رئيس العصابة

تقدم رجال الشرطة بحذر من الفيلا وقد أعدوا أسلحتهم، وكانت الفيلا صامتة وليس هناك حركة تدل على وجود حياة داخلها، وأخذت الدائرة تضيق وتضيق حتى دقَّ المفتش «سامي» الباب بيده قائلًا: افتحوا باسم القانون ولكن أحدًا لم يرد … كرر الطرق والنداء … ولكن أحدًا لم يرد … فأشار إلى رجاله أن يقتحموا الباب … وفعلًا استطاعوا كسر لباب ودخل الجميع ولكن المفاجأة أن الفيلا كانت خالية … لا أثر فيها لإنسان ولا لمسروقات … كأنها لم تسكن من قبل أبدًا …

قال المفتش «سامي»: هل أنت متأكد يا «تختخ» أن هذا هو المكان …؟

تختخ: بالطبع يا سيادة المفتش … هذا هو المكان الذي كنت فيه أمس …

المفتش: شيء مدهش … كأنما انشقت الأرض وابتلعت كل شيء.

كان «تختخ» يشعر بالخجل مُضاعَفًا أمام كل هؤلاء الرجال الذين سهروا طوال الليل لتنفيذ فكرته، ثم اقتحموا الباب للقبض على العصابة فلم يجدوا شيئًا … وأخيرًا قال بصوت متردد: هناك شيء واحد أريد أن أفعله.

قال المفتش بصوت يائس: ما هو؟

تختخ: أريد زيارة «أبو الدهب» مرةً أخرى، إنه أقرب واحد من الضحايا إلينا الآن، فهو يسكن في الزمالك.

انطلقت السيارات مرة أخرى في الطريق إلى «الزمالك» ولم يكن المشوار بعيدًا بين «الزمالك» و«ميت عقبة».

وصعد «تختخ» والمفتش «سامي» إلى حيث يسكن «أبو الدهب» الذي استقبلهم وكله أمل في أن يكونوا قد استردُّوا ما سُرق منه وكانت صحته قد تحسنت إلى حد يمكنه من الحديث إليهم فترة طويلة.

قال «تختخ» معتذرًا: آسف لأنني أزعجك مرة أخرى، ولكن هل يمكن أن تتذكر من الذي سرق محلك في المرة الأولى؟

أبو الدهب: أذكُرُه طبعًا … إنه فتوة شارعنا كابوريا …

تختخ: كابوريا؟

أبو الدهب: كابوريا …

تختخ: لقد استبعدناه من التُّهمة تمامًا واعتبرناه بريئًا مما حدث!

أبو الدهب: لقد كان أقوى رجل في شارعنا … وكنا جميعًا نخافه، ولكن سمعته ضاعت تمامًا، عندما سرَق محلي الأول، وقبضت الشرطة عليه … كانت الأدلة كلها ضده، وشهد كثير منا أنه رآه ليلًا في الشارع قرب المحل … وكان وكيل النيابة الأستاذ «عثمان غنيمي» شابًّا نابهًا استطاع أن يُثبِت التهمة عليه، فحكم عليه بالسجن عشر أعوام.

قال «تختخ» في لهجة جادة: يا سيادة المفتش إن زعيم العصابة لغز اﻟ «٩» هو «كابوريا» نفسه …

المفتش: هل هذا معقول؟ …

تختخ: طبعًا … إنه الرجل المنتقم … إنه ينتقم لكرامته وهو في السجن … لقد استطاع أن يُقنِع عددًا من اللصوص الذين يخرجون قبله بتكوين هذه العصابة لينتقم من كل الذين اشتركوا في سجنه … الشهود … والمحامي … ووكيل النيابة … والقاضي … وهو بعيد في الوقت نفسه عن الشبهات.

المفتش: فعلًا … فالذي سُرقَ أمس هو القاضي «أحمد علي» …

أبو الدهب: إنه القاضي نفسه الذي حكم على «كابوريا» بالسجن …

المفتش: لقد وضح كل شيء … والمهم الآن أن «كابوريا» كان سيخرج من السجن هذه الأيام … ولعله خرج اليوم.

تختخ: في هذه الحالة سنجدُه غالبًا في الشارع الذي عاش فيه طول عمره في المعادي … إنه سيخرج من السجن إلى هناك ليؤكِّد أنه سيعود إلى سلطانه من جديد، إنه رجل شرير، ولم يقنعه السجن أن يَترُك أفكاره الشريرة ويسير في طريق الخير.

كان كل شيء يسير كما قاله «تختخ» بالضبط، لقد وجدوا «كابوريا» هناك في الشارع يرتدي ملابس فاخرة، ولم يُقاوِم المفتش عندما ألقى القبض عليه … وكان المفتش بارعًا، فقال ﻟ «كابوريا» إنه قبض على بقية العصابة واعترفوا بكل شيء، وكان البلطجي الشرِّير ينظر إلى المفتش في تحدٍّ وهو يقول: على كل حال سوف لا يهزمني أحد، وكما كوَّنت هذه العصابة في السجن، سوف أُكوِّن عصابة أخرى ولن يستطيع أحد أن يمنعني.

وعن طريق «كابوريا» تم القبض على بقية عصابة لغز اﻟ «٩»، وكان بينهم الأخرس و«ذو النظارة السوداء»، واستطاع رجال الشرطة أن يُعيدوا المسروقات إلى أصحابها … وعرفوا أن خطاب التهديد أرسله «ذو النظارة السوداء» الذي كان مُكلَّفًا من العصابة بمراقبتهم.

وكان يومًا مبهجًا ﻟ «مؤنس» مثل اليوم الأول الذي بدأت به هذه المغامرة عندما أهدى إليه الأصدقاء بعض ملابسهم. لقد عادت أموال والده إليه، وأصبح في إمكانه أن يستعيد مكانته …

وعندما دعا المفتش الأصدقاء على الشاي كما تعود أن يفعل دائمًا عند نهاية كل لغز قال المفتش: لقد حللتم اللغز بطريقة بارعة، ولكن مفتاح اللغز كان أمامكم دائمًا، وهو سؤال كلٍّ من المجني عليهم مَنْ من المُشتبه فيهم كان له صلة به، فعن طريق الإجابة عن هذا السؤال كان يمكن تحديد اللص أو اللصوص من البداية …

قال «تختخ»: معك حق يا حضرة المفتش ولكن … أولًا يجب أن نعترف أن هناك أشياء بسيطة جدًّا في الألغاز لا يَلتفِت إليها أحدٌ … وتكون هي مفتاح اللغز، لقد كنت أحسُّ من البداية أن هناك شيئًا مشتركًا بين هؤلاء الضحايا الذين سُرقت نقودهم أو أشياؤهم الثمينة … ولكن هذا السؤال السهل لم يَخطُر ببالي، خاصة وأن الحاج «إبراهيم» لم يتذكَّر علاقته ببقية الضحايا … ثم انشغلنا في مطاردة «القرد» النشال …

المفتش: وثانيًا يا «تختخ»؟

تختخ: ثانيًا يا حضرة المفتش اتضح أن رجال الشرطة أيضًا لم يَلتفتُوا إلى هذه النقطة … وإلا لحلُّوا اللغز قبلنا!

ضحك «المفتش» طويلًا ثم قال: معك حق أيها المخبر الممتاز … إن الإنسان قد لا يرى الشيء الذي أمامه … وذلك ما يجعل الحياة تبدو أحيانًا مثيرة وغامضة.

قال «تختخ»: وهذا ما يجعلها جميلة أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤