فصل في عادات المالطيين وأحوالهم وأخلاقهم وأطوارهم

عادة أهل مالطة المتشبعين في اللباس كعادة الإفرنج إلا أن نساءهم يلبسن وشاحًا من الحرير الأسود وعلى رءوسهن غطاء منه أيضًا من دون برنيطة، وأقبح شيء في الضيف رؤية هذه الثياب السود، وقد يحاكي بعضهن نساء الإنكليز في الزي، ولكن متى ذهبن إلى الكنيسة لبسن زيهن الأصلي توهم أن اللون الأسود أليق بالكنيسة وأولى بالقنوت، وهو كوَهْم الجهلة من نصارى الشام أن من يلبس سراويل فوق ثيابه لا يليق به أن يتقدم إلى محراب الكنيسة.

أما أهل القرى فإن الرجال منهم يثقبون آذانهم، ويتقرطون بأقراط من الذهب، ويرخون سوالف مجعدة من أفوادهم إلى طلاهم، وهاتان صفتان من صفات الإناث، ويلبسون طرابيش مختلفة الألوان مسدلة على أكتافهم، وهي شبيهة بالأجرية، ويمشون حفاة، ويتحزمون بأحزمة، ومنهم من يتختم بعدة خواتم من ذهب، ويجعل أزار صدريته منه أو من الفضة، ويحمل سترته على كتفه، ويمشي حافيًّا مشية المفراح البطر، وإن الجرار منهم أو الخمار ونحوهما ليخرج في الأعياد وفي أصابعه عشرة خواتم من الذهب، ومثلها في سلسلة ساعته، وفي صدريته أزرار كثيرة من الذهب أو الفضة، أما النساء فإن من كان لها حذاء لا تلبسه إلا إذا جاءت المدينة وهي معجبة به حتى إذا خرجت منها تأبطته، وجميع الأعيان في مالطة يخرجون في الصيف من دون أردية تستر أدبارهم، خلافًا لعادة الإفرنج في أوروبا، والمتكيس الغيساني منهم هو الذي يزنق سراويله على فخذيه وإليتيه حتى لا يعود يمكنه التقاط شيء من الأرض، فإذا صعد في درج ونحوه استعمل الحيلة حتى لا تنقد من دبر، وأكثرهم يفخِّم فخذيه ومؤخره بحشو في السراويل، ويستر كل عظم ناتئ في بدنه، ويبدي ما ينبغي أن يستر، فإذا مشى أحدهم على هذه الصفة نظر إلى عطفيه كالزوزك وإلى سراويله وحذائه معجبًا بما لديه، وللنساء زهو وعجب إذا مشين أكثر من زهو الرجال، فترى المرأة تخطو كالعروس المزفوفة إلى بعلها، وهي ممسكة بطرف الوشاح باليد اليسرى وبطرف غطاء رأسها باليمنى، فتكون على هذه الحالة أشغل من ذات النحيين، فمتى أوين إلى بيوتهن لبسن أخلق ما عندهن من الثياب، وسواء في ذلك الفقراء والأغنياء والرجال والنساء، وهذا هو أحد الأسباب التي حببت إلى المالطيين تجنب المعاشرة والمخالطة، وربما عدت المرأة التي تبقى في منزلها بلباس حسن من المتبرجات، وإذا زرت أحدهم فلا يستحي أن يقول مهلًا فإن زوجتي تبدل ثيابها لتحضر بين يديك، ومنهن من تبقى في بيتها بغير حذاء، ثم إذا خرجت في يوم الأحد لبست جوارب من حرير وكفوفًا منه وتبهرجت غاية ما يمكن، فإن المالطيين يتفخلون في الأعياد كل التفخل بخلاف الإنكليز هنا فإنهم يبقون على حالة واحدة. وفي الجملة فإن هم هؤلاء الناس كله مصروف في التفاخر بالرياش وهو شأن حديث النعمة.

ومتى كانت إحدى نساء مالطة حاملًا مشت الخيلاء، ورفعت بطنها ليراها كل من مر بها، ومتى أبصرت ذا شوهة رسمت شكل الصليب على بطنها تعوذًا من سريان الشوهة إلى الجنين، وإذا شمت في الطريق رائحة طبيخ وتوحمت عليه بعثت تستهدي منه.

أما حلي النساء فالذهب غالبًا للأغنياء والفضة للفقراء، إلا أنه قل أن ترى امرأة من دون حلي من ذهب، وأصناف الحلي الشنوف، ويقولون لها مسالت، وفي لغة أهل الغرب مصالت، والأسورة يلبسنها فوق الأكمام والإبر والخواتم والسلاسل والساعات، ويندر جدًّا تحليهن بالجواهر النفيسة، وإنما تتحلى بها الخواتين في الرقص والولائم وقد يجزي عنها الجزع، وفي الجملة فليس لنساء مالطة ولا لنساء الإفرنج جميعًا كثير من الحلي كما لنساء مصر والشام، وإنما إعجابهن مقصور على نظافة الثياب، واتخاذها بحسب الزي، وكما أن لباس رجال الإفرنج لا يخلو من إخلال بالحياء كذلك كان لباس نسائهم أدعى إلى الحشمة والتصاون من لباس نسائنا.

فأما تغيير الزي عندهم فإنه نافع لأصحاب التجارة ومضر بعامة الناس، فإنه يقضي بمصاريف حديثة غير ضرورية، ومنشأ هذا التغيير يكون في باريس، فتطبع صورته على أوراق، وترسل إلى جميع البلاد، وهذا دأب الناس من أنهم إذا رغبوا عن رذيلة أقبلوا على غيرها، فإن الإفرنج لما رغبوا عن المزركش والمرقش من الثياب وعدوها من دأب الصبيان أولعوا بتغيير الشكل هذا، ولما كان لباس الإفرنج في الشتاء لا يتعدى اللون الأسود من الجوخ وغيره، وفي الصيف لا يتعدى الثياب البيض لم يكن لأسواقهم ومواسمهم بهجة، وليس ما تسر رؤيته إلا ملابس العسكر وبعض النساء، ولا شك أن حب الألوان الزهية طبيعي؛ لأنا نراه في الأولاد وهم يقولون إن الميل إليه من طبع الهمج، وإنما ميلهم إلى الألوان مقصور على فرش ديارهم وأثاثها، والحق يقال أن ملابس الإفرنج أوفق للعمل وأدعى إلى قلة المصروف، فإنها ما عدا كونها مزنقة وهو أصل في الاقتصاد، فهي عارية عن كلفة الرقم والوشي، وربما كانت أدعى إلى النظافة أيضًا، ومن عادة الإنكليز هنا الإكثار من الثياب البيض، والإقلال من الجوخ ونحوه، فإن الغني منهم لا يكون له أكثر من ثلاث جبات أو أربع، ولكن قد يكون له ستون قميصًا وعشرون سروالًا من الكتان وعشرون ملاءة للفرش، وقس على ذلك، وقد رأيت كثيرًا من الأعيان هنا لهم جبب قد تلبد على أزياقها الوسخ والعرق لا سيما أن منهم لمن يرخى شعر رأسه حتى يصل إلى قذاله، فتراه إذا نزع برنيطته تتطاير هبريته على كتفيه، ومع ذلك فهم يحلقون شواربهم بدعوى النظافة، ومن الإنكليز من يلبس كل يوم قميصًا، ويحلق في كل صباح وربما فعل ذلك في النهار مرتين، وذلك مطرد سواء كانوا في البر أو البحر، ومنهم من يجعل صدر القميص أو طوقه وأطراف كميه منفصلة عنه فيغيرها في كل يوم.

ومما يحمد عند الإفرنج استعمال النشا في الثياب البيض حين تغسل فإنها تأتي بها جديدة، والغسالات في مالطة لا يغسلن إلا بالماء البارد، فإن وضع اليد في الماء السخن ومقابلة الريح بعده يعقب ضررًا، وصابونهم أحسن من صابون فرنسا، ودونهما صابون الإنكليز، وعندي أن أحسن صابون في بلاد أوروبا هو صابون قسطيلية في إسبانيا، والظاهر أنه من صنعة العرب؛ فإن أهل تونس لا يزالون يصنعون شيئًا منه على لونه وهيئته ولكن شتان ما بينهما، وأجرة غسل القميص بمالطة صلدي واحد وفي باريس ثلاثة وفي لندرة أربعة أو خمسة.

أما عادة المالطيين في الأكل: فللموسرين الشوربة في الغداء واللحم والخضر والخمر، وفي العشاء السمك والسلطة، وأفخر شيء عندهم لحم الخنزير؛ إلا إنهم لا يكثرون منه ومن غيره كما يكثرون من أكل الخبز بخلاف عادة الإنكليز، أما الفقراء فإن أحدهم ليأكل رطلًا من الخبز من أرطالهم بخمس حبات من الزيتون أو بقطعة من الجبن أو بصخاة، والرطل المالطي هو نحو رطلين من أرطال مصر وثمنه نحو قرش، ولهذا كان المالطيون جميعًا كثيري اللهج بذكر الخبز، فإذا زارك أحد مثلًا وسألته عن أهله قال لك كلهم طيبون يأكلون الخبز، أو كأن يقول الطيب هو من يأكل الخبز، وإذا أردت أن تشتري شيئًا من أحد التجار ولم توفه ثمنه قال لك أنا قائم بمؤنة عيلة تأكل الخبز، وإذا رأيت أحدًا يأكل بعيدًا عنك رفع إليك ما في يده وقال «أك يعجبك»؛ أي إن يَكُ يعجبك، وإن كان يعلم أن اقترابك منه محال، ثم لا يخفى أن خبز الإفرنج يكون كبيرًا جاهضًا يقطعونه بالسكين، والحكمة في ذلك الاقتصاد فإن الآكل إذا قطع منه شيئًا وأبقى منه ما أبقى فلا يكون الحرص على الباقي عيبًا، وربما جيء بالفضلة منه إلى المائدة مرات، بخلاف عادة الشرقيين فإن الرغيف إذا قُطع منه شيء فلا يؤتى به إلى السفرة وهو ناقص فذلك يعد لؤمًا وبخلًا، غير أن جعل الرغيف كبيرًا يوجب عدم نضج لبه، فخبز أهل مالطة يكاد لبه وهو الجزء الأكبر منه ينعصر فلا يمكن أكله إلا بعد يوم، وهو أردأ خبز في بلاد الإفرنج، فإنه ما عدا كونه معجونًا بالأرجل حامض وغير مرئ، غير أنه فيما أظن ليس مخلوطًا بأجزاء كثيرة كخبز الإنكليز.

وعندهم نوع من الخبز مستدير مثل خبزنا يسمونه الفطاير، ويأكلونه على نوع التفكه، وقد سألت عن سبب قلته وعدم بيعه في جميع الحوانيت فقالوا: إنه موجب لزيادة المصروف لطيبته، وهم إذا جاعوا أكلوا منه ما يكسر الجوع فقط، وعامة المالطيين يطبخون الدم، ويستبقون إلى أكله، وكنا إذا أردنا أن نذبح دجاجة أخذ الذابح دمها وهو لنا من الشاكرين، وهم وجميع الإفرنج يأكلون السلاحف البحرية وحيوانات أخر مما نتقزز نحن منه. وقد بلغني أن من المالطيين من إذا فجع بشيء فجأة أكل فأرًا أو ضفدعًا لإزالة الدهشة، وكيف كان فإن أخس الفلاحين بمالطة يعرف من أنواع الطبيخ ما لا يعرفه أكبر تاجر في بلاد الإنكليز، فإنهم يطبخون اللحم مع جميع البقول، والغالب أن الإفرنج لا نظافة لهم في الطبخ من حيث كانت خداماتهم أبدًا مكشوفات الرءوس؛ فيتناثر شعرهن في الطبيخ، ولأنهم قليلًا ما يبيضون آنية الطبخ حتى إن هذه الصنعة في مالطة تكاد أن تعد من المفقود، وأكثر آنية الطبخ عند الإنكليز من الحديد، وهو أسلم عاقبة، وأهل مالطة مثل غيرهم من الإفرنج في كونهم يأكلون المخنوق، وزادوا عليهم في أكلهم الميتة من الدجاج ونحوها، وإذا دعوت أحدًا منهم إلى مأدبة لم يكن منه في خلال التهامه ما بين يديه إلا الثناء على نفسه بأنه قليل الأكل، وعلى ذلك قولي:

لئام إذا ما زرتهم في بيوتهم
كرام إذا زاروك ما أمكن اللحس
ولو وسعت أفواههم غير ما بها
لكان لكل بين أنيابه فأس

وقلت أيضًا:

لجاري ثغر للهم القرى
وذم الورى منتهى حده
فلا شيء أسهل من فتحه
ولا شيء أصعب من سده

وكلهم يأكلون الثوم والبصل نيئًا، فلا تزال رائحة أفواههم منتشرة.

أما مراقدهم فإنهم يرقدون غالبًا على سرر من حديد، والمتنكلزون منهم يتخذون في الصيف سررًا منه، وفي الشتاء من الخشب، وفرشهم متعددة وثيرة، وقد سمعت أن غير الأغنياء يتخذون فرشًا عالية ولكن لا يرقدون عليها، وإنما ينضدونها للمفاخرة والمباهاة، والأطباء هنا يقولون إن الرقود على فرش القطن مضعف للجسم، وأن حبل الليف أو التبن إذا نفش كان خيرًا منه، وفرش الأغنياء من الصوف.

وعامة المالطيين يجعلون أقذارهم في وعاء تحت السرير فلا طاقة لأحد على أن يدخل مراقدهم في الصباح، ولا بد من أن يرقد الرجل مع زوجته، وإن تقادم عليهما الزواج وهرما فيه وأروحا، فأما الأوباش والسفلة فتراهم راقدين في الهاجرة على حافات الطرق كبًّا على وجوههم، وقد جاء في الحديث نوم الشياطين على وجوههم، وإذا زرت موسرًا منهم بادر إلى أن يريك ما عنده من الفرش والأثاث، وقبل كل شيء يريك فراشه، ولم تجر العادة عندهم أن يتخذوا فرشًا للزائرين كما في بلادنا، ومما حرم منه أهل مالطة من أسباب الترفه والاستراضة الاستواء على الأرائك والزرابي الوثيرة فلا يقعدون إلا على الكراسي، نعم إنهم يتخذون متكآت من خشب، ولكن من دون نمرقة عليها ولا حشية، وناهيك بمن يقعد يومه كله على كرسي خارج منزله، أو يظل واقفًا كالتجار، ثم يأتي منزله ليقعد على كرسي، فكأنما لسان حالهم يقول ما قال أبو نواس:

وداوني بالتي كانت هي الداء

أو ما قال الأعشى:

وكأس شربت على لذة
وأخرى تداويت منها بها

أو ما قال ابن دريد في مقصورته:

حينًا هي الداء وأحيانًا بها
من دائها إذا يهيج يشتفي

أو ما قاله البحتري:

تداويت من ليلى بليلى في الهوى
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر

فائدة يحسن استطرادها هنا وهي: «أن مداواة الشيء بنظيره لا بنقيضه ليس من مخترعات أطباء أوروبا كما شاع، فقد ذكر العلامة الدميري في كتاب حياة الحيوان عند ذكر النحل ما نصه؛ روى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي سعيد الخدري — رضي الله عنهم — قال: «جاء رجل إلى النبي فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: اسقه عسلًا فسقاه، ثم جاءه فقال: يا رسول الله، إني سقيته عسلًا فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال — عليه السلام — اسقه عسلًا، ثم جاء الثانية والثالثة والرابعة، فقال عليه السلام: اسقه عسلًا، فقال: قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال اسقه عسلًا صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه فبرئ» قال الدميري: «اعلم أنه قد اجتمعت الأطباء في مثل هذا العلاج على أن تترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية وأما حبسها فضرر عندهم واستعجال مرض.» ا.ﻫ.

أما عادتهم في الزواج: فهو أن يعاشر الرجل المرأة قبل أن يتزوجها مدة طويلة، وربما أقام على ذلك ثلاث سنين فأكثر، وعندي أن الزواج من دون مشاهدة البنت ومعرفة أحوالها من أضر ما يكون، ولا سيما عند النصارى؛ لعدم إباحة الطلاق عندهم، غير أن طول العشرة أيضًا لا خير فيه؛ لأن البنت لا تزال مع خطيبها على أحسن الأخلاق حتى إذا تزوجت وعرفت أن لا فراق تخلقت بالأخلاق التي تعجبها، ولا يخفى أن النساء في بلاد الإفرنج هن اللواتي يمهرن الرجال؛ فالأغنياء من المالطيين يعطون الزوج نحو مائتي ليرة، والذين هم من الوسط يؤثثون له منزله من فرش وكراسي وموائد وآلات الطبخ وينقدونه شيئًا من الدراهم، والفلاحون يعطونه دجاجًا وبيضًا ونحو ذلك، وعلى الزوج أن يهادي حماه بأحذية، وعندي أن لكل من الغربيين الذين يمهرون الزوج ومن الشرقيين الذين يمهرون المرأة وجهًا، وذلك أن الشرقيين ينهمون على الزواج وهم غير محنكين ولا مادة لهم، فيحتاج أبو البنت إلى أن يأخذ من الزوج مهرًا ثقة بأنه قادر على القيام بما تعرض له، ولأن الرجال هم قوامون على النساء. أما الإفرنج: فلأن رجالهم غالبًا يتحاشون الزواج لما يعقبه من التكاليف الشاقة؛ لأن مؤنتهم غالية ونساءهم متشبهات بالرجال أخلاقًا، ولاستغنائهم عنه بكثرة المؤاجرات، فوجب على المرأة في هذه الحال أن تساعد الرجل.

وأهل مالطة أشد الخلق تهافتًا على الزواج فإن الرجل منهم ليتزوج وكسبه في اليوم قرشان، وهما لا يشبعانه خبزًا وإدامًا، وإنما يثق بأن زوجته تساعده على الشغل وتكسب مثله، وآفة نسائهم حسن الخلق دون حسن الخلق فإن المرأة تجري وراء من به صباحة دون مبالاة بالعواقب، فلا يهمها كون الرجل فقيرًا أو جاهلًا أو شريرًا، غير أن النساء هنا لا يحترمن أزواجهن، فكثيرًا ما تعارض المرأة زوجها وتخطئه وتسفهه بحضرة الناس، وكلهن إذا تكلمن يرفعن أصواتهن إلى حد يبقى الغريب عنده مبهوتًا، وكانت عادتهن في القديم أن لا يتبرجن للشبان، ولا يخطرن في الطرق، ولا يتعلمن القراءة والكتابة، ومتى خُطبن احتجبن عن الأخطاب، وربما كان الرجل يخطب بنتًا بواسطة أمه وأخته من دون أن يراها، أما الآن فقد تخلقن بأخلاق نساء الإنكليز في مخالطة الرجال ومماشاتهم والذهاب معهم إلى المراقص والملاهي، وكثيرًا ما تهرب البنت من حجر والديها، وتمكث مع من تهوى، وكثير من النساء الغنيات الطاعنات في السن يتزوجن الفتيان البطالين فيمكث الرجل مع زوجته طاعمًا كاسيًّا، والذي عليه حكمة النساء هنا إيثار الأقارب على الزوج فإنهن يقلن إن الزوج إذا مات يعوض بمثله ولا كذلك الأقارب، وهن كنساء الإنكليز في أنهن لا يتزوجن إلا من كان في سنهن، إلا أنهن يخالفنهن في كونهن يتزوجن على صغر، وإذا مشى الرجل مع زوجته مشيَا متحاذيين لا متماسكين بالأذرع كالإفرنج؛ إذ لا بد للمرأة أن تمسك ثيابها كما ذكرنا آنفًا، وكثيرًا ما تخرج الرجال وحدهم ويغادرون نساءهم في البيوت.

وأكثر أهل الحانات بمالطة متزوج، واللبيب منهم من يتزوج حسناء لتسقي الشرب وتنادمهم، فيجتمع عندها من العساكر البحرية والبرية زمر شتى، والفجار من أهل مالطة الذين دأبهم كسب المال بأي وجه كان؛ يتظاهرون بأنهم طالبون للإحصان حتى إذا حصلوا على المهر فروا به إلى البلاد البعيدة، ثم إن المتعة أو التسري أمر مستفيض عند جميع أهل مالطة، وقد تترك المرأة المتزوجة بعلها وتهوي في أثر من تهوى، وكذا الرجال، وأعرف كثيرًا من العيال قد فارق منهم الزوج زوجته وأقام مع أخرى وأقامت هي مع آخر، وتسرى أبوه بنساء، وأقامت بناته مع رجال أو صرن بغايا، والبغايا في هذه الجزيرة لسن ذوات ثروة ولا جمال رائع إلا ما ندر، فلا تجد لإحداهن دارًا على حدتها أو خادمًا، لكنهن في الغالب غير وقحات ولا متهافتات على الرجال، بل هن لعمري أصون لسانًا من المتزوجات وأكثر ماء وجه؛ إذ لا يحدقن في الرجال كالمتزوجات، ولا ينتقدن السحنة والزي، ولا يتشبثن مثلهن بالنميمة، ويترددن على الكنائس كثيرًا، وليس منهن من تريد أن تموت في الذنوب كما هي عبارتهن، وحين يأتين الفاحشة يغطين وجوه صور القديسين التي في حجرهن أو يقلبنها تأدبًا وتورعًا، وفي الجملة فإن أهل مالطة جميعًا رجالًا ونساءً يغلب عليهم الشبق والسفاح.

أما عادتهم في آداب الجنازة فكعادة الإفرنج في أنهم لا يقيمون المآتم على الميت، فلا تعرف أن أحدًا من الأهلين مات إلا من صحف الأخبار، وهي عادة حميدة، فإن العويل والنحيب فضلًا عن كونهما لا يحييان مائتًا ولا يردان فائتًا أو كما قال الشاعر:

ولم يرجع الموتى حنين المآتم

يلقيان الهم والرعب في قلوب السامعين، وإنما يلبسون الحداد على الميت مدة طويلة، ويدفنونه بعد أربع وعشرين ساعة، وربما أرسلت الجيران إلى أهل الميت وضيمة كما في بر الشام. أما علية الإنكليز هنا فلا يدفنون الميت إلا بعد أسبوع في الأقل كما في بلادهم، وإذا مات لأحد المالطيين طفل صغير أقبلت عليه الأصحاب تهنئه قائلين نفرح لك بالجنة، ومتى ولد لهم ولد وضعوا تحته التبن؛ ليكون سقوطه عليه تشبيهًا بالمسيح، وإذا مات أحد من ضباط العساكر شيعت جنازته وآلات الموسيقى معزوف بها وراءها والجند مصاحبة لها، فإذا فرغوا من دفن الميت أطلقوا البنادق دفعة واحدة إشارة إلى أنه مات بعز دولته وسلطانه.

أما خلق المالطيين فالغالب عليهم السمرة، والربعية في القوام، وسواد الشعر والعيون، وغلظ الحواجب، وشدة البنية، وهم في الغالب أجمل من النساء، وكثير من النساء هنا لهن شوارب أو عوارض أو عنافق، ومنهن من تحلقها، ومن الإفرنج من يستحب ذلك فيهن، وقد أسلفت لك زهوهن وعجبهن بما يتحلين به من اللباس والحلي.

أما أخلاقهم فالغالب على أعيانهم لين الجانب والبشاشة، فإذا سألت أحدًا منهم عن شيء أجابك وهو باش بك مستأنس إليك، ومن طبعهم جميعًا الكدح والتدبير والاقتصاد، فلا يتحملون ضنك العيش محافظة على عادات قديمة ضارة، ولا يتجشم أحدهم استخدام نفر أظهر لشأنه ورفعته ولا النفقات الزائدة في الأعياد والزواج، ولا تتقلد نساء الأغنياء منهم قلائد من الألماس وغيره، وأن الماجد منهم يزور صاحبه بدون احتفال، والغني يذهب إلى السوق صباحًا ويشتري مؤنة يومه، وأن الماجدة تزور صاحبتها ولا تلهي إحداهما عن الشغل، وذلك بأن تأخذ معها شيئًا تشتغل به، وهي التي تقوم بتدبير البيت فلا تكل أموره إلى الخادمة، وأكبرهم من عنده خادم وخادمة، وقد شاهدت رئيس أطباء المستشفى غير مرة ينصب الحبال على سطحه، وينشر عليها الثياب المغسولة قطعة قطعة، ومتى نشفت الثياب حلوا الحبال، ووضعوها في محل مصون، ورأيت أيضًا بعض القناصل ينصب رايته بيده، والفقراء منهم لا يوقدون سراجًا في الليالي المقمرة، وأكثر الرجال يسلمون مصروفهم ليد نسائهم حتى إنهم يحتاجون بعدها إلى أن يطلبوا منهن ثمن التبغ ونحوه، وجميع نسائهم مقتصدات ونشيطات إلى العمل، وقل منهن من تتعاطى التجارة.

ومن طبعهم جملة وتفصيلًا الفضول والتلهي بالإسفاف من القول والعمل، فإذا أكب أحد مثلًا لالتقاط شيء من الأرض ازدحمت عليه زمر، ولا يزال أحدهم يجري من جهة وآخر من أخرى حتى تغص بهم الطريق ولا يبرحون ذاكرين للشيء يحدث أيامًا حتى يجد غيره، ومتى جرى أمر عرفت أصله ومبدأه وغايته من الجائين والذاهبين، ولا بد لكل من طغامهم أن يقص قبل رقوده كل ما جرى له أثناء النهار، وربما أخبر به غير مرة، وزوَّر ورقش حتى يخال نفسه بعد ذلك صادقًا، وأن يتطلع وهو سائر في الطريق إلى كل من يمر به فتراه كأنما يسلم على الناس ذات اليمين وذات الشمال، وكثير منهم دأبهم الحضور في المحكمة لاستماع الدعاوى، فإذا خرجوا بثوها في كل موضع، ولا يمكن أن ينقلوا حديثًا إلا ويزيدون فيه؛ فإذا ألم بعين إنسان قذى قال: إنه عمي، ويبدهون الرجل بأن يقولوا له قد رأينا زوجتك تنظر من الشباك أو تحدث فلانًا أو فلانة، ويقولون للمرأة في حق زوجها مثل ذلك، وإذا اشتريت من أحدهم شيئًا يخبر أهلك به، ومتى رأوا غريبًا نظروا إليه متفرسين، وتنصتوا لاستماع كلامه؛ ليعرفوا بأية لغة يتكلم، ويصفون حاله في وجهه بأن يقول أحدهم للآخر: «هذا الرجل من بلد كذا، وقد أطال المكث هنا، ولعله لا يمكث بعد، فإنه كان أولًا سليمًا، وكأنه الآن مريض»، فيقول الآخر: «وإلى أين يذهب أعساه يجد بلدًا خيرًا من بلدنا وقد صار مقصد الواردين والصادرين»، وربما دعت إحدى النساء صواحبتها لرؤيته وهي تلكزها وتومي إليه، ولا تكاد تخاطب أحدًا في الطريق ألا وترى زمرة قد أحدقت بك، ولا يكاد أحد يأتي أمرًا إلا وتتناقله الرواة، ويسيئون الظن في متزوج عاشر عزبًا أو في عزب دخل دار متزوج، ولا غرو فإن هذا شأن من لا يرى في بلده شيئًا يشغل الخاطر من الأمور الخطيرة، ويكون محصورًا في صخرة قرعاء راسبة في البحر، فإن حصر الفطن يكون من حصر العطن.

ومن طبعهم التكشف وبث ما هم فيه من الأحوال، والاستقصاء عن حال المخاطب، فإذا صحبت منهم أحدًا لا يلبث أن يطلعك على كمية دخله وخرجه، وكيفية عمله، ويقول ليت لي مالًا فأتنعم به، ولو كنت من المثرين لأكلت أطايب المأكول، ولبست أفخر الملبوس، فيا سعد من عاش عيش المترفهين فأخبرني أنت ما دخلك، وكيف عيشك، ومن أين تشتري ثيابك وحاجتك، ومن يزورك … وهلم جرا.

فأما حبهم لكسب المال فهو بحيث لم يغادر لشيء سواه قيمة، ومنهم من يسافر إلى البلاد الشاسعة ويعرِّض نفسه للامتهان والابتذال حتى إذا أحرز المال رجع إلى وطنه متبذخًا متشبعًا، يمرح في الأسواق مرح من ازدهته النعمة وأبطره الحظ. ولا شيء يعجبهم في الدنيا مثل بلادهم، ولا تزال تسمعهم يتبجحون بها وبأحوالها، وإذا سألت أحدًا منهم عنها أجابك بلسان ذلق عما كانت عليه من الغبطة والسعادة، وآلت إليه من سوء الحظ، وهم في محبتها كاليهود في محبة صهيون، ومن الغريب مع هذا التفاخر أنك إذا ذكرت لأحدهم أفراد قومه لم تلقه راضيًّا عن أحد منهم، فأول نعت ينعته به قوله هو أبله أو شحيح، فكأن قوله نحن المالطيين شأننا كذا يريد به وحدة نفسه.

أما مفاخرتهم بالألقاب فأكسى لهم من اللباس، فقلَّ أن ترى أحدًا منهم ممن يقرأ ويكتب إلا وله لقب طبيب أو فقيه أو بارون أو مركيز أو دكطور، على أنهم لا يملكون به مسكة من العيش، ومن طبعهم التعقب للزلات والتعنت والاغتياب، فيتعقبون الناس في مشيتهم ولبستهم ولهجتهم وسحنتهم فلا يكاد يعجبهم شيء، وما من خصلة حميدة إلا ويجعلونها قبيحة، فإذا كان الإنسان كريمًا قالوا إنه مبذر، وإن كان مقتصدًا قالوا إنه شحيح، ولا يبرحون مبربرين على الإنكليز ومتظلمين منهم، ويدَّعون بأنهم من بعد قدومهم إلى جزيرتهم ضاقت عليهم مذاهب المعيشة وغلت الأسعار حتى اضطروا إلى أن يهاجروا من بلادهم التي يصفونها بأنها حنينة، مع أن لدولة الإنكليز في هذه الجزيرة عدة سفائن حربية نفقة كل منها في اليوم نحو مائتي ليرة، وترى عساكرها لا يبرحون يخرجون من حانة ويدخلون أخرى حتى ينفقوا آخر فلس معهم حتى صار معلومًا عند الجميع أن الأسعار إنما تغلو بوجود هذه السفن، ثم إذا سافرت أخذ الذين ألفوا البيع لها في الدمدمة والتسخط من كساد ما عندهم، فإن الأهلين كلهم لا ينفقون ما تنفق سفينة واحدة منها.

هذا، وإن الإنكليز قد أنشأوا فيها جملة مصالح ومعالم لم تكن للمالطيين في حسبان، فقد كان بعض أصحابي بالإسكندرية كلفني بأن أسأل ناظر الديوان عن تركة والده وقد توفي بمالطة، وهل كان تحت حماية الإنكليز أو لا، فلما سألته أجابني بعد البحث بأن ديوان مالطة قبل قدوم الإنكليز لم يكن له دفاتر مصححة يُرجع إليها، وإنما كانت عبارة عن أوراق يومية غير منظومة.

على أن المالطيين أنفسهم يقرون بأن حكامهم في القديم كانوا ينالون من عرضهم؛ لأنهم كانوا قد حُرموا الزواج على أنفسهم حتى إنه تجمع في دار معدة للنغول نحو ألف ولد يزن في كونهم أولادهم، فكانوا يقولون فيهم إنهم عل قسيسين، يورون بذلك أن الحكام المتشبهين بالقسيسين يكفلونهم لكونهم آباءهم، أو أن الأولاد يصيرون قسيسين، ولكن دأب أهل الجهالة أن يستطيبوا الماضي على الحاضر، ويطمعوا في أن الآتي يكون خيرًا منهما، ومن ذلك كراهيتهم للغرباء ولا سيما العرب، ولن يقدر أحد أن يستخلص منهم عشيرًا، وما يكون له بين ظهرانيهم صديق إلا إذا كان يربي جرو كلب، ولعمري لو أن مالطيًّا افترى على غريب وخاصمه؛ لتألبوا على الغريب من كل أوب من دون أن يعلموا السبب، وهم مائلون بالطبع إلى البطش والفتك، وأن كثيرًا منهم لا يمشون إلا ومعهم سكاكين يخفونها في ثيابهم، ومدخل العتاب بينهم مسدود، فأول سبهم قولهم يحرق دين القديس تبعك، ومن جهلهم أنهم لا يفهمون ما المراد بالدين هنا فإن مرادفه عندهم في غير السب منقول من الطلياني، والظاهر أن المسلمين حين ولايتهم عليهم كانوا يتلقونهم بهذه التحية، فتداولوها هم من بعدهم، ومنهم قوم يتنصتون إلى ما يجري بين المرء وصاحبه أو زوجته من الحديث فإذا صح لهم جر منفعة من ذلك انتهزوا فرصتها فورًا، واختلقوا عليه أكذوبة، وللمالطيين جميعًا لهجة واحدة وإشارات واحدة، فالرجال إذا وقفوا يهزون أفخاذهم من الورك إلى القدم، وإذا وصفوا أحدًا بالنحول رفعوا السبابة، وأمالوها يمينًا وشمالًا، وإذا أشاروا إلى أمر معتدل سوي رفعوا الكف اليمنى ورجفوها، وإذا أرادوا الكثرة ضموا الأصابع على الإبهام وحركوها عليه، وإذا أرادوا النفي أمروا الأنامل من تحت الذقن، وإذا أشاروا إلى حسن امرأة جمعوا الكف وأمروها على الصدغ إشارة إلى تجعيد سوالفها، وإذا أرادوا وصف شيء بالطيبة أرخوا اليد اليمنى ونفضوها مرات، وإذا سألوا الرجل عن زوجته قالوا له: كيف المرة، وإذا زار أحدهم صاحبه فأول ما يحيي به صاحب المنزل ويجعل تحية الست الأخيرة، وإذا ذكروا اسم ولد صغير ذكروا اسم الله عليه، وإذا أوقدوا المصباح في المساء قالوا تحية المساء، والفلاحون لا يصرحون بعدد سني سنهم فيقولون مثلًا أربعون وعشرة، ولعل ذلك واصل إليهم من اليهود فإن العدد عندهم فيما أعلمه مكروه.

ومن العجب هنا أن الناس يحبون التكاثر في كل شيء حتى في القبائح والرذائل إلا في العمر، ولا يتحاشى أحدهم إذا زارك أن يجيء معه بواحد أو اثنين جريًا على عادة العرب، ويبادرون إلى تهنئة النفساء حال وضعها، وتزدحم عليها الجيرة حتى العذارى، وتأتي أصحاب الآلات ويعزفون أمام البيت وهي آخذة في الطلق، ويزأطون عندها كما يزأطون في الأعراس.

أما تحمسهم في الديانة ففوق تحمس أهل أرلاند، وقد مر بك عدد الكنائس والقسيسين، وثروتهم وملابسهم الكنائسية، وكما أن أهل أرلاند يسكرون ويفحشون في عيد صان باطرك كذلك المالطيون يسكرون ويفحشون في عيد صان باولو، بل في سائر الأعياد، وإذا استأجر مالطي دارًا كان قد سكنها يهودي فلا يدخلها إلا إذا رش عليها القسيس الماء المبارك، وكذلك لو انتقل مثلًا مركب ونحوه من ملك مسلم أو إنكليزي إلى ملك أحدهم فلا بد وأن يعمده، وهم يعمدون أيضًا أجراس الكنيسة جميعها، وكذا الأجراس الصغيرة التي ينقس بها أمام القربان، ويقيمون لها كفلاء من الرجال والنساء، مما عرف بالأشابين، وقد عمدوا مرة جرسًا في كنيسة صان باولو، وكان كفيله الحاكم وزوجته؛ لكونه كان كاثوليكيًّا، ويقولون إن دعوة الجرس مستجابة، فأول ما يحدث رعد أو برق يبادرون إلى الضرب به، ويعمدون المولود من أول يوم ولادته ولو كانت في شدة الزمهرير، ولا بد من أن يكون ذلك في الكنيسة لا في البيوت، ومن يقف ينظر إلى القربان وهم طائفون به من دون أن يسجد له، فقد عرض نفسه للخطر، وقيل: إنهم قتلوا مرة رجلًا من بحرية الإنكليز، وكان قد مر بهم ولم يسجد له، فتناولوه ضربًا ووخزًا فحمل قتيلًا، ومرة أخرى وقف بهم أحد ضباط العسكر، وظل واقفًا فهجم عليه قسيس ورمى بغطاء رأسه فشكاه للحاكم، فأخبر الحاكم الأسقف بذلك فحبس القسيس في داره مدة ثم أطلقه، فذهب القسيس إلى رومية فأكرمه البابا وأعاده إلى الأسقف وأمره بإعلاء درجته، فلما بلغ الحاكم ذلك نفاه من البلد، ويقولون إن شكل الصليب مخلوق في جثة كل إنسان، وذلك بأن يبسط يديه وهو رافع رأسه، وأن اسم مريم العذراء مرسوم أيضًا في كل كف فإن خطوط الكف الأصلية تشبه حرف الميم باللاتينية، ونحو من هذا ما وجدت في بعض الكتب العربية من أن اسم النبي مكتوب في كل جثة؛ فإن الميم تشبه الرأس، والحاء تشبه الصدر، والميم تشبه السرة، والدال تشبه الساق، وفي أيام الصيام وفي يومي الأربعاء والسبت لا تصرح باعة الحليب باسم ما يبيعونه، وإنما يقولون: هون تا الأبيض، ولفظة تا محرفة عن متاع بمعنى صاحب، كما يستعملها أهل تونس وطرابلس، وفي غير هذه الأيام يقولون حليب، ومع شدة تحمسهم هذا فإنهم يبيعون ويشترون أيام الآحاد والأعياد كما في غيرها، والمتدين منهم من يفتح فيها دكانه إلى الظهر فقط، وقد رأيت كثيرًا من مدن إيطاليا، ولم أر فيها تماثيل عديدة في الطريق كما يرى في مدينة فالتة، وقد كانت هذه التماثيل في الزمن القديم ملاذًا يعتصم به أهل الجنايات، فكان القاتل إذا فر ولطئ تحت تمثال منها ينجو من قصاص الشرع، وقد بطلت الآن هذه العادة، وينبغي هنا أن نذكر أن المالطيين يأنفون من أن يطلقوا اسم النصارى على الإنكليز، وإذا تزوج إنكليزي مالطية على يد قسيس إنكليزي فإن زواجه غير شرعي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤