عن المؤلف

الخلاصة

سايمون سينج يتحدث إلى ترافيس إلبورو
 إنَّ خلفيَّتك فيزيائية، فما مقدارُ ما كنت تعرفه أنت نفسُك عن مبرهنة فيرما الأخيرة قبل انخراطِك في حلقات «هورايزون» الوثائقية والبَدْء في هذا الكتاب؟

أتذكَّر أنني عرَفتُ بشأن مبرهنة فيرما الأخيرة حين كنت صَبيًّا في الثانية عشرة تقريبًا. وكانت من الموضوعات التي يَعرِضُها علينا مدرسُ الرياضيات ليُحاولَ إقناعنا بأنَّ الأعداد مثيرةٌ للاهتمام. وجدنا سهولةً كافية في فَهْم المعادلة، وكان باستطاعتنا أن نلهوَ بمحاولة إيجادِ حلول (والفشل في ذلك.) أخبرَنا المدرسُ بتاريخ المسألة والملاحظةِ الهامشية سيِّئة السُّمعة، ومن المرجَّح أنه تحدَّانا للتوصُّل إلى برهان. وعلى عكس أندرو وايلز، فقد خَفَتَ ما عايَنتُه في صِباي من اهتمامٍ بمبرهنة فيرما الأخيرة سريعًا.

 هل فوجئتَ بأنَّ كتابًا عن الرياضيات وعلماء الرياضيات قد حَظِي بمثل هذه الاستجابةِ الحماسية من جمهور القرَّاء؟

لقد فوجئتُ بكل مرحلةٍ من مراحل نجاحِ هذا الكتاب. فوجئت حين وجدتُ دارَ نشرٍ بريطانيةً، وكنتُ أكثرَ دهشةً حين وجدتُ اهتمامًا من دُور نشرٍ أجنبية. وحين وصل إلى المتاجر، كنتُ في غاية الذُّهول من ترقِّي الكتاب إلى قائمة الكتب العِلمية الأفضلِ مبيعًا، ناهيك عن ظهوره بعد ذلك في القائمة العامة للكتب الأفضلِ مبيعًا، وبلوغه المرتبةَ الأولى في نهاية المطاف.

 ذكَرتَ في تمهيد الكتاب أنك حاولتَ تضمين أكبرِ قدرٍ ممكن من الشخصيات وأوصافِها، ويحفلُ الكتاب بالشخصياتِ الرائعة مثل صوفي جيرمان وبول ولفسكيل وديفيد هيلبرت وآلان تورينج. فما مدى الأهميةِ التي كان يُمثِّلها إضافةُ الجانب الإنساني في القصة بالنسبة لك؟

أنا أرى أنه من الطبيعيِّ جدًّا أن أتحدثَ عن علماء الرياضيات إضافةً إلى الرياضيَّات. ربما يكون السبب في ذلك أنني عملتُ في مجال التليفزيون قبل أن أُصبح كاتبًا، وأعرفُ أنَّ الشخصيات والحبكة والدراما عناصرُ جوهرية في العديد من البرامج التليفزيونية. ثم إنَّ مبرهنة فيرما الأخيرة تحفلُ بتاريخٍ طويل وثَري، وكانت المشكلةُ الوحيدة هي تحديد أي الشخصياتِ يُضمَّنُ وأيها يُحذَف.

مبرهنة فيرما الأخيرة تحفلُ بتاريخ طويل وثري، وكانت المشكلة الوحيدة هي تحديد أي الشخصيات يُضمَّن وأيها يُحذَف.

 لقد أدهشَتْني الفكرة التي تكرَّرَت على مدى الكتاب، والمتمثلة في أنَّ أندرو وايلز كان حالةً استثنائية في الرياضيات الحديثة، من حيث إنه ظلَّ يعمل بمفرده لحلِّ المسألة على مدى سبع سنوات. أتعتقد أنَّ ذلك قد يطرحُ مشكلة أمام أيِّ شخص يُحاول إثارةَ اهتمامِ الجمهور بالرياضيات الحديثة؛ إذ إنَّ قصة العبقريِّ المنعزِل الذي يُناضل بعيدًا هي في جوهرها أكثرُ رومانتيكيةً من أن يكونَ مجموعةٌ من الأكاديميين على سبيل المثال يتَبادلون المعادَلات في مصعدٍ بأحد المؤتمرات، وهو السيناريو الأكثرُ نمَطيةً على الأرجح؟

إذا كان أحدُ المراهقين يحلم بأن يكونَ عالم رياضيات؛ فيُمكن له أو لها أن يختار العملَ كعبقريٍّ منعزِل في بُرجه العاجيِّ، أو يختارَ العمل ضِمن فريقٍ يُرسل الصواريخَ إلى الفضاء، أو يُصمِّمَ خُوارزميَّاتِ الرسوم المتحركةِ لاستوديوهات هوليوود، أو التنبُّؤ بسوق البورصة. فمتخصِّصو الرياضيات الناشئون دائمًا ما سيَجِدون بيئةً تُلائم رغباتهم الفكريةَ والاجتماعية. المشكلة هي أنه لا يوجد عددٌ كافٍ من الشباب في بريطانيا ممَّن يرغبون في أن يُصبحوا متخصصين في الرياضيات أو (علماء). ولستُ متأكدًا من السبب في عدم تعامل الحكومة مع هذه المشكلة بجدية، لكنَّ الحقيقة أنَّ السنواتِ القادمةَ ستشهد نقصًا حادًّا في أعداد المتخصصين في الرياضيات وعلماء الرياضيات الشباب البارعين في بريطانيا مما سيكون له تأثيرٌ وخيمٌ على اقتصادنا.

 وصفتَ كيف أنَّ وايلز صادف المسألةَ في كتابٍ وجَده في مكتبة بلدته. وأنا أتساءل عمَّا إذا كنتَ قد مررتَ بلحظةِ تَجلٍّ مُماثلة يمكن القولُ إنها أشعلَت شغَفَك بالعلوم في بادئ الأمر؟

لا أعتقد أنني مررتُ بلحظةِ تجلٍّ، بل نَما لديَّ حبُّ استطلاعٍ متزايدٌ بشأن العالم. فبالرغم من أنني كنتُ أستمتع بالرياضيات، كانت العلوم هي التي أسَرَتْني. دائمًا ما كانت الأسئلة المتعلقة بأصلِ الحياة وبِناء الكون تَبْهَرُني، وقد تأجَّج هذا الشغَفُ بالرياضيات والعلوم، بسبب مُعلِّمي المدرسة الذين وضَّحوا لي الصِّيَغَ والتجارِبَ التي بثَّت في العلومِ روحَ الحياة. والمشكلة اليوم هي أنَّ مُعلمي العلوم الأكْفاء ذَوي الخبرة صاروا أقلَّ فأقلَّ؛ ولهذا فإنَّ عددَ المراهقين الذين يضجَرون من العلومِ في ازدياد.

لا أعتقد أنني مررتُ بلحظة تجلٍّ، بل نما لديَّ حبُّ استطلاع متزايد بشأن العالم.

 بعد أن عَمِلت عالِمًا وإذاعيًّا وكاتبًا، ما الذي تُفضِّله؟ أتفتقدُ في بعض الأحيان تلك الإثارةَ التي تنطوي عليها حياةُ المختبر؟

بالرغم من أنني كنت عالمًا كُفئًا، فقد أدركتُ في النهاية أنني لستُ من بين العلماءِ الأبرع والأفضل. لذا فقد رأيتُ أنَّ أفضل شيء بعد أن أكون عالمًا هو أن أكون من المحاورين في مجال العلوم؛ لأنَّ ذلك سيتضمَّنُ أن أستمرَّ في التحدث إلى العلماء والتعرُّفِ على أحدثِ الأبحاث. إنَّ أحد أكبرِ التحدِّيات التي تُواجِهُنا في الحياة هي معرفةُ ما ينبغي عليك أن تعملَ فيه، وقد كنتُ محظوظًا للغاية إذ قرَّرتُ في مرحلةٍ مبكِّرة من حياتي أن أنتقلَ من كوني عالمًا متوسطًا إلى كاتبٍ جيد جدًّا في مجال العلوم.

  لقد أطلَق كتابُك العِنانَ لجيلٍ جديد بأكمله من كُتُب العلومِ المبسَّطة، ولعلَّه، إلى جانبِ كتاب «خطوط الطول» لدافا سوبيل، كان سببًا أساسيًّا في تعريف الكثيرين بموضوعٍ كان كثيرًا ما يُعَد صعبًا أو جامدًا. فكيف تُقيِّم كتابك اليوم حين تُلقي نظرةً على الماضي؟

بالرغم من أنَّ العلومَ ظلَّت حُبي الأولَ على الدوام، وبالرغم من أنني سُرِرت بازدهار الكتابة العِلمية على مدى العَقد الأخير، فمن المهم أن نتذكَّر أنَّ «مبرهنة فيرما الأخيرة» كتابٌ في الرياضيات لا العلوم. إنني أفخَرُ به على نحوٍ خاص؛ لأنه كان من أوائل كتب الرياضيات التي تصلُ إلى عموم القُراء، ولأنه أوضح أنَّ علماء الرياضيات يُكرِّسون كل اهتمامهم على نحوٍ رائع لحلِّ مسائلَ جميلةٍ وملهِمة.

علماء الرياضيات يكرسون كل اهتمامهم على نحو رائع لحل مسائل جميلة وملهمة.

 وأخيرًا، ما المشروعُ القادم لدى سايمون سينج؟

قبل بِضْع سنوات، قلتُ إنني قد لا أكتبُ كتابًا آخَر، لكني أعتقد أنَّ ذلك الشعورَ كان يعود بصورةٍ جزئية إلى أنني كنتُ مستنزَفًا بعد الانتهاء للتوِّ من تأليف كتاب «الانفجار العظيم» الذي أسردُ فيه تاريخَ علمِ الكونيَّات. أنا أحبُّ تأليف الكتب، لكنها عمَليةٌ مُنهِكة؛ إذ تستلزم مني أن أتعلَّمَ بشأن موضوعٍ جديد تمامًا. ولهذا؛ فبعدَ سنوات من التركيز الذهنيِّ على موضوعٍ واحد، من الصعبِ على المرء أن يتخيَّلَ خوضَ تلك العمليةِ المضنية من جديد. بالرغم من ذلك، فبعد الانقطاع عن الكتابة عامَين، أشعر الآن بالحماسِ للبَدء مجددًا. لديَّ فكرتان في ذهني، لكنني لن أُفصِح عنهما إلى أن أُقرر إذا ما كنتُ سأُطور إحداهما إلى كتاب.

figure
وُلِد سايمون سينج في سومرست عام ١٩٦٤. درس الفيزياء في كلية لندن الإمبراطورية، ثم أكملَ درجة الدكتوراه في فيزياء الجسيمات بجامعةِ كامبريدج والمنظمة الأوروبية للأبحاثِ النووية وجنيف. وبعد أن عجز عن اكتشافِ الكوارك القمي، تخلَّى عن أي زعمٍ بكونه عالمًا جادًّا، وانضمَّ إلى شبكة «بي بي سي» عام ١٩٩١، وعمل في بعض البرامج مثل «توموروز ورلد» (عالم الغد) و«هورايزون» (الأفق). وهو أيضًا مؤلف «كتاب الشفرة» وكتاب «الانفجار العظيم». يحب سايمون الأحجار نصف البيضاوية، والخدع السحرية، والمقامرة، وصعق الخيار المخلل بالكهرباء، والبرامج التليفزيونية التافهة والفرقة الموسيقية «فايولنت فام».‎
الموقع الإلكتروني للمؤلف: www.simonsingh.net.

الكتابة: القراءة والكتابة مع سايمون سينج

س: مَن هم الكُتَّاب الذين تُحبهم وكان لهم أكبرُ تأثيرٍ عليك؟

ج: إنني أُكِنُّ احترامًا خاصًّا للعلماء الذين يقتطعون من وقتهم للكتابة للقارئ غيرِ المتخصِّص. ما من سببٍ يدفع مارتِن ريس أو ستيف جونز أو ريتشارد دوكينز إلى الانقطاع عن إجراءِ الأبحاث عاليةِ الجودة وتأليفِ الكتب بدلًا من ذلك. فالأرجح أنهم يُدرِكون أنَّ لكتبهم تأثيرًا ضخمًا على الجمهور وعلى العلماءِ الناشئين.

س: أيوجد كتاب تمنَّيتَ لو أنك كتبتَه؟

ج: تُعجبني الأفكار البارعة للكتُب. لذا؛ فبالرغم من أنني لم أكن لأتمكَّنَ من كتابة «نصائح دكتور تاتيانا عن الجنس لجميع الكائنات» بقلم أوليفيا جودسون، فأنا أتمنَّى لو كنتُ قد فكرت في تأليف كتابٍ عن السلوك الحيواني في صورة خطابات تَرِد من مختلِف الأنواع إلى عالمة حيوانٍ تُحرر عمودَ نصائحِ القرَّاء. وبالمثل فإنني أتمنى أيضًا لو أنني فكَّرت في الكتابة عن تطوُّرِ التلغراف، الذي يُفسِّر ثورةَ المعلومات الحاليَّة. وقد كان هذا هو موضوعَ كتاب «الإنترنت الفيكتوري» بقلم توم ستانديج.

س: ما الذي تقرؤه وأنت تكتب؟

ج: أقرأ كتبًا ترتبط مباشرةً بالموضوع الذي أكتبُ عنه ولا شيء آخَر. وأنا أكتبُ عن موضوعات جديدة عادةً ما تكون جديدة عليَّ؛ لذا فعَليَّ أن أغمسَ نفسي تمامًا في هذه الموضوعات — الرياضيات والتشفير وعلم الكونيات — لأستطيعَ المواكبة.

إما أن أمسك بالناس في الشارع وأُحدِّثهم عن العلوم، وإما أن أؤلِّف الكتبَ عنها، وأعتقد أنَّ الخيار الثانيَ أحرى بألَّا يوقِعَني في المشكلات.

س: ما الذي يُحفِّزك للكتابة؟

ج: أنا أُحبُّ تعلُّمَ العلومِ والرياضيات؛ لذا فمِن الرائع والمميز حقًّا أن أقضيَ بِضْعة أعوامٍ في القراءة عن موضوعٍ معيَّن ولقاء المفكِّرين البارزين. غير أنني أرغبُ أيضًا في إثارة اهتمام الآخَرين بهذه الموضوعات. أعتقد أنَّ الكون رائعٌ ومدهش، فإمَّا أن أُمسِك بالناس في الشارع وأُحدثهم عن العلوم، وإما أن أُؤلِّف الكتبَ عنها، وأعتقد أنَّ الخيار الثانيَ أحرى بألَّا يُوقِعَني في المشكلات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤