مرحلة التسخين

أمسكت «کلانيا» بالورقة بين أصابعها لحظات، وقد بدت عليها الحيرة … كان واضحًا أنها لا تعرف «مانسيني» … وبالتالي، لا تعرف العالم الخفي، الذي يعيش فيه أبوها «واتكر».

وأحسَّ «أحمد» بالإشفاق عليها وقال: ما هي الحكاية؟

ردَّت «کلانيا»: لا أعرف … إنها رسالة مُوجَّهة إلى أبي من شخصٍ ما، يُحذِّره من شخصٍ يُدعى «مانسيني» … إن أبي رجل أعمال محترم وليس له أعداء … فلماذا يسعى «مانسيني» هذا للقضاء عليه؟!

أحمد: سلمي الرسالة إلى أبيكِ … لعلَّه يعرف ما هي الحكاية.

وسارا معًا … كان «أحمد» حريصًا على أن يرى ردود فعل «واتكر» أمام الرسالة … وعندما عثرا عليه، كان يقف مع بعض المدعوين يضحك … وأشارت إليه «کلانيا» … فأقبل عليهما قائلًا: أين أنتما؟

ردَّت «کلانيا»: كنت في نهاية القارب.

ومدَّت يدها في هدوءٍ إليه بالورقة … أمسكها لحظات دون أن يفتحها، ثم فتحها ونظر إليها … والشيء المدهش أن وجهَه ظلَّ جامدًا، لا يُنبئ بما يجيش بنفسه … ثم ابتسم في هدوء، وطبَّق الورقة وألقاها في البحر …

كانت مفاجأة ﻟ «أحمد» أن يحدث هذا … بل إن «واتكر» صاح بالمدعوين: عندي مفاجأة لكم … فهناك مسابقة لصيد السمك جائزتها الأولى ساعة ذهبية … وهدايا أخرى …

وبسرعة وزعت أدوات الصيد على المدعوين … وانهمك الجميع في إلقاء الصنانير إلى المياه، ولكن «أحمد» ظلَّ يراقب «واتكر» … من بعيد … ووجده يختفي فجأةً من بين المدعوِّين.

أشار «أحمد» إلى «قيس» و«رشيد» فاتجها إلى حافة القارب.

وقال «أحمد»: يجب أن نراقب «واتكر». إنني أسعى للإيقاع بينه وبين «مانسيني»، والقضاء على أحدهما مكسب لنا … ومن الأفضل أن نساعد «واتكر».

وتَفرَّق الثلاثة في أنحاء القارب يبحثون عن «واتكر» … ونزل «قيس» إلى جوف القارب، وأخذ يتجوَّل بين الكبائن كأنه يتفرج، واستطاع أن يلتقط صوت «واتكر» يتحدث … واتجه إلى مصدر الصوت … كان في أحد صالونات السفينة، وكان «واتكر» يتحدث بغضبٍ شديد: لقد طلبت مرارًا متابعة «مانسيني». لقد استولى على منظمة «سادة العالم»، ولن يهدأ له بال إلا بالقضاء عليَّ، إنني الوحيد الذي أعرف مَن هو «مانسيني» …

ردَّ صوت: لقد قلت لك إنه سيغير مكان قيادة المنظمة فلم تُصدِّقني …

واتكر: معك حق … والمهم الآن العثور على «عش النسر» هذا!

صوت آخر: لقد فهمت من أحد رجالنا أن بعض رجال «مانسيني» اتجهوا جنوبًا … عدد كبير منهم … كما أن السيارات المصفحة كلها قد اختفت من مقر المنظمة.

واتكر: جنوبًا، إلى أين؟

الصوت: إلى طرف «خليج كاليفورنيا».

واتكر: إنه مكان مثاليٌّ لإنشاء مقرٍّ جديد للمنظمة.

الصوت: إن اقتحام المقر عن طريق البحر مستحيل … فسوف يضعون الأسلاك الشائكة، والمدافع الرشاشة … الحل الوحيد هو الهجوم من البحر.

واتكر: اطلب «مانسيني» تليفونيًّا.

ثم ساد الصمت لحظات … وشاهد «قيس» رجلًا يتقدم من الصالون، فترك مكانه وسار في الاتجاه العكسي، ثم صعِد إلى السطح … وهناك وجد «أحمد» واقفًا مع «کلانيا» يتحدثان، فوقف بعيدًا، بحيث يراه «أحمد» فقط.

وتحرك «أحمد» ناحيته، بعد أن اعتذر ﻟ «كالانيا» … وروى «قيس» ﻟ «أحمد» ما سمعه … فابتسم قائلًا: ربما نكون قد وضعنا الخطة الصحيحة.

وفي هذه اللحظة استدارت السفينة وغيَّرت اتجاهها بشكل ملفت للنظر، وكان الاتجاه شمالًا … وظهر «واتكر» ومعه بعض رجاله، وتحدَّث في الميكروفون قائلًا: إنني أعتذر إليكم أيها السيدات والسادة، فعندي موعدٌ هامٌّ، لا بدَّ أن أذهب إليه الآن … فأرجو أن تستمروا في استمتاعكم بالرحلة.

وعلى الفور، اتجه «واتكر» ورجلان من رجاله، إلى حيث كانت تقف طائرة «هليوكبتر»، أدارت مروحتها، ثم انطلقت بمجرد صعودهم إليها.

قال «أحمد»: من الواضح أن الأحداث تتحرك بسرعة … إن «واتكر» لم ينتظر عودة السفينة إلى الشاطئ … يبدو أن اتصالاته أكدت أن «مانسيني» قد أتمَّ استعداده للانقضاض عليه.

قيس: وماذا سنفعل؟

أحمد: ليس أمامنا إلا الانتظار، لحين عودة السفينة إلى الشاطئ … إن أي تصرف آخر سوف يلفت إلينا الأنظار.

عاد «أحمد» للحديث إلى «کلانيا»، التي بدت مضطربة بعض الشيء، بعد الأحداث الأخيرة، بينما اتجه «قيس» إلى كابينته، حيث أخرج جهازًا لاسلكيًّا دقيقًا، وقام بالاتصال ببقية الشياطين وشرح لهم الموقف.

قال «خالد»: لقد كُنَّا نستعد للاتجاه جنوبًا ناحية «عش النسر».

قيس: من الأفضل انتظار نتيجة الصراع بين «واتكر» و«مانسيني»، لعلَّ هذه المغامرة تنتهي بقضاء أحدهما على الآخر، ودون التدخل من جانبنا.

قامت «کلانيا» بدور المضيف بعد غياب أبيها … بينما انهمك الشياطين الثلاثة في صيد السمك … كان «رشيد» صيادًا ماهرًا، واستطاع أن يصطاد أضخم سمكة من نوع «براكودا»، المنتشر في هذه المياه … وفي المساء أُقيمَ احتفال ضخم، تسلَّم فيه «رشيد» الساعة الذهبية بين تصفيق الحاضرين … عندما هبطت أول خيوط الظلام، كانت السفينة «كلانيا» تُلقي بمراسيها على الشاطئ …

أسرع الشياطين بسياراتهم إلى مقرِّهم في «سان دييجو» حيث عقد اجتماع لمناقشة الموقف … وكان رأي الأغلبية أن «مانسيني» قادر على القضاء على «واتكر»، وأنَّ الصِّدام بينه وبين «مانسيني» من الأفضل أن يبدأ فورًا، وهو مشغول بصراعه مع «واتكر» …

وتقرر أن ينقسم الشياطين إلى ثلاثة أقسام … ثلاثة يبقون في المقرِّ، حتى لا يلفت غيابهم جميعًا الأنظار … وخمسة يتجهون للبحث عن مكان «عش النسر» برًّا … وخمسة يذهبون بحرًا، على أن يتم الاتصال بين فرقتَي الهجوم باستمرار للتنسيق، في حالة وجوب القيام بهجوم مشترك.

وسرعان ما انشغل الجميع بإعداد الأسلحة، والمهمات اللازمة لمثل هذه المغامرة الخطيرة … فحملوا: الأسلحة الخفيفة، والثقيلة، والقنابل اليدوية، والألغام. واستعدت مجموعة الخمسة التي ستهاجم بحرًا بملابس بحرية.

وبدأ الجميع رحلتهم في الثامنة تمامًا، بعد أن غطَّى الظلام المنطقة … فانطلقت سيارتان من طراز «مرسيدس ٥٠٠». أما فرقة البحر فاتجهت إلى الشاطئ، حيث كان أحد عملاء رقم «صفر» قد أعدَّ لهم قاربًا مسلحًا سريعًا.

كان «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» و«قيس» و«رشيد» يمثلون المجموعة البحرية … وعندما قاد «أحمد» القارب السريع عبر المياه، اجتمعوا كلهم حوله يتحدثون عن الصِّدام القادم … بينما كان «أحمد» مستغرق في تفكير عميق … كان يتذكر التجهيزات المُعدَّة في «عش النسر»، ويضع خُطته وتصوراته للتغلب عليها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤