أين «تختخ»

مثلما كان هذا اليوم مُثيرًا ﻟ «تختخ» كان مثيرًا لبقية الأصدقاء المغامرين؛ فقد ذهبوا إلى منزل الحاج «إبراهيم» وقابلوا «مؤنس» ابنه الذي كان مهتمًّا مثلهم بالكشف عن لغز العصابة التي يعتقد أنها سرقت أموال أبيه، ثم أحرقت المحل، حتى يبدو الحريق وكأنه قضى على كل شيء.

قال «محب» ﻟ «مؤنس»: إن «تختخ» يعتقد أنه هناك صلةً بين جميع المجني عليهم في حوادث السرقة، ونُريد أن نسأل والدك إذا كان له صلة بالأستاذ «عثمان» وكيل النيابة، والأستاذ «كريم»، والصائغ «أبو الدهب»، وهم الذين وقعت عليهم الحوادث الأخيرة.

مؤنس: إن والدي في القاهرة، ولكن والدتي لها ذاكرة قوية، وسوف أستأذنها في مقابلتكم، وعليكم أن تُوجِّهُوا إليها ما تشاءون من الأسئلة.

بعد لحظات أقبلت السيدة، تُضيء وجهَها ابتسامةُ ترحيب، فسلمت على الأصدقاء الذين أحسوا نحوها بالحب، وقالت «نوسة»: أرجو ألا نُزعجك بالحديث عن ذكرياتك.

السيدة: على العكس إنكم تُسعدونني جدًّا. إن حديث الذكريات هو أحسن حديث … ومَن مِنا لا يحب ذكريات شبابه، وأيام صباه وطفولته … وعندما تَكبُرون في السن، سوف تكون أيامكم هذه خير مادة لأحاديثكم.

محب: إنَّنا نُريد أن نسألك … هل تتذكَّرين أشخاصًا كانوا أصدقاء لكم منذ عشر سنوات أو أكثر؟

ابتسمت «السيدة» وقالت: بل أتذكَّر أشخاصًا قابلتهم منذ ثلاثين سنة، ولعل «مؤنس» قال لكم إن ذاكرتي قوية جدًّا.

محب: هل تَذكُرين الأستاذ «كريم»؟

السيدة: طبعًا … كانت زوجته صديقة لي.

محب: والأستاذ «عثمان غنيمي» الذي كان وكيلًا لنيابة حلوان؟

السيدة: أسمع عنه فقط؛ فهو الذي كان مسئولًا عن المعادي، منذ نحو عشر سنوات، وكان يسكن في المعادي.

عاطف: شكرًا لك … لقد ساعدتْنا ذاكرتُك كثيرًا … وسوف نحكي لك كل شيء عندما نحل الألغاز التي أحاطت بالسرقات الأخيرة.

السيدة: إن الله يساعد كل من يحاول الخير.

وغادر الأصدقاء المكان، وقد أحسُّوا أنهم وصلوا إلى بداية الطريق لحل اللغز … لقد ثبتت فكرة «تختخ»، وكان تقريبًا كل الضحايا جيرانًا في يوم من الأيام، ولا بدَّ أن هذه الصلة هي التي تربط بين الحوادث كلها.

اتجه الأصدقاء جميعًا إلى حديقة «عاطف» حيث اعتادوا أن يجتمعوا في غياب «تختخ» وأخذوا يتناقشون فيما وصلوا إليه من معلومات واستنتاجات.

قالت «لوزة»: لقد ثبت أن نظرة «تختخ» صحيحة، وعندما يعلم بهذا سوف يسعد جدًّا، ولعله يكمل فكرته، ويتمكَّن من حل اللغز.

عاطف: إذا كانت هذه الحوادث حوادث انتقام كما يُفكِّر «تختخ» فمن هذا الذي يريد أن ينتقم من هؤلاء جميعًا؟

نوسة: لو استطعنا الإجابة عن هذا السؤال لحللنا اللغز.

لوزة: وهل هو واحد من الثلاثة المشتبَه فيهم؟ أي «حنفي» قاطع الطريق أو «القرد» النشال، أو «وكمونة» اللص؟ إذا استبعدنا «كورة» المختلس لأنه مات في السجن، و«كابوريا» الفتوة لأنه ما زال سجينًا حتى الآن؟

محب: من المؤكَّد أنه واحد منهم؛ فمن الذي يجرؤ على سرقة منزل رئيس نيابة، إلا إذا كان بقصد الانتقام … إن الانتقام عاطفة شريرة طائشة يمكن أن تذهب بالإنسان إلى أي طريق … ولا بد أن اللص رجل حقق معه وكيل النيابة وترافَعَ ضدَّه في المحكمة حتى أرسله إلى السجن، ولأنه رجل شرير، فقد قرَّر الانتقام.

نوسة: ولكن معنى هذا أن يتحوَّل جميع الذين يدخلون السجن إلى مُنتقِمين … يخرجون من السجن للانتقام من وكلاء النيابة.

محب: لا طبعًا … ولكن هذا يَصدُق في حالة واحدة، إذا كان اللص مجرمًا وشريرًا ويريد أن يُثبِت لنفسه أنه أقوى حتى من القانون، ومن مُمثلي القانون.

لوزة: ولكن إذا كان قصد اللص أن يَنتقِم من رئيس النيابة … فلماذا يرتكب بقية الجرائم؟

عاطف: هناك إجابتان … الأولى أن يكون راغبًا في خداع رجال الشرطة، فلا يعرفون أنه يقصد رئيس النيابة بالذات حتى لا يُكتشَفَ أمره … والثاني أن الباقين اشتركوا مع وكيل النيابة في إرساله إلى السجن … كأن يكونوا قد شهدوا ضده مثلًا.

لوزة: هذا كلام مقنع جدًّا، ولو علم به «تختخ» لعرف من هو اللص أو رئيس العصابة. نظر «محب» إلى ساعته ثم قال: لقد انقضَت ساعتان منذ غادَرَنا «تختخ» وهي مدة كافية جدًّا للذهاب إلى القاهرة والعودة منها … إلا إذا كان النشال قد أوقعه في فخ … أو حدث شيء خطير.

لوزة: نرجو ألا يكون قد حدث شيء من هذا، وأن يكون قد ذهب لزيارة المفتش «سامي» ليُناقِش معه المسألة وتأخَّر هناك.

محب: من الممكن معرفة الحقيقة إذا اتصلنا بالمفتش «سامي» تليفونيًّا وسألناه.

لوزة: سوف أتصل به أنا؛ فإنني أحب سماع صوته.

أسرعت «لوزة» إلى التليفون، واتَّصلَت بالمفتش قائلة: لقد ذهب «تختخ» إلى القاهرة منذ ساعتين تقريبًا وقد تأخَّر في العودة، فهل هل هو عندك؟

المفتش: لا … لم يأتِ … هل ذهب وحده؟

لوزة: نعم، وكان يُطارِد «القرد» النشَّال!

المفتش: ألم أطلب منكم ألا يتحرَّك أحد منكم وحده؟

لوزة: معك حق … ولقد اختفى الرجل «ذو النظارة السوداء» الذي أرسلته لحمايتنا ولعله الآن يُراقب «تختخ».

صاح «المفتش» في دهشة: «ذو النظارة» …؟ أي نظارة؟ إنني لم أرسل أي شخص بعد الشرطي السري الذي قبَض عليه الشاويش «علي» بغباء؛ فقد شغلني العمل عن إرسال رجل آخر.

أحست «لوزة» بالذعر وقالت: معنى هذا أن الرجل من أفراد عصابة لغز اﻟ «٩»!

المفتش: لا تَنزعجوا فسوف نتصرف بسرعة، وأرجو أن نصل إليه قبل أن يقع له مكروه.

عندما عادت «لوزة» إلى الأصدقاء كان وجهُها شاحبًا للغاية … وكانت تتنفس بصعوبة، فقالت «نوسة» مالك يا «لوزة» هل تُحسِّين بتعب؟ لم ترد «لوزة»؛ فقد كانت تحس بالخوف الشديد على صديقها «تختخ»، وأخذت الخواطر المُفزِعة تدور في رأسها … عادت «نوسة» تسأل: تحدثي يا «لوزة» …

قالت «لوزة» وهي تبلَع ريقها بصعوبة: لقد وقع «تختخ» في الفخ … إن الرجل «ذو النظارة» ليس من رجال الشرطة … إنه من رجال العصابة … وقد تبع «تختخ»، ولعله استطاع الإيقاع به بين أيدي العصابة.

سكَت الأصدقاء جميعًا، لقد أحسوا بالخطر الذي يتعرض له «تختخ» وحيدًا وهم بعيدون عنه، لا يعرفون أين هو ولا ماذا حدث له.

في تلك الأثناء كان المفتش «سامي» قد قام بتحريات واسعة، ومن حسن الحظ أنه اتصل بمنزل «أبو الدهب»، وعرف تفاصيل زيارة «تختخ» وموعد خروجه بالتقريب، وبدأ عدد ضخم من رجال الشرطة والمباحث في متابعة أثر «تختخ»، ولكنه كان كسحابة غابت في السماء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤