«٩/٥»

اجتمع المغامرون الخمسة في صباح اليوم التالي، وأخذوا يناقشون سلسلة الجرائم التي اتفقوا على تسميتها لغز «٩» لأنه الرقم الثابت، أو المقام الثابت كما قال «تختخ» في سلسلة الجرائم الغريبة.

قال «محب» المشكلة أننا لا نجد حتى قاسمًا مشتركًا بين هذه الجرائم؛ فهناك مثلًا عصابة تَسرق الجواهر فقط، وعصابة أخرى تسرق النقود فقط، أو السيارات، أي أن تكون العصابة متخصِّصة في نوع معين من السرقات، ولكن هذه العصابة أو هذا اللص يَحرِق ويَسرِق كل شيء، أليس هذا مُدهِشًا؟

عاطف: أكثر من هذا أن المجني عليهم لا تَربطُهم أي صلة؛ فهم مثلًا ليسوا تجارًا فقط، أو موظَّفين؛ فهناك تاجر، ومحامٍ، وقاضٍ، وصرَّاف. وكلٌّ منهم له مِهنة مختلفة، ولا تربطهم أية صلة … وهذا شيء يدعو للحيرة الشديدة.

لوزة: إنني أعتقد أن مفتاح اللغز هو الأرقام.

تختخ: كل شيء ممكن، المهم الآن، أنني وعدتُ المفتش «سامي» أن يتدخَّل المُغامِرُون الخمسة لكشف سرِّ هذه الجرائم، فهل أنتم على استعداد؟

رد المغامرون في صوت واحد: نعم نحن مُستعدُّون.

حتى «زنجر» الذي حضر هذه الجلسة أطلق نباحًا عاليًا، كأنما يقول: وأنا أيضًا.

تختخ: ولكن ما هي أفكاركم؟ كيف نبدأ؟ أو من أين نبدأ البحث وليس عندنا دليل واحد يُمكِن الاعتماد عليه، أو السير على هداه.

محب: لا بدَّ أن يظهر شيء جديد في وقت قريب فلا يُمكِن أن تكون هناك سلسلة جرائم كاملة.

لم يكد «محب» يُفرغ من جملته حتى دقَّ جرس التليفون، فأسرعت «نوسة» إلى الرد، وكان المتحدِّث هو المفتش «سامي» الذي طلب محادثة «تختخ»، أسرع «تختخ» إلى التليفون، حيث تحدَّث إلى المفتش، وعندما عاد كان يبدو أنه في حالة ذهول.

أخذ الأصدقاء يَنظُرون إليه في انتظار أن يتحدَّث، ولكنه ظلَّ ينظر إليهم دقائق طويلة قبل أن يقول: لقد وقعَتِ الجريمة الخامسة … هذه المرة في مدينة «بنها» وهل تعرفون من المجني عليه؟

لم يَرُد الأصدقاء، فاستمرَّ «تختخ» في حديثه قائلًا: إنه الأستاذ «عثمان غنيمي» رئيس نيابة بنها! لقد نزل مع أسرته لقضاء السهرة في القاهرة، وعندما عاد وجد شقتَه قد سرقت وقد ترك الجناة رقم «٥ / ٩» في مكان السرقة.

قالت «لوزة» بفزع: رئيس نيابة! إنها عصابة خطيرة حقًّا؛ فهي لا تَخشى أحدًا حتى رؤساء النيابة … إننا نُواجِه مُجرمين من نوع خطير.

عاطف: فعلًا.

تختخ: المشكلة أن بعض الجرائم تقع خارج المعادي بعيدًا عن مُتناول أيدينا وعن تحرياتنا، فلا نستطيع أن نبحث عن أدلة، كما حدث في الألغاز السابقة.

نوسة: على كل حال، سوف نقوم بواجبنا، وعلينا أن نبدأ من اليوم في مقابلة المجني عليهم؛ فقد يكون عندهم آراء أو استنتاجات حول هذه الجرائم التي قد يكون وراءها أسباب مُشتركة.

وانصرف الأصدقاء للقاء الأستاذ «كريم» وبقيَ «تختخ» في البيت وقد قرر أن يتَّصل بصديقِه «مؤنس» ويطلب منه أن يُهيِّئ له مقابلة مع والده، فقد يستطيع أن يستنتج شيئًا من حديثه معه، ولحسنِ الحظ كان الحاج «إبراهيم» والد «مؤنس» موجودًا بمنزله فأسرع «تختخ» إلى دراجته واتجه رأسًا إلى منزل الحاج.

وبعد أن تبادَلا التحية جلس «تختخ» يسأل الحاج في احترام: أرجو ألا أُضايقك بالسؤال عن الحريق.

الحاج: أبدًا … هذا قضاء الله، وأنا على ثقة أن رجال الشرطة سوف يصلُون إلى الفاعل … وعلى كل حال، لقد استطعتُ أن أستدين بعد المال وأبدأ العمل مرة أخرى … والله معي.

تختخ: ألا تَشتبه في شخص ما يُمكن أن يرتكب هذه الجريمة يا حاج؟

الحاج: لا … فعلاقتي بكل الناس طيبة.

تختخ: أليس لك أعداء؟

الحاج: أعوذ بالله … ولماذا يُعاديني الناس … إنني أعرف الله جيدًا وأعامل الناس خير معاملة.

تختخ: أليس في الماضي شيء …؟

الحاج: لا يا ولدي، لا في الماضي ولا في الحاضر، فأنا رجل مسالم، ولا أُوذي أحدًا.

تختخ: لقد وقعَت سرقتان قبل الحريق الذي شبَّ في محلِّك من نفس العصابة في الغالب، وكانت الضحية الأولى قاضيًا يدعى «عشماوي» والثانية صرافًا يدعى «منصور» فهل تعرفهما؟

الحاج: لقد قابلتُ في حياتي أشخاصًا كثيرين بهذا الاسم، منهم بعض أقاربي، ولكني لا أذكر قاضيًا باسم «عشماوي» ولا صرَّافًا باسم «منصور»، لقد كنتُ أعرف شخصًا يُدعى «عشماوي» منذ فترة طويلة، ولكنه كان مُحاميًا ولم يكن قاضيًا، وكنت أعرف شخصًا يدعى «منصور» ولكنه كان ما زال طالبًا في الجامعة، ولا أذكر أيَّة كلية، ولكن ليس بين معارفي قاضٍ بهذا الاسم، ولا صراف بهذا الاسم.

تختخ: ألا تذكر الأسماء الكاملة لهما؟

الحاج: لا … فقد كان ذلك منذ عشرة أو اثني عشر عامًا، وهناك زبائن لي كثيرون لا أعرف إلا أسماءهم الأولى أو الأخيرة، ولكني لا أذكر الأسماء الكاملة.

تختخ: شكرًا يا حاج، وإن كنت أظن أن جميع ضحايا هذه العصابة بينهم علاقة مشتركة، ولا بد أن رابطة ما تَربطكم جميعًا.

عاد «تختخ» إلى منزله، وقد بدأ اللغز يصبح في نظره أكثر صعوبة، وبقيَ في انتظار الأصدقاء فترة، وعندما عادوا لم يكونوا قد حصَلُوا على أية معلومات جديدة؛ فقد سافر الأستاذ «كريم» الذين ذهبُوا لمقابلته.

وفي اليوم الثاني نشرت الجرائد قصَّة العصابة بالخطوط العريضة، وأخذت تتحدث عن عدم قدرة رجال الشرطة على الوقوف في وجه العصابة.

ولم تكدْ هذه الموضوعات تُنشَر في الجرائد حتى بدأت موجة من البلاغات إلى رجال الشرطة عن سرقات مُماثلة؛ فقد أخذت البطاقات تظهر هنا وهناك، وبدا أن كل اللصوص بدءوا يستعملون فكرة البطاقة حتى يُثيروا الاضطراب في التحقيقات وجمع الأدلة.

وهكذا اتصل «تختخ» مرة أخرى بالمفتش «سامي» الذي أكَّد له أن السرقات الجديدة لا علاقة لها بسلسلة الجرائم التي ارتكبتْها عصابة لغز «٩»؛ لأن الأسلوب مختلف، والبطاقات ليست من النوع نفسه.

ثم حدثت جريمة أخرى في المعادي … حادث سرقة ترك فيه اللص بطاقة رقم «٦ / ٩». وأسرع المُغامِرون الخمسة إلى المكان، ولكنهم وجدوا الشاويش «فرقع» هناك وقد شمَّر عن ساعديه ليقبض على اللص، وكشَّر عن أنيابه حتى لا يتدخلُوا في عمله.

قال الشاويش عندما رآهم: فرقعوا من هنا … لا تُعطلُوني … وجدت بصمات اللص، وسوف أقبض عليه خلال ٢٤ ساعة، فابعدوا عني.

وبدأ الأصدقاء في الانصراف، ولكن الشاويش «فرقع» راجع نفسه لحظة ثم أسرع خلفهم قائلًا: لا مانع من أن أجيب عن أسئلتكم.

تختخ: إنه ليس سؤالًا يا حضرة الشاويش، إنني فقط أريد الاطلاع على البطاقة التي وجدتها في مكان الحادث، فقد فاتَكَ أن ترى البطاقات السابقة أما أنا فرأيت اثنتَين منها.

مد الشاويش يده في جيبه، فأخرج دفتر مذكِّراته، ثم أخرج منه بطاقة بيضاء ناولها ﻟ «تختخ» الذي أمسكها بين أصابعه ثم نظر إليها بإمعان شديد، وقلبَها على ظهرها، ثم أعادها للشاويش قائلًا: هذا ما كنتُ أخشاه … هذه البطاقة لا تَتبع عصابة لغز «٩»، إنها بطاقة مُقلَّدة، أو على سبيل الفُكاهة … فهي بطاقة مزوَّرة.

الشاويش ثائرًا: إنني لا أصدقك … فأنت تُريد أن تُبعدني عن حلِّ اللغز حتى تحلُّوه أنتم قبلي كالمعتاد.

تختخ: إنك حرٌّ في أن تُصدِّقني … أو لا تُصدقني … ولكني قلت لك الحقيقة.

وعندما أصبح الأصدقاء في الطريق قال «تختخ» للأصدقاء: غدًا سوف أذهب إلى «بنها» لزيارة رئيس النيابة الذي سُرقَ بيته، وسوف آخذ «محب» معي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤