خاتمة

والآن ترامَتْ إلى مسامعي تقوُّلات ومزاعم سجَّلها البعض في رسائل وكُتب لهم، ذاهبين فيها إلى أن العصر الجاهلي هو الذي هيَّأ الأمة العربية إلى ما أحرَزَتْه من مجد وسعة في السلطان في عهد الإسلام، وأن أي مصلح لو حلَّ محل محمد لفعل ما فعله محمد!

وإنهم ليزعمون أن العصر الجاهلي هو الذي كان أساسًا لنشر الإسلام وسيادة الإسلام!

ولكن فاتهم — إن لم نقل إنهم يعلمون ويتجاهلون — أن الإسلام جاء بكل ما ينقض العصر الجاهلي من أساسه، كان العصر الجاهلي عصرًا تسوده الأرستقراطية؛ إذ كانت فيه القبائل تفاخر بالأحساب والأنساب، فجاء الإسلام يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وإن الكل سواسية، إخوانًا متحابين، فلا كبير يغتصب حق الصغير، والصغير يحترم الكبير، وما إلى هذا من خير المبادئ الاجتماعية.

كان العصر الجاهلي عصر رق وعبودية، فإذا بالإسلام يجيء لينظم تحرير الرق ويُرغِّب فيه، واعدًا مَن فك رقبة بدخول الجنة.

كان العصر الجاهلي يئِد البنت خشية العار والفقر، فجاء الإسلام ونهى عن الوأد، قائلًا إن الله يرزق الآباء والبنات جميعًا، فلا خوف ولا خشية من الفقر والإملاق.

كان العصر الجاهلي قد تفشَّت فيه الخمر، كما تتفشَّى الأوبئة سواء بسواء، فجاء الإسلام ونهى عنها؛ لأنها أم الكبائر والخبائث، ومبعث الإجرام والشرور، فهي سلاح الشيطان وبعض معداته في الإفساد والفوضى.

كان العصر الجاهلي تغشاه هذه المفاسد والنقائص الاجتماعية والخلقية كلها، فكيف إذن يصح أن يُقال إنه كان أساسًا لنشر الإسلام وسيادة الإسلام؟!

كان العصر الجاهلي عصر انقسام بين القبائل، فالقوي منها كان يأكل الضعيف، حتى جاء الإسلام فوحَّد بين القبائل الإسلامية، ووجَّه قوتها إلى خارج الجزيرة.

وإن الأساس ولا شك من صنع محمد بوحي من الله، والبناء من صنع الخلفاء الراشدين والتابعين وتابعي التابعين رغم أنف الجهلاء.

هذه كلمة حق أردنا أن نختتم بها كتابنا فقأً لعيون ذوي الأغراض العمياء.

ففي عقل مَن تصحُّ هذه المزاعم النكراء؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤