مثل ذلك فانظر إلى صاحب بيت المال، فإن كان الدليل عطارد وكان في هبوطه أو في موضع رديء فإنه يدل على أن يكون المال عشرين درهمًا، وإن كان في مثلثه كان مائتي درهم، وإن كان في بيته كان ألفي درهم، وإن كان في شرفه كان عشرين ألفًا، وكذلك جميع الكواكب على قدر سنيها الصغرى عشر مرات.

وإن كان الكوكب في هبوطه أو في موضع رديء أعطاه بعدد سنيه الصغرى، وإن كان في مثلثه أعطاه بقدر سنيه الصغرى عشر مرات، وإن كان في بيته أعطاه بعددها مائة مرة، وإن كان في شرفه أعطاه عددها ألف مرة، وإن كان الكوكب محترقًا فانقص على قدر احتراقه وبُعْده من الشمس، وإن كان مع الشمس درجة واحدة لم ينل شيئًا، وإن نظر إليه نحس نقص مما دل على قدر وعليه على قدر قوته في موضعه، على ما ثبت لك من الشرف والبيت والمثلثة والهبوط.

فإن نظر إلى الدليل المشتري من شرفه زاده اثني ألف درهم، وإن نظر من بيته زاده ألفًا ومائتي درهم، وإن نظر من مثلثه زاده مائة وعشرين درهمًا.

ومن موضع رديء غريب زاد اثني عشر درهمًا، وفي الاحتراق ينقص المشتري مما يعطي على قدر بُعْده من الشمس.

فإن كان في درجة الشمس لم يزد شيئًا، وكذلك ينقص النحس ويزيد السعد مثل ما تثبت لك من هذه المنازل، ومتى وجدت الدليل الذي منه استدللت على عدد الشيء الذي ينقص أو يزيد في برج ذي جسدين فأضْعِف ذلك العدد، وربما كانت النحوس هي التي تعطي المال وهي الدليل على عدد الشيء.

(٣٣) فصل في معرفة سني الكواكب «وهي ثلاث مراتب: الكبرى والوسطى والصغرى»

فأما سنوها الكبرى فللشمس مائة وعشرون سنة، وهو العمر الطبيعي، ولا يكاد الإنسان يجاوزه إلا أن يشاء الله تعالى.

وللزُّهَرَة اثنتان وثمانون سنة، ولعطارد ست وتسعون سنة، وللقمر مائة وثمان سنين، ولزحل سبع وخمسون سنة، وللمشتري تسع وسبعون سنة، وللمريخ ست وستون سنة.

وأما سنوها الوسطى فللشمس تسعة وثلاثون سنة ونصف، وللزُّهَرَة خمس وأربعون سنة، ولعطارد اثنتان وأربعون سنة ونصف، وللقمر تسع وثلاثون سنة، ولزحل ثلاث وأربعون سنة ونصف، وللمريخ أربعون سنة.

وأما سنوها الصغرى فللشمس تسع عشرة سنة، وللزُّهَرَة ثمان سنين، ولعطارد عشرون سنة، وللقمر خمس وعشرون سنة، ولزحل ثلاثون سنة، وللمشتري اثنتا عشرة سنة، وللمريخ خمس عشرة سنة؛ فهذه معرفة أنواع سنيها.

(٣٤) فصل فيما نورده من العلوم في كتبنا ورسائلنا

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أننا نورد من العلوم في كتبنا ورسائلنا ما يكون تزكية للعقول وتنبيهًا للنفوس، فأخذنا من كل علم بقدر ما اتسع له الإمكان وأوجبه الزمان، وقد اجتهدنا أن يكون ذلك من أحسن ما قدرنا عليه ووصلنا إليه.

ولذلك وصفناه وأثبتناه وأوردناه لإخواننا، أيَّدهم الله، ورضينا لهم كما رضينا لأنفسنا؛ إذ كنا كلنا روحًا واحدة وترابًا واحدًا، وبني أب واحد، ولنا رب واحد، وهو الذي خلقنا من نفس واحدة.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: «لا يكمل للمؤمن إيمانه حتى يرضى لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه.»

وقال الله تعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.

ولما كان علم الحساب علمًا واسعًا عظيم الدائرة محيطًا بالأشياء غير محاط به ألقينا إليك منه مدخلًا ومقدمة؛ ليكون محرِّضًا لك على الدخول إليه والمعرفة بما يوفق له منه.

وكذلك علم النجوم أيضًا علم واسع، وهو علم العالم الأعلى السماوي الحاكم العالم الأرضي؛ وذلك عالم علوي كبير، وهذا عالم صغير سفلي.

ولذلك قلنا في رسالة أفعال الروحانيين: إن أفعال العالم الكبير تظهر في العالم الصغير، والعالم الصغير ليس له فعل يظهر في العالم الكبير، وإنما له البيان عما يودعه فيه ويرسله إليه.

وقد ألقينا إليك في هذه الرسالة من سر علم النجوم ومستحسنات مسائله وصادق براهينه ودلائله ما إن وقفت عليه تشوَّقت إلى تعلُّمه والتمهير فيه.

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أنه بمعرفة علم النجوم يكون لك التهدي للطلوع إلى السماء والجواز إلى المحل الأعلى، فإن لم تعرف ذلك تعذَّر عليك السلوك في هذه الطريق.

ويوشك أن مَنْ سلك في طريق لا يعرفها ضلَّ فيها، كما قيل في المثل السائر والقول الغابر: «قتل أرضًا عالِمها»؛ يعني خبرًا ومعرفة، و«قتلت أرضٌ جاهلها» يعني حيرةً وهلكةً.

والدليل على ما ذكرناه وبيان ما وصفناه معرفة هذه المسألة.

(٣٥) فصل إذا أردت أن تشير إلى رجل في حاجة من أمور الدنيا

إذا أردت أن تشير إلى رجل في حاجة من أمور الدنيا والدين فالذي يجب عليك أن تعلم هل تجده في الموضع الذي هو معروف به أم لا؟ فانظر إلى صاحب الطالع فإن كان في الأوتاد فإن الرجل في موضعه، وإن كان فيما يلي الوتد فهو قريب من موضعه، وإن كان ساقطًا فليس هو في موضعه.

وإن كان الإنسان يعلم بهذا الدليل يسهل عليه ما يقصد إليه في حياة الدنيا، فإنه متى عدم هذه المعرفة كان جاهلًا بما يقصد إليه ويُقْدِم عليه هل يجد أم لا؟ فإن وجد ما يريده فبالاتفاق لا بالعلم، وقلَّما يتفق للجاهل الإصابة.

والعالم في راحة من نفسه؛ لأنه لا يُقدِم على العمل ولا يتوجَّه في الطلب إلا في الوقت الذي ينبغي والزمان الذي يستوي.

فلذلك أردنا لإخواننا، أيَّدهم الله وإيانا بروح منه، معرفة جميع العلوم وحثثناهم عليها وأرشدناهم إليها.

وإذا كان ذلك كذلك في المقاصد الدنيوية والمآرب الجسمانية لا يجب للمرء أن يتخلَّف عن معرفته، فكيف يجب له التخلُّف عن الأدلة الربانية وما يكون له به المعرفة بالطريق إلى الآخرة والقدوم على ربه ليجازيه بما كسبت يداه؟!

(٣٦) فصل في أن من أحسن ما وصل إليه الناس بعد هذه الصناعة …

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن من أحسن ما وصل الناس إليه من هذه الصناعة وأجلِّ معارفها، أن يعلموا كيفية أحوال الملوك والسلاطين وولاة الأمور والعهود والأمراء والقواد وولاة الحروب والوزراء والكتاب والعمال والقهارمة، وابتداءات الدول وعواقبها، ومدة أعمال المواليد ومواليدها، وما يظهر منهم في الأزمنة ويعلمونه في الأمكنة، فإن ذلك من العلوم المخزونة والأسرار المكنونة والأخبار المدفونة مما استخرجتها الحكماء وعلِمها العلماء بما قد وقفوا عليه ووصلوا إليه من أخبار السماء بالوحي والإلهام وصدق التخيُّل والرؤيا.

وقد رأينا، وبالله التوفيق، أن نذكر في هذه الرسالة طرفًا من ذلك نرويه عن العلماء، ونخبر به عن الحكماء، من غير زيادة ولا نقصان، والله المستعان.

(٣٧) فصل في أول ما يجب أن يُعْرَفَ من ذلك

فأول ما يجب أن يُعْرَفَ من ذلك وأن يُعْمَلَ به عقد التاج وبيعة الملك وابتداء الولاية العظيمة والملك الكبير المتقرر في ذلك الملك النبوي، وهي بمنزلة الخلافة.

فأفضل ما يكون العمل بذلك والعلم به أن يكون القمر من الذي يطلب صحيحًا نقيًّا من النحوس، وقبل ذلك معرفة الجوهر والجنس والبلدة والإقليم والمدينة، والمكان الذي فيه ذلك الابتداء، والولاية ومعرفة الزمان والأرباب والشهادات الدرجيات، وهي للخاص والكداخده٦ وصاحب القمر ومدبِّري التدبير، فتحمل ذلك وتجمع بعضه إلى بعض وتقيس الأول بالآخر، ثم تنظر إلى القمر خاصة أين هو في الابتداء؟ وكيف هو في صحته، وما يقارنه بجسده ومتصل به، ومسيره ومنزله والناظرين إليه، أمن حظه هم أم من غير حظه؟ ويكون عمل الابتداء للخلفاء في أحد البيعة أكثر حظًّا من الشمس، ولولاة العهود من المشتري، ولأصحاب الثغور من المريخ، وللقهارمة٧ من زحل، وللوزراء والكتَّاب من عطارد، وللعمال من القمر، وللقواد من الزُّهَرة، والمريخ. وأفضل ما يكون عقد التاج وبيعة الملك وابتداء الولاية والظهور والرياسة والجلوس على سرير المملكة والنطق بالأمر والنهي أن يكون الطالع برجًا ثابتًا والقمر في موضع جيد.

فإن الملك يكون طويلًا، ولا تكون الرياسة ذات مدة، ولا سيما الأسد؛ لأن البروج الموافقة لأمر الملوك: الحمل والأسد والقوس. فمتى كان كذلك ووجدت في الطالع سعدًا فإنه يدل على حسن الخلق وصلاح جميع ذلك الابتداء والملك، وإن وجدت في الطالع نحسًا كان غير ذلك من الفساد والرداءة، وإن كان المريخ في الطالع فإن المولى يكون فظًّا غليظًا خفيفًا شتَّامًا لا حياء له ولا دين، بذيئًا ضعيفًا فاحشًا في المنطق، يستقبل خدمه وأهل مملكته بالبذاءة والشتيمة، مبغضًا لأقرانه، محبًّا لسفك الدماء وخراب البلاد، قليل الثبات على ما يأمر به، سريع السقوط بمنزلته، مفتضحًا معيبًا كثير الأعداء، يكثر شكيته.

وإن كان زحل في الطالع فإنه يكون حقودًا لوَّامًا عسيرًا قليل النفاذ لما هو فيه، حسودًا بخيلًا جمَّاعًا خداعًا حريصًا مذمومًا، وإن كانت الشمس في الطالع يكون كثير الجماعات كثير الجنود والعدد منيع الغير، ويكون له سعادة عظيمة وعز.

وإن كان المشتري في الطالع فإنه يكون صدوقًا وفيًّا محبًّا للخير، عالمًا محبًّا لأهل الدين، كثير الأصدقاء والنصيحة، ذا عفة وزهادة في الدنيا.

وإن كان عطارد في الطالع فإنه يكون مفكرًا داهيةً أديبًا، محكمًا لأعماله بالحيل والعقل والخداع والمكر، فإن كانت الزُّهَرة في الطالع فإنه يكون كثير الأموال والمواريث من جهة النساء والخدم، وضعيف البدن قليل الثبات على الأمور، سهل الوطأة، محبًّا للهو واللعب والفرح والنزه وجودة اللباس والعطر وطيب المأكول والمشروب والخلوة مع النساء والحرم والتزيِّي بزيِّهم.

وإن كان القمر في الطالع فإنه يكون جريئًا مشهورًا بالقوة والمشي بالليل، وإن كان الرأس مع السعود في الطالع فإنه يكون قاهرًا لملوك الزمان ظاهرًا على أعدائه.

وأفضل ما يكون عن الملك وقهره وقوته وضبطه إذا أشرف المشتري على الشمس أو على القمر أو على الطالع، وهو من بعض بروج الملوك، وهو أيضًا في برج من بروج الملوك، وأعظم لذكره وأعلى أن يكون البرج الذي فيه المشتري متقلِّبًا؛ لأن المنقلبة أبدًا هي أشهر أمرأ وأعلى وأنصح، وذوات الجسدين فيها أكثر أجناسًا وتخليطًا، والثابتة أطول أمرًا وأثبت.

ومتى وجدت المشتري في ابتداء المملكة خاليَ النظر عن الشمس والقمر والطالع فاعلم أنه لا محمدة لذلك الملك ولا مذمَّة ولا صلاح، فإن وجدت المريخ في موضع حسن أو يكون المشتري في بيت المريخ والمريخ في بيت المشتري فإن الملك يكون جائرًا، نافذ الأمر، مظفرًا في القتال، قاهرًا لأعدائه، فتَّاحًا للبلاد وضابطًا للملك، بعيد الغور في أمر عدوه، ضعيف الأعداء، لا سيما إن كانت الشمس مع ذلك في الأسد الذي هو برج نهاري وصاحب بيت المال ينظر إليها من وتد أو من بعض الأماكن القوية ميمنة أو ميسرة.

وينبغي لك أيضًا أن تنظر إلى البيت العاشر من الطالع الذي هو بيت الملك، وتنظر أيضًا إلى العاشر من بيت الشمس الذي هو فيه، الذي هو بيت ملكها في ساعة المسألة أو حين النظر والابتداء؛ لأن هذين المكانين متى ما وجدت فيهما السعود وكان أصحاب ذلك البرجين في بروج ثابتة جيدة الموضع فإن الملك ذو سعادة وخير وفضل.

وإن كانت الكواكب التي في ذلك المكان في شرفهما أو شرقيه، أو في حظ الابتداء، أو لها نصيب في ذلك الابتداء من الاجتماع والامتلاء وسهم السعادة أو نحو ذلك، فهو أفضل وأجود؛ وذلك أن تكون الكواكب في مواضعها مستقيمة في سيرها وسعودها في العرض والشمال، زائدة في جريها، ملائمة الابتداء إلى النهار بالنهار، والليل بالليل، فتكون أيضًا تنظر إلى أصحاب حظوظها وليست بالناقصة ولا بالبطيئة ولا في هبوطها ولا في ضدها، ولا في الدرجات التي هي آثار، ولا في الأماكن المظلمة، ولا تحت شعاع الشمس، فإن ذلك كله يدل على الكذب والغش والتخليط على قدر الموضع والمكان والمنحسة.

ولتكن أيضًا تنظر إلى برج وسط السماء فإنه موضع لا بد منه؛ لأنه برج الملك والسلطان، واعرف درجة الطالع والبيت والحد والوجه والشُّرَف من الكواكب ومَنْ فيها ومَنْ ينظر إليها، وهل فيها من الكواكب المضيئة شيء؟ وأين صاحب شرفه؟ إلا أن أجود ذلك يكون صاحب شرفه سعدًا أو يكون صاحب وسط السماء شرقيًّا مستقيم السير.

وأجود ذلك أن يكون في شرفه وموضع له فيه حظ، ويكون صاحب ذلك الشرف في شرف الشمس أو القمر أو المشتري، ويكون صاحب ذلك الشرف في أي مكان موضع جيد؛ فإنه يأتي بدلالته حيثما وقع بقدر قوته والكواكب المعينة له.

واعرف المكان الحادي عشر الذي يُسمَّى المكان المعين وما فيه من الكواكب، فإن وجدت فيه الشمس أو القمر أو المشتري أو الزُّهَرة أو عطارد أو الرأس وينظر إليه السعود، فإن ذلك الابتداء يكون من حسن المستقبل والثبات والقوة والبهاء والزيادة؛ لأن مثل ذلك يكون ملكه وأصلًا إلى ولده أو يبلغ فيه بهمَّته، ولا سيما إذا كان ذلك المكان من بروج السعود، ويكون فيه المشتري أو عطارد أيهما كان في ذلك الموضع ينظر إلى السعود، دلَّ على وصول الملك إلى ولده. وإن وجدت زحل بالنهار في شرفه أو ينظر إلى المشتري، وكان المريخ في شرفه بالليل أو في بيته، أو في بيت المشتري، أو ينظر إليه المريخ من عداوته، فإن الملك الذي كان الابتداء له يكون مخرِّبًا للبلدان غاصبًا قاهرًا، وكذلك يكون عزيزًا جريئًا لا يهاب أحدًا، يحبُّ سفك الدماء، راغبًا في الذكر، شجاعًا، ولا سيما إن كان مع المريخ سهم السعادة وسهم الجرأة؛ فإنه يكون منهمكًا في إراقة الدماء وقتال الأقران، محبًّا للفرسان والسلاح والأسفار، ويكون له أفعال تختص به لا يبديها لأحد حتى يفعلها فجأة.

واحفظ سهم السعادة وسهم الشرف وسهم الملك، وتحسب له من درجة الشمس التي هو فيها بالنهار إلى تسع عشرة درجة من الحمل، ثم تُلقي ذلك من الدرجة الطالعة، فحيث ينقد الحساب ففي تلك الدرجة سهم السعادة بالنهار، وبالليل تعد من الدرجة الثالثة من الثور، وتُلقي ذلك من الطالع أيضًا كما صنعت بالشمس، واحفظ سهم الملك الذي يعد من الشمس إلى القمر بالنهار، وبالليل تعد منه إليها ويُلقى من درجة وسط السماء؛ فإنك إذا وجدت هذه السهام في مواضع جيدة مع السعود فإنه أشهر للسعادة وأشهر للملكة.

واعرف الثاني عشر من الطالع الذي يُسمَّى بيت الشقاء، ومَنْ في كل بيت منها من السعود ومن النحوس؟ وأيها كان فيه نحس؟ فاعلم أن بليَّته وعداوته من تلك الناحية التي يكون ذلك النحس، وكذلك ما يهيج عليه من النواحي التي يكون فيها النحوس وقت الابتداء، فإن وجدت النحوس ساقطة ولا سيما تحت الأرض، فاعلم أن أعداءه إلى الضَّعف والوهن وقلة القدرة على ما أرادوا، وأفضل ذلك أن يكون الطالع وسط السماء في وتد.

واعرف الهيلاج ومَنْ ترى منه، وانظر المضيئين والشعاع ورب الطالع ورب وسط السماء وسهم السعادة؛ لأنك متى وجدت النحوس في أحد هذه الأماكن بالشعاع كانت المضرة والشر فيها كائنة، فإذا كان إلقاؤها لذلك الشعاع على الهيلاج تخوَّفت على نفسه، وإن كان إلقاؤها الشعاع على وسط السماء تخوفت على ملكه، وإن كان إلقاؤها الشعاع على الطالع تخوَّفت عليه في جميع أموره، فإن كانت السعود هي التي تلقي الشعاع على هذه المواضع التي ذكرت فاقضِ عليه بالفرح والسرور والاستقامة والخير، وليكن نظرك لبقاء الملك والسلطان من الشمس والطالع ولا سيما بالنهار فإنه متى وقع عليه الشعاع من النحوس دلَّ ذلك على الخوف، والله أعلم.

وإذا عرفت أمر الهيلاج فاطلب الكدخدا من بعد ما وصفت لك في المواليد؛ فإنه إن كان الكدخدا في الوتد أو مكان الشعاع أو في الخامس فإنه يدل على السنين، وإن كان فيما يلي وتدًا فإنه يدل على الشهور، وإن كان ساقطًا فإنه يدل على الأيام بعدد درجه، وكذلك فانظر إلى ما ينظر إليه النيران من السعود والنحوس، فإنها إن نظرت من التثليث أو التسديس من موضع حسن دلَّ على الزيادة في السنين والشهور، وإن يكن نظر عداوة دلَّ على النقصان والاجتماع والامتلاء، إذا وقع في وتد أو فيما يلي وتدًا أو صاحبه في موضع حسن دلَّ، بإذن الله، على الزيادة والقوة والنجح.

(٣٨) فصل في أنه لما كان بهذا العمل …

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أنه لما كان بهذا العمل ومعرفة هذا العلم وأحكام هذه الصناعة وتقويم الحساب يكون تمام العمل للملك الأرضي وسياسة العلم الفلسفي، وإن كان المتولي لذلك الأمر يحتاج إلى مَنْ يدبِّر له هذا العمل ويقوم هذا الحساب، وإذا كان ذلك كذلك فليس بملك ولا إمام، وإنما الخليفة من استخلفه الله تعالى بأمره وأيَّده بملائكته وكان هو المدبِّر له بالتدبير الذي يجمع له به السعادات الفلكية كلها، وإليه تصرف روحانياتها، كما أيَّد الله سبحانه سليمان بن داود بالملكية وسخَّر له الجن والإنس والطير والوحش، وكما أيَّد موسى عليه السلام، بكلامه وأمره حتى قهر فرعون وأهل مملكته ورجال دولته، واستجاب له سحرته وهم أصحاب النجامة والكهانة في زمانه، وهم الذين كانوا يدبِّرون له ملكه بما وقفوا عليه ووصلوا بعلمهم إليه، فلما رأوا من موسى، عليه السلام، ما بهرهم نوره، ولم يروا في علمهم أن عمله يبطل، ولا أن ما يأتي به يتعطَّل، وأن جميع ما هم فيه من أمر فرعون زائل مضمحل، ورأوا أن السعادات قد انصرفت مسخَّرة بأجمعها لموسى وهارون، عليهما السلام: قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ، وأن التأييد الكلي والأمر الإلهي هو مُصرِّف تلك السعادات إلى موسى وأخيه، استجابوا له وخضعوا عنده.

وكذلك حال نبينا محمد لما صرف الله تعالى التأييد إليه وأنزل الوحي عليه خضعت له الملوك، واستجابت له الكهنة والمنجمون وهم الذين عندهم علم من الكتاب، وآمنوا به وصدَّقوا بمبعثه، وكان هو المدبِّر لهم والحاكم عليهم، ولم يحتج إلى تدبيرهم، وكان يأتيهم بما ليس عندهم وبما يخرج عن وُسْعِ طاقتهم، وآتاهم من علم الفلك وأخبار السماء بما لم يصلوا إليه ولا قدروا عليه.

فلما رأوا ذلك علموا وتحقَّقوا أن تأييده إلهيٌّ وحكمته ربانية، وأن الأمر الذي أُلْقِيَ إليه من فوق الأفلاك ومن أعلى السموات فإنه يلقى العرش المحيط والكرسي الواسع.

فهذه صفة الولاية العظيمة والخلافة الكبيرة التي هي خلافة الله تعالى، والمستخلف بها هو النبي في زمانه، وبهذا العقد يكون من استخلفه النبي عليه السلام، من بعده إذا مضى إلى ربه عز اسمه.

وهذه الولاية المخصوصة لأهل بيت الرسالة عليهم السلام، لا يحتاجون فيها إلى مدبِّرين غيرهم وإلى علماء سواهم، ولا يطلع الناس على أسرارهم ولا يعرفون أخبارهم، ولا يطَّلعون على مواليدهم، ولا يعرفون سنيهم في موتاهم، ولهم علوم يتميزون بها وينفصلون عن العالم بمعرفتها، وأعمال يعملونها لا يُشركون فيها غيرهم.

ولذلك استحقوا الرياسة ووُسِموا بالخلافة، وإنهم لا يبدون عملًا من الأعمال ولا يُظْهِرون فعلًا من الأفعال إلا بمشيئة إلهية وإرادة ربانية، في الوقت الذي ينبغي به إظهار ذلك العلم فيه، وهم أطباء النفوس ومداوو الأرواح.

وإنما أردنا بما بيَّنَّاه لك من العلم والعمل والتدبير الذي يذكره أهل هذه الصناعة، ويصنعون في وقت ابتداء الخلافة ونصب سرير المملكة، واجتماعهم لذلك وادعائهم بما يعلمونه، وترؤسهم بما يصنعونه وطلب الجوائز والأموال والخلع؛ ليعلم أن الملك والخليفة الذي يُستخلف بهذا التدبير هو مملوك وليس بمالك، وإنما أُيِّدَ بتأييد أرضي وهو محبوس محجور عليه، وقد سُحِرَ بسحر لا ينفكُّ منه ولا يُسْتَخْرج عنه إلا بالموت.

وقبل ما يتفق في أول تلك المملكة مَنْ يكون عنده من هذه المعرفة وصحة الصناعة ما يتدبر به على الصلاح، وإن اتفق ذلك فإن الزمان لا يتهيأ له على ما يريده من العمل، وإن تهيَّأ له ذلك خالفه حكم المولد، وإن اتفق ذلك وقع الخلاف والمنازعة من أهل الصناعة، وإذا وقع الاختلاف فسد المختلَف فيه.

فقد بان لك بما ذكرنا كيف تكون خلافة الله عز وجل وخلافة خلقه.

فإن قال قائل: ذلك لا يكون إلا بأمر الله سبحانه، فقد صدق إذا اتَّبع فيه المستخلف الأمر الذي يُرضي الله عز اسمه، وهو الذي مَنْ أطاعه فقد أطاع الله تعالى، كما قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ.

وإنْ عدل عنه إلى ضدِّه فقد خرج من أمر الله تعالى وارتكب نهيه، ونريد أن نبيِّن هذا القول ونوضح هذا المعنى.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله، أن أول خليفة استخلفه الله تعالى في أرضه هو آدم، عليه السلام، فلما أمره الله تعالى بمخالفة إبليس الذي هو عدوه وضده ألَّا يقرب الشجرة التي نهاه عنها كان في الجنة بأمر الله.

فلما أطاع إبليس فقبل منه وأكل من الشجرة، خرج من أمر الله تعالى وصار في أمر إبليس، لعنه الله، ووقع في الخطيئة؛ لأن الله تعالى أمره فخالفه وأمره إبليس فأطاعه.

فلما علم ذلك بمناداة الله له في تذكاره بما استوجبه من نسيان وصيته استرجع وتاب وأناب ولم يستكبر كما استكبر إبليس.

وكذلك إبليس أمره الله تعالى أن يسجد لآدم، فلمَّا سوَّلت له نفسه أنه خيرٌ منه وامتنع من السجود، خرج من أمر الله سبحانه وصار في أمر نفسه.

وهكذا يجري أمر المستخلَفين من ذرية آدم في الأرض مَنْ كان منهم مستخلَفًا فيها بأمر الله تعالى الذي استخلف به آدم بعد التوبة، وهو الأمر الثاني والوصية الثانية التي لم يتعدَّها ولم ينسَها وجعلها كلمة باقية في عقبه، وهي خلافة النبوة ومملكة الرسالة والإمامة.

فمَنْ تعدَّى هذا الأمر وخالف هذه الوصية وطلب أن يكون خليفة الله تعالى ليدبِّر خلقه بسعيه وحرصه فإنه لا يتم له، وإن تمَّ وقدر عليه فإنما هو خليفة إبليس؛ لأنها حيلة ومكيدة وخديعة وتعدٍّ وغصب وظلم وعدوان وخذلان وطغيان وعصيان.

فإذا فعل ذلك ربطت به روحانية كوكب، فلا يزال محبوسًا فيها محصورًا في أحكامها حتى يموت.

وعلى هذا تجري أحوال الملوك والسلاطين والمتغلبين في الدنيا؛ ولذلك صاروا محتاجين إلى المنجِّمين وأصحاب المعارف، حتى إن بعضهم إذا وصل إلى حكيم عالم من أهل هذه الصناعة وبلغه ما يريده، وعلم أنه عارف بما يبدو منه ويظهر عنه ومن عاقبة أمره قتله أو حبسه أو منعه من الكلام، والأحب إليه قتله.

فلذلك صارت العلماء لا يُظْهِرون علومهم للملوك بأسْرِهم ويكتمونها عنهم ولا يَرْغَبون فيما يُرَغِّبونهم فيه من أمور الدنيا وأحوالها.

واعلم يا أخي أن هذه الصناعة حق ويقين، والعارف بها على حقيقة المعرفة قد وقف على الصراط المستقيم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ وإنما أُلْقِي إلى العالم من علمها كالنقطة من البحر أو كالقطرة من القَطْر؛ إذ كانت الدنيا بأسرها والأرض بما عليها وفيها ببطنها وظهرها تشبه حبة خردل في أرض فلاة، لم يدرك العقل سعة أقطارها بالقياس إلى فلك القمر الذي هو أصغر الأفلاك كلها.

وإذا كان ذلك كذلك فقد صحَّ أن خلافة الله تعالى هي أمر خارج عن تدبير السياسة البشرية أن يعرفوه وعلم خفي عنهم أن يعلموه.

واعلم يا أخي أن البيت الذي فيه سِرُّ الخلافة وعلم النبوة هو البيت الذي وَسَمُوا أهله بالسحر العظيم في الجاهلية والإسلام؛ لما يظهر منهم من الآيات ويعلمونه من المعجزات، فلم يجد أعداؤهم حالًا يضعون بها من منازلهم — لما عجزوا عن العمل بمثل ما يعملونه وجهلوا العلم الذي يعلمونه — إلا أن قالوا إنهم سحرة وإن لهم أعوانًا من الجن يمدُّونهم بذلك.

وهيهات، حِيلَ بينهم وبين ما يشتهون! وإن هو إلا علمٌ إلهيٌّ وتأييدٌ ربانيٌّ، تنزَّل به ملائكة كرام كاتبون وحَفَظَة حاسبون، يُلْقونه بأمر الله عز اسمه، على مَن اصطفاه من خلقه وارتضاه بخلافته في أرضه.

واعلم يا أخي أن حجة الله تعالى في خلقه وأمينه في أرضه من عالم الحيوان هو صورة الإنسان، وخليفته في أرضه على النبات والحيوان، وكذلك في المعادن، كما قلنا في رسالة أفعال الروحانيين: إن الدائرة الواسعة تظهر أبدًا أفعالها وتبين أفعالها فيما تحتها.

واعلم أن في الدائرة المعدنية جواهر فاضلة شريفة، وكذلك في النبات والأشجار وما يبدو عنها أو يتكوَّن منها، وكذلك في الحيوان ملوكًا ورؤساء، كما ذكرنا في رسالتنا الجامعة.

واعلم أن في الحيوان ملوكًا ورؤساء، بعضهم جائر معتدٍ يأخذ أموره بالقهر والغصب والظلم، كأنواع السباع والوحش؛ فهي في غاية الذم وقلة الانتفاع في القرب منها، بل الأولى الهرب منها والبُعْد عنها، ومنها ملوك ورؤساء يأخذون أمورهم بحسن الخلق وطيب النفس، مثل الفرَس الكريم والبقر والغنم، وكذلك في الطير، وهذا موجود في الخليقة بأسرها والدائرة الأرضية بأجمعها.

وإذا كان كذلك في المعادن والحيوان والنبات فكيف لا يكون منه في عالم الإنسان الذي هذا كله له ومن أجله؟ وبهذا البرهان أن كل جبار وسلطان ظهر فيه الجهل ولم يوجد فيه العلم فهو مثل السباع والوحوش، يأخذ من زمانه ما قدر عليه ومن وقته ما وصل إليه، والمجاورون له في تعب ونَصَبٍ وخوف منه ومشقَّة مما يُحمِّلهم من مؤنته وفي مذلَّته من مملكته.

والذين هم الخلفاء بغير هذه الصفة مثل الأنبياء والأئمة والتابعين لهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، هم خلفاء الله تعالى التابعون لأمره، وبهم صلاح العالم، وربما كانوا ظاهرين بالعيان، موجودين في المكان، في دور الكشف، وبالضد من ذلك في دور الستر، غير أنهم في دور الستر لا يكونون مفقودي الوجه جملة من أعدائهم.

فأما أولياؤهم فيعرفون مواضعهم، ومَنْ أراد منهم قصدهم تمكَّن منه، ولو كان غير ذلك كان منه خلو الزمان من الإمام الذي هو حجة الله على خلقه، وهو تعالى لا يرفع حجة ولا يقطع الحبل الممدود بينه وبين عباده؛ فهم أوتاد الأرض، وهم الخلفاء بالحقيقة في الدورين جميعًا؛ ففي دور الكشف يظهر ملكهم في الأجسام والأرواح، وفي دور الستر يجري أمرهم في الأنفس والعقول، وأصحاب المملكة الأرضية والخلافة الجسمانية.

وإنما تظهر في الأجسام أفعالهم دون الأنفُس لم يملكوا الملك الروحاني ولا أيَّدوا بالتأييد السماوي؛ ولذلك صاروا مشاغيل بمثل ما يشتغل به البهائم، ليس لهم همة إلا البطن والفرج، وكذلك ليس لهم همة إلا جمع ذخائر الدنيا وجواهرها واغتنام لذاتها والحرص على نيل شهواتها، كما قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ إلى قوله جل جلاله: وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ وهؤلاء الناس هم المغرورون بالملك الأرضي، كما قال الله مخاطبًا للإنسان: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ.

واعلم يا أخي أن المغرور المفتون بالدنيا هو الذي يقول لنفسه إذا رأت العذاب: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ويقول: يا ليت لي رجعة، يا ليت لي كرَّة. هيهات حُقَّ القول لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا. فقد بان لك يا أخي بهذا البرهان الفرق بين خليفة الله وخليفة الشيطان، والملك الأرضي والملك السماوي.

واعلم يا أخي أنه بهذه الصناعة يكون لك معرفة الملوك والرؤساء والسلاطين والمديرين وأتباعهم، وما يكون من أمورهم وأحوالهم، وحال مَنْ يعاديهم ويخرج عليهم في زمانهم ويضايقهم في مكانهم، وإذا عرفت ذلك واطَّلعت عليه طابت نفسك بذلك وسكنت إلى ما علمته، ومِلْتَ نحو الخليفة الذي عنده الحق واليقين، واستخلفته على نفسك الزكيَّة وروحك المضيئة، وإن قدرت عليه ووصلت إليه فقد نجوتَ ووُقفت على الطريق الواضحة والمحجَّة اللائحة، وإن عدمت ذلك فاجعل الخليفة على نفسك عقلك، واقبل منه أوامره ونواهيه، واجتنب الهوى فإنه خليفة إبليس فيك، وإياك أن يجتمع عليك الخليفة والمستخلَف أعني إبليس بالقوة وخليفته فيك بالفعل، وذلك إذا استولت نفسك الحيوانية وقوتك الشهوانية على النفس الناطقة والقوة العاقلة فتهلك.

(٣٩) فصل في أن أقوى ما يكون فعل إبليس في دور الستر

واعلم يا أخي أن أقوى ما يكون فعل إبليس في دور الستر؛ وذلك لأن حجة الله عز اسمه، في أرضه وخليفته في عباده يكون مختفيًا مستورًا، وإن كانت أنواره تضيء في نفوس العارفين به والراجعين إليه الذين لا يغرهم ما يرونه من قوة ملوك الدنيا وخلفاء الشياطين؛ فإنها أمور زائلة مضمحلَّة فانية لا بقاء لها ولا دوام، ولا ينظروا من أمامهم إلى ملكه وسلطانه في دور ستره، ولا يشككهم فيه دور الخفاء والاستتار، بل يكون الإمام عندهم في حال ستره وخفائه؛ لأن جميع ما يُجوِّزونه على النبي المرسل فقد يجوِّزون مثله على الوصي وعلى الإمام؛ إذ كان النبي أشرفهم وأعلاهم رتبة، فهم يجوِّزون على النبي الموت والقتل والهرب من الأعداء إذا لم يجد أنصارًا، والأكل والشرب والنكاح والفرح والغم، وإن الأمور الفلكية تطرأ على أجسامهم كما تطرأ على أجسامنا، غير أن نفوسهم الروحانية الشريفة النورانية هي من خارج الأفلاك، فلا يحكم الفلك على أنفسهم بل على أجسادهم، وإنهم بالأجساد مثلنا، غير أن بالأنفس فرقًا بيننا وبينهم، مثل ما بين الحيوان الغير الناطق وبيننا.

وهذا ميدان يطول، إن أردنا شرحه خرجنا عن غرض هذه الرسالة، فنعود إلى ما كنا فيه فنقول: وإذ قد ذكرنا كيفية ابتداء المملكة وعقد التاج ونصْب سرير الملك، فلنذكر من علم هذه الصناعة والعمل بها كيفية نصب لواء العز والولاية، وعقد التاج وعلامة الحروب؛ فهو أحسن أعمال هذه الصناعة بعد ما ذكرناه.

(٤٠) فصل قال بطليموس: انظر إلى القمر في عقد الولاية …

قال بطليموس: انظر إلى القمر في عقد الولاية عند ذلك العمل وما يلي الجبايات له فلا تسقطه من المشتري، واجعل زحل متصلًا به القمر في بيت زحل من التثليث أو التسديس في أول الشهر، واجعل القمر في بيت زحل والقمر في التثليث أو التسديس، كما وصفت لك في أول الشهر، واجعل السعود تنظر إلى القمر بعض النظر، فإذا كان ذلك كذلك فإن تلك الولاية وذلك العقد تدوم ويطول على قدر ما يرى من قوة المريخ سنين ثم أشهرًا ثم أيامًا، فإن كان المريخ في الموضع الذي وصفت والقمر والسعود معه في أول الشهر فإن ذلك الوالي يفسد عليه أهل عمله ويشنعون عليه، ويخاف عليه الجيش ونهب ملكه في عمله ذلك، ويكون آخر أمره إلى السلامة لمكان السعود والقمر، وإن كان المريخ في آخر الشهر فإنه موافق جيد، وإن كان المريخ وزحل جميعًا ينظران إلى وسط السماء نظر عداوة فإن ذلك اللواء يُخاف عليه الهلاك ويُقتل صاحبه أو يُحبس في حبس يموت فيه أو يؤتى من بعض أهل عمله، وإن كان زحل في آخر الشهر فإنه مذموم إن كانت له حصة قوته، إلا أن يكون ضعيفًا لا حصة له ويكون السعود عليه قويًّا، وإذا كان القمر في زحل والعقد في نظير الطالع كان صاحبه هيوبًا ويخاف الناس منه.

وانظر عند ذلك إلى القمر فإن كان مقبولًا فهو يدل على أن رعيته يحمدونه، وإن لم يكن مقبولًا كان مذمومًا عندهم إلى أن يخرج عنهم، وإن كان منحوسًا زاد شرًّا ولقوا منه شدة.

وعلى هذا القياس يكون العمل بما يتفرَّع لك من ذلك به.

(٤١) فصل في أن اللواء الذي يُعْقَد للنبي والإمام …

واعلم أيها الأخ، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن اللواء الذي يُعْقَد للنبي والإمام، صلوات الله عليهم، هو يكون بعلم هو أعلى من هذا وأوضح؛ وذلك أنه عُقد بقصد التأييد وموافقة التسديد، ولا يعقده النبي والإمام إلا لمن يكونون بالمنزلة التي يستحق بها ميراث ذلك العلم، مثل عقد رسول الله الراية، قال لأصحابه: «لأعطينَّ الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرَّار غير فرَّار، لا يرجع حتى يكون الفتح على يديه.» وكان ذلك كذلك.

ومثل الوقت الذي أخرجه فيه إلى شيطان الأحزاب وما أتبعه به من الدعاء المستجاب في الوقت الذي ينبغي ذلك فيه، وبمثل هذا العلم يكون لك المعرفة بأفعال الأنبياء والأئمة وما يعلمون من أعمالهم لأصحابهم ومن يتبعهم؛ فإنهم يعطون لكل واحد منهم من ذلك ما يستحقه من منزلته، ويصدر عنه من فضيلته عندهم وكرامته لديهم، ويزيد ذلك وينقص بحسب ما يرون له من الصلاح في ذلك.

ولما ذكرنا أنَّا نورد من مستحسَن هذه الصناعة وغرائب عجائبها ولطائف أسحارها، ذاكرناك بهذا الفصل، وهو علم غريب وسحر عجيب، إذا أردت المضي أنت أو مَنْ يتفق له ذلك من إخوانك أو مَنْ سألك عن حال دعوة أو وليمة قد دُعِيَ إليها ويريد المضي إليها كيف يكون حاله، وصفة المجلس ومَنْ يحضر وما يحضر فيه من الطعام والشراب والنُّدماء؟ وكيف صاحب الدعوة؟ وما صفة جميع ما هم فيه؟ فابدأ بالقول عليه والحكم بما نُبيِّن لك في هذا الفصل.

(٤٢) فصل إذا أردت ذلك فانظر إلى الطالع

إذا أردت ذلك فانظر إلى الطالع؛ فإنه يدل على ما يؤكل في المنزل:

ومن البرج الثاني من الطالع يُعْرف ماهية ما يؤكل.

ومن البرج الثالث يُعْرَف صفة الجلساء ونعت النُّدماء.

ومن البرج الرابع يُعْرَف الموضع الذي يجلس فيه أهو غربي أم شرقي، قبلي أو شمالي، أجيِّد أم رديء؟

واعلم أن من البرج الخامس يُعْرف الشراب ما هو؟ ومن البرج السادس يُعْرَف خدمهم، ومن البرج السابع يُعْرَف الموضع الذي يذهب إليه بكرم فيه أم لا؟

ومن البرج الثامن يُعْرَف هذا الخبز والطبخ، ومن البرج التاسع يُعْرَف قرينك في الموضع الذي تجلس إلى جانبه.

ومن البرج العاشر تعرف صاحب البيت الذي دعاك، ومن الحادي عشر يُعْرَف حال المغنِّين، ومن الثاني عشر يُعْرَف نساء البيت ورجالهم.

فإن كان القمر في الطالع فطعامهم يكون الغالب عليه الرطوبة وقلة الطعم الطيب وكثرة المرقة والمائية عليه غالبة.

وإن كان القمر مع المريخ في الطالع فإنه يقع في الدعوة شيء كثير.

وإن كان القمر والمريخ في وسط السماء يكون في الدعوة سفك الدماء بجرح أو قتل.

وإن كان القمر مع عطارد فإنه يحدث في المجلس شراء أو بيع.

وإن كان القمر مع الزُّهَرة كان في الدعوة طرب ولهو.

وإن كان واحدًا مما سمَّيناه في الطالع فهو بمنزلة القمر في ذلك.

وإن كان القمر ينظر إلى زحل من التثليث والقمر في برج من بروج الماء، فإن الذي يؤكل في الدعوة سمك أو مما يكون في الماء من الحيوان.

وإن كان القمر في الميزان فالمأكول حبوب.

وإن كان القمر في الجوزاء والدلو فالمأكول في الدعوة لحم طير.

وإن كان القمر ينظر إلى زحل من تربيع أو مقابلة فالمأكول في الدعوة لحم بارد.

وإن كان القمر مع المريخ أو ينظر إليه فالمأكول لحم حار.

وإن كان زحل في الخامس من الطالع فإن شرابهم مر.

وإن كان المريخ في الخامس فشرابهم حامض.

وإن كان المشتري وعطارد في الخامس فشرابهم شديد الحلاوة.

وإن كانت الزُّهَرة في الخامس فشرابهم بين الحلاوة والمرارة: عطر الرائحة طيب الطعم مليح اللون.

وإن كان القمر في العقرب مع ذَنَبٍ فاحذر أن تُسْقى السم في مجلسك.

وإن كان القمر في الأسد فاحذر اللحم، وإن كان في القوس فاحذر أن تأكل لحم الصيد.

وإن كان القمر في الميزان فاحذر أن تأكل الفجل والحبوب، وإن أكلت ضرَّك، والله أعلم بالصواب.

فانظر يا أخي إلى هذا العلم العجيب والصناعة المتقَنة، الحاوية لجميع ما يجري في الموجودات ويحدث من الكائنات، ما أحسنه وأحسن العمل به والحكم عليه! وبهذا العلم يكون الإخبار لمن صح له العمل بما يكون قبل أن يكون، وهو ضرب من علم الغيب الأرضي، وكذلك ما يكون بالزجر والفأل.

(٤٣) فصل في مستحسنات هذه الصناعة وعجائب أسرارها

ومن مستحسنات هذه الصناعة وعجائب أسرارها معرفة حال مَنْ يريد زيادة قوم، والمبين عندهم، وما يكون من أمره في ذلك الموضع، وما ينتهي إليه حاله.

إذا أردت ذلك فانظر إلى الزُّهَرة؛ فإنها الدليل على حال النساء، وإن كانت في بيت المريخ أو زحل فإنه يأتي تلك الليلة امرأة غير امرأته، وإن كانت الزُّهَرة في بيت عطارد أو الدلو أو الجَدْي أو السرطان والقمر معها فإنه يبيت في بيت مضيء مشرق عند امرأة عزباء، وإن نظر الزُّهَرة والقمر جميعًا في بيت المريخ فإنه يأتي امرأة عاتقًا، وكذلك إن نظرت من السابع إلى بيت المريخ على أي حال كان ونظر إليه ربه كان مثال ذلك.

وإن كان المريخ في السابع ونظر إلى درجات الطالع فإنه يأتي الرجال والنساء في أدبارهنَّ، وإن نظر عطارد من السابع كان مثل ذلك، وإن نظر المشتري إلى الزُّهَرة فإنه يأتي امرأته.

وإذا كان الطالع برجًا ذا جسدين وتنظر الزُّهَرة من السابع فإنه يقضي حاجته ويبيت وحده، وإذا نظر القمر من السابع إلى برج ذي أربع قوائم وكان بين زحل أو درجاته فإنه يأتي الدواب، وإذا نظر زحل من بيته من السابع إلى الطالع فإنه يأتي نساء أصحاب حرث ويبيت من الأرض في موضع مظلم قذر.

وإذا كان المشتري كذلك فإنه يبيت مع امرأة جميلة حسناء، وإن كان المريخ والزُّهَرة جميعًا فإنه يأتي نساءً في هول وخوف وهو من ذلك على خطر.

وباقي هذا الباب مذكور في كتب أحكام النجوم، وإنما أوردنا من ذلك المقدمات، فإذا وقفت عليها صح لك ما قلنا، إن جميع ما يحدث في العالم البشري والخلق الأرضي بتدبير فلكي وأمر سماوي إذا كان العالم السفلي مربوطًا بالعالم العلوي في جميع أموره وأحواله، وإنما أردنا بما ذكرنا من هذا العلم ليعلم إخواننا، أيَّدهم الله، أن فضيلة العلم هي الموجِبة للإنسان اسم الإنسانية، التي يتهيأ له بها الوصول إلى الصورة الملكية والرتبة السماوية، والعلم بالأمور الغائبة عن العيان والمتقدِّمة بالزمان والمستقبلة الكيان هي من أشرف العلوم وأجلِّها، ومعرفة ذلك تكون بعد الحذق بالصنائع كلها والتمهُّر فيها، وطيبة النفوس وسلامة القلب والتسليم لما يكون، وقلة الجزع والخوف مما لا بد منه ومن كونه، استدفاعًا بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى والخوف منه وحده لا شريك له.

ولعل كثيرًا ممن يقف على رسائلنا هذه يظن أن مرادنا في وضعها هو تعليم علم النجوم، وَلَعَمْرِي إن ذلك من أحد أغراضنا فيها؛ لأننا نحب لإخواننا، أيَّدهم الله، أن يقفوا على جميع العلوم ويتعلموها ولا يجهلوها؛ إذ كان مذهبهم هو النظر في جميع العلوم واستقراؤها كلها والإحاطة بمعرفة ظواهرها وبواطنها، وأكثر أغراضنا فيما وضعنا من رسائلنا كلها توحيد الله عز اسمه، وتنزيهه عما نسبه إليه الجاهلون عن معرفته، الحائدون عن محجَّته والمعرفة بما خلق من خليقته وأبدع من صنعته، فإن الأشياء كلها مربوطة بعضها ببعض محتاجة بعضها إلى بعض. وقد ظن كثير من الناس ممن سمع ذكر السحر والسحرة، وأن من السحرة قومًا يحيلون الصور عما هي عليه مصوَّرة إلى صورة أخرى؛ وذلك لما رأوا صور درجات الكواكب ونوبهراتها في البيوت القديمة الباقية من عهد الحكماء الأولين المتقدمين من القرون الخالية والأمم الماضية.

فلما رأوا ذلك ظنوا بفساد ظنونهم أن تلك الصور المصورة والخطوط المسطورة هي مما كانوا يعملون به من السحر، وأنهم كانوا يُنزلون به الطير من الهواء، ويستخرجون به السمك من قعر المياه بالكلام والرقي والعزائم، وأنهم كانوا يسحرون الإنسان حتى يصير حيوانًا، ولهم أوهام كثيرة في مثل ذلك فاسدة. وليس الأمر كما ظنوا ولا الحال كما توهَّموا، لكنها بالحيل التي عملوها والفخاخ التي نصبوها والصنائع التي أحكموها، وهي السحر الموجود في العالم، ما دام العالم موجودًا إنما هو موجود به، وقد ذكرنا في صدر هذه الرسالة ماهية السحر وأقسامه وما يختص بكل قوم من الناس وأصحاب كل صناعة، ولولا خوف الإطالة لأتينا بذكر ما أسرَّه أصحاب علم النجوم، والذي به قدروا على ما قدروا من الإخبار بما كان ويكون، وقد أتينا على شيء منه، ونريد أن نزيد في الاستدلال على ما يُعْلَم به حال المولود من وقت مسقط النطفة، ونذكر في هذا الموضع العلم الذي يُعْرَف به الجنين في بطن أمه أذكر أم أنثى؟ وهل الحمل واحد أو اثنان؟ وعن الحمل متى كان؟ وغير ذلك.

(٤٤) فصل إذا أردت أن تعرف هل الحمل واحد أو اثنان

إذا أردت أن تعرف هل الحمل واحد أو اثنان، فانظر إلى الطالع، فإن كان برجًا ذا جسدين وكان فيه كوكب، ووجدت في بيت الولد مثل ذلك، فإنها حامل بتوأم، وإن لم يكن الطالع ولا بيت الولد برجًا ذا جسدين ولا فيه من النحوس شيء مما ذكرت ولا النيران في بروج ذوات الأجساد فإنها حبلى بواحد، وإذا أردت أن تعرف الحمل أذكر أم أنثى؟ فانظر إلى رب الطالع ورب بيت الولد، فإن كان في بروج إناث فهو أنثى، وإن كان في بروج ذكران فهو ذكر، وإن اختلفتا فاستشهد بالقمر فأيهما يشهد فاقضِ عليه به.

وأيضًا إذا أردت ذلك فخُذ من بيت القمر وهو السرطان إلى القمر بدرج السواء، وزد عليه درجات الطالع ثم ألقِ من الطالع، فإن وقع في برج ذكر فهو ذكر، وإن وقع في برج أنثى فهو أنثى.

(٤٥) فصل في معرفة متى كان الحمْل

إذا أردت ذلك فخُذ من درجة صاحب السابع إلى درجة وتد السابع وألقِه ثلثين ثلثين، فكل ثلثين بلغ فهو شهر، فإن كان أكثر من تسعة أشهر فألقِ منه تسعة، وما بقي بعد ذلك فهو وقت الحمل، ووجه آخر: انظر ما طلع مع الطالع فهو نوبهره، وليكن لكل نوبهر شهر، ولكل درجة وسبع دقائق وثلثين ثانية، فبذلك يُعْرَف وقت الحمْل.

(٤٦) فصل وإذا أردت أن تعرف متى تلد الحامل

وإذا أردت أن تعرف متى تلد الحامل ليلًا أم نهارًا فانظر إلى الطالع وصاحبه، فإن كان في بروج النهار ولدت بالنهار، وإن كان في بروج الليل ولدت بالليل، فإن اختلفا فاعمل بأكثرهما شهادة.

(٤٧) فصل في اختيار وقت الحمل

اعلم أن خير ذلك أن يكون القمر من الطالع في برج ذكر في مثلثة الشمس، واحذر أن يكون في الطريقة المحترقة، وليكن سليمًا من النحوس والاحتراقات، وكذلك الزُّهَرة؛ لأنها إن فسدت الزُّهَرة فسدت الأرض، وإن فسد طريق القمر فسد البدن ولم يُنتفع به.

(٤٨) فصل في موت الجنين في بطن أمه

إذا مات الجنين في بطن أمه وخُشِيَ عليها في إخراجه الموت وأرادوا إخراجه، فليُخْرجوه والقمر ناقص في الضوء، هابط في الجنوب، وينظر المريخ والزُّهَرة من التربيع والتثليث إلى الطالع أو إلى القمر. وأفضل ذلك أنه إذا كان القمر في برج مؤنث، ويكون الطالع وصاحبه ينظر إلى الزُّهَرة والمشتري ناظرًا إليهما، وخير البروج التي يكون فيها القمر أو الطالع البروج الإناث المستوية الطلوع.

(٤٩) فصل في حال المولود في بطن أمه

إذا وقعت النطفة في الرحم دبَّرها زحل في الشهر الأول بالبرد، ودبَّرها المشتري في الشهر الثاني ببعض الاعتدال، ودبَّرها المريخ في الشهر الثالث فصيَّرها دمًا، وفي الشهر الرابع تنفخ الشمس فيها الحياة بإذن الله عز اسمه، وفي الشهر الخامس تركب فيه الزُّهَرة التذكير والتأنيث، وفي الشهر السادس عطارد يصير فيها اللسان والأسنان، وفي الشهر السابع القمر يتمُّ فيها الصورة، وإن وُلِدَ في تدبير القمر عاش، وإن تأخَّر رجع في الشهر الثامن إلى تدبير زحل، فإن وُلِدَ في الشهر الثامن — وهو لزحل — مات، وإن وُلِدَ في التاسع حين يعود التدبير إلى المشتري نجا بإذن الله، وكان منه ما قُدِّرَ له أن يكون في مدة حياته وبحسب ما تولَّى مولده.

والوقوف على هذه الأسرار والإخبار بها والحكم عليها هو السحر للعقول؛ لما يكون فيه من البيان الذي به يتميز الإنسان من الحيوان ويُسْتَخرج بالزجر والكهانة مثل ذلك.

(٥٠) فصل إذا أردت أن تعرف ما يكون من رسول يُرسَل في حاجة …

إذا أردت أن تعرف ما يكون من رسول يُرسَل في حاجة يأتي بها أم لا؟ فانظر إلى القمر وإلى صاحب بيت الخامس، فإن انصرف القمر أو صاحب بيت الخامس عن كوكب يشبه طبع الحاجة التي بُعِثَ بها، فانظر إن كان مثل ذلك ثم اتصل بدرجة الطالع دلَّ على أنه يأتي بقضاء الحاجة وإلا فلا.

(٥١) فصل في قدوم الرسول

إذا أردت أن تعلم هذا الرسول يُسرع الرجوع أم لا، وما يكون منه في غيبته؟ فانظر إلى الشمس ورب الطالع: فإن كان في بيت السابع وواحد منهما قد اتصل الرسول، وإن كانا في الرابع فهو مريض أو محبوس، وإن كانا في الثامن فهو ميت، وإن كانا في التاسع فقد فُصِل، وإن كانا في العاشر ونظر إليه المريخ فهو في يد السلطان الظالم، وإن كانا في الحادي عشر فهو عند صديق، وإن كان القمر في رأس الجوزاء وكان في موضع حسن السعود، فيبشر عن خبر الغائب بكل خير.

(٥٢) فصل في معرفة ما في الكتاب قبل أن تفضَّ ختامه

إذا أردت ذلك فأقِم الطالع وانظر أين عطارد؟ فإن كان هو في الطالع فإن في الكتاب ما يُبين عن خبر صاحبه وحاله في أمره في نفسه، وإن كان في الثاني فالكتاب فيه ذكر المال وأشباه ذلك، وإن كان في الثالث فالكتاب عن الإخوة الأقرباء.

وإن كان في الرابع ففيه ذكر الأملاك والأرضين والعقارات، وإن كان في الخامس فالكتاب فيه ذكر الأولاد والملبوس والأفراح، وإن كان في السادس فالكتاب فيه ذكر المماليك والدواب والمريض، وإن كان في السابع ففيه ذكر النساء والتزويج وأشباه ذلك، وإن كان في الثامن فالكتاب فيه ذكر الممات والمواريث وإن كان في التاسع فالكتاب فيه ذكر الحج أو سفر في وجوه البِر والدين، وإن كان في العاشر فالكتاب فيه ذكر السلطان أو عن سلطان، وإن كان في الحادي عشر فالكتاب فيه ذكر الأصدقاء والإخوان، وإن كان في الثاني عشر فالكتاب فيه ذكر الأعداء.

(٥٣) فصل في ختم الكتاب

إذا أردت أن تعرف كتابًا هل خُتم أو عليه خاتمه أم لا؟ فانظر في ذلك إلى عطارد والقمر، فإن اتصل القمر بعطارد فاعلم أنه لم يُخْتَم بعدُ، وإن وجدت القمر منصرفًا عن عطارد بقدر حد الكوكب فاعلم أنه قد خَتَمَ الكتاب، واجعل الكتاب لعطارد والطين للقمر.

(٥٤) فصل في إنما أخبرناك بهذا لكي تستدل به على غيره

واعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا، أنَّا إنما أخبرناك بهذا لكي تستدل به على غيره، ولتعلم أن جميع الأمور في عالم الكون والفساد صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليلها بتقدير فلكي وأمر سماوي، وكلها مسطور في كتاب مبين، فمَنْ أحسن قراءته أحاط بمعرفتها كلها، وتشوقت نفسه الصعود إلى عالم الأفلاك وسعة السموات ودار الحيوان وفسحة الرضوان وروضة الجنان دار الروح والريحان.

(٥٥) فصل في صدق الأخبار وكذبها

فإن أردت معرفة ذلك فانظر إلى الدليل وهو القمر، فإن اتصل بكوكب في وتد فالخبر حق، وإن اتصل بكوكب ساقط فهو باطل وبالضد من ذلك.

(٥٦) فصل في أنك وجميع إخواننا محتاجون إلى المعرفة بهذه الأمور

واعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أنك وجميع إخواننا محتاجون إلى المعرفة بهذه الأمور لتكونوا أغنياء بما في أنفسكم من المعارف والعلوم عن الحاجة إلى مَنْ لا يعرف قدركم، فيكون له الفضل عليكم إذ قد جهلتم ما قد علمه واحتجتم فيه إليه، وليس هذا صفة إخواننا الفضلاء؛ لأنهم لا يرضون لأنفسهم الجهل، ولم يستقروا أو يطمئنوا إلا بعد الاجتهاد والسعي في الإحاطة بكلية العلوم بحسب الطاقة.

فلما بلغوا إلى ما احتاجوا إليه وإلى معرفته منها، حازوا الفضيلة الإنسانية؛ ولذلك سمَّيناهم إخواننا الفضلاء، وأرجو أن تكون منهم لسعيك واجتهادك في المعارف.

(٥٧) فصل في أنَّا نحبُّ لإخواننا، أيَّدهم الله، ما يكون به صلاح شأنهم

اعلم يا أخي، أيَّدك الله تعالى، أنَّا نحبُّ لإخواننا، أيَّدهم الله، ما يكون به صلاح شأنهم واستقامة أمورهم في دينهم ودنياهم.

ولما كان ذلك أكثر أغراضنا منهم بسطنا لهم هذا الكتاب، وأوردنا فيه معرفة مبادئ الأعمال والصنائع العلمية والعملية بحسب ما قدرنا عليه بتوفيق الله تعالى، والذي حَمَلَنَا على ذلك هو أننا لم نقتصر على علم واحد وصناعة واحدة؛ لأنَّا علمنا اختلاف طبائع الناس وجواهرهم وما يشتاق كل واحد منهم إليه، بما يوافق طبيعته ويناسب جوهره من الصنائع وما أوجبه مولده له.

وذلك مثل اختلاف شهواتهم ومآكلهم ومشاربهم وجميع أحوالهم، فجعلنا في رسائلنا هذه من مبادئ الصنائع والمعارف والعلوم ما يكون معينًا للمبتدئ ورياضة للمتعلم، ولم ندَّعِ فيما قلناه، ولا تعدَّينا فيما وضعناه؛ لأن الواجب علينا والعلماء أن نَمْحَضَ النصيحة لإخواننا في المقدار الذي وصل إلينا من العلوم واستنباطها، ولا أنَّا قد أحطنا بكليات العلوم والصنائع بأسرها، ولأن هذه المقدمات التي أوردناها والعلوم التي ذكرناها — نحن والمستخرجين لها من ذواتنا — إنما أخذناها من كتب الحكماء والمتقدمين، ما كان منهم من الصنائع العلمية وما كان من العلوم الحقيقية والأسرار الناموسية، فمن خلفاء الأنبياء، صلوات الله عليهم، وأصحابهم والتابعين لهم بإحسان. وكثير من الصنائع لم نذكرها، وكثير من العلوم لم ننبِّه إليها ولم نصل إليها، ولا خطر بأوهامنا معرفة كُنْهها، وأن فوق كل ذي علم عليم، لكنَّا أرشَدنا إليها وأمرنا لإخواننا بالاجتهاد في الطلب والسعي في الاكتساب، لما به يكون فيه الصلاح في معيشة الدنيا والآخرة.

واعلم أن المراد من جميع الصنائع العلمية والمعارف العلمية ينقسم قسمين لا ثالث لهما: أحدهما ما يكون به صلاح الجسم وقوامه على الحالة الصالحة، والآخر ما يكون به صلاح النفس بعد مفارقتها الجسم والموت، وكونها في معادها على الحالة الصالحة لها، وإذا كان ذلك كذلك فالواجب عليك، أيها الأخ، أن تحرص وتجتهد فيما تُكمل به السعادتين وتنال به المنزلتين، والسبب في اختلاف الصنائع وكثرة أنواعها هو لأجل عمارة الدنيا وما هي مبنية عليه من التضاد والاختلاف في الأفعال والأعمال، وبهذا الاختلاف والتضاد يصير أمرها إلى الهلاك والاضمحلال.

واعلم يا أخي أنه من وُفِّقَ له أن ينال ما به قوام نفسه وجسمه من علم واحد ومعرفة واحدة فقد نال السعادة الكاملة والنعمة الشاملة، وهو أن يكون منزَّهًا عن الأفعال الدنيَّة والصنائع المتعِبة والأعمال الشاقَّة، وتكون صناعته منطقية لا يحتاج إلى آلة صناعية، ولا يستعين عليها بشيء من أعضاء جسده إلا باللسان والقوة المحرِّكة لليد بالكتابة لما يحتاج أن يكتبه، واستعمال الفكر والرويَّة وجودة الخاطر وذكاء النفس وجودة الحس. فلما طلبنا هذه المعرفة الجامعة لما ذكرنا لم نجد إلا المعرفة بحوادث الفلك وأحكامه بعد معرفة علم الحساب وعلم العدد الذي به يقدر على ذلك مَنْ أراد، وبحسب معرفته بالحساب وعلم العدد يكون علمه ومعرفته بأمر النجوم، وإن كان علم الحساب والعدد هو المدخل إلى جميع العلوم.

واعلم يا أخي أن الصنائع كلها ظواهرها موضوعة لصلاح الأجسام وبواطنها لصلاح الأرواح مما كان منها معمولًا به على ما وصفته الحكماء وأخبرت به الأنبياء.

فأما ما وقع فيه التبديل والتغيير فقد خرج عن هذه الصفة وصار فتنةً في الدين والدنيا، فنظرنا إلى الصنائع الحكمية فرأينا أقسامها معتدلة ونسبتها مستوية؛ لأنها متقنة ونتائجها حسنة، وظواهرها مطابقة لبواطنها لا تخالفها، وظواهرها دالَّة على إتقان صنع الصانع الحكيم سبحانه وإحداثه الأشياء، وبواطنها تدل على تنزيهه، وتدعو إلى عبادته، وتدل على طاعته.

واعلم يا أخي بأن صناعة الحساب ومعرفته، وعلم الفلك وحكمته، كالملك ووزيره في الصنائع والأعمال، وما بعد ذلك حتى تنتهي إلى صنائع العامة والرعاع وأصحاب المهن الخسيسة والصنائع القبيحة المسترذلة؛ فعلم الحساب هو كالملك إذا كان هو المحتوي على سائر العلوم والصنائع، وبه يعرف مقاديرها وكمياتها وبداياتها ونهاياتها، وبعلم الفلك — الذي هو كالوزير للملك — تعرف أبنياتها وكيفياتها، وما يدوم فيها وما لا يدوم، والمسعود فيها والمنحوس فيها، والأسباب في كونها والأحكام الجارية عليها والأمور الواصلة إليها.

وبالمثال الروحاني والنسبة النفسانية قالوا: إن علم العدد كالعقل الأول الحاوي لجميع صور الموجودات العاقل لها.

والعلم بحوادث الفلك كالنفس الحادثة عن العقل، ولأن النفس الكلية مربوطة بالفلك المحيط وهي المحرِّكة له، وإذا كان ذلك كذلك فليس في العالم صناعة كاملة معِينة لصاحبها على بلوغ المنزلة والدرجة السامية في الدين والدنيا إلا المعرفة بعلم العدد وصناعة النجوم، والمعرفة بأحكام الفلك وحوادثه، وهذه طريقة الحكماء؛ لأنهم لم يبدءوا بعلم من العلوم ولا بصنعة من الصنائع حتى أحكموا المعرفة بهذين الأصلين، فلما عرفوهما أبدَوا ما أبدَوه من الصنائع والأعمال، وكذلك الأنبياء، صلوات الله عليهم، لما أُيِّدوا بمواد النفس والعقل دعوا إلى الله جلَّت عظمته، على بصيرة، وكان من استجاب إليهم موفَّقًا للنجاة في دينه ودنياه والله أعلم.

(٥٨) فصل كان لنا صديق من فضلاء الناس …

كان لنا صديق من فضلاء الناس وخيارهم من إخواننا، وكان يستعين في معيشته بصناعة النجوم فحضرته يومًا وقد جاءه رجل فجلس عنده وقال له: قد جئتك لتخبرني عما في نفسي، فأخذ الطالع وقوَّمه وجوَّد الحساب وأحسنَ العمل وصدق العلم وأصاب الحكم، فقال له: تسأل عن شيء سُرِقَ؟ قال: نعم. ما هو؟ فأخبره عن جنسه، فقال كم هو؟ فأخبره عن كميته، قال: فمَن أخذَه؟ وهل الآخذ له ذكر أم أنثى؟ حرٌّ أم عبد؟ فذكره، فقال: كم سنُّه؟ فذكره، فقال أين ذهب؟ فأخبره، فقال: كيف هو؟ فأعلَمه، فمضى في طلبه ثم عاد وقد أصاب، فدفع إليه شيئًا صالحًا، فاستحسنت هذا منه، رأيته سحرًا مليحًا، ورأيت منفعة عاجلة، والظفر به مليحًا، والحكم به مستحسنًا، فسألته أن يفيدني بذلك ففعل، فكان بهذا محرِّضًا على طلب هذا العلم والحرص في بلوغ غايته والوصول إلى نهايته، فبلغت من ذلك بحسب التوفيق.

وأريد أن أذكر لك هذا الباب؛ فإنه لا غنى لك ولا لأحد من إخواننا، أيَّدهم الله، عنه، وهو مذكور في كتب أحكام النجوم وجميع ما ذكرناه آنفًا. وكل ذلك فمن الحكماء أخذناه وعنهم رويناه، وكلٌّ منهم كذلك حتى يكون الأصل فيه المريدون بالوحي السماوي والتنزيل الرباني والأمر العلوي.

(٥٩) فصل في الحكم على السرقة والسارق

ذكر أصحاب هذه الصناعة أن في ذلك أربعة أوجه: أولها معرفة الشيء، والثاني معرفة وجود السرقة، والثالث ألَّا يوجد، والرابع اللص وموضعه.

أما معرفة الشيء الذي سُرِقَ فمن الحد الذي فيه القمر، ومن جوهر ذلك البرج، وامتزاج بعضها ببعض، ثم اجعل الطالع وصاحبه والكوكب المنصرف عنه القمر للص، والثاني وصاحبه والكوكب المتصل به لما يلي السائل، والثامن وصاحبه لما يلي اللص، والعاشر وصاحبه للمتاع، فإن كان العاشر برجًا من بروج الحيوان فاعلم أنه حيوان، وإن كان على صورة إنسان فاعلم أنه إنسان، وإن كان من بروج العبيد فهو عبد، والله أعلم.

فصل في معرفة السارق

انظر إلى البرج السابع، فإن كان أنثى فهو أنثى، وإن كان ذكرًا فهو ذكر، وإن كان ذا جسدين فالسارق نفسان مشتركان، وإن كان سعدًا فهو حر، وإن كان نحسًا فهو عبد.

فصل في معرفة سن السارق

انظر إلى الدليل فهو على سنِّه، والكواكب الشرقية تدل على الحداثة والشاب، والغربية تدل على المشايخ والكهول، وإن كان في وسط السماء فهو شاب، وفي وتد الأرض فهو شيخ، وإن كان تحت الشعاع فكهل لا شيخ ولا شاب، وإن كان في الطالع نجم غريب فهو دليل السارق، وإن كان زحل فهو آدم أسود صغير العينين غليظ الأنف طويل الأسنان غليظ الأظفار طويلها عراض مشقوق الرِّجْلَين، وإن كان المشتري فهو أسمر تعلوه حمرة، سمين، سبط الشعر، حسن العقل، وإن كان المريخ فهو ذو جراءة وإقدام في سعيه، شاب أزرق أحمر اللون، خفيف الشعر، أشقر أشهب، رَبْع غليظ، وإن كان الشمس فهو أشهل، حسن الجسم، وإن كانت الزُّهَرة فهو أشم جعد أسود حسن الحال والشباب، كثير الجماع، قبيح الصوت، كثير الأهل والولد، في جسده حرق نار، وإن كان عطارد فهو حسن الجسم، نظيف، بطَّال، وإن كان القمر فكبيرٌ آدم، سخي الأصدقاء.

فإن قيل لك: أمعروف أم غير معروف؟ فانظر إلى الشمس والقمر، فإن نظرا إلى الطالع فإن اللص من أهل البيت، وإن كان أحدها فهو مختلط بهم في الدخول والخروج، وإن كان الشمس والقمر ساقطين عن الطالع كان اللص غريبًا، إلا أن يكون صاحب الطالع في الطالع، أو يكون معه صاحب بيت القمر والشمس تنظر إلى صاحبه.

واعلم أنه إذا كان صاحب السابع في الطالع مع صاحب الطالع كان السائل هو اللص، وكذلك إذا كان الأوتاد، فإن كان صاحب السابع عن صاحب الطالع ساقطًا كان اللص غريبًا.

فصل في إصابة ما سرق

اعلم يا أخي أن في ذلك وجوهًا ودلالات؛ أولها: أن يكون صاحب السابع يتصل بصاحب الطالع، فإن ذلك يدل على أن الذي سرق المسروق يرده سريعًا. والثاني: أن يكون صاحب السابع تحت شعاع الشمس ويتصل بصاحب الطالع؛ فإنه يدل على أن الذي سرق يُظفر به من قِبَلِ السلطان. وقس على ذلك الثالث والرابع، والخامس أن ينظر ما يكون في السلطان الذي ظفر به معه، انظر إلى وسط السماء، فإن ذلك يدل على السلطان والسارق. والسادس والسابع والثامن وباقي الباب على هذا المثال. وكذلك يخرج الحادي عشر إذا اتصل القمر بصاحب الطالع، وإذا اتصل القمر بالشمس فإن ذلك يدل على أنه يظفر بما سرق.

فصل في معرفة اللص

فإذا علمتَ أن اللص من أهل البيت فانظر إلى ذلك الكوكب الذي دلَّ عليه، إن كان المريخ فهو أخوه، وإن كانت الشمس فهو أبوه، فإن كانت الزُّهَرة فهو امرأته، وإن كان القمر فهو أمه، وإن كان زُحَل فهو عبده، وإن كان المشتري فهو ولده، وكذلك جواهر الكواكب، وإن كان الثاني في الطالع كانت السرقة في البيت مع السائل.

فصل في معرفة هل السارق مقيم في البلد أم سافر؟

إذا كان صاحب الثاني متصلًا بصاحب الثالث أو التاسع دل على هرب السارق.

وإن اتصل بصاحب العاشر دلَّ أن المتاع عند السلطان.

وصاحب السابع إذا كان في التاسع أو متصلًا بكوكب في التاسع أو الثالث أو بأصحابهما دلَّ على أن السارق خرج وسافر.

وصاحب السابع إذا كان في التاسع من السابع دلَّ على أن السارق ليس من أهل البلد.

وصاحب السابع إذا كان في شُرَفه دل على أن اللص غريب شريف.

وإن كان المريخ في السابع أو صاحبه كان السارق أعجميًّا والسرقة عمله، وكذلك فقل في جواهر الكواكب السبعة.

وإن كان صاحب السابع في موضع جيد دلَّ على قوة السارق.

وإن كان صاحب السابع زحل كان اللص أخذ الشيء بحيلة.

فصل في معرفة الموضع الذي فيه السرقة

إذا أردت أن تعلم أين المتاع؟ فانظر إلى البرج الرابع، فإن كان ذا أربع قوائم فإنه بحيث يكون شيء من الحيوان.

وإن كان برجًا على صورة الناس وفيه المريخ كان في موضع فيه حديد أو يستعمل فيه حديد ومخلوط به.

وإن كان المريخ ينظر إليه فهو في آلة النار التي تشتعل فيها أو في مكانها.

وإن كان فيه عطارد كان عند إنسان صناعته الكتابة أو عند كتب موضوعة.

وإن كان فيه الزُّهَرة فهو عند امرأة أو شيء من آلة النساء.

وإن كان ذلك البرج مائيًّا كان عند ماء أو في ماء.

وإن كان فيه زحل كان في موضع قذر كالكنيف وما شاكله. ثم انظر إلى القمر في أي الأوتاد هو، شرقي أم غربي؟ قبلي أو شمالي؟ فهو يدلك أن الموضع في تلك الناحية، إن شاء الله. وانظر أيضًا فإن كان الطالع الحمل والأسد ففي الجبال.

وإن كان في آخر القوس أو الثور فإنه في موضع الدواب والبقر.

وإن كان في آخر الجوزاء فإنه في بستان أو كرم أو موضع شجرة.

وإن كان في السرطان أو العقرب أو الحوت ففي الماء أو قريب من الماء.

وإن كان في السنبلة والميزان والدلو ففي بيوت الناس.

وإن كان في الجَدْي ففي الأرض أو تحت حجر أو تحت حائط.

وإن كان الطالع الجوزاء والشمس في الطالع أو تنظر إليه، فإن السارق في بيوت الملك والسلاطين أو حكيم أو تاجر.

وإن كان القمر في الحوت فإن السرقة في نهر أو ساقية أو عين.

وإن كان المريخ في الطالع كان في مواضع السلاح ودكاكين الحدادين أو مواضع النيران.

واعلم أنه إذا اتصل القمر بنجم نحس من التثليث أو التسديس فإنه يدل على أنه يؤخذ سريعًا؛ أعني السارق.

وإن كان من التربيع كان فيه مشقة.

فصل في معرفة جنس المسروق

انظر إلى القمر فإن كان في الحمل ومثلثه فإنه جوهر ناري مما يخرج من المعادن والجبال.

وإن كان عند ذلك في حد المريخ فإنه ذهب أو فضة.

وإن كان القمر في الثور ومثلثه فهو من جواهر الأرض ونباتها.

وإن كان القمر في الجوزاء ومثلثاتها فهو جوهر حيواني، فإن نظر إليه صاحبها فهو حيوان.

وإن كان القمر في السرطان ومثلثاته فهو حيوان الماء، فانظر إلى صاحب بيت القمر، فإن كان في الحمل ومثلثاته فإنه نبات يريد الكسر في نباته.

وإن كان في الجوزاء ومثلثاتها فإنه حيوان الماء، وعلى هذا القياس يكون معرفة كيفيته وكميته.

واعلم يا أخي أنَّ هذا الحكم والعلم بما ذكرناه ووصفناه وبيَّنَّا شيئًا منه هو من الأبواب الغامضة من علم النجوم التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بجودة الحساب ودقة النظر واستخراجها، وقد يكل كثيرٌ من أهل زماننا ممن يتعاطى معرفة علم النجوم عن استخراج ذلك والعمل به والحكم عليه، والذي نريد لإخواننا، أيَّدهم الله، ألَّا يدَّعوا أنهم يعرفون شيئًا من العلوم إلا بعد الإحكام له والمعرفة به والتمهر فيه والتجربة له؛ لما نتخوَّف عليهم من الخطأ والكذب الذي هو مجانب لصفاتهم؛ لأن كثيرًا من الجهَّال يدَّعون ما ليس لهم أن يدَّعوه، فإذا وقع به الامتحان افتضحوا وتزيَّفوا ونُسبوا إلى الكذب وسقطوا في أعين الممتحنين لهم، حتى إنه ربما يكون معهم حق ولا يُقْبَل منهم ولا يؤخذ عنهم، ويكون ذلك كسرًا لهم وحسرةً في قلوبهم وقاطعًا لهم عن العلم والعمل، والذي وجب علينا من النصيحة لإخواننا ما فعلناه وأبلغنا لديهم النصيحة وأدَّينا إليهم الأمانة، وأردنا لهم ما أردنا لأنفسنا، وأردنا بذلك أن تكمل لنا درجة الإيمان كما قال النبي : لا يكمُل٨ للمؤمن إيمانه حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه.

وقد وشَّحنا رسائلنا هذه بلُمَع من العلوم والمعارف وما يجري مجرى السحر للمعقول من الإخبار بما يكون وكان؛ لأنه من أشرف المعارف وأحكم العلوم التي يختص الإنسان بها، وأوائلها مأخوذة عن الملائكة بالوحي والإلهام.

واعلم يا أخي أنه لا سبيل لأحد من البشر إلى الإحاطة بها جميعها بأسرها، وإنما منَّ الله على خلقه بشيء منها على لسان أقربهم إليه وأحبهم لديه وأكرمهم عليه، بوساطة الملائكة بينهم وبينه، كما قال، عز اسمه: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، ومما يجب لإخواننا، أيَّدهم الله، أن يعلموه ويقفوا عليه من هذا العلم، ما يكون من الحروب في المواضع وبين الملوك وفي أي وقت تكون؛ ليحترزوا فيها ويبعدوا عن مواضعها؛ إذ ليسوا هم أصحاب الشرور والفتنة، وإنما هم أصحاب خير وسلامة وعبادة وزهادة وعلم وحكمة.

(٦٠) فصل في معرفة الحروب وأوقاتها

إذا أردت أن تعلم هل في السنة التي أنت فيها أو المستقبلة إن كنت في آخر الماضية حرب؟ فانظر إلى المريخ في تلك السنة، فإن كان في الأوتاد فإنه يكون، وإن كان ساقطًا فلا يكون.

فصل في معرفة متى الحرب تكون؟

إذا أردت ذلك فخُذ من درجة المريخ إلى درجة المشتري، ثم ألقِه من الطالع، فحيث نفد الحساب ففي ذلك الحد تكون الحرب، ووجه آخر إذا أردت أن تعلم هل يكون ذلك أم لا أو متى يكون؟ فانظر إلى الأوتاد الأربعة فإن كان بهرام في أحد الأوتاد فإنه لا بد أن يكون قتال.

فإن نظر رب البيت إلى بهرام في أحد الأوتاد فإنه يكون عاجلًا قريبًا من وقت نظرك.

وإن كان بهرام في الطالع فإنه يكون بناحية المشرق وبخراسان.

وإن كان في وسط السماء فإنه يكون بناحية اليمن ونحو القبلة.

وإن كان في الغارب فإنه يكون نحو المغرب.

وإن كان في وتد الأرض فإنه يكون بناحية الشمال.

وإن كان بهرام في الوتد فإنه يكون قتال.

وإن أردت أن تعلم متى يكون هذا القتال فانظر إلى بهرام كم من درجة في برجه؟ فإن كان في العشرة الأُوَل فإنه يكون في أول السنة.

وإن كان في وسط البرج فإنه يكون في وسط السنة.

وإن كان في آخر البرج فإنه يكون في آخر السنة، والله أعلم.

ومما يحتاج إليه إخواننا، أيَّدهم الله، إذا غاب بعضهم عن بعض وأراد أحدهم أن يعرف حال صاحبه إذا غاب عنه هل هو حي أم ميت؟ لأنهم قد يُبتلون بفرقة الأحباب، ومصائب الأيام ونكبات الزمان، واستتار الرؤساء وغيبة الفضلاء، في وقت من الأوقات التي يخافون فيها على نفوسهم من الأعداء المتغلِّبين والرؤساء والظالمين.

(٦١) فصل في معرفة حياة الغائب ومرضه وموته

إذا أردت أن تعرف ذلك فاجعل نفسك السائل، واجعل الطالع لك أو لمن سألك عنه والسابع للغائب، ثم استدل على موت الغائب إذا كان صاحب الطالع ساقطًا عن الأوتاد، أو محترفًا، أو متصلًا بصاحب الثامن من الطالع في موضع رديء، ويكون القمر مع المنحوس في الهبوط في وقت المسألة أو يكون في الثاني أو الثامن عشر أو السادس، فإن ذلك يدل على أن الغائب ميت.

فصل في معرفة حياة قوة رب الطالع

وسقوطه عن رب الثامن واتصاله بكوكب سعد من تثليث أو تسديس، وسلامة القمر في وقت المسألة فوق الأرض.

وكذلك رب الطالع، ويكون القمر سالمًا خارجًا من السادس والثاني عشر والثاني والثامن في السابع، فهو حي بسلامة في نفسه.

فصل في معرفة مرضه

فإذا أردت أن تعرف أمريض هو أم صحيح؟ فانظر إلى رب الطالع والقمر، فإن كانا مع صاحب السادس أو في بيته فهو مريض.

وكذلك إن كانا في هبوطهما أو محترقين فهو مريض، وإن لم يكن القمر ولا صاحب الطالع معهما فليس بمريض.

فصل في معرفة كيفية الموت

المشتري إذا كان في الطالع وهو متصل بكوكب في الطالع مات ميتة سوء.

وإن كان في العقرب مات غريقًا، وإن اتصل ببهرام قُتِلَ أو غرق.

وإن كانا مع ذلك في برج الأسد أكلته السباع أو نكبته نكبة من قِبَل السباع فيموت.

وإن كان زحل: يُسْقَى من السموم القاتلة التي لا يطَّلع عليها أحد.

(٦٢) فصل في معرفة إذا كان أحد من إخواننا في مدينة وحلَّ بها حصار …

إذا كان أحد من إخواننا في مدينة وحلَّ بها حصار من عدوِّه، وأراد أن يعرف كيف فتحها؟ فلينظر حال الطالع والقمر وحال رئيس المدينة وبرجها وجواهرها معها، ويستعين بشهادات النجوم المعِينة لها فيقوِّمها بمواضعها ومزاجها وجواهرها.

وإن كانت النجوم فيها وهي في أوائلها فهي تُفْتَح من قبلها.

وإن كان في أحد الأوتاد المريخ فهي تُفْتَح بالسيف.

وإن كان زحل فهي تُفْتَح بالخديعة والمكر، ويُعْرَف الأوتاد الأربعة فإنها تدل على الحصون، فإن كانت فيها النحوس فُتِحَت.

وإن كانت فيها السعود والنحوس معًا لم تُفْتَح إلا على صلح.

وإن كانت تلك النحوس أربابها كان الفتح من أهلها عن صلح.

فصل

اعلم يا أخي، أيَّدك الله وإيانا بروح منه، أن العلوم كثيرة، لا يحيط بجميعها إحاطةً إلا مَنْ له الخلق والأمر؛ ولهذا قال بعض العلماء بصناعة أحكام الفلك: إني وجدت فيما يُسْتَدل به على هذه الأمور ستة وثلاثون بابًا على عدد وجوه البروج، وهي ستة وثلاثون وجهًا إذا وُضِعَت مع قوى الكواكب وذُكر فيها كواكبها يخرج عن حدِّ رسائلنا هذه، ولو قدرنا على وصف كل دقيقة والإحاطة بمواضعها لكنا مقصرين عن كثرة ما يوجد في هذا العلم من الصفات المتشابهة والدلالات المختلفة، فإذا كان التقصير والعجز يلزمنا فيما يحدث في هذا العالم الأرضي والمركز السفلي فكيف لا يلزمنا التقصير والعجز في معرفة ما يحدث في العالم السماوي والمكان العالي بل أضعاف ما يلزمنا فيما دونه؟

والبرهان على ذلك أنَّا لا نجد الاتفاق في أكثر الأشياء، بل الاختلاف والتضاد أكثر من الاتفاق في الفروع، فأما الأصول فمتفقة غير مختلفة، ولكن القوى التي تصدر عنها والأجناس التي تظهر فيها وما يتركَّب من الأجناس من الأنواع، وما يتفرَّع من الأنواع إلى الأشخاص، وما يختص بالأشخاص من الصفات المتباينة والألوان المختلفة والهيئات المتفاوتة في الصغير والكبير، والطويل والقصير، والكون والفساد وغير ذلك مما هو موجود في الأجساد والأجسام.

وإذ قد ذكرنا من السحر ما يعمل به بواسطة العقل، وهو البيان والكشف عن حقائق الأشياء، وهو ما نطقت به الأنبياء بعلمه، وأتت به الحكماء من الكتب المنزَّلة والآيات المفصَّلة، وما يظهر من السحر بواسطة النفس، وهو الاطلاع على ما كان وعلى ما يكون في ابتداء الأعمال، والمعرفة بما يحدث في العالم من الأحوال والأفعال والقول بها والحكم عليها وبما يكون فيها، ويختص بهذا العلم أصحاب الحكمة الفلكية والعلوم النجومية.

وقد ذكرنا في ذلك نُبَذًا ولمعًا؛ لتكون تنبيهًا للغافلين وموقظًا للساهين عن النظر في آيات الآفاق والأنفس؛ لأن أكثر أغراضنا في جميع ما ذكرناه وكل ما وصفناه: الحض على تعليم العلوم، والاطلاع على ما خفي من أسرار الخليقة؛ ليكون ذلك قائدًا لإخواننا، أيَّدهم الله، إلى أجلِّ السعادات وأرفع الدرجات، ويصير لهم بذلك رتبة في محلِّ السموات وفضاء الأفلاك الواسعات؛ لأنه لا يتهيأ له الصعود إلى هناك إلا أن يكون من العلماء العارفين والموقنين المستبصرين، ومحل الجنان ودار الحيوان أَولى بالأرواح الزكية والنفوس المضيئة من محل الهوان، ودار الأحزان والمصائب والأسقام أولى بالأرواح النجسة والنفوس الرجسة.

(٦٣) فصل في أن كل علم صدَر وكل فعل ظهَر …

اعلم يا أخي، أيَّدك الله تعالى، أن كل علم صدَر وكل فعل ظهَر عن الأنبياء والمرسلين ومَنْ خلفهم من بعدهم، ومن خلفائهم الراشدين وأهل بيوتهم الطاهرين ومن صحبهم من المؤمنين فهو سحر عقلي وأمر إلهي، يسحرون به عقول المؤمنين الذين صبوا لهم وسلَّموا لأمرهم فيما أتوا به، وتحققوا صدقهم، واثقين به مطمئنين لحقِّهم؛ فهو السحر الحلال المبين، والقول الصادق اليقين، وهي القوة الناموسية المؤيَّدة بقوى النفس الكلية، بما أُوحي إليها من القوة العقلية بالمشيئة الإلهية والعناية الربانية، وكلُّ ما ظهر من الحكماء أو الفلاسفة والعلماء، من الأعمال والصنائع والحرف والمهن، والعلوم الرياضية، والإخبار بأمر النجوم والحكم بها على ما كان ويكون؛ فهو سحر نفساني بواسطة الطبيعة؛ لأن ما يظهر من فعل النفس العقلية بواسطة الطبيعة، يكون لتركيبه في الهيولى بما يظهر للنظر، ويُدرَك بحاسة البصر، من الأصباغ والألوان والمقادير والأبعاد والأجناس والأنواع والأشخاص؛ لأن الباري، سبحانه، جعل العقل سابقًا والنفس لاحقة، والطبيعة سائقة والهيولى لاحقة.

فالعقل هو الخلق الأول والنور الأطول الذي قصَرت الأنوار كلها عن أن تطاوله؛ إذ هو مستمِد لأنواره الفاضلة وخيراته الكاملة من باريه، جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه؛ فهو يستكمل الفضائل والخيرات مبرَّءًا من الشوائب والتغييرات، من جهات النقص الواقع بمَنْ دونه من المخلوقات الروحانيات والجسمانيات؛ إذ كان هو التام المعطي لمن دونه صورة التمام، وهو المرتِّب لكل موجود منه وصادر عنه مرتبة الدوام وموفِّيه حظَّه اللائق به في لزوم النظام واعتدال الأقسام.

وكذلك جُعلت له القوة الحافظة على جميع الموجودات ذواتها، والقوة بموجود ذاتها، وبخاصته المختص بها، يعطي الموجودات خواصها الخاصة بواحد واحد منها، بحسب ما يستحقها ويليق بها، وهو الساحر الأعظم الذي سحر الأشياء كلها؛ إذ كان هو المبيِّن لها، وبه تكون المعرفة بها والاطلاع عليها، وبه انسحرت النفس الكلية؛ إذ هو المُظْهِر لها والمبيِّن لها وما يخفى عليها، والجاعل فيها ما ظهر منها وصدر عنها.

فلذلك صار العقل الخاص به يظهر بوساطتها، وبه يكون سكونها ووصولها إلى حد طمأنينتها التي بلغت إلى خيراته الدائمة، ووصلت إلى فيوضاته الشريفة وأنواره اللطيفة وأفعاله المختصة به، التي إذا ظهرت بوساطة النفس الكلية للنفوس الجزوية وانطبعت فيها أوصلتها إليه وقدِمت بها عليه، فبه يكون خلاصها ونجاتها من أَسْرِ الطبيعة وموت الخطية، وفساد الهيولى وذل العبودية.

وأما أفعال النفس الظاهرة بوساطة الطبيعة فهو ما يظهر من أفعال البشر من الصنائع والمهن، ونريد أن نذكر طرفًا منها إذا كان ما يُعْمَل منها هو السحر الطبيعي، وبه يكون التلوُّن والتشكُّل والصبغ والتصور، وقلب الأعيان وتتميم الكيان الطبيعي والامتزاج المعدني، وبه سحر العالم الناطق بعضه بعضًا، كلٌّ بحسب ما قدر عليه، ووصل بقوته المجعولة فيه إليه.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله تعالى، أنه لما كان أعلى الصنائع العلمية، وما يعمل بالقوة العقلية والفكرة النفسانية خالصة، لا تشركه القوى الطبيعية، ولا تحتاج فيه إلى مثل ما تحتاج لغيره من الموضوعات الهيولانية، وهو علم صناعة العدد؛ لأنه صورة عقلية تنزل في قوة نفسانية؛ وعلم صناعة النجوم إنما هو مدرَك بقوة فكرية، موجودة بمادة نفسانية، موجودة من حركة دورية؛ وبقوة النفس يعلم ما يكون منها ويصدر عنها حتى تكون موجودة بالحس، والأصل في ذلك هو معرفة الزمان الذي هو عدد حركات الفلك المحيط، المحرِّك لما دونه، المرتب في أفق النفس الكلية.

وقد قلنا فيما تقدَّم أن علم العدد كالملك لسائر العلوم، وعلم صناعة النجوم كالوزير التابع لذلك، وكالعقل الذي هو سابق الموجودات بالبداية والموجود بعدها في النهاية، والنفس تالية له ومقبلة عليه وراجعة إليه.

وكذلك علم العدد هو السابق لجميع العلوم، وهو الموجود إذا عُدمت، ولا ترتفع بارتفاعها إذا ارتفعت ذاته ومراتبه في نظامها، موافقة له في تمثيلاته، ويتبعه علم النجوم وما يُعْرَف بموجبات دلالاته وخفاء إشاراته وما ينحطُّ إلى العالم السفلي والمركز الأرضي من قوى روحانياته وهي الملائكة الموكَّلة بحفظ البرية والقسمة فيهم بالسوية في الأصول الأولية، بالنشوء في البداية والفساد عند النهاية.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله، أن القسمة جارية في جميع الموجودات، مستوية لا تفاوت فيها؛ ذلك أن وجودها كلها بالنشوء والنماء، وإنهاؤها بالفساد والفناء. فسبحان خالق الوجود والبقاء، وجاعل الظُّلْمة والضياء، على كل شيء كان بالنشوء في الابتداء، وكل فاسد فبالعدم عند الانتهاء. سبحان مَنْ لا بداية له بنشوء يُعْرَف ولا نهاية له بفناء يوصف، جلَّ عن الإشارة إليه بشيء جلالًا يفوت وصف الواصفين، من الروحانيين ومن الجسمانيين، إلا بما وصف به نفسه كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ. ولما كان هذان العِلمان هما الأصل للعلوم اللطيفة والمعارف الشريفة، وهي أجلُّ العلوم قدرًا وأكثرها فخرًا، وقد أشرنا إليها ونبَّهنا عليها إذ كانت هي القائدة إلى العلوم الإلهية، فنريد أن نذكر أشرف الصنائع الطبيعية والتركيبات الجسمانية، وأجلَّ ما ينتهي إليه من ذلك الإنسان، وبه يفضل على مَنْ دونه من جنسه ويصير إليه — مثل الحيوان — بالحاجة إليه والخضوع بين يديه؛ وهذا القسم أيضًا ضرب من السحر إذ كان العالم بأَسْره مربوطًا بمحبته وحريصًا على طاعته، وهو معرفة قلب الأعيان من كيان إلى كيان، وتحويل خاصة الشيء من مكان إلى مكان في الأوقات التي تنبغي له من الزمان، ثم ما دون ذلك من الصنائع فعليه نُصبت ومن أجله عُملت؛ لينال منه كلٌّ بحسب القدرة والاستطاعة.

وإنما سمَّينا رسالتنا هذه: «رسالة السحر والعزائم» وبيَّنَّا القول فيها: ماهيته وكمية أقسامه وكيفية أفعاله؛ ليستدل إخواننا الأبرار على الأسرار الخفية، إذا نظروا فيها بالنفس المضيئة والقرائح الزكية، وأدمنوا النظر في استقرائها بالفكر والرويَّة، وليكونوا إذا بلغوا إلى معالي العلوم وشرائف الصنائع ذوي غِنًى عن الحاجة إلى مَنْ سواهم في جميع ما يحتاجون إليه من أمر معيشة الدنيا، فإذا وصلوا إلى هذه المرتبة وحصَّلوا هذه المنزلة صحَّ لنا أن نسميهم بإخوان الصفاء.

واعلم يا أخي أن حقيقة هذا الاسم هي الخاصة الموجودة في المستحقين له بالحقيقة لأعلى طريق المجاز.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله تعالى، أنه لا سبيل إلى صفاء النفس إلا بعد بلوغها إلى حد الطمأنينة في الدين والدنيا جميعًا، وهي أن يعرف الإنسان — بحسب قدرته وبلوغ استطاعته — توحيد الله جل جلاله، والمعرفة بحقائق الموجودات وغرائب المكونات بإذن الله تعالى باريه، الذي خلقه وأبدعه وَبَرَأَه، وعبادته وتنزيهه وتمجيده عما يجده في مخلوقاته ويشاهده في مصنوعاته، وبعد ذلك ما يكون به صلاح معيشة الدنيا والغناء عن الحاجة فيها إلى من عدم هذه الصناعة، ومَنْ لا يكون كذلك فليس هو من أهل الصفاء؛ لأنه لو كان من أهل الصفاء لكان له بصفاته عمن دونه الغني.

واعلم يا أخي أن حقيقة الصفاء أيضًا هو ألَّا يغيب عن النفس الصافية الزكية شيء من الأشياء التي بها الحاجة إليها؛ لما قد بُليت به من مداواة هذا الجسم من مُقاساته، وبالصفاء تتهيأ لها الراحة منه والبُعْد عنه، بحيث لا تكون نازلة عليه ولا مشتاقة إليه.

وقد ذكرنا أن بمعرفة العلوم اللطيفة والمعارف الشريفة يتهيَّأ للإنسان ما يكون به صلاح أمر جسمه في دنياه وصلاح أمر نفسه في عُقباه في دار الآخرة، ولكن ليس كل واحد يتهيَّأ له ذلك في أمر جسمه؛ إذ كانت الأجسام مربوطة بالأمور الفلكية؛ وذلك أن كثيرًا من الناس ينالون من معرفة علم الحساب والعمل به ما لا يقدر عليه غيرهم، فلا ينالون ما يكون به صلاح أجسامهم في أمور دنياهم ولا صلاح أنفسهم في أمر أديانهم، ولا يُحتاج إليهم فيه، فينال مَنْ هو دونهم في المعرفة بذلك الحظ في الدنيا، ويغيب عنه ما يكون به صلاح نفسه. وآخرون نالوا به السعادة في أديانهم، وكان مؤدِّيًا بهم إلى النجاة، ولم ينالوا به الحظ في الدنيا، وآخرون رُزِقُوا به النجاة في الدارين والحظ في المنزلتين، وآخرون رُزِقُوا الحظ في الدنيا بغير ذلك من العلوم الأدبية والمعارف الطبية، بصرفهم قواهم المختصة بهم من ذلك إلى النظر في الأفعال الطبيعية والصنائع التركيبية، ثم استدلوا بما قدروا عليه ووصلوا إليه، ومنهم من استعان به على ما يعود بصلاح جسمه بحسب الحاجة، وصرف باقي ذلك فيما يكون به نجاة نفسه في الآخرة، وآخرون حُرِموا ذلك ولم يوفَّقوا له.

واعلم يا أخي أن الناس في العلوم العقلية والمعارف الربانية والحِكَم النفسانية أعلاهم طبقة هم الأنبياء عليهم السلام، وأعلى الناس في الصنائع والمعارف الجسمية هم الحكماء، وغاية ما نال العالم بعلوم الأنبياء صلاح النفس في دار المعاد، وغاية ما نال العالم بعلوم الحكمة صلاح الأجسام في دار الأجساد وعالم الكون والفساد. ونريد أن نُبيِّن في هذه الرسالة من قسم الصنائع الطبيعية ما إن وصلت إليه وقدرت عليه نِلْتَ أعلى الحظوظ منها ورقيت أعلى درجاتها وأجلَّ طبقاتها. وقد أكثرت الحكماء من القول فيه والإشارة إليه والدلالة عليه في جميع اللغات، والناس جميعهم طالبون له وفيه راغبون، وليس بأحد من العالم غِنًى عنه ولا إياس منه، وهو الطلسم المنصوب لعمارة الدنيا والجوهر المحبوب والمعدن المطلوب، وهو المغناطيس الأكبر والكبريت الأحمر، وبه يتفاخر أهل الدنيا وعليه يتحاربون، وعلى جمعه وادخاره يتكالبون، وعلمه مما دونه من المعادن يستخرجون، ويطلبون الوقوف على كيفية استخراجه من الأجسام المنطرقة وانفصام عنها وتخليصه منها، وتحويل كيانه إلى كيان غيره، وانتزاع لونه من لونه وإقلاب الأعيان في كونه، حتى يكون ما هو دونه في منزلته ولاحقًا بالتدبير الواقع به إلى درجته وواصلًا إلى مرتبته ومشاركًا له في فضيلته، إذا حصلت له صورته المضيئة ورؤيته البهية، إذا نقيَ وصفَا صفَا من شوائب التغيير بما ينبغي له من التدبير.

ونريد أن نأتي بفصل نذكر فيه شيئًا من ذلك مما رمزت به الحكماء وأشارت إليه العلماء، تتدبَّره بنفسك الطاهرة وأنوارك الظاهرة، وروحك المضيئة الصافية من نجاسة المعصية، لعلك تفوز بمعرفة سر الطبيعة فتزهد فيها بعد القدرة عليها والوصول إليها، فإن الزهادة فيها عند القدرة والاستطاعة والتمكُّن منها، هو أحسن وأزين من الزهادة فيها، والمرء مُحال بينه وبينها. وعند ذلك تكمل تلك الصورة الصافية فتصير كالمرآة الصقيلة التي تتراءى في جوهرها الصور المسامتة لها بما هي به، لا مضادة ولا متباينة ولا مختلفة، فيتحير الناظر فيها بما يراها منها غير شاكٍّ في صدقه ولا مرتاب بحقه. بلَّغك الله تعالى وإيانا إلى غاية الصفاء، وأنار نفوسنا بوضوح الهدى، وجعلنا وإياك من أهل الوفاء في الدين والدنيا بمَنِّه وكرمه، وهو الفاعل لما يشاء.

(٦٤) فصل قال فاردموس الحكيم: إن السماء مدورة …

قال فاردموس الحكيم: إن السماء مدورة، ذات أرجاء متفرقة، وإن الأرض مثل حبة خردل في وسطها، وعلى كل ناحية منها قوم يعيشون من رزق الله عز اسمه، وإن الشمس تعطي العالم حركة الحياة، وفوق الأرض تصعد وتحتها تنزل، وإن السماء تربِّي ما في وسطها، وإن الأرض كالجنين في بطن أمه، وإنها تربو فيها كما يربو الولد في الرحم ويعيش في البطن، وإن زحل والمريخ والمشتري والزُّهَرة وعطارد والقمر فاعلة ومدبرة، ذات قوًى وطبائع ومزاج، وإنها تنحط في الأرض وتظهر بقواها المنبثة منها، الصادرة عنها بامتزاجها وأخلاطها ما يبدو من هذه الأجساد، ويتكون في عالم الكون والفساد، بما ينزل من المطر، وما يتكون به من النبت والشجر، وما يستقر في معدته ويتكوَّن في مسكنه.

وقال جالينوس: كل شيء في الدنيا يتحرك في تدويره بالزيادة والنقصان كالحر والبرد، والصيف والشتاء بحوادث الجو، وكالمد والحزر، وبنقصان القمر ينقص وبزيادته يزيد، والكواكب السبعة بها تدور المواليد، وفي العالم الصغير المرتان٩ والبلغم والدم يزيد وينقص في تدبير الطبائع والقوى السبعة، وكل شيء تطلع عليه الشمس فهو يدور بدورانها، وكل ما في العالم فينشأ بتدبير السبعة والاثني عشر، وهي الأصل في جمع ذلك وتفريقه.

قال فيثاغورس: إن السبعة في الاثني عشر عملها، كذلك القوى في الجسد، والشمس هي النفس، والقمر هو الروح.

فالنفس حارة يابسة، والروح باردة رطبة، فامتزجت اليبوسة بالرطوبة، واعتدلت الحرارة بالبرودة، وقوة العقل في المخ المجعول في الدماغ مثل الملك في رأس العلية.

وقال جالينوس: إن الشمس لها أربعة أنصاب في الجسد لمواضعها ومجاريها فيه، تجري وتقوم وتدور، وهي الحافظة للجسد بأمر الله، فإن أصاب هذه الأنصاب شيء يؤذيها ويوجعها وخلص ذلك الوجع إلى شيء منهنَّ؛ فسد بعض أبوابها، وعطل مجاريها، وفسد الجسد، وكان به تعجيل الموت.

وأما الأولى فمكانها الذي في الوجه فينفتح عن خمسة أبواب تجري فيها قواها، وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ومن هذه الأبواب يتصل بالنفس علم ما غاب عنها وبَعُدَ منها، والقوى فيها داخلة وخارجة، وصاعدة ونازلة، وعلى كل باب قوة موكَّلة تفتحه وتغلقه بأمر النفس، والثانية مكانها في الفؤاد، وينفتح منها خمسة أبواب يخرج منها خمسة رسل؛ وهي: التمييز والنطق والتوسُّم في السر والتوهُّم والتفكر، والثالثة موضعها الكبد، وينفتح فيها خمسة أبواب يخرج منها الدم إلى سائر أطراف الجسد فيسقيه ويُربيه، وبه تكون له القوة والجَلَد والنشاط، والرابعة مكانها الكليتان، ومنها ينفتح الباب الذي تكون منه النطفة جارية وخارجة، وبها يكون نبات السن، فهذه أمكنة الشمس في الجسد.

وأما القمر في الجسد فله فيه مكانان؛ وهما: الجلد والرأس، وللمشتري العظم الذي في الفقار، ولعطارد العروق والعصب، وللمريخ الدم والصفراء، ولزحل الشعر والظفر والسوداء، وللمشتري اعتدال المزاج وسلامة الحسد، وللزُّهَرَة النقش والصورة.

والبروج الاثنا عشر أيضًا فيها مواضع وطبائع، فللحَمَل شعر الرأس، وللثور الجبهة، وللجوزاء العينان، وللسرطان المنخران، وللأسد الفم واللسان، وللسنبلة اللحية، وللميزان المَنْكِبان واليدان والذراعان، وللعقرب الصدر، وللقوس فقار الظهر كله، وللجَدْي البطن، وللدلو الخصيتان والذكر والكليتان، وللحوت الساقان والرِّجلان، وبهذه القسمة قيام الجسد وعليها بُنِيَ.

فإذا عرفت هذه الأصول عرفت ما يتفرَّع منها، فعند ذلك تعرف صناعة طب الأجسام الحيوانية وبها تكون لك المعرفة بطبائع الأجساد المعدنية.

فإن كنت جاهلًا بمعرفة الطبائع الحية الناطقة فأنت بمعرفة الطبائع المائية الصافية أجهل ومن تدبيرها أبعد؛ لأن منها ما ينبغي أن يفرق حتى يزول عن عينه الأولى ويخرج عن الطبيعة غير المعتدلة وينشأ نشوءًا آخر ويحيا بحياة أخرى.

ومنها ما يحوِّل طبيعته من الملوحة إلى الحلاوة، ومن الصلابة إلى الرخاوة.

ومنها ما يعمل به ضد ذلك، وينزل فيه عن الرطوبة إلى اليبوسة، ومن الحموضة والعفوصة١٠ إلى الاعتدال.

ومنها ما لا يمازج بعضه بعضًا إلا بعد المصالحة بينهما وذهاب ما يُفسد حالهما، فإن فُصل أحدهما عن صاحبه أفسده وعن حدِّ الاعتدال أخرجه.

فإذا عرفت مداواة السوداء التي طبيعتها البرد واليُبْس حتى تردَّها إلى طبيعة البلغم وهي البرودة والرطوبة، فقد أصبت بعض ما يُحتاج إليه.

وإذا عرفت أن تحيل طبيعة الصفراء — التي هي الحرارة واليبس — إلى طبيعة الدم — وهي الحرارة والاعتدال — فقد أصبت أجلَّ منازل طب الأجساد.

وهاتان المنزلتان في التدبير المعدني أجلُّ منازل الواصلين إليها، وهما الأصلان الأولان والفرعان التابعان؛ أعني الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة.

(٦٥) فصل قال أرسطاطاليس: إن الدائرة الأولى …

قال أرسطاطاليس: إن الدائرة الأولى التي دون السماء دائرة النار، والثانية دائرة الهواء، والثالثة دائرة الماء، والرابعة دائرة الأرض.

ويخرج من دائرة الأرض لونان من الدخان: أحدهما لطيف خفيف يتصاعد إلى العلو، وإذا قرب من دائرة الهواء غلُظ وارتفع فيها، إلى أن يقرب من دائرة النار فيحمى، ولا يجد السبيل إلى النفوذ فينحطُّ راجعًا إلى معدنه فيكون منه المطر، واللون الآخر من الدخان يثور من قرارها ويدور إلى سطحها، وهو كثيف ثقيل فتكون منه الجبال، فإذا رجع الدخان الصاعد إلى البخار الثابت شربته الجبال، فصار فيها كالروح منه في الماء، فإذا نضب الماء ظهرت الجبال ورجع الدخان وانعقد منه في باطنها وخللها، ومنافذها أجناس المعادن، فإذا كملت له القوة واجتمعت طبائعه وقوى جسده وما حلَّت فيها ظهر منها بحسب بُعْدِها من الاعتدال فيه، والأربعة تدور إلى الاثني عشر؛ لأن الأربع الدوائر بإزاء ما في الأرض من الجزائر، فتكون أفعالها فيها موجودة كوجود أفعال الكواكب السبعة في الاثني عشر برجًا كدوران الشمس فيها.

وللحكماء في هذا القول إشارات خفيَّة وأسرار دقيقة لا يطَّلع عليها ولا يعرف العمل بها إلا إخوان الصفاء الذين صَفَتْ أذهانهم حتى بلغوا إلى تصفية ما احتاجوا إليه من هذه الطبائع، ومزجوا بعضها ببعض، فحصل التشبه بالإله، بحسب الطاقة الإنسانية؛ فنالوا سعادة البقاء في الدنيا بالطمأنينة، وجُعلت لهم في الآخرة خيرات الدار الحيوانية التي هي الحياة الحقيقية.

واعلم يا أخي أنه بمعرفة البخارين الخارجين من التراب: أحدهما لطيف والآخر كثيف، وثبات السفلي ورجوع العلوي إليه وقراراه فيه وثباته معه، يكون تمام العمل وإحكامه.

وقال الحكيم: جسد الشمس رأس كل جسد، وسُمِّي رأسًا لأنه رئيس الأجساد، ولا تستطيع الكواكب التي تحته أن تدنو منه ولا تبعد عنه، وهو يضيء بنوره الكواكب إذا نزل فيها وقرب منها، فمنه نبات ومنه جوهر، ومنه سهل ومنه جبل، ومنه ما يخرج من خلطين: أحمر وأصفر، وأرضه تبرق، وإن حفرت الأرض التي يكون فيها الذهب حتى تبالغ في حفرها رأيت أرضها مذهبة كأنها تشبه الزرنيخ الأصفر والكبريت الأحمر، وتكون ريح سخنة، وهي أرض واسعة، وطبيعتها حارَّة رطبة، والمياه التي تجري فيها حلوة، فهذه طبيعة أرض الذهب وقوته، وكونه في معدنه، وكونه في مكانه، وكونه في نباته في أوانه، وشكله في كيانه.

فلذلك قال فيثاغورث: إن الشمس ملك كل جوهر وطبيعته أعدل الطبائع، وإنه لا تفسده الأرض ولا تحرقه الأشياء المحرقة للأجساد؛ لأن مزاجه في الحرارة واليبوسة والبرودة والنداوة أجزاء متساوية، وليس في طبيعته شيء زائد على شيء ولا ناقص ولا فاسد؛ ولهذا عظَّموه وكرَّموه وسمَّوه شمسًا، وصاغت منه الملوك تيجانًا وأكاليل، ورصَّعوه بالجواهر، وحملوه على رءوسهم؛ إعظامًا لقدره وتشريفًا لذكره ولفضله على الأجساد؛ ولأنه أجلُّ معدن موجود في عالم الكون والفساد وكرامة للشمس التي بها صلاح البلاد وحياة العباد.

وقال أفلاطون: إنَّا دخلنا في جبال، حيث يكون الشمال، وكانت جبالًا طوالًا لا نرى الشمس فيها، فلم نستطع المُكْث بها من شدة البرد، ولم نرَ هناك نباتًا إلا شيئًا قليلًا في زمان الصيف، وكان الصيف هناك كالشتاء في غير ذلك الموضع وأعظم ما يكون منه؛ فلذلك قلنا: إنه ليس للعالم أفضل من تدبير الشمس، ولا عمل أفضل من العمل الذي أخرجت، والجوهر الذي صنعت، والصبغ الذي صبغت، والسحر الذي سحرت به العقول، وجعلته طلسم الطلسمات ومغناطيس النفوس الجزئيات، والشهوات الجسمانيات، وجعلته أرفع المنازل في الطبائع المعدنية، وصيَّرت صناعته أكبر الصنائع المهنية الأرضية.

وقال أفلاطون: إني أرسلت نفرًا من أصحابي نحو الهند فذكروا أنهم سقطوا في بلاد خفيفة طيبة فأعجبهم ذلك، وذكروا أن أهل هذه الأرض طوال الأعمار، قليلو الأمراض، صحيحو الأجسام، وليس فيها حر شديد ولا برد شديد، معتدلة أقسامها، مستوٍ نظامها، وإن المزاج لا يفسد فيها سريعًا، فعلمنا أن ذلك المكان خط الاستواء ومعدن الذهب.

ومن هذا القول قال الحكماء لما ذكروا جنة الفردوس، وذكروا أنها مرتفعة من الأرض طول ثلث السماء، وأنه ليس بها حر ولا برد، ولا رطب ولا يبوسة، ولا ما يختلف ولا ما يختلط: إنها مستقيمة في كل شيء مقدرة لمسكن مَنْ أكرمه الله تعالى؛ ولذلك قال جالينوس وأصحابه: إن الجسم ما دام معتدل المزاج مستقيم الطالع يكون ذا مُكْث في الدنيا واستقرار فيها، والنفس الساكنة إذا كانت عارفة بباريها مقرَّة بتوحيده عادلة في حكوماتها، فهي ساكنة في جنة الفردوس بالقوة، فإذا فارقت الجسد وصلت إليها.

ولذلك استعمل هو وأصحابه صناعة الطب واستعجلوا صلاح أجسامهم، وقالوا: ما دام الإنسان مستقيم المزاج لا يزيد بعضه على بعض فهو صحيح لا يدخل السقم عليه، ولا يصل الألم إليه، وصلح أن يكون من ساكني الفردوس، وذو المرض والألم لا يكون ساكنها.

ونعود إلى ما كنا فيه ونقول: لا تشبَّه جنة الفردوس بالشمس؛ لأنها ليس لها من فعلها موت ولا مرض ولا فساد، وأنها حياة العالم؛ فهي الماسكة لكل جسد، ولونها إلى الحمرة، وطعمها إلى الحلاوة.

وقال: إنَّا تعلَّمنا منها عمل حمرة ثم حللنا منها لونين؛ يعني من الحجر المختص بها، وكتبنا به كتابًا وصنعنا منه خاتمًا للملوك وتاجًا لهم.

(٦٦) فصل في إن القمر هو يشاكلها ويريد التشبه بها

قال: إن القمر هو يشاكلها ويريد التشبه بها والمحاكاة لها، وهو في ذاته أسود، ومنها يأخذ لون البياض وما يتبع البياض من الصُّفْرة إذا طلع ليلة بدره في وقت مغيبها، فيعلو وجهه من شفقها صفرة، ثم تسلبها إياه وتنحط منه قوة، فيعمل في الأرض عملًا يحاكي لونه، وهي الفضة، وهي تفسد في الأرض وفي النداوة، طعمها الحموضة لأنه يُزنجَر كما يُزنجَر النحاس، والقمر إذا حصل تحت شعاع الشمس غاب فيها حتى لا يُرَى، وكذلك الفضة إذا مازجت الذهب خفيت في لونه ومازجته، ومع النحاس كذلك. وتقبل الصبغة وسلطان القمر في الجسد على المخ والدم والمرتين، وعلى عيون الماء، وعلى المد والجزر، وعلى كل شيء تكون فيه زيادة ونقصان.

وقال: إنَّا صنعنا من الذهب إكسيرًا وطرحنا منه على الفضة فصارت ذهبًا، وما أسرعه إليها؛ لأنه جَزوع رقيق، ليس له صبر على ما يؤذيه، والأرواح الصاعدة كلها عدو له، وكل جسد فيه روحانية صاعدة يؤذيه ولا يوافقه.

والماس جوهر حار يابس، أنثى، حامض، وهو قريب من الفضة، يختلط بالفضة والذهب إذا نُقِّي وصُفِّي.

والرصاص والحديد يكون منهما ما يصبغ ويختلط بالأرواح ويحبسها ولا يتركها، ولكن إذا صُبغ هو نفسه يفر صبغه منه ولا يثبُت فيه، وينبغي أن يُنقَّى ويُليَّن وهو يمسك لون الصبغة في غيره فيكونان يقبلان الصبغة، ويعلو منه العلو، ويعقر منه الكلب. وإذا قبل الصبغة لم تفارقه ويثبُت على التصفية ويخرج منه فضة.

ولزحل في الأرض أسرب أسود، وهو كيوان رصاص أسود، يقبل الصبغة ويعلق به مثل العلق، ويَعَض مثل الكلب العقور، وإذا قبِل الصبغة لم يفارقه من الحرارة إذا كانت فيه روحانية حارَّة صاعدة من بطن الشمس، وهو ذكر قليل الحلاوة، ويقبل الصبغة ويكون منه شمس، وشمسه كريم مرتفع، ويصبغ منه ضروب المياه، ويحبس عطارد وجميع الروحانيات، ويحول بينها وبين الحروب، وهو عدو الفضة من أجل كبريته، ويصبغ الحجارة.

والزئبق بارد، وهو فضة غلبت عليها النداوة فأفسدتها وحلَّلتها، ومَنْ عرف دواءه قدر أن يردَّه إلى كيانه، ويصير فضة، ويجمع به بين الأرواح ويزاوج بينها، وما أقل صبره على النار! ومَنْ قدر على إصلاح ما بينه وبينها وصل إلى ما يريد، وبه تكون حياة الموتى.

(٦٧) فصل في أن الحجارة ثلاثة ألوان …

وقال: إن الحجارة ثلاثة ألوان: منها ما يذوب، ومنها ما لا يذوب، ومنها ما يكون كلسًا١١ ومنها ما لا يكون كلسًا، فالذي لا يذوب ولا يكون كلسًا فهو حجر كريم، وهو أشرف الجواهر، وهو الياقوت، له ضد يعاديه ومقدر عليه وهو حجر الألماس، والألماس حجر عظيم، وله ضد يعاديه وهو الأسرب.١٢ ومن الحجارة ما يزداد في الأرض، ومنها ما ينقص ويتفتت، ومنها ما يقبل الصبغة من المطر والشمس، مثل الجزع والعقيق وغيره، ومنها ما يتحوَّل من لون إلى لون مثل الياقوت، يبتدئ في البياض ثم إلى الزُّرْقة ثم الصُّفْرة ثم الحُمْرة ويثبُت عليها.

واعلم يا أخي أن الحمرة هي أجلُّ الأصباغ، وهي الأصل لها كلها إذا كانت الشمس حمراء وروحانياتها كلها حمر وصفر، والبياض أول الألوان، وهو يحول إلى السواد، كالأرض التي إليها مالت الطبائع، وهو لون زحل، وهو الموت، ولا خير فيما غلب عليه.

والأرقشيثا: جسد، وهو كبريت مختلط بالفضة، وهي باردة قريبة من الحر من أجل الكبريت الذي فيها، فإذا غُسِلت ونُقِّيت وأُحْرِقت صارت باردة يابسة، ولها أعمال تدخل فيما يحتاج إليه أهل الصنعة.

والمغنيسا: وهو حجر كريم، كرَّمته الحكماء ومدحته الفلاسفة القدماء؛ لأنهم كانوا يعملون منه أعمالًا كبيرة، ويُحلُّون به كل طبيعة من الأجساد المعدنية، وهو يُلين الحديد والزجاج، ومنه ذكر وأنثى.

وسمَّوه ذا اليبس، فالذكر منه يابس، والأنثى هشة سوداء شديدة السواد، وزاوجوها مع الكبريت المسمى أفيرون، ثم طرحوه على القلعي١٣ فحوَّله فضة، والشاذنة باردة يابسة لينة، يخرج منها المس، وصنعت منها الحكماء ما احتاجت إليه في التدبير، وهي تزاوج جميع الأجساد والحجارة الخضرة، ويكرمها الحكماء ويعظِّمها العظماء، وهي طلسمات جليلة، ويُعْمَل بها أسحار عجيبة، ومنها الفيروزوج، ويخرج منه جسد، ومنها الدهنج واللازورد.

وإن من الحجارة حجارة فيها طبيعة الكبريت والزئبق والطلق واللؤلؤ والصدف.

وقشر البيض كله بارد يابس، والخل يحلُّه كله حتى يجعله في المنظر كالماء، قال جالينوس: إنهن يابسات، والرطوبة تحلل؛ فإنهم يحبسون الزئبق، ويصنعون المياه ويصيِّرونها أجساد الطلسمات، ويقبلون بها الأعيان، ويعملون صورة السحر. وقشر البيض قد أكرمته الحكماء، وله أسماء كثيرة مكتوبة، والعظم بارد يابس، واللبن نديٌّ من أجل دسمه، فإذا فارقه دهنه فهو بارد يابس.

واعلم يا أخي أن الحكماء ذكروا أن في النبات من قوى هذه الروحانيات مثل ما في أجساد هذه المعادن الجامدات، وأنها تعمل في أجساد المعادن الذائبة مثل ما تعمل أرواحها المفارقة لها إذا رجعت إليه وأقيمت نشأة ثانية، وهي كثيرة لا يُحصر عددها، ولا يعلم الإحاطة بكلِّية معرفتها إلا الله عز اسمه، ولكن نذكر منها طرفًا ليكون دليلًا على الباقي إن شاء الله.

(٦٨) فصل شجرة ورقها مثل ورق الفول …

شجرة ورقها مثل ورق الفول، مدملج مستطيل، ينبُت صاعدًا مثل القضبان، لا يموت صيفًا ولا شتاءً، تنبُت في جبال الشام.

قيل: إنه إذا استُخرج ماؤها وأُلْقِيَ على الزئبق وطُبِخَ به مرارًا عقده فضة بيضاء، وقيل: إن أول شجرة طلعت على وجه الأرض شجرة أصلها كهيئة الإنسان، وهي مقدِّمة الكون الإنساني في الطلسم المُشاكل لصورة الإنسان في النبات، ويكون من ذكر وأنثى، وإذ كُسِرَ عودها وُجِدَ داخلها كالصليب! ولها أسماء كثيرة، وهي شجرة معروفة، وهي تنفع من داء الصرع إذا عُلِّقَت على مَنْ به الصرع، ومن المرة السوداء، وما دامت عليه معلَّقة لا يُصرع. وهي حارة، وهي تطرد الأرواح الفاسدة، ويُتَّخذ منها طلسم ويُنْصَب على البيوت المسكونة فلا يبقى بها روح فاسدة ولا دابة مؤذية إلا هربت، وقد صنَّف رجل من الحكماء في هذه الشجرة كتابًا ذكر منافعها.

والكسيينج١٤ والسقمونيا١٥ واللُّبَان١٦ والزئبق والسِّندروس والأفيون تُلين الأجساد وتحسِّن الأرواح وتنفي الخَبَث، وتُمسك بعض قوى الروحانيات الصاعدة، ويحرق بعضها الكباريت الفاسدة.

وذوات الصموغ والألبان من الأشجار تفعل أفعالًا كثيرة وتعمل أعمالًا جليلة، وفيها قوًى فاضلة.

وقيل: إن شجرة يقال لها بالفارسية: «خوس»، واسمها بالرومية «حور سمون»، إذا أُخذ من ورقها مما يلي الأرض من أصلها مقشَّرة، ومن زبد البحر، وزرنيخ أحمر، أجزاء ودُقَّت جميعًا، ثم اطْلِ به ما شئت من الأجزاء الربيَّة وأحمِ بالنار؛ فإنه يخرج ذهبًا أحمر، ثم لا تصير إذا سبك بالنار، وأوراق هذه الشجرة مدوَّرة إذا طلعت عليها الشمس رأيت لورقها لمعًا وبصيصًا، ويكون عليها دود أصفر مثل الذهب، يتكوَّن منها ويدب عليها! روحانيات ما ينحط إليها مما وكل بها. وقيل: إن الدفلي١٧ إذا أُخذ نوره الشديد الحمرة ومن ورقه وعوده ولحائه وعروقه، ودُقَّ دقًّا جيدًا وطُلِيَ به النحاس وهو ذائب، يخرج منه شبه الذهب، لكنه لا يصبر على النار مرة ثانية.

والخل المتَّخَذ من العنب وهو خل الخمر له فضل كثير، ويُلين الطبائع كلها في الأجسام والأجساد، ويحلل ويلين، وهو يبيِّض الأسود ويسوِّد الأبيض. وأكثر هذه الصفات وأسمائها لم نذكرها من النبات، فذلك في كتاب الحشائش وكتاب الخواص، وكذلك في كتاب الأحجار وما يشاكل ذلك من بدن الإنسان وأعضاء الحيوان، وإنما أردنا بما ذكرنا ليعلم الناظر في كتابنا أن جميع ما في العالم، قليله وكثيره، وكبيره وصغيره، ومعادنه ونباته، وحيوانه ومواته، لم يُخْلَق إلا بالحكمة، وأنه مربوط بعضه لبعض، لا يخلو من منفعة، وفي كونه حكمة تدل على الصانع الحكيم، جل اسمه وتعالى ذكره.

وإن الأشياء كلها محفوظة في أماكنها، وإنه جل اسمه، حافظها وموكِّل بها ملائكة تُنشئها وتُنميها وتُمسكها وتُربيها، ولكلٍّ منها مستقر ومستودَع، وكلها مبنية في كتاب كريم ولوح عظيم، منه بَدَت وإليه تعود، وإنها مثالات وعلامات لما كانت منه وَبَدَتْ عنه.

واعلم يا أخي أن الجن والشياطين والمردة موجودون في الأمكنة اللائقة بهم التي ينبغي لهم أن يكونوا فيها، وكذلك الملائكة، ولكلٍّ منهم مقام معلوم. وإن من بعض أمكنة الجن والشياطين صدور المنافقين من الإنس، وإنها حالَّة فيهم للوسوسة والغواية، ولهم قرناء من الجن يوحي بعضهم إلى بعض. وإن أمكنة الملائكة صدور المؤمنين ومَنْ فوقهم من الأنبياء والمرسلين، كما قال، جل جلاله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وقد ذكرنا في رسالتنا الجامعة أن من النبات والحيوان والمعادن أجسادًا وأجسامًا وقوًى تختص بكل نوع من أنواعها وشكل من أشكالها من الأرواح.

فنريد أن نذكر في هذا الفصل كيفية استعمال الحكماء هذه القوى والأرواح في السحر الذي كانوا يعملونه ويعلِّمونه لتلامذتهم، وهو معرفة الخلط والمزاوجة في الوقت الذي ينبغي فيه ذلك، ومعرفة النسبة واستواء الأنصبة وإجراء الروحانيات في الجسمانيات، وتركيب الأجسام على الأجساد وإمكان الأرواح فيها بعد الممات.

واعلم يا أخي أنه مَن قدر على أن يُحْيي الجسم بعد موته مثل ما عمله المسيح فقد أتى بسحر عظيم، لا تكاد النفوس أن تصدِّقه ولا العقول أن تحققه، وهو حقُّ يقينٍ وسحرٌ مبين، ولكنها أجساد غير ناطقة، وأرواح منها خرجت ثم عادت إليها، وهي أصباغ مُشرقة، وألوان مُونقة.

واعلم يا أخي أن هذا الصنف من السحر يُفسد العقول ويُتْلِف النفوس إذا عطفت إليه وأقبلت عليه، وينبغي لإخواننا، أيَّدهم الله، ألَّا يلتفتوا إلى هذا الفن من جهة القياس وقراءة الكتب والتجربة والاعتماد على مَنْ قال ووصف وقال رأيت، وإنما المراد من ذلك اتباع المعلم الواصل والحكيم الفاضل المانِّ على مَنْ يجب أن يمنَّ عليه بذلك، إذا كان ممن ينبغي أن يعلم له السحر الحلال ويعرف كيف يحيي الله الموتى، كما قال إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ — يعني بالصفة — قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي — بالنظر — قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ — يعني أربعة أزواج طائرة — ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا — يعني أجسادًا ثابتة جزءًا كما ينبغي أن يُجعل عليه — ثُمَّ ادْعُهُنَّ — بالماء المحلل — يَأْتِينَكَ سَعْيًا واعلمْ أن الله على كل شيء قدير. وهذا مقتضى هذه الآيات على ما تأوَّله أصحاب هذه الصناعة.

وبهذا السحر عمل قارون وصرفه في غير حلِّه، وخالف موسى في فعله، وتعدَّى ما رسمه له فحيل بينه وبينه، وخُسِفَ به وبداره، وابتلعته الأرض وما كان معه، وقلَّ مَنْ يستحق تعليم هذا السحر في العالم، وإنما أردنا بما ذكرناه ونذكره تنقيح عقول إخواننا، أيَّدهم الله، بالمعارف، وتحريضهم على النظر في كل العلوم، والمعرفة بمبادئ الصنائع وكيفياتها؛ ليكونوا علماء حكماء ويفارقوا عالم الجهل وصفاته، ويتخلَّصوا من أهله وآفاته، ويرتقوا إلى عالم العقل وخيراته، وينالوا درجة العلم وبركاته وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. والموفَّق لذلك قليل، وقليل ما هم.

واعلم يا أخي، أيَّدك الله تعالى أنه لا ينبغي لأحد من إخواننا، أيَّدهم الله، ولا لأحد من أي الناس كان أن يبتدئ بتدبير شيء من الأشياء، ولا صنعة من الصنائع، ولا عمل من الأعمال، يريد به الصلاح في أمر نفسه ومعيشته، إلا بعد معرفة أحوال القمر؛ لأنه اختص بتدبير عالم البشر.

واعلم يا أخي أن الإنسان هو الفرد، وجميع ما تحته فهو منسوب إليه، وهو ملك سماء الدنيا وخليفة الشمس على عالم الأرض، والشمس خليفة الله تعالى في السموات والأرض، وكل كوكب في فلكه فإنما هو ملك ذلك الفلك ومدبِّره وخليفة الشمس فيه، والشمس ملك الكواكب، وفلكها سيد الأفلاك، وبها تتصل الحياة من معدن الحياة، ومنها تتصل بكل حي ناطق وحساس متحرك، ولها صفات بها تختص وتفضُل على سائر الكواكب بما فضَّلها الله تعالى وجعل لها القوة الحافظة على جميع الموجودات.

واعلم أن القمر في جميع أموره كالإنسان؛ وذلك أنه يبتدئ بالنشور كما ينشأ الإنسان وله زمان يكون فيه، كالصبي وحاله من بعد الولادة، وله زمان الحداثة والشبيبة، وله زمان قوة واستكمال، وله زمان كهولة ونقص، ثم لا يزال كذلك حتى يعدم وجوده ويغيب حتى لا يرى ويستأنف نشأة أخرى، وكذلك حال مسيره في دقائقه ومنازله في البروج يشاكل مسير الإنسان في أمر معيشته وجميع متصرفاته.

فإذا كان ذلك كذلك فيجب على مَنْ يريد الابتداء بمثل ما ذكرناه أولًا من عمل السحر الحلال الزجر والفأل والرُّقى والعزائم وعمل الخواتيم، وربط الروحانيات، ونصب الطلسمات، ووضع العلامات، ودفن الذخائر واستخراجها، وجميع ما أحب عمله من حل وعقد وأعمال نيرنجات١٨ وقَلْب الأعيان، وتحويل الكيان من كيان إلى كيان، فليبدأ بمعرفة مسير القمر ومعرفة طبائع منازله، ويعرفها منزلةً منزلةً، ويصحِّح مسير الشمس والكواكب من التقويم، فإن ذلك مُعين على ما يريد الابتداء به، وليكن نظره لذلك من التقويم السماوي والحظ الإلهي، وينظر إلى القمر كل ليلة ويستدل به وبنزوله في البروج الاثني عشر، ونريد أن نُبيِّن ذلك، وهو مذكور في كتب الحكماء العلماء بصناعة النجوم، فإن عدم الناظر في ذلك معرفة المسير في الفلك بالنظر في الآفاق، فلينظر ذلك في التقويم الأرضي والخط الإنساني الوضعي والكتاب الجزئي، فإنه سيبلغ بذلك بعض ما يريد إن شاء الله.

(٦٩) فصل قال الحكيم: إن القمر ينزل كل يوم في منزلة …

قال الحكيم: إن القمر ينزل كل يوم في منزلة، ومقدار مقامه في كلِّ منزلة ساعة غير سدس؛ لأن المنزلة لا تطلع حتى تمضي خمسة أسداس ساعة، ثم يطلع منزلة أخرى، والقمر إذا طلع أول ليلة من الشهر يقيم ستة أسباع ساعة ثم يطلع منزلة، ويزداد كل ليلة ستة أسباع ساعة، ثم يطلع في الليلة السابعة من الشهر فيقيم إلى نصف الليل ثم يغيب، ثم يزداد كل يوم ستة أسباع ساعة على هذا القياس.

فإذا كانت ليلة أربع عشرة يطلع فيقيم إلى وقت طلوع الشمس، ثم يغيب ويطلع حين تغرب، ويغرب حين تطلع، فيكون له بهذه الخلافة خلافة كاملة؛ لأنه يتسلَّم تدبير العالم عند غروبها، ويغيب عند طلوعها، محاكيًا لها في الاستدارة والتمام.

وإذا كانت ليلة خمس عشرة يتأخَّر طلوعه ستة أسباع ساعة مثل ما طلع في أول ليلة من استهلاله، ثم كذلك حتى يطلع ليلة سبع وعشرين مع غداة الفجر، ثم يستتر تحت شعاع الشمس يومين، وهي قيامته ورجوعه إلى مالكه فيوفيه حسابه، ثم يُنْشئه نشأة أخرى ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، ثم يظهر فيطلع مثل ما قدَّمنا ذكره.

فإذا نزل القمر بأول الحمل وهو «السرطان» إلى اثنتي عشرة درجة منه وستة أسباع درجة، وهو ناري نحس يصلح فيه من الأعمال ما يختص بأمور النساء، ويُجْتنب فيه لبس الثياب الجدد وترك الأعمال كلها بالجملة. وفي هذا الحد تتحرَّك روحانية تتصل بأنفس الملوك والسلاطين، ويظهر فيهم الغضب والبطش بالقتل وسفك الدم والجور والظلم، ثم يعمُّ ذلك العالم كله، فيظهر من ذلك في كل واحد بحسب قوته وما جُعل له من قدرته، ولا يصلح إلا لما كان من أحوال النساء. ومَنْ تزوَّج في هذا اليوم حظيت المرأة عنده وحظي هو عندها. واشترِ فيه الرقيق والدواب والشاء والبقر، واغرس فيه وازرع وابنِ البناء؛ فإن عاقبة كل ذلك محمودة. ولا تُؤاخِ في هذا اليوم أخًا؛ فإن مودة المتحابين لا تلبث، ولا تشترِ فيه شيئًا للتجارة؛ فإن عاقبته غير محمودة، ولا تعالج فيه طلسمًا ولا دعوة بحال.

ومَنْ وُلِدَ في هذا اليوم إن كان ذكرًا كان فاجرًا شريرًا، لا تلبث الأموال معه، ولا يحمل في شيء من أموره، وإن كانت أنثى كانت فاجرة مشهورة الفجور، محببة حظيَّة عند الرجال حريصة عليهم.

  • البطين: سعد، حار يابس، وهو ألين جوهرًا.

    فإذا نزل القمر بالحدِّ الثاني من الحمل، وهو اثنتي عشرة درجة وستة أسباع، فعند ذلك ينحطُّ إلى العالم روحانيات معتدلة تُصلح ما تقدَّم من الفساد في الأرض، وتُصلح ما كان بإفساد المقدم بها، وتُزيل غضب الملوك من نفوسهم، وهو يصلح لجميع الأعمال والأفعال. وما يختص به الرجال دون النساء، فاعمل فيه نيرنجات العطف والمحبة بالملوك والسوقة والإخوان، ومَنْ أحببت من الرجال دون النساء خاصة، واعمل فيه الطلسمات والنيرنجات الأربعة الموضوعة في كتاب أرسطماخس، ودبِّر فيه الصنعة، وعالِج فيه الروحانيات، وادخل فيه على الملوك، واسعَ في حوائجهم، واتصل فيه بهم، واستفتِح المودَّة بينك وبينهم، ولا تتزوَّج فيه، ولا تشترِ فيه رقيقًا ولا شيئًا من الحيوان الذي تريده للقنية، ولا تشترِ فيه شيئًا للتجارة، ولا تلبس فيه ثوبًا جديدًا؛ فإنه مَنْ لبس فيه ثوبًا جديدًا يُخْشى عليه من السُّلِّ! وازرع فيه، ولا تكتلْ غلتك؛ فإنه من اكتال في هذا اليوم غَلَّةً لم يبارَك له فيها.

    ومَنْ وُلِدَ هذا اليوم إن كان ذكرًا كان صالحًا ناسكًا، كتومًا للأسرار، محمود السيرة، حسن المعيشة، كثير الأعداء، وإن كانت أنثى كانت فاجرة متهتكة، سيئة السيرة، مبغَضة في الناس.

  • الثريا: ممتزجة الحرارة والبرودة، سعدة، متوسطة، وهي من خمس وعشرين درجة وخمسة أسباع درجة من الحمل إلى ثمان درجات وأربعة أسباع من الثور.

    وإذا نزل القمر الثريا فاعمل فيه نيرنجات المحبة وأفعالًا تختص بالنساء، وإطلاق المأخوذ عن النساء، واحلل عقد السموم، ودخِّن فيه بدخن المحبة، واعمل الطلسمات، ودبِّر فيه الصنعة، وسافِر فيه للدعوات، وادخل فيه على الملوك، واتصل بالأشراف، وتزوَّجْ، واشترِ فيه ما أحببت، وابنِ الأبنية، واختلط فيه بالإخوان، وازرع فيه واحصد زرعك، واكْتَلْ غَلَّاتك، والبس فيه ما أحببت من جدد ثيابك؛ فإن ذلك كله محمود العاقبة نافذ الروحانيات حَسَن الخاتمة.

    ومَنْ وُلِدَ في هذا اليوم — ذكرًا كان أو أنثى — كان صالحًا سعيدًا، محمود السيرة، مستور الدخلة.

  • الدبران: نحس أرضي يابس، وهو من ثماني درجات وأربعة أسباع درجة من الثور إلى تمام إحدى وثلاثة أسباع منه. فإذا نزل القمر الدبران فاعمل فيه نيرنجات العداوة والبغضاء خاصة، ولا تدخل فيه على الملوك، ولا تسعَ في حوائجهم، ولا تتصل بهم، ولا تستفتح عملًا في تدبير الصنعة ولا في تدبير طلسم ولا دعوة ولا زرع ولا غرس، ولا تَكْتَلْ غَلَّة، ولا تعالج فيه أحدًا، ولا تتزوَّج فيه ولا تسافر؛ فإن ذلك كله غير محمود العاقبة.

    ومَنْ وُلِدَ في هذا اليوم، إن كان ذكرًا كان محذورًا، خبيث الدخيلة والسيرة، شريرًا قَتَّالًا، وإن كانت أنثى كانت فاجرة متهتكة، لا يحبها أحد ولا تحظى عنده.

  • الهقعة: نحسة يابسة، ممتزجة بسعادة، تنحط فيه إلى العالم روحانية، ممزوجة، وهي من إحدى وعشرين درجة وثلاثة أسباع درجة إلى أربع درجات وسُبعي درجة من الجوزاء، فإذا نزل القمر بها فاعمل فيه نيرنجات السموم وأخلاطها، واعمل فيه الطلسم كله، وعالج فيه من الأرواح.

    ولا تستفتح دعوة ولا تُدبِّر فيه صنعة ولا زرعًا ولا غرسًا ولا تزويجًا؛ فإن ذلك كله غير محمود العاقبة، وادخل على الملوك واسعَ في حوائجهم، واتصل بالأشراف والإخوان، واشترِ فيه الرقيق، والبس فيه ما أحببت من جدد ثيابك، وسافِر فيه؛ فإن ذلك كله محمود العاقبة نافذ الروحانية حسن الخاتمة.

    ومن ولد فيه إن كان ذكرًا كان مذمومًا في الناس كثير الأذى لهم غير محمود، وخبيث الدخيلة والسيرة شريرًا قتالًا، وإن كانت أنثى كانت صالحة قليلة الكلام، حظيَّة عند الرجال مستورة الحال.

  • الهنعة: لينة، رياحية، سعدة، وهي من أربع درجات وسُبعين من الجوزاء إلى تمام سبع عشرة درجة وسُبع من الجوزاء. فإذا نزل القمر بها فاعمل فيه نيرنجات العطف والمحبة والمودة، ودخِّن فيه الدخن، واحلل السموم، واعمل الطلسمات، ودبِّر فيه الصنعة، وادعُ فيه الدعوة، وادخل فيه على الملوك، واسعَ في حوائجهم، واتصل بالإخوان، واستفتح فيه بالأعمال، وتزوَّجْ، واشترِ فيه الرقيق، وازرع واحصد واغرس، واكْتَلْ غَلَّتك، وسافِر؛ فإن ذلك محمود العاقبة، نافذ الروحانية، باقي الزكاء والبركة. قال: ومن وُلِدَ في هذا اليوم، إن كان ذكرًا كان حسن السيرة محمودًا في الناس، وإن كانت أنثى كانت حظيَّة عند الناس، حريصة عليهم، فاجرة، مستورًا عليها ذلك.
  • الذراع: رياحي، ليِّن، سعد، وهو من سبع عشرة درجة وسُبع درجة من الجوزاء إلى آخره. فإذا نزل القمر به فاعمل فيه نيرنجات الشهوات والمحبة، ودخِّن فيها بدخنها، واستفتح فيه أعمالك، وادعُ فيه بالدعوة، وعالج فيه من الروحانية كلها، ودبِّر فيه الصنعة، واعمل فيه الطلسم، وادخل فيه على الملوك، واسْعَ في حوائجهم، واتصل فيه بالأشراف والإخوان، وازرع فيه واحصد، واغرس فيه وتزوَّجْ، واشترِ الرقيق والدواب، والبس ما أحببت من جُدُد الثياب، وسافِر فيه؛ فإن ذلك محمود العاقبة، نافذ الروحانية، حسن الخاتمة في الزكاة والبركة. قال: ومن وُلِدَ في هذا اليوم — ذكرًا كان أو أنثى — كان سعيدًا صالحًا، محمود السيرة والتدبير، ومَنْ تختَّم بخاتم على فصِّه صورة هذا الكوكب رأى ما يحبه.
  • النثرة: سعدة، لينة، ممتزجة بالنحس، وهي من أول السرطان إلى اثنتي عشرة درجة وستة أسباع درجة منه. فإذا نزل القمر بها فاعمل فيه نيرنجات السموم والقطيعة والعداوة خاصة، واعمل فيه الطلسم، وادعُ فيه بالدعوات، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تعالج فيه الروحانية، ولا تلبس ثوبًا جديدًا؛ فإن مَنْ لبس يُخشى عليه من الحرق بالنار، وسافِر فيه، وادخل فيه على الملوك، واسْعَ في حوائجهم، واتصل بالأشراف والإخوان، وازرع واحصد، ولا تَكْتَلْ غلَّتك فيه، ولا تتزوج، ولا تشترِ رقيقًا ولا دابة ولا تجارة. قال: ومن وُلِدَ في هذا اليوم، إن كان ذكرًا كان محارفًا١٩ مجدودًا في معيشته، وإن كانت أنثى كانت سيئة السيرة، حظيَّة عند الرجال، محببة في الناس.
  • الطرفة: وهي من اثنتي عشرة درجة وستة أسباع درجة من السرطان إلى خمس وعشرين درجة وخمسة أسباع درجة منه، مائية، نحس، لين.

    فإذا نزل به القمر فاعمل فيه نيرنجات القطيعة والعداوة وعقد الشهوة خاصة، ولا تعمل فيه الطلسم، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تدعُ بدعوات روحانية، ولا تعالج فيه أحدًا البتة بشيء من العلاج، ومَنْ يلبس فيه ثوبًا جديدًا خُشِيَ عليه من جراحة تصيبه فيه، ولا تدخل فيه على الملوك، ولا تتصل بالأشراف والإخوان، ولا تتزوج، ولا تشترِ رقيقًا، ولا دابة؛ فإنه مَنْ فعل ذلك لم تُحْمَد عاقبة أمره وأعقبته حسرة وندامة، ولا تزرع فيه، ولا تحصد غَلَّتك ولا تَكْتَلْها؛ فإنه مَنْ زرع واكتال غَلَّة في هذا اليوم انتهبته الأعداء، ولا تسافر فيه، وحارِب في هذا اليوم؛ فإن من ابتدأ بمحاربة عدوه فيه وخالطه ظفر به، ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان منحوسًا شريرًا متهتكًا، غير محمود السيرة، مذمومًا في الناس.

  • الجبهة: مائية، ممتزجة بالحرارة، سعيدة مضروبة بنحس، وهي من خمس وعشرين درجة وخمسة أسباع درجة من السرطان إلى ثمان درجات وأربعة أسباع درجة من الأسد.

    فإذا نزل القمر بها فاعمل فيه نيرنجات الإطلاق وحل عقد الشهوة والسموم خاصة، واعمل فيه الطلسمات، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تدعُ فيه بالروحانية، ولا تعالج من الأرواح وغيرها، وادخل فيه على الملوك واسْعَ في حوائجهم، واتصل فيه بالأشراف والإخوان، واحصد فيه وازرع ولا تَكْتَلْ غلَّتك؛ فإن من اكتال فيه غَلَّة سرقها منه اللصوص أو سرقوا ثمنها، وتزوَّجْ في هذا اليوم؛ فإنه يوم محمود العاقبة، واشترِ فيه الرقيق والدواب، وسافِر فيه، وافتتح فيه الحرب؛ فإن فيه الظفر والسلامة. قال: ومن وُلِدَ في هذا اليوم، إن كان ذكرًا كان داهية مكَّارًا ذا حيل وخدائع، وإن كانت أنثى كانت حظيَّة عند الرجال، غالبة الشهوة، شديدة الحرص عليهم، مستورة الحال.

  • الزبرة: نارية، يابسة، سعدة، هي ثمان درجات وأربعة أسباع درجة من الأسد إلى إحدى وعشرين درجة وثلاثة أسباع درجة منه. فإذا نزل بها القمر فاعمل فيه نيرنجات عطف قلوب الملوك والأشراف والإخوان خاصة، واعمل فيه الطلسمات، ودبِّر الصنعة، وادعُ فيه بالدعوات، وعالج فيه من الأرواح، وادخل فيه على الملوك، واسْعَ في أعمالهم، واتصل بالإخوان والأشراف، وازرع واحصد واكْتَلْ غلَّتك، وتزوَّجْ، واشترِ الرقيق والدواب، والبس ما أحببت من جديد الثياب، وسافِر ودبِّر تدبير الحرب، واستفتح الأعمال كلها؛ فإن ذلك كله محمود العاقبة، نافذ الروحانية، حسن الخاتمة، تام الزكاء والبركة، ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان سعيد الجد، مستورًا، صالحًا، ميمونًا على والديه وأهل بيته، محمودًا في الناس.
  • الصرفة: ممتزج الجوهر من الناري والأرضي، نحس مضروب سعادة، وهي من إحدى وعشرين درجة وثلاثة أسباع درجة من الأسد إلى أربع درجات من السنبلة. فإذا نزل به القمر فاعمل نيرنجات العداوة والقطيعة والتفريق، ودخِّن فيه بدخنها، واعمل فيه الطلسمات، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تدعُ فيه بالدعوات، ولا تعالج فيه من الأرواح الروحانية، ولا تزرع فيه ولا تَكْتَلْ غلَّتك وتستفتح فيه الأعمال، ولا تدخل فيه على الملوك، ولا تَسْعَ في حوائجهم ولا تتصل بهم ولا بالأشراف والإخوان، ولا تتزوج، ولا تشترِ الدواب والرقيق؛ فإن ذلك كله غير محمود العاقبة، ولا نافذ الروحانية، مخشي الخاتمة، ولا تلبس فيه ثوبًا؛ فإن مَنْ لبس فيه ثوبًا جديدًا ضربه السلطان، وخالِط فيه الأعداء، ودبِّر فيه الحرب، وسافِر فيه؛ فإن فيه الظفر والسلامة، ومن وُلِدَ في هذا اليوم، إن كان ذكرًا كان خبيث الدخيلة، داهي الفكر، مقبولًا عند العامة، وإن كانت أنثى كانت بذيئة سليطة، مذمومة عند الناس.
  • العواء: أرضية يابسة، سعدة مضروبة بنحس، وهي من أربع درجات من السنبلة إلى سبع عشرة درجة وسُبع درجة منها.

    فإذا نزل القمر بها فاعمل فيه نيرنجات المحبة والمودة بالنساء، والقَ الأشراف والإخوان وغيرهم، واعمل فيه الطلسمات، وادعُ فيه الدعوة، وعالج من الروحانية، وازرع واحصد ولا تَكْتَلْ غلَّتك؛ فإنه من اكتال فيه غلَّته بَغَتَه السلطان بغُرم، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تحارب ولا تخالط الأعداء، وادخل فيه على الملوك واسْعَ في أعمالهم، والبس فيه الثياب واشترِ الرقيق وسافِر.

    ومن وُلِدَ في هذا اليوم، إن كان ذكرًا كان مشئومًا على أهله ووالديه، محدودًا مجارفًا، مبغضًا في الناس، وإن كانت أنثى كانت محظيَّة محببة عند الرجال، ذات عفة وحسن حال.

  • السماك: أرضي يابس، نحس، وهو من سبع عشرة درجة وسُبع درجة من السنبلة إلى آخرها، وينحط فيه إلى العالم، روحاني، نحس. فإذا نزل القمر به فاعمل نيرنجات العداوة والتفريق بين الاثنين والسموم القاتلة، وكل شيء يؤدي إلى مضرة وأذى.

    ولا تعمل فيه الطلسمات، ولا تُدبِّر الصنعة، ولا تستفتح فيه الأعمال، ولا تزرع ولا تحصد ولا تبنِ فيه الأبنية، ولا تَكْتَلْ غلَّتك، ولا تدخل فيه على الملوك، ولا تخالط فيه الإخوان والأشراف، ولا تُدبِّر فيه الحروب، ولا تتزوج، ولا تشترِ فيه الرقيق والدواب، واجتنب جميع الأعمال إلا الحلق والحمام وأخْذ الشعر فقط، ولا تسافر فيه.

    ومن وَلَدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان مشئومًا محدودًا متهتكًا، سيئ السيرة، مذموم العمل.

  • الغفر: وهو من أول الميزان إلى اثنتي عشرة درجة وستة أسباع درجة، وهو رياحي، سعد، وإذا نزل القمر به فاعمل فيه نيرنجات المحبة والمودة والعطف، وأطْلِقْ فيه الأخيذ، واحلل فيه عقود السموم القاتلة، واعمل فيه، وادعُ فيه بالدعوة، وعالج فيه الروحانية، وسافِر، وادخل على الملوك، واتصل بهم وبالإخوان والأشراف، وتزوَّجْ، واشترِ الرقيق، والدواب، وازرع فيه واحصد واكْتَلْ غلَّتك، والبس ما أحببت من جديد ثيابك، واستفتح فيه جميع أعمالك.

    ومن وُلِدَ في هذا اليوم — ذكرًا كان أو أنثى — كان سعيدًا ميمونًا على والديه، محببًا مستورًا صالحًا.

  • الزباني: رياحي، سعد مضروب بنحس، وهو من اثنتي عشرة درجة وستة أسباع درجة من الميزان إلى خمس وعشرين درجة وخمسة أسباع درجة منه. فإذا نزل به القمر فاعمل فيه نيرنجات عقد الشهوة وحلها وحل السموم القاتلة، واعمل فيه الطلسمات، وادعُ فيه بالدعوات، ولا تعالج فيه من الروحانية، ولا تُدبِّر الصنعة، وازرع واحصد، ولا تَكْتَلْ غلَّتك، فإن مَن اكتال غَلَّته فيه تمحَّقت وذهبت في مدة، ولا تسافر فيه، وادخل على الملوك واتصل، ولا تلبس فيه ثوبًا جديدًا؛ فمَنْ لبسه أصابه فيه صرعة من دابة أو سقطة من سطح أو ضجرة، وتزوَّجْ، واشترِ الرقيق والدواب، ودبِّر فيه تدبير الحروب، وخالِط فيه الأعداء، وإن وُلِدَ فيه ذكرٌ كان سعيدًا محببًا ناسكًا ميمونًا، وإن كانت أنثى كانت مشئومة على والديها متهتكة فاجرة سيئة السيرة.
  • الإكليل: ممتزج بالنار، رياحي، وهو من خمس وعشرين درجة وخمسة أسباع درجة من الميزان إلى ثمان درجات وأربعة أسباع درجة من العقرب. فإذا نزل فيه القمر فاعمل فيه نيرنجات العداوة والقطيعة والتفريق بين الاثنين والسموم القاتلة، وكل ضرب منها يؤدي إلى قطيعة ومضرة، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تعمل فيه الطلسم، ولا تعالج فيه الروحانية، ولا تختلط بالملوك والإخوان والأشراف، ولا تزرع ولا تحصد غلَّتك ولا تَكْتَلْها، ولا تسافر، ولا تلبس ثوبًا جديدًا؛ فمَنْ لبسه خُشِيَ عليه من نهش السباع، ولا تتزوَّج، ولا تشترِ رقيقًا ولا دابة، ولا تستفتح فيه شيئًا من أعمال المعيشة ولا التجارة، ولا تحارب فيه.

    ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان مستورًا محارفًا مبغضًا، لا يولد له ولد، ويكون محرومًا.

  • القلب: مائي، سعد، وهو من ثمان درجات وأربعة أسباع درجة من العقرب إلى إحدى وعشرين درجة وثلاثة أسباع درجة.
    فإذا نزل به القمر فاعمل فيه نيرنجات المحبة وتأليف القلوب بالمودة، وأطْلِق فيه الأَخِيذ،٢٠ واحلل فيه عقد السموم القاتلة، ودبِّر الصنعة، واعمل الطلسمات، وادعُ بالدعوة، وازرع واحصد واكْتَلْ غلَّتك، واستفتح فيه أعمالك كلها، وتزوَّجْ، واشترِ الرقيق والدواب، والبس فيه الثياب الجدد؛ فإن ذلك كله محمود العاقبة، نافذ الروحانية، حسن الخاتمة، تام البركة والزكاة.

    ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان سعيدًا مباركًا ميمونًا محببًا، حسن التدبير والسيرة، مستور الحال.

  • الشولة: مائي، ممتزج بالنار، سعد مضروب بنحس، وهو من إحدى وعشرين درجة من أربعة أسباع درجة من العقرب إلى أربع درجات وسُبع درجة من القوس.

    فإذا نزل القمر بها فاعمل فيه نيرنجات عقدة الشهوة والسموم القاتلة، واعمل فيه الطلسمات، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، وادعُ فيه الدعوة، ولا تعالج من الروحانية، ولا تسافر، وازرع ولا تَكْتَلْ غلَّتك؛ فمن اكتالها انتهبها الأعداء واللصوص، ولا تدخل فيه على الملوك ولا تَسْعَ في حوائجهم، وادخل على الإخوان والأشراف، ولا تتزوج، ولا تشترِ الرقيق، ولا تلبس ثوبًا جديدًا؛ فمَنْ لبسه أصابته الحمَّى المُنهِكة، ولا تستفتح شيئًا من الأعمال.

    ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان مشئومًا على والديه وأهله، مبغوضًا إليهم، مذمومًا في الناس، متهتكًا، سيئ السيرة.

  • النعائم: سعدة، نارية، وهي من أربع درجات وسُبعي درجة من القوس إلى سبع عشرة درجة وسُبع درجة منه.

    وإذا نزلها القمر فاعمل فيها نيرنجات المحبة وتأليفات المودة، وأطلق فيه الأخيذة، واحلل عقد السموم القاتلة، واعمل الطلسمات، ودبِّر الصنعة، وادعُ فيه بالدعوة، وعالج فيه الروحانية، واستفتح فيه جميع أعمالك كلها، وخالِط الملوك والأشراف، وسافِر، وازرع، واكْتَلْ، وتزوَّجْ، واشترِ الرقيق والدواب، وحارِب فيه؛ فإن فيه الظفر والسلامة، والبس ثيابك الجدد؛ فإن ذلك محمود العاقبة، نافذ الروحانية، حسن الخاتمة، تام الزكاء والبركة.

    ومن وُلِدَ في هذا اليوم — ذكرًا كان أم أنثى — كان سعيدًا ميمونًا محببًا، حسن السيرة، مستور الحال.

  • البلدة: نحسة، نارية، وهي من سبع عشرة درجة وسُبعي درجة من القوس.
    فإذا نزل بها القمر فاعمل فيه نيرنجات القطيعة والعداوة والتفريق بين الاثنين والسموم القاتلة، وكل شيء يؤدي إلى مضرة وفساد، ولا تعمل فيه سوى ذلك من عمل طلسم، ولا تُدبِّر فيه صنعة ولا دعوة، ولا تعالج فيه روحانية ولا زرعًا ولا غرسًا ولا كيلًا ولا سفرًا ولا اختلاطًا بالملوك والأشراف والإخوان، ولا تتزوَّج، ولا تشترِ رقيقًا ولا دابة، ولا تلبس ثوبًا جديدًا؛ فمَنْ لبسه بَطَّ٢١ عن قرحة دامية تخرج عليه، ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان منحوسًا مشئومًا، يموت أحد والديه، وتكون تربيته بأسوأ حال، ويكون متهتكًا سيئ السيرة.
  • سعد الذابح: أرضي، نحس مضروب بسعادة، وهو من أول الجَدْي إلى اثنتي عشرة درجة وستة أسباع درجة منه. وإذا نزل به القمر فاعمل فيه الطلسمات ونيرنجات عقد الشهوة والسموم القاتلة، وكل علاج يؤدي إلى مضرة، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تدعُ فيه الدعوة، ولا تعالج فيه الروحانية، ولا تختلط فيه بالملوك والأشراف، وخالِط فيه الإخوان، وازرع فيه ولا تَكْتَلْ غلَّتك؛ فمن اكتال غَلَّته فيه تمحَّقت من يده، ولا تسافر فيه، ولا تلبس ثوبًا جديدًا؛ فإن لبسه لابس أصابته جراحة من عدوه، ومَنْ وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان الذكر ميمونًا محدثًا حسن السيرة محمود العمل، وإن كانت أنثى كانت حظيَّة عند الرجال، حريصة عليهم، مؤثرة لشهواتهم، متهتكة غير مستورة.
  • سعد بلع: أرضي، مضروب بنحس، وهو اثنتا عشرة درجة وستة أسباع درجة من الجَدْي إلى خمس وعشرين درجة وخمسة أسباع درجة منه. فإذا نزل به القمر فاعمل فيه نيرنجات القطيعة والعداوة والسموم القاتلة، واعقد فيه الشهوات وأطلقها أيضًا، واعمل فيه الطلسمات، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تدعُ بالروحانية، ولا تعالج من الأرواح، وسافِر، وادخل على الملوك والأشراف والإخوان، وازرع واكْتَلْ غلَّتك، ولا تتزوج فيه، ولا تشترِ الرقيق والدواب، والبس فيه ما أحببت من جدد ثيابك، ومن وُلِدَ في هذا اليوم، إن كان ذكرًا كان محمودًا مشئومًا مجارفًا٢٢ متهتكًا فاجرًا، سيئ العِشْرة والسيرة، وإن كانت أنثى كانت ميمونة ستيرة نجيبة عفيفة، محمودة السيرة، حظيَّة عند الرجال.
  • سعد السعود: ممتزج من الرياح والأرض، سعد، وهو من خمس وعشرين درجة وخمسة أسباع درجة من الجَدْي إلى ثمان درجات وأربعة أسباع من الدلو. فإذا نزل به القمر فاعمل فيه نيرنجات المحبة وعطف القلوب بالمودة وإطلاق الأخيذ، وحلها وحل السموم القاتلة، واعمل فيه الطلسمات، واستفتح فيه جميع أعمالك، وادعُ فيه بالدعوة، وعالج فيه من الروحانية، وخالِط الملوك والأشراف والإخوان، وازرع واكْتَلْ غلَّتك، والبس جدد ثيابك، وسافِر، وتزوَّجْ، واشترِ الرقيق والدواب، ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان سعيدًا ميمونًا مستورًا محببًا، محمود العمل والسيرة.
  • سعد الأخبية: نحس، رياحي، وهو من ثمان درج وأربعة أسباع درجة من الدلو إلى إحدى وعشرين درجة وثلاثة أسباع درجة. فإذا نزل به القمر فاعمل فيه نيرنجات العداوة والقطيعة والتفريق بين الاثنين والسموم القاتلة، وكل علاج يؤدي إلى مضرة وفساد، ولا تزرع فيه ولا تَكْتَلْ غلَّتك، ولا تعمل فيه الطلسمات، ولا تدعُ فيه الدعوة، ولا تعالج، ولا تسافر، ولا تختلط فيه بالملوك والأشراف والإخوان، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تلبس ثوبًا جديدًا؛ فمَنْ لبسه سُرِقَ منه، ولا تتزوج، ولا تشترِ رقيقًا ولا دابة.

    ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان مشئومًا منحوسًا، يموت عنه والده، ويكون متهتكًا، ويربِّيه الأبعدون، ويكون فاجرًا خبيثًا سيئ السيرة.

  • مقدَّم الدلو: وهو من إحدى وعشرين درجة وثلاثة أسباع درجة من برج الدلو إلى أربع درجات وسُبعي درجة من برج الحوت، وهو سعد، رياحي. قال: فإذا نزل به القمر فاعمل فيه نيرنجات العداوة والقطيعة وعقد الشهوة والسموم القاتلة والطلسم، ولا تُدبِّر الصنعة، ولا تدعُ، واحلل فيه عقدة الشهوة، وعالج بالروحانية، وادخل على الملوك والأشراف، وعالج الروحانية، والبس ما أحببت من الثياب الجدد، وازرع ولا تَكْتَلْ غلَّتك؛ فمن اكتالها عاقبه السلطان بغُرم فتذهب غلَّته أو ثمنها.

    ومَنْ وُلِدَ فيه، إن كان ذكرًا كان مشئومًا محدودًا مجارفًا متهتكًا، خبيث الدخيلة، سيئ السيرة، مذمومًا عند الناس، وإن كانت أنثى كانت ميمونة سعيدة محببة مستورة، حظيَّة عند الرجال.

  • مؤخَّر الدلو: مائي، سعد، مضروب بنحس، وهو من أربع درجات وسُبعي درجة من الحوت إلى سبع عشرة درجة وسُبع درجة منه. قال: فإذا نزل بمؤخَّر الدلو وهو الفرع الآخر فاعمل فيه نيرنجات العداوة والقطيعة وعقد الشهوة والسموم القاتلة، واعمل فيه الطلسم، ولا تُدبِّر فيه الصنعة، ولا تدعُ فيه الدعوة، وعالج فيه من الروحانيات، وادخل فيه على الملوك والأشراف، وحارِب فيه، وسافِر، وازرع فيه، ولا تَكْتَلْ غلَّتك فيه؛ فإن من اكتال غلَّته في هذا اليوم يعقبه من السلطان غُرم ويذهب ثمنها.

    قال: ومَنْ وُلِدَ في هذا، إن كان ذكرًا كان مشئومًا محدودًا مجارفًا متهتكًا، خبيث الدخيلة، سيئ السيرة، مذمومًا عند الناس، وإن كانت أنثى كانت ميمونة سعيدة محببة، حظيَّة عند الرجال.

  • بطن الحوت: وهو من سبع عشرة درجة وسُبع درجة من الحوت إلى آخره، وهو مائي، سعد.

    فإذا نزل القمر فاعمل فيه نيرنجات المحبة وعطف القلوب بالمودة وإطلاق الأخيذ، وحل عقد السموم القاتلة، واعمل فيه الطلسمات، ودبِّر فيه الصنعة، وادعُ فيه بالدعوة، وعالج فيه من الروحانية، وازرع واحصد واكْتَلْ غَلَّتك، وسافِر، واختلط بالملوك والإخوان، وتزوَّجْ، واشترِ الرقيق والدواب، واستفتح فيه الأعمال؛ فإن ذلك محمود العاقبة، نامي البركة، نافذ الروحانية، ومن وُلِدَ فيه — ذكرًا كان أو أنثى — كان سعيدًا ميمونًا زكيًّا محمودًا حسن السيرة.

فاعقد، أيها الأخ، هذه الأسرار الفلكية، والتدابير الهرمية، والأنباء الإدريسية، واعمل بها لنفسك ولإخوانك في مصالح دينك ودنياك، وامنح بها الصفوة من أصحابك، وتدبَّرها بلطيف فهمك ونافذ بصيرتك، تصل منها إلى منازل الأخيار.

قال هرمس: هذه الأوقات التي تدور عليها روحانيات القمر بهذه الأعمال التي وصفها الحكيم في الكتاب المخزون.

وسُئل أيضًا أي ساعات الليل والنهار أَحَبُّ أن تعمل فيها النيرنج والطلسم؟ فقال: أَحَبُّ الساعات إليَّ في عمل النيرنج من ساعات الليل بعد مغيب الشفق إلى طلوع الشمس؛ وذلك أن هذه الساعات هي ساعات ساكنة، تنبسط الروحانية في هذه؛ لأن الروحانية مستجنَّة كامنة خفية بالنهار لشروق الشمس وضوئها وانبثاث الروحانيات الأرضية وحركاتها. فإذا غربت الشمس وغاب ضوءُها وشروقها انبسطت الروحانيات بحركتها ونفذت في تدبيرها.

قال هرمس: وجدت في الكتاب المخزون في أسرار النيرنجات أن خير ما يعمل به العامل ما يخفيه عن عيون الناس ورؤيتهم وشروق الشمس وضوئها؛ وذلك أن عيون الناس جاذبة روحانياتها تمنع أرواح النيرنجات في نفاذها، وشروق الشمس يُبطل النيرنج ويدفع روحانية نفاذه وتمامه.

وقال: اعلم أن نيرنجات المحبة والمودة والقطيعة وعقد الشهوة وحلها كلها اعمل ليلًا من تلك الليالي والأيام المقسومة من منازل القمر، واعمل الطلسم والصنعة والدعوة وعلاج الروحانية، وخلِّط السموم وعقدها وحلها وعلاج الأزواج الروحانية ليلًا إن شئت أو نهارًا، واحترس في ذلك كله من العيون اللامعة والهموم المؤذية؛ فإنهما يفسدان روحانية العالم الأصغر والأكبر ويزيلانها عن حدودها ويغيِّران أعراضها.

قال: وجدت في الكتاب المخزون أنه ليس شيء من الأعمال الموصوفة في الأصغر والأكبر إلا والعيون إليه بأسرع بالفساد من هذه الثلاثة الأشياء: النيرنج، والصنعة، ودعوة الروحانية.

ولذلك أمر الحكماء بإخفاء هذه الثلاثة وأسرارها واكتنانها عن جميع الناس، إلا عن تلميذ مؤتلف الروحانية، صحيح العزم، تام الطبيعة، مأمون الصحبة، مُعِين على الازدياد من العلوم.

وقد أتينا على دائرة منازل القمر والبروج الاثني عشر في هذا الموضع من الصفحة؛ لتقف عليها وتقع تحت الحس السحري، وهذا موضع صورة الأشكال الثمانية وعشرين منزلة، وشهور الروم والقبط في كلِّ منزلة، ودخول الشمس، وطول الليل والنهار، وقصر الليل في دخول الشمس.

وأعيذك أيها الأخ البارُّ الرحيم، أيَّدك الله تعالى وإيانا بروح منه، من العمل بما لا يوجبه ولا يقتضيه الشرع، إلا ما كان من دفن مال، أو حفر بئر أو نهر، أو بناء سفينة أو دار، أو تزويج، أو دخول على سلطان، أو سفر، أو زرع، أو غرس، أو شراء عقار، وما ينتهي بهذه الأمور.

فأما ما عداها فإن إخواننا، أيَّدهم الله، قد عصمهم الله عن أفعالها: أعني العطوف والشد والربط وما شاكل هذه الأشياء، وإنما شرحنا ذلك لإخواننا لتعرف كيفية عمل مَنْ يعمل ذلك؛ ليكون علمهم محيطًا به، وأيضًا لنُعلمهم أن الحكماء لم يَفُتهم شيء مما يحتاج الناس إليه من أمر الدين والدنيا إلا وقد تكلَّموا وعملوا عملًا، وأظهروا خواص الأشياء التي يتعجَّب منها عوام الناس، وليعلموا أن الله تعالى لم يوجِد شيئًا باطلًا، كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ.

فإذا تأملت هذه الحكمة، وتدبَّرت هذه الصنعة، وعرفتَ هذا السر، واطَّلعت على حقيقة هذا السحر الذي يسحر العقول، وبانت لك الأشياء بحقائقها، وتعلمت كيف تسحر من هو من الناس، وتبيَّن لك ما خفي عن غيرك من الغافلين من الأمور الإلهية.

فانتبه، أيها الأخ، من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، وأيقِظْ مَنْ قدرت عليه من الغافلين؛ ليحصل لك النفع العاجل والخير الواصل في الدين والدنيا، بلَّغك الله تعالى، أيها الأخ البارُّ الرحيم، منازل الأخيار المصطفَين، ورقَّاك إلى منازل الملائكة المقرَّبين، وأيَّدك الله وإيانا بروح منه وجميع المؤمنين، برحمته آمين.

هذه الدائرة، وعِدَّتها ثمانية وعشرون منزلة، التي ذكرها صاحب الإسطيطاس، ذكرناها في هذه الرسالة التي هي من جنسها.

ونريد أيضًا أن نذكر طرفًا من النيرنجات المُعِينة على ما يراد منها، فما وجدناها في كتاب هرمس المثلث بالحكمة؛ فإنه قال — بعد تقسيم القمر وسيره: إن النجوم السبع قد تقسَّمت للتدابير بروحانيتها ومسيرها في الطوالع الاثني عشر، وذكر أن القسمة الأولى لم تبطُل ولم تُنتقص، وأنه الأصل في القسمة الأولى، غير أن هذه الروحانيات اللاتي هي السبع قد ضربت الاثني عشر بقسمتها، وغلبت عليها روحانيتها، وقسمتها بالدقائق والثواني، والتسديس والتربيع والتثليث، والمقابلة والمقارنة، وألحقتها بتدبيرها في المواليد خاصة وثمار الأعمار، مما ينقص من هذه القسمة في منازل القمر ومسيره؛ وذلك أن القمر هو السعد الثاني، ومسيره أسرع النجوم مسيرًا في منازله، وأقدر أن يبلغ بروحانية جميع النجوم بسرعة حركته.

وذكر أيضًا في كتابه أنه ليس من حكيم إلا وهو محتاج إلى معرفة هذه القسمة؛ لأنها الأساس بتدابير الأعمال والصنعة.

قال: ووجدت أيضًا من أسرار العلوم الخفية في أخذ هذه الأعضاء الروحانية، من العالم الأصغر والحيوان المتحرك، أنه قال: يؤخذ الدم من العالم الأصغر في حجامته وفصده وجراحته وهو يجري، وسعد رأسًا وحاسة، وأما دم الحيوان المتحرك فلا يجوز، إلا دم الأوداج في الذبح؛ وذلك أن العالم الأصغر كامل الطباع في تركيب الجوهر، تام الروحانية في الأعضاء السبعة في الأجزاء الاثني عشر. وأما سائر الحيوان المتحرك فناقصة التركيب في الجوهر، فلا يجوز إلا دم الأوداج في مجاري النفس وعلاقة الحياة وروحانياتها. قال: وإذا أخذت الدم من العالم الأصغر فإن أردت استعمالها رطبًا فاجعلها في قارورة وعلِّقها في شمس حارة أو بيت توقد فيه النار في حائط بوتد، واشدد رأس القارورة بقطنة، ثم دَعْها يومًا حتى يسكن جوهره ويرتفع ماؤه، ولينبت طبيعته فوقه بوهج الشمس أو مادة الحرارة في البيت الذي توقد فيه، فإذا تمَّ ذلك يومًا أو ليلة لتمام اثنتي عشرة ساعة فارفعه، وصُبَّ الماء المرتفع على رأسه، وخُذ ما سكن منه. فإذا أردت استعماله رطبًا استعملته، وإن أردت تجفيفه صُبَّه على جام٢٣ وضعه في الشمس ومكِّنه بغطاء من غبار الهواء، واجعله بالليل في مكان لين سخن، ودبِّره أبدًا كذلك حتى يبرد وينعقد، وجفِّفْه وارفعه عند ذلك في قارورة لطيفة حتى يُحتاج إليه.

فأما دم الحيوانات المتحركة فإنك لا تحتاج إلى تدبيره كذلك؛ وذلك أن طبيعة الحيوان المتحركة ليست بتامة ولا كاملة، ولا يحتاج إلى تدبيره في الشمس وتصفية مائه المرتفع من فساد جوهر الطبيعة، فإن أردت استعماله رطبًا فخُذه في قدح وضعه ساعة حتى يسكن وجفِّفْه واستعمله، وإن أحببت استعماله يابسًا فجفِّفْه في الشمس على الصفة الأولى، ثم ارفعه في قوارير واستعمله، وليكن ما تأخذ من الدم — دم الأوداج — من أول قطرة تسيل منه إلى أن تأخذ حاجتك منه، وخُذ ذلك في قارورة وطشت، ولا يُصيبنَّ الأرض شيء منه.

  • الدماغ: قال: وخُذ الدماغ من العالم الأصغر والحيوان المتحرك وارمِ بسنطته، وهي الجلدة الرقيقة التي هي محيطة بالدماغ، وارمِ مضربه والعروق المتعلقة به، وارمِ بعضيضته، وهي الدودة المتخيَّلة فيه؛ فأذى نفسه من ذلك كله، وإن أردت استعماله رطبًا فاستعمله، وإن أردت تجفيفه فابسطه في جامٍ، وضعْهُ في الظل في مكان بارد مغطًّى حتى يجفَّ، وارفعه في قارورة نظيفة حتى يُحتاج إليه.
  • المخ: وأما المخ فتُبرزه من العظام في جام، فإن أردت استعماله رطبًا فاستعمِلْه، وإن أردت تجفيفه فابسطه على جامٍ، وضعْه في الظل في مكان بارد مغطًّى حتى يجفَّ واستعمله فيما تريد.
  • المرارة: إن أردت استعمالها رطبة فأرسِلها في قوارير واستعملها، وإن أردت تجفيفها فعلِّقها في الشمس حتى تجفَّ وارفعها، وإن أردت استعمالها فضعها وأخْرِج المرارة من جوفها وأخرج الجلد وارمِ به واستعملها فيما تريد.
  • الشحم: خذ شحم الكلية المسعة من العروق فأذِبْه في ضجير، ثم صَفِّ الذائب منه في شربة مملوءة ماء حتى يبرد وتذهب زهومته ونتنه، ثم ارفعه في قارورة واستعمله فيما تريد.
  • الأنفحة: خذ الأنفحة فعلِّقها في الظل حتى تجف، ولا تستعملها رطبة، وغير ذلك من اللحم والكبد والرئة، وغير ذلك من حيوان الماء، فخُذ ذلك وكُلِ العدد الذي وُصِفَ لك كله، ولا تُطْعِم منه أحدًا شيئًا؛ فإن أردت أخذ الخذفة فارمِ جلدتها عنها قبل أن تجفَّ واستعمل الباقي.

قال في كتابه: إذا أردت أن تُطْعِم شيئًا من هذه الأخلاط أحدًا في طعام فاعمل من الطعام ما يأكله الإنسان الواحد، واخلط ذلك به وامزجه فيه، وليكن ذلك الطعام حلواء تُعْمَل أو لحمًا تشويه بيدك أو أقراصًا محشوة، ثم اطلِ ذلك الخلط عليه حتى تذيبه بالنار سخنًا ذائبًا قبل أن يبرد إن كان لحمًا أو أقراصًا؛ فإن كانت حلوًا فاخلط بها قبل فراغك من صنعتها إذا قاربت الإدراك قبل أن ترفعها عن النار، ولا يأكلن أحد منه سوى مَنْ عملت له هذا في نيرنج المحبة والعداوة والسموم وعقد الشهوة والإطلاق وحل السموم وسائر العلاجات الموصوفة، دبِّر كذلك كله.

وقال في كتابه: إن عامل النيرنج وصانعه ينبغي له أن يجمع وهمه ويصحح عزمه ونيته فيما يعمله تصحيحًا لا يشوبه شيء؛ وذلك أن هذه الروحانية تنفذ وتقوى بصحة نيته وهمته، وإذا دخل في بابها شك أو ريب ضعفت الروحانيات فلم تعمل ولم تنفذ. وإذا أردت أن تخلط نيرنج المحبة والعطف والمودة فقل — وأنت تعالج ذلك بصحة من عزمك ووهمك: هذا تأليف المحبة في طبيعة فلان ابن فلان، بالمودة والعطف والمحبة، وقد حركت روحانيته الساكنة في قلب المحبة في طبيعة روحانية هذه الأخلاط وقوتها على فلان ابن فلانة، وهيَّجته بالمحبة والمودة تهيُّجًا قويًّا مثبتًا شديدًا كحركة النار وقوتها، وتهيُّج الريح وهبوبها، ولا تزال تقول ذلك حتى تفرغ منه. فإذا فرغت منه فأَخْفِه عن العيون الناظرة وشروق الشمس وشعاعها ومس أيدي البشر وشمِّهم، فإن أمكنك أن تُطعمه من يدك فافعل؛ فإنه أنفذ وأقوى، وإن لم يمكنك فادفعه إلى كتومٍ أمينٍ، وتقدَّم إليه ألَّا يشمَّه ولا ينظر إليه ولا يضعه في الشمس حتى يُطعمه إياه، وإن أردت أن تعمل لنفسك فسَمِّ نفسك فيما تريد أن تطعم أو تدخر، وإن أردت أن تتمسَّح بخلط من الأخلاط لتحظى عند الناس جميعًا أو تدخره بدخنه فتقول — حين ترفعه على كفِّك، أو حين تطرح الدخنة في النار: جذبت الروحانية المعقودة في أعين البشر المتصلة بقلوبهم إلى نفسي، بالهيبة لي بقوة هذه الروحانية التي يمسك بها كجذب شعاع الشمس نور العالم الأكبر وقواه، وجعلت نفسي وروحانيتي مرتفعة على أنفسهم وروحانيتهم بالهيبة والإعظام، كارتفاع نور الشمس على نور العالم وقواه. وإذا أردت أن تعمله للعداوة والتفريق فقل: قطعت بين فلان ابن فلانة وفلانة بنت فلانة بقوة الأرواح الروحانية، وفرَّقت بينهما كافتراق النور والظُّلْمة، وألقيت بينهما العداوة والبغضاء كعداوة الماء والنار. وإذا أردت أن تحل العقد فقل: حللت وأطلقت القطيعة البائنة القائمة الروحانية بين فلان ابن فلانة وفلانة بنت فلانة بقوة هذه الأرواح الروحانية وقمعتها قمع النور للظُّلمة والحياة للموت.

وإذا أردت أن تعقد الشهوة وحركاتها فقل: عقدت روحانية شهوة فلان ابن فلانة عن فلان ابن فلانة بقوة هذه الأرواح الروحانية كعقد الجبال المعقودة وصخورها.

وإذا أردت أن تحل هذا العقد فقل: أطلقت عن فلان ابن فلانة عقد روحانية شهوة فلان ابن فلانة المعقودة بقوة هذه الأرواح الروحانية، كإطلاق الشمس النيرة ظلمة العالم وأرواحها وأذيبها كذوبان الموم٢٤ بالنار والثلج من الشمس.

وإذا أردت أن تعمل شيئًا من هذه النيرنجات في صلاح الأرواح فقل: نفيت وقمعت الروحانية الكامنة في جسم فلان ابن فلانة بقوة هذه الأرواح الروحانية، كقمع الشمس الظُّلْمة والماء النار.

وإذا أردت أن تعمل شيئًا للهوام والسباع دخنة أو غيرها فقل: دفعت فطردت روحانية الهوامِّ والذباب والسباع القاتلة بقوة هذه الأرواح الروحانية، كدفع النور للظلمة وطرد السنانير للفار.

وكلما أردت أن تعالج شيئًا من هذه النيرنجات فصحح وهمك فيه، واستعمل في ذلك التحفظ والتحرز وحسن العمل والتثبُّت والرفق، ولا تعملنَّ شيئًا بخرَق ولا عجلة؛ فإن الخرَق والعجلة ضد الرفق والتثبُّت، فتكلَّم في ذلك كله بكلام في معنى ما يُعمل به؛ فإن الكلام في النيرنج يُقوِّي الروحانية الكامنة ويُنفذها.

وذكر في كتابه أن النيرنج أربعة أجزاء: جزء منه الأخلاط الصحيحة التي تؤخذ على الموازين المقدرة، وجزء منه صحة الهمة والعزم والنية، وجزء منه الكلام المقوِّي لروحانيته، وجزء منه حرزه وحفظه من العيون والأيدي اللامسة وإشراق الشمس وضوئها.

قال: وإذا أردت شيئًا تقطع ألسنة الناس عنك أو غيرك فقل: سترت على فلان ابن فلانة، أو على نفسي، بستر النور المضيء، وقطعت ألسنة الناس جميعًا عنه، أو عني، وأسبلت على أعينهم سترًا روحانيًّا دافعًا لمناظرهم الخبيثة، قاطعًا لألسنتهم المؤذية، قامعًا لهمَّتهم المؤذية.

وإذا أردت أن تهتك ستر إنسان أو تفضحه فقل: هتكت ستر فلان ابن فلانة بقوة هذا الروحاني، كهتك شعاع الشمس غلظ الضباب، وفضحته وجعلته غرضًا لروحانية الألسنة بالروح المذموم، كغرض السهام الذي يتعاوره الرماة.

وذكر في كتابه: أنه سأله فقال له: هل أن هذه الوحوش والسباع والطير والهوام كيف تشاء يصاد ذلك؟ والطير هل إليه وصول بحيلة ليست كحيلة العوام وصيدهم؟

قال: نعم. وجدت في الكتاب المخزون من أسرار العلوم الخفية.

فقال له: أنت أيضًا مجاذب بروحانيتك العامة المستعملة جميع أسرار العلوم الخفية ولطائفها، كجذب شعاع الشمس نور العالم وقواه، ولست تعقل عن شيء من العلوم الخفية والأسرار اللطيفة إلا جذبتها بروحانيتك. قال: وأنا مبينك عما سألت، ومبين لك الحق، ومفسِّر ذلك في الأسرار في أخذ هذه الوحوش والسباع والطيور بحيلة الحكمة، فاستر أمرك وسَلْ عما بدا لك أُجِبْك، وأَطِل الفكر والنظر في الأمور الغامضة المغلقة عليك، فإن بيدي مفاتيح الأعمال، وأسرار الأسرار، وعلل الأسرار، ولست أكتمك منها شيئًا. فإذا أردت أن تأخذ هذه السباع والوحوش والطيور، وتذل لك روحانياتها، وتشتاق إلى طبائعها، من غير أن يصيبك أذًى أو يتناولك مكروه، أو يستصعب عليك أخذها، فاعمل أربعة أخلاط تأخذ بها جميع الحيوان المستوحشة في قسمة النجوم السبعية: الخلط الأول يُسمَّى «بادميا»، تعمله لجميع السباع كلها. والثاني يقال له «سمومديا»، تعمله لجميع الوحوش كلها. والثالث يقال له «عموديا» لجميع الطيور الوحشية. والرابع يقال له «رعوديا» لجميع الهوام الدبابة كلها.

صفة بادميا للسباع كلها: تأخذ من دم الفرس أربع أواقٍ، ومن شحم الضبعة أوقية، ومن دماغ الضبعة أربع مثاقيل، ومن مرارة الطير مثقالين، ومن مرارة السنُّور الأسود مثقالًا، ومن شحم الخنازير ثلاثة مثاقيل، ومن دماغ الحمار أربعة مثاقيل، ومن مرارة الغراب ومرارة النسر ومرارة العُقَاب ومرارة الديك من كل واحد مثقالًا، ومن دم الثعلب أوقية، ومن شحم الأرنب ودماغه من كل واحد أربعة مثاقيل، ثم تجمع الدهنين في طنجير وترفعه على النار حتى يسخن. فإذا سخن طرحت عليه الدماغ حتى يذوب، ثم طرحت عليه الشحم حتى يذوب، ثم اطرح عليه المرارات كلها رطبة حتى تختلط به. فإذا اختلطوا جميعًا أخذت من البروج المسحوق أربعة مثاقيل، ومن سد قوس المرضوض عشرة مثاقيل وهو البلار، ومن سلخ الحية المدقوق مثقالين، ومن الكبريت الأصفر والزرنيخ الأحمر من كل واحد خمسة مثاقيل. فإذا اختلط ذلك في النار جميعًا فارفعه عندك ودعْهُ حتى يبرد.

فإذا برد فاجعله في زجاجة محرزة وارفعها. فإذا أردت أخذ سبع من السباع كالكراسي والفيلة والرئبال والأسد والعربيان والرمان والعرمان وما دون ذلك من السباع القاتلة المقسومة في قسمة النجوم السبعية فخُذ رطلًا من شحم كلب أي الألوان كان فاطْلِهِ من هذا الخلط الذي عملت وهو البادميالون أربعة مثاقيل، فتجعله في مسقط وترفعه على النار حتى يذوب، ثم اطله عليه ثم تأخذ من البادميا مثقالًا ومجمرة فيها جمر وتمضي إلى مكان هذه السباع فتدخن بالمثقال والشحم في يدك فتقول: أخذت روحانية كذا أيتها السباع أردت باسمه بقوة هذه الأرواح الروحانية، وسقت بها إلى نفسي سوق الريح السحاب، أدعوكِ أيتها الروحانية الكامنة في جسم كذا وكذا تسميه بعينه بقوة هذه الأرواح الروحانية فأجيبيني طائعة ووافي ذليلة.

فإنك إذا دخلت بذلك وتكلَّمت بهذا الكلام لم يلبث ذلك السبع الذي تريد؛ فإنه لا يملك نفسه حتى يتكالب عليه فيأكله. فإذا أكله ذل وخضع وصار مثل الرجل السكران وانقمعت روحانيته.

فإن أحببت شدَّه بحبل فافعل وسُقْه صحيحًا حيث شئت.

فإن أحببت فاذبحه في المكان وخُذ من أعضائه الذي تريد.

(٧٠) صفة السموديا٢٥ للوحوش

تأخذ من دم الكلب الأسود خمس أواقٍ، ومن دماغ الخنزير أربعة مثاقيل، ومن شحم الأرنب أوقية، ومن مرارة الأيل وشحمه من كل واحد مثقالين، ومن دماغ الغداف أربعة مثاقيل، يُجعل الدم في طنجير ثم يُطرح عليه الشحم حتى يذوب، ثم الدماغ ثم المرارة، فإذا ذاب واختلط فخُذ من قرن الأيل المسحوق وزن عشرة مثاقيل، ومن حافر حمار الوحش المسحوق مثقالًا، ومن حب السروج خمسة مثاقيل، ومن الكرفس الجبلي — وهو الفطر أساليون والسيساليون — من كل واحد أربعة مثاقيل، يُسْحَق ويُطْرَح فيه ويُخْلَط ثم يُرْفَع في إناء زجاج.

فإذا أردت أخذ وحش من الوحوش فخُذ قدر أوقية من دم الإنسان، اجعله في طنجير وسخِّنه على نار لينة، ثم اطرح عليه من هذه الخلط أربعة مثاقيل حتى يذوب، فإذا ذاب فخُذ حزمة كرفس جبلي رطب، فانقعه في ذلك الدم العذاف فيه السويداء، ثم ارفعه على شيء نظيف حتى يشرب ذلك، ثم خذه وخُذ مثقالًا من السموديا ومجمرة فيها نار، واذهب إلى مكان تلك الوحوش فاطرح الدخنة على النار، ثم تكلَّم بالكلام الأول الذي وصفت لك في باب السباع والوحش الذي تريده بعينه؛ فإنه لا يلبث أن يأتي إليك فألْقِ إليه الكرفس الذي معك حتى يعتلفه، فإذا اعتلفه تعبَّدت روحانيته وذلَّت لك طائعة خاضعة، فاذبحها إن شئت أو سُقْها بالحبل كيف شئت.

(٧١) صفة العموديا لطيور الطيارة

تأخذ من دم عقاب أوقية، ومن دماغ نسر ومن دماغ صقر ومن دماغ شاهين من كل واحد مثقالًا، ومن شحم الكُرْكِيِّ وشحم البط من كل واحد خمسة مثاقيل، ومن مرارة البومة والهامة ومرارة الغداف من كل واحد مثقالًا. يُسخن الدم في طنجير ويُطْرَح عليه الشحم، ثم الدماغ، ثم المرارة، حتى يختلط ذلك كله فيه، فإذا اختلط فخُذ من حَبِّ النيروج المسحوق وحَب الصنوبر المسحوق من كل واحد خمسة مثاقيل.

ومن السمسم والحنطة وحب الفرصاد من كل واحد مثقالًا، تسحق ذلك جميعًا وتطرحه على ذلك الدواء، واخلطه، فإذا خلطته به معًا فادفعه في زجاجة نظيفة.

فإذا أردت أخذ طير فخُذ كليحة سمسم، ومن العموديا أربعة مثاقيل، فأَذِبْه في ماء الهندباء قدر رطل، واطرح السمسم فيه حتى يختلط ثم ارفعه حتى يجفَّ، فإذا جفَّ فخُذه، وخُذ من العموديا مثقالًا، ومجمرة نار، واذهب إلى مكان الطير الذي تريد فبخِّر به، وتكلم بالكلام الأول، وتسمِّي الطير فإنه يأتيك، فإذا أتى فاطرح له السمسم، حتى إذا اعتلفه ذلَّت لك روحانيته، وإن كان من الطيور أُولي النهش فخُذ عصفورًا واذبحه وانتف الريشة، وخُذ مثقالًا من العموديا فأَذِبْه في مسقة، واطْلِ به ذلك العصفور، واحمله معك واطرحه إليه، فإذا أكله ذلَّت لك روحانيته وخضع، فاصنع به ما بدا لك.

(٧٢) صفة العموديا للهوام

تأخذ من دم الأيل أواقي، ومن دماغه وشحمه من كل واحد مثقالًا، ومن دماغ الأرنب مثقالين، ومن أنفحة الظِّبَاء وأنفحة الأعير الأهلية من كل واحد نصف مثقال، ومن قرن الأيل المسحوق وقرن العيريان مثقالًا، ومن شحم الأفعى مثقالًا. يُجعل ذلك الدم في طنجير ويُسخن ويُطْرَح عليه الشحم والأدمغة والأنفحة والقرون حتى يختلط ذلك عليه جميعًا، فإذا اختلط فارفعه في زجاجة نظيفة، فإذا أردت أخْذ شيء من الهوام الدبَّابة فخُذ شيئًا من لبن امرأة في مشربة نحاس، وأذِبْ فيه مثقالين من هذا الخلط، ثم خذ مثقالًا منه ومجمرة، فاذهب إلى مكان تلك الهوام من الأفاعي والقنفذ والورم وغير ذلك فدخِّن بذلك المثقال وتكلم بذلك الكلام الأول، وسمِّ ذلك الضرب باسمه؛ فإنه لا يلبث أن يخرج إليك، فتضع المشربة بين يديه حتى يشربه، فإذا شربه ذلَّت لك روحانيته، فإن لم يكن من الهوام التي تشرب اللبن مثل العقارب والعظايات فخُذها حتى تخرج إليك؛ فإن روحانيتها مقموعة لا تمتنع عليك.

فإنْ عارضَ مُعارض وقال: لا خلاف بين العلماء بخواص الأشياء أن الحيات تنفر من قرن الأيل أبعد نفار، وأحدنا إذا أحسَّ في داره بحية دخن بقرن الأيل حتى تهرب الحية إلى دُور كثيرة، فكيف جعلته أنت في الأدوية التي تُصاد بها الهوام؟! فقال: ألست تعلم أننا ننفر من رائحة البصل والثوم أبعد نفار، وإذا وقع مع التوابل في القدور استطبناه، وكذلك الخردل والفلفل، نكرهه على الانفراد، ونلتذُّ به إذا وقع في الطبخ.

قال: فسألت الحكيم، فقلت له: أنت ذكرت أن في بعض هذه السباع وأدوائها وأعضائها سمومًا مؤذية تقتل بالرائحة؟ قال: بلى. قلت: كيف يحترس الرجل من ذلك وقت أخْذ هذه السباع؟ قال: حرزه في الأخلاط التي وصفت لك. قلت: كيف يصنع؟ قال: يأخذ من الخلط الذي يُسْتَعمل في أي الأنواع أراد، فيبدأ قبل كل شيء فيذيب شيئًا منه قدر نصف مثقال بقدر نصف أوقية دهن السمسم، ويمسح به يديه ومنخريه وفمه ووجهه ساعةً وقدميه مسحًا رقيقًا، ثم يعمل ما وصفت لك؛ فإن ذلك يكون حزرًا له من كل شيء يتخوَّفه من عادية السموم.

قال التلميذ: قلت للحكيم: وجدت في ذلك الكتاب مع قوة روحانية هذا الكلام الذي يتكلم به على الدخنة للبهيمة التي لا تعقل، وما معنى الكلام بحيوان لا عقل له ولا فهم؟ وإن الحكيم الأول قطع الكلام على نيرنجات العالم الأصغر لتركب عقله وفهمه، فما باله وضع ذلك الحيوان الذي لا عقل له؟ فأجابه الحكيم: هذا الكلام لم يوضع لشيء مما ذكرت، ولم يقسم على العقل والفهم، وقد وجدت في الكتاب المخزون أن جواهر الكواكب التي وصفت لك مأخوذة من الروحانية الأولى المؤلَّفة في تركيبك الذي هو الإنسان؛ لأنه لا يتمُّ إلا بتحريك منك، فاجعل ذلك الكلام لك لا للغير، هذا من أسرار العلماء، فاحفظه ولا تُخرجه إلى الغير، فإنه يكون فسادًا عظيمًا وتحت ما أخبرت لك كنز عظيم، وإن وفقت لفهمه، وإنما هو لك لا للحيوان ولا للعالم الأصغر؛ لأنه لا يتمُّ إلا بتحريك منك، فاجعل ذلك الكلام لك لا للغير، وهذا من أسرار العلماء.

واعلم أيضًا أن جواهر الكلام وروحانيته أمران جُمِعَا جميعًا فانقادت لهما الروحانية المستجنَّة في الأجسام من العالم الأصغر، وتلك الروحانية في ذاته سامعة عاقلة. ومما يدلُّك على أن هذا الكلام لم يوضع في معنى ما قلت أن النيرنجات التي تعلمها للعالم الأصغر إنما يتكلم عليها من حيث لا يسمع الإنسان ولا يبصره، ومَنْ لم يسمع شيئًا ولم يبصره ولم يفهمه فإنما تصل إلى روحانيته الكامنة في جسمه أرواح تلك الأخلاط والكلام من حيث لا يعقله ولا يفهمه ولا يراه، ثم يتحرك ذلك في باطنه بالمعنى الذي عمل له من الحب والبغض والعقد والحل ونحو ذلك، وكذلك الحيوان المتحرِّك أيضًا إنما تصل تلك الأرواح إلى روحانيتها المستجنَّة فيها من حيث لا تفهم ولا تعقل ولا ترى، هذا إن صدقت روحانيتك ولم ترتب فيما تفعله فتسوقها إلى ذلك المكان دعت إليه طائعة لروحانيتها الخبيثة، وليس هذه النيرنجات المعمولة على الحيوان المتحركة بأعجب من النيرنجات المعمولة على العالم الأصغر، بل سائر العالم الأصغر في ذلك أعجب بما فيه من تركيب العقل والفهم وقوتهما، ولو أن العالم الأصغر أبطل هذه النيرنجات المعمولة وقطعها في فهمه لكان حريًّا بذلك لتمام تركيبه وكمال خلقه، كما أنه لو عملت نيرنج العالم الأصغر وأحس منك بذلك ولم يستشعر أنه عامل بطل فعلك، فاعرف هذا.

فقلت له: هل بقي في هذا الباب ما لم يأتِ عليه الشرح في هذا المعنى؟ فقال: وليس قدر ما ذكرنا إلا كقدر قطرة من بحر، وإن في علم روحانيات الكواكب ومعانيها ومعرفة أوقات العمل لها ولباسها ودخنها والكلام الذي يحتاج لكل واحد منها وما يظهر من أفعالها لمن وقف بمعرفة علمها عجبًا عجيبًا؛ فأقل ما في ذلك العلم أنه من التمكُّن أن يؤدي العالم الأصغر في منامه ما تدوم من جهته فينقاد إليه خاضعًا، طالبًا أن يرى إقبالك عليه وقبولك ما يبذله لك سعادة عظيمة، وغير ذلك مما شاهدت من عجب هذا العالم أنِّي كنت بجزيرة أُوال.٢٦

وكان بها رجل من المتصلين بحبل الله، عالمًا بهذا العلم، فقصدته زائرًا، فرأيت قومًا من أهل البلد قد دخلوا عليه، وشكَوا إليه غمَّهم بمحبوس لهم قد حبسه أمير البلد في جناية جناها، قالوا: قد اطَّرحنا أنفسنا على الوزير والحاجب وخواص الأمير فلم ينفعنا ذلك، وقد بذلنا له من الرشوة بحسب طاقتنا فلم يقبل، وقد ذُكر لنا عنه أنه قال: لا بد لي من قتله. فأطرق ذلك الفاضل إطراقة ثم رفع رأسه وقال: الليلة في آخرها صاحبكم عندكم، فامضوا ولا تُشْعِروا أحدًا بما ألقيته إليكم، فخرج القوم من عنده.

فقلت له — على طريق الملاعبة: قد أُوحي إليك أن الأمير الليلة يُطلق هذا المحبوس! قال لي: سوف ترى! فقلت: ولا يجوز أن يطلقه غدًا! فقال: إن تأخر إطلاقه الليل لم يصح إطلاقه إلى ستة أشهر وكسر، وإنما قد اتفق سعادة لهذا المحبوس أنْ جاءني هؤلاء القوم في هذا اليوم.

واشتغل بحديث آخر، وخرجت من عنده، فلما كان من الغد أتيته مسلِّمًا فوجدت القوم الذين جاءوه بالأمس قد سبقوني إلى عنده وهم شاكرون له بما بشَّرهم به من تخلية المحبوس، ويسألونه عن علمه بذلك؟ فقال لهم: الطالع الذي دخلتم به شهد أن محبوسكم في هذه الليلة يُطْلَق. ولم يكشف لهم عن حقيقة الأمر.

ورأيت غلامًا شابًّا مصفرَّ اللون قد أنهكه الحبس والقيد، فأقبل الشيخ على الشاب فقال له: حدِّث هذا الرجل كيف خلَّاك الأمير البارحة! فالتفت إليَّ الشاب الذي كان محبوسًا فقال: إني كنت محبوسًا في المطمورة مطروحًا، وأنا مكبَّل بالحديد، وقد هدَّدني السجان في آخر يوم أمس، وقال بأن الأمير قد أنفذ بأن يُحْمَل إليه قوم قطعوا في البحر الطريق، وأنه ينظر أولئك، وأنه يصلبك في جملتهم. ذكر لي هذا عند اصفرار الشمس فبكيت طول ليلي ولم يحملني النوم أصلًا.

فبينا أنا كذلك وقد عبَر من الليل النصف الأول، إذ سمعت حركةً شديدةً وباب المطمورة يُفتح، ففزِعت وشِلْت رأسي إلى السماء مستعينًا بالله تعالى، وإذا الجماعة من الخدم قد نزلوا وحمَلَني أحدُهم بحديدي، فأُدْخِلت على الأمير، فإذا به قائم، فلما رآني قال: حُطُّوه برفقٍ. واستدعى مَنْ فكَّ الحديدَ عني، وسألني أن أجعله في حِلٍّ بما فعل بي، وأمر بأن أُجْعَل في جملة خدمه، وأثبتَ لي رزقًا جاريًا مع خاصَّته، وأفرج عني. وهذا حالي.

وقاموا فخرجوا من عنده، فجدَّدت السؤال للشيخ ورغبت إليه أن يُعْلِمَني السبب في تخليته إذا لم يقُل لهم إنه سيُخلى الليلة عن فائدة؟ فقال: لا يمكنني أن أخبرك في هذا اليوم، فإن صبرتَ ثمانيةً وعشرين يومًا أعلمتُك. فقلت له: إني من الصابرين.

فلما انقضت الأيام جدَّدت السؤال فقال: هؤلاء القوم الذين جاءوا حدَّثوني بحديث المحبوس، قوم أخيار يلتزمني أمرهم، ورأيتهم مغمومين بهذا المحبوس فقلت لهم ما قلت، ولمَّا كان في تلك الليلة على ساعتين من الليل تجرَّدْتُ وعملت نيرنج المريخ، وقصدت بالنيرنج الأمير والمحبوس، فأطلقَه كما رأيت.

فقلت للشيخ: أُحِبُّ أن تُعلِمني سبب إطلاقه له؟ فقال: سبب ذلك أن الأمير رأى فيما يرى النائم كأن قد دخل عليه رجل أشقر أزرق على رأسه شعر وهو مكشوف الرأس وبيده سيف مجرد يقول: إن لم تُخَلِّ في هذه الساعة فلان ابن فلان المحبوس عندك وجاءت الليلة قطعتُ رأسك بهذا السيف! فكان هذا سبب التخلية له، فاستطرفت ذلك واستعظمته.

فقال لي: إياك أن يَسْمَع منك هذا في هذه المدينة أحدٌ ما دمت أنت بها، فضمنت له ذلك، وقلت: وللمريخ نيرنج يُعمل؟ فقال: لزحل لباس سواد، وللمشتري بياض، وللمريخ حمُرة، وللشمس أصفر، وللزُّهَرَة أخضر، ولعطارد ملوَّن، وللقمر سمكون، ولهم مع ذلك دخن وبخورات وأشياء أُخَر يعرفها العلماء الواقفون على أسرار الخليقة؛ مثل أكاليل يحتاج في عمل بعضها، فإن لبسه يضعها العامل على رأسه ومخانق سلعة يتقلَّد بها، فإن كان العمل لزحل احتاج أن يكون الإكليل من شكوك والمخانق من عظام، وآلات أُخَر لكلِّ واحد منها لو شرحتها لك لكثُر تعجُّبك منهم، ولكلِّ واحد آلة لا تصلح للآخر يعرفها العلماء الواقفون على أسرار الخليقة وروحانيات الكواكب. فقلت له: قد عارضني في هذا الموضع سؤال، ولست سائلًا عنه لشكٍّ عَرَض بل لاستفهام حسب، فقال لي ذلك العالم الفاضل: هلمَّ سؤالك! فقلت له: الأنبياء عليهم السلام، ما وقفوا على هذا العلم؟ فتبسَّم وقال لي: يا مسكين، ثقالة عكس علم الأنبياء، عليهم السلام. فقلت له: ما سمعنا أنهم تعسَّفوا في دعاء الخلق أو تعبوا التعب العظيم وطُلِبوا وهربوا من أيدي أعدائهم سرًّا، ومنهم مَنْ تأدَّى أمره مع أعدائه إلى أن قُتِلَ، فيا ليت شعري مع قدرتهم على هذا العلم الشريف لِمَ لا يعلِّمون لأعدائهم من هذه النيرنجات ما كان يضطرونهم معها إلى إجابتهم؟

فقال لي: ما أحسن ما سألت! إلا أن الأنبياء عليهم السلام، أرسلهم الله تعالى لنجاة الخلق؛ ولأن يطبُّوا أنفسهم المريضة بالعلوم الإلهية التي تكون شفاءها وتستدعيهم إلى العلم الاختياري كما قال الله تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، ولعل كثيرًا من الناس لا يفرِّق بين الدين والشريعة.

فأما الدين فلا إكراه فيه، فإن أُكْرِه عليه لم ينفع الذي أكرهوا على قبوله؛ لأنه أمر إلهي، وأما شريعة الدين فهو الذي يقع الإكراه فيها؛ لأنها أمر وضعي سُنِّيٌّ دنيوي، به يكون ثبات الدين ودوامه؛ فلهذا أُكْرِه الناس عليه، وهو ظاهر الإسلام، وأما الدين الذي هو الإيمان فلم يُكرههم عليه؛ ولذلك قال الله تعالى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فلهذا قال النبي : «أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحسابهم على الله. فقيل: يا رسول الله، مَنْ قال لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال: نعم، مَنْ قال مخلصًا دخل الجنة. قيل له: وما إخلاصها؟ قال: معرفة حدودها وأداء حقوقها. فقيل: يا رسول الله، ما معرفة حدودها وأداء حقوقها؟ فقال: نعم، أنا مدينة العلم وعلِيٌّ بابها، فمَنْ أراد ما في المدينة فليأتِ الباب.» فأرشدهم إلى مَنْ يشرح لهم ذلك الذي يؤدي إلى الدين الاختياري إلى محبي الثواب؛ لأن الإكراه عن الإسلام صورة معروفة في الشريعة، قال الله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا فلم يستعمل الأنبياء عليهم السلام هذا العلم لأحوال: أحدها أنه ضرْبٌ من الحيلة والمكر فلم يُبْعَثوا بذلك، وثانيها أنهم لو فعلوا ذلك لكان إجابة الناس إلى الخديعة لا إلى العلم الذي به نجاة أنفسهم، وكان يفوتهم الغرض الذي جاءوا فيه الذي هو نجاة الأنفس؛ لأن الأنفس ما كانت تصفو بما يكون فيه خديعة ومكر إذا كانت تتخلَّص من عالم الكون والفساد؛ ولأن هذا العلم فوائده مختصَّة بالعلم الأرضي، والأنبياء عليهم السلام فهم دعاة إلى العالم العُلْوي الذي هو أعلى من عالم الأفلاك؛ فلذلك لم يستعملوه أيضًا.

وأيضًا فلم يجُزْ لهم إلى أن يضيفوا إلى تأييد الله ووحيه بوساطة الملائكة المقربين حيلة بشرية ولا نيرنجية فلكية، ويجوز لأمثالنا نحن استعمالها في مصالح دنيانا، ولا يجوز لهم؛ لأنهم في شرفهم وعلوِّ منازلهم مستغنون عما نحن مفتقرون إليه، ولشدة تحرُّزهم وتنزيههم أنفسهم عن أفعال البشر قد شهدوا أحوالهم الدنيوية مضيَّقة عليهم مع معرفتهم وعلمهم بصناعة الكيمياء، وهذه الخصلة يقال: حلالها حساب وحرامها عذاب، كذلك جماعة أصحاب الشرائع جرى أمرهم فلزموا التزهُّد والتقشف والجشب من العيش، وألزموا أنفسهم ذلك وحرَّموا عليها الطيبات، كذلك ليفعل الناس كفعلهم ويقتدوا بهم.

قال الله تعالى: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ فلهذا لم يفعلوا؛ لأن هذه المحرمات كلها إنما تجري مجرى الحِمْيَة التي أمرنا الطبيب الحاذق المشفق باستعمالها لصحة أجسامنا؛ لتبقى في الدنيا المدة المقدَّرة لها؛ والأنبياء، عليهم السلام، هم أطباء النفوس المريضة بجهلها، التي لا تصلح للعالم العلوي إلا بعد تصفيتها من أدناس الطبيعة، فحمَوها من هذه الأشياء التي حرَّموها؛ ليكون شفاؤها من جهلها وصحةً لها لصورتها الباقية شفقة علينا ورحمة بنا، فاقتدى بهم في سُنَّتِهم في ذلك خلفاؤهم وذريتهم التي هي الحبل الممدود مع الكتاب الذي لا انفراد لهم عنه إلى الحوض، كما أخبر النبي، فلم يفعلوا أيضًا مع علمهم ومعرفتهم اقتداءً بالرسل واتباعًا لهم، فهذا جواب مختصَر.

فقال له السائل: لِمَ لا أفصحت بهذا العلم الشريف لينتفع به الخلق؟

فقال: لو فعلنا ذلك لعظُم ضرره وبطُل أيضًا؛ فإنَّا إنما نُفصح بعمل روحانيات العالم الأصغر في رسالتنا هذه، بل أشرنا إليه إشارة فحسب لا غير؛ حذرًا أن تقع الرسالة في يد غير مستحِقٍّ فيُهلك الحرث والنسل ويُفسد النساء ويهتك الحرم؛ فلذلك ألغزناه وأعجمناه.

وأنت أيها الأخ، إذا صفا جوهرك وأمِنت خبيئتك انفتح عليك من هذا العلم ما يسرُّك؛ فلا تَبِعه إلا كما اشتريت، وابخل به على الولد والوالد، إلا أن يأخذا له كما أخذت أنت، ويصفو جوهرهما كما صفا جوهرك أنت، فيبلغا ما بلغت من غير أن تعطيهما أنت شيئًا.

واعلم يا أخي، أن الحكماء إنما وضعوا الحكم لإحكام أعمالهم وإتقانهم لها، وأنهم لم يضعوا شيئًا من أعمالهم في غير موضعه، ولا فعلوا فعلًا لا معنى له، ولا أحدثوا من ذواتهم شيئًا يكون الضرر فيه أعم من النفع، ولو فعلوا ذلك لم يكونوا حكماء؛ فكيف أحكم الحاكمين وأحسن الخالقين، خالقهم ومُوجِدهم ومؤيِّدهم أن يفعل ما يؤدي إلى الضرر والفساد، ولغير معنًى، وما قصد فسادًا، وما خلقه لإضرارنا، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا؟ وهو يقول عز من قائل: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ.

وإذا تأملت هذه الحكمة وتدبَّرت هذه الصنعة وعرفت هذا السر ورأيت حقيقة هذا السحر الذي يسحر العقول، بانت لك الأشياء بحقائقها، وتعلمت كيف تسحر الناس وكيف تصير القلوب إليك وتَبيَّن لك ما خفي عنها لما عميت الأنباء عن الضالين الغافلين.

فانتبه يا أخي من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، وأيقِظْ مَنْ قدرت عليه من الغافلين؛ ليحصل لك النفع العاجل والخير المتواصل في الدنيا والدين، بلَّغك الله منازل الأخيار المصطفَين، ورقاك إلى منازل الملائكة المقربين، وفَّقك الله وإيانا وجمع إخواننا المؤمنين برحمته إنه أرحم الراحمين.

١  العُوذ: بضم العين بعدها واو مفتوحة وذال مضمومة جمع عُوذَة، من عَوَّذ بعين مفتوحة وواو مشددة، وأعاذه إعاذة رَقَاه ودعا له بالحظ، وعوَّذه بواو مشدَّدة: طلب له الحفظ وعلق عليه العوذة.
٢  الملقوعون: جمع ملقوع، والملقوع مَنْ أصابته العين، والملقوع أيضًا مَنْ ناشته الحيَّة. واللَّقاع بفتح اللام المشددة وضمها: الذباب الأخضر الذي يلسع الناس، الواحدة لَقاعة بفتح اللام وضمها. والمعنى الأول هو المراد كما يُفْهَم من سياق الحديث، والله أعلم.
٣  الحديث الوارد في هذا حديث مدسوس، واعتقاد أنه يؤثِّر فيه السحر كفرٌ صراح لا يقول به مسلم؛ لأنه لا يتفق مع مقام الرسالة وما يجب لصاحبها من عصمة عن الزلل والخطأ وغيبوبة العقل، وما ورد من أمره بالتعوُّذ لا يفيد أنه سُحِرَ وإنما هو تشريع لأمته.
٤  المشعوذ والمشعبذ: مَنْ يُريك الشيء على غير حقيقته لخفَّة اليد وسرعة الحركة، والمحمرق: الكاذب المموِّه المختلِق. وقد أُخذ هذا اللفظ للدلالة على التمويه والكذب من مخاليق الصبيان المفتولة التي يلعبون بها.
٥  هارَّ بتشديد الراء مهارَّة بمعنى هرَّ في وجهه، ومنه المثل: «شرٌّ أهرَّ» يُضْرَب في ظهور أمارات الشر ومخايله، والهرارات: كوكبان هما الشر الواقع وقلب العقرب، وأمارَّا: أتيا إمرًا، بكسر الهمزة، والإمر: المنكر من الفعل والقول.
٦  الكداخداه: المقرَّب من الملك وكاتم سره وكاتبه الخاص، واللفظ غير عربي.
٧  القهرمان: مدبِّر الملك ومستشار الملك.
٨  حديث مأخوذ بالمعنى لا باللفظ. ا.ﻫ.
٩  المرت: خلوُّ مجرى الطعام والشراب من المرض، والمرتان الخالي من المرض، والمرت أيضًا رأس المعدة، ولعله المراد هنا كما يقتضي السياق.
١٠  العفوصة: المرارة والقبض.
١١  الكلس: الجير.
١٢  الأسرب: دخان الفضة. يقال: سُرِب الرجل، بضم أول الفعل المبني للمجهول: دخل في خياشيمه دخان الفضة، فهو مسروب.
١٣  القلع: معدن ينسب إليه الرصاص الجيد، فيقال: رصاص قلعي. وهو المراد في عبارة المؤلف كما يُفهم من عبارة: فحوَّله فضة.
١٤  الكسيينج: النحاس. والكلمة دخيلة.
١٥  والسقمونيا: معدن رخو من فصيلة الرصاص، لا يعلوه الصدأ.
١٦  واللبان، بضم الضاد وفتح الباء: الصنوبر. والسكندر أيضًا يقال له لبان. والسِّندروس، بكسر السين المشدودة: صمغ أو معدن شبيه بالكهرباء.
١٧  الدفل والدفلي: نبت ذو زهر اعتيادي كالورد، وطرحه كالخزنوب.
١٨  النيرنجا: تغيير حقائق الأشياء في نظر الرائي فقط، ومرجعها السرعة وخفة اليد.
١٩  المحارف والمحترف: ذو الحرفة والمهنة والصناعة. كلها بمعنًى واحد.
٢٠  الأَخِيذ: الذي أُخذ أسيرًا في الحرب.
٢١  بطَّ، بتشديد الطاء المهملة قبلها باء مفتوحة أيضًا، شق الجرح أو القرحة.
٢٢  المجارف بالجيم المعجمة: الفقير الذي ذهب الدهر بماله، أو حرمه هو بنفسه؛ أضاعه من غير تدبير.
٢٣  الكأس من فضة، والجمع أجوام وأجؤم وجامات وجوم، بسكون الواو وقبلها جيم مفتوحة، فارسية معرَّبة.
٢٤  الموم: أداة الحائك يضع فيها الغزل وينسج به، والموم: الشمع، وهو المراد هنا؛ لأن من شأنه الذوبان كما يُفْهَم من تعبير المؤلف … ا.ﻫ.
٢٥  لم أعثر في كتب اللغة على تفسير تلك الكلمة.
٢٦  أوال بالضم ويُرْوَى بالفتح: جزيرة يُحيط بها البحر بناحية البحرين، فيها خل وليمون وبساتين ا.ﻫ. معجم ياقوت، جزء أول، صفحة ٣٦٥، طبع مصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤