ملف «واتكر»

كان ملف «واتكر» شيئًا مثيرًا … وقد أثبت حقًّا أنَّ قسم المعلومات في منظمة الشياطين اﻟ «١٣» يمكن الاعتماد عليه … فقد كانت قصة حياته مثيرةً للعَجب … بدأ حياته شابًّا صغيرًا يبيع الجرائد في شوارع «شيكاغو»، مدينة العصابات … وفي سنة ١٩٢٩، شاهد بالصدفة المذبحة التي دبَّرها «آل كابوني»، المجرِم الشهير، لخمسة من عصابةٍ منافسة … فقد أوقفَهم جميعًا في صفٍّ واحدٍ بجوار جدار، ثُمَّ أطلق عليهم الرَّصاص من مِدفعٍ رشَّاش …

لم يكن «كابوني» هو الذي أطلقَ الرَّصاص، فقد كان في ذلك الوقت يجلس على شاطئ في «كاليفورنيا» مع بعض أصدقائه … ولكن أصابع الاتهام كانت تشير إليه …

لقد هرَب القاتل … وكان الشاهد الصغير «واتكر» هو الذي يمكن أن يتعرف عليه … وقد نشرت الصحف قصةَ الصغير الذي اختفى … وفي الواقع أنَّ «واتكر» اختُطف، وظلَّ سنوات مختفيًا …

والملاحظة العجيبة التي نُشرَت في ذلك الوقت أَنَّ والدَي «واتكر» لم يُبلغا الشركة باختفائه … ولم يطلبا البحث عنه … وكان واضحًا أنَّهما تلقَّيا تهديدًا خفيًّا بالصمت؛ حتى لا يُصابا أو يصاب «واتكر» الصغير بأذًى.

لقد تربَّى «واتكر» في أحضان عصابة «آل كابوني»، وشيئًا فشيئًا أصبح من أمهر الرماة، ومن أقرب أصدقاء الزعيم الدموي …

وعندما قُبضَ على «آل كابوني» بعد ذلك بتهمة التهرُّب من الضرائب … وهي التهمة الوحيدة التي استطاع رجال القانون إثباتها عليه … فإن «واتكر» الذي كان قد بلغ العشرين، أصبح يسيطر على نشاطاتٍ كثيرة من أنشطة عصابة «آل كابوني».

لقد حُكمَ على «آل كابوني» بالسجن ١١ عامًا في سجن «أتلانتا» أولًا، ثم سجن «الكازار» بعد ذلك. وقد ظَلَّ «واتكر» على صِلةٍ به … ولكن الزعيم الدموي عندما خرج من السجن كان قد أصبح حُطامًا … فقد أثَّر على مخه مرضٌ مُزمِن قضى على قُواه …

وهكذا عاد إلى إيطاليا بلده الأصلي، حيث مات عام ١٩٤٧ بعد أن تلاشت سطوته وشهرته … وأصبح فقط موضوعًا للروايات والأفلام.

ومن بين كل الذين عملوا مع «آل كابوني»، ظلَّ «واتكر» وفيًّا للرجل، بعد أن أصبح بلا سطوةٍ ولا قوة … وظلَّ يُرسل له مبالغ ضخمة يعيش عليها حتى مات … وسيطر «واتكر» على كل شيءٍ بعد سجن «آل كابوني»، وتمت عمليات تصفية متصلة لكلِّ من عارَضه، حتى استتبَّ له الأمر …

كان «أحمد» يقرأ الملف وقد استغرق في التفكير … إنَّ «واتكر» الآن في نحو السبعين من عمره … فكيف يظل يعمل في العالم السُّفلي في مثل هذه السن … وأخذ يُقلِّب الصور …

كانت أحدث الصور لِرجلٍ أنيق يلبس بذلةً رائعة … ويضع على رقبته ملفحةً بيضاء، له شارب مُتهدِّل على جانبَي فمه … ورغم سني عمره السبعين فقد كان شعره غزيرًا، ومصفوفًا بعناية …

وتابع القراءة …

وكعادةِ زعماء العِصابات … فإنَّ «واتكر» يختفي وراء عمل محترم جدًّا … هو شركةٌ ضخمةٌ للمقاولات المعمارية، تبني في جميع أنحاء العالم مشاريع بالملايين … ومثل كلِّ زعماء العصابات في عالم الجريمة المنظمة، كان «واتكر» بعيدًا عن العمليات القذرة التي يُنفِّذها أعوانه.

وقلَّب «أحمد» في الصورة مرة أخرى، ثم مضى يقرأ: وقد كان «واتكر» من أوائل المؤسسين لمنظمة «سادة العالم»، وقد انضم إليه في البداية بعض زعماء العصابات في الولايات المتحدة … ثم انضم عددٌ آخرُ من بقية الدول … ولكن في الانتخابات السرية، التي تم فيها اختيار رئيس المنظمة كانت المفاجأة …

فإنَّ «واتكر» لم يحصل إلا على ثلاثة أصواتٍ من تسعةٍ … ولم يكن في إمكانه أن يتمرد … فقد كان من شروط الانضمام للمنظمة … الإدلاء بكافة البيانات … عن العصابة التي ينضم إليها … وكان معنى تمرُّده أن تتمكن المنظمة من تصفيته.

ورغم هذا ظلَّ «واتكر» يحلُم بقيادة المنظمة التي كان أول مَن فكَّر فيها …

ولكن الأيام مضت دون أن يُحقِّق أمنيته، حتى هذا العام الذي مات فيه آخر من تولَّى قيادة المنظمة.

وحاول «واتكر»، ولكن «جيمي مانسيني» المُلقَّب ﺑ «القط» استطاع أن يقفز إلى الكرسي … وهكذا ضاعت آخر فرصة أمام «واتكر»، فلم يَعُد في إمكانه تصفية الزعيم الجديد … بالإضافة إلى أنَّه عجوز ومعروف.

كانت هذه المعلومات مثيرة للغاية …

ومضى «أحمد» يقرأ: إنَّ «واتكر» الآن يعيش مُتنقِّلًا بين أفريقيا، وأوروبا، وبعض الدول الأفريقية، حيث يرعى أعمال شركته، ولكنَّ مقرَّه الرئيسيَّ كأغلب زعماء العِصابات الأمريكية يقع في «كاليفورنيا»، حيث يعيش في قصر فاخر شمال «لوس أنجلوس» …

وهو يحيط نفسه بعددٍ من الرجال الأقوياء، من يراهم يعتقد أنهم من رجال الأعمال … ولكنَّهم يُخفون وراء مظهرهم المُهذَّب … نفوسًا شرسة … وقسوةً لا مثيل لها.

انتهى الملف …

ولم يبقَ سوى بضع وريقات عن أهم الأعمال التي قام بها «واتكر»، قبل أن يتحول مظهريًّا إلى رجل أعمال نظيف اليدين.

استلقى «أحمد» على فِراشِه مُفكرًا، وطلبَ كوبًا من عصير الليمون المُثلَّج … وبعد دقائق من التفكير العميق، رفع سماعة التليفون الداخليِّ في غرفته، وطلب الحديث إلى رقم «صفر»، الذي ردَّ عليه على الفور.

قال «أحمد»: لقد انتهيت من قراءة ملف «واتكر»، وأعتقد أن البداية الصحيحة ستكون عن طريق هذا الرجل … لقد عاش حياته كلها يحلُم بالسيطرة والنفوذ، وقد استطاع أن يرثَ إمبراطورية الإجرام في «شيكاغو» … ولكن حُلم قيادة مُنظَّمة «سادة العالم» لم يفارقه منذ إنشائها … لهذا أعتقد أننا ببعض المناورات يمكن أن نُوقِع بينه وبين «جيمي مانسيني»، الزعيم الجديد للمنظمة.

رقم «صفر»: إنَّني موافق على البداية … ومن السهل تحديد مكان «واتكر»، ولكن من الصعب الدخول إلى عالمه المغلق.

أحمد: أرجو أن تضعني في المجموعة التي ستبحث عن «واتكر»، وإذا كان معي «عثمان» و«بو عمير» فإنَّنا نستطيع أن نُحقِّق شيئًا.

رقم «صفر»: لقد فضَّلت أن يذهب «عثمان» و«بو عمير» في المجموعة التي تبحث عن الشاطئ الخصوصي.

أحمد: في هذه الحالة، فإنني آخذ رقم «١١» (قيس) ورقم «١٣» (رشيد).

رقم «صفر»: ستذهب الفتيات لبحث موضوع الدرفيل … وستكون المجموعات الثلاث كلها حول «كاليفورنيا»، وسيكون مَقرُّ قيادتكم في «سان دييجو» على حدود «كاليفورنيا» مع المكسيك، وهي تُطل على المحيط الأطلسي جنوب «لوس أنجلوس».

أحمد: شكرًا لك يا سيدي.

رقم «صفر»: عليك بالاتصال ﺑ «قيس» و«رشيد» … إنَّ أمامنا عشرة أيامٍ قبل أن ينتقل «مانسيني» إلى قلعته الحصينة، ويصبح من الصعب الوصول إليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤