تمهيد

إنَّ قصة مبرهنةِ فيرما الأخيرةِ ترتبطُ ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الرياضيات، وتتصل بجميع المحاور الأساسيَّة في نظريةِ الأعداد. وهي تمنحُنا رؤيةً فريدة عما يدفع الرياضياتِ وما يُلهم علماءَ الرياضيات، ولعل ذلك الأمر الأخيرَ هو الأهم. تكمن المبرهنة الأخيرة في صميم قصةٍ ملحميَّة مثيرةٍ من الشجاعة والغشِّ والمكر والمأساة، وهي تتضمَّنُ أعظمَ أبطال الرياضيات جميعًا.

تمتدُّ أصول مُبرهنة فيرما الأخيرة إلى علمِ الرياضيات لدى قُدماء اليونان، أي: قبل ألفَيْ عام من تشكيل بيير دو فيرما للمعضِلة بالطريقة التي نعرفُها عليها اليوم. ومِن ثَمَّ؛ فهي تربطُ أسسَ الرياضياتِ التي وضعَها فيثاغورس بالأفكار الأكثرِ تعقيدًا في الرياضيَّات الحديثة. وفي هذا الكتاب، اخترتُ أن أتبنَّى هيكلًا زمنيًّا يبدأ بوصف الأخلاقيات الثورية للأخوية الفيثاغورسية، وينتهي بقصة الكفاح الشخصية التي عاشها أندرو وايلز من أجل إيجادِ حلٍّ لمعضلة فيرما.

نتناولُ في الفصل الأول قصة فيثاغورس ونوضِّح كيف أنَّ مبرهنةَ فيثاغورس هي السلَفُ المباشر للمبرهنةِ الأخيرة. ونناقش في هذا الفصل أيضًا بعضَ المفاهيم الأساسية في الرياضيات، التي سيتكرَّر ذِكرُها على طول الكتاب. وفي الفصل الثاني، ننتقل بالقصة من اليونانِ القديمة إلى فرنسا في القرن السابع عشر، حيث ابتكر بيير دو فيرما، اللغزَ الأكثرَ عمقًا في تاريخ الرياضيَّات. ولتوضيحِ الشخصية الاستثنائية التي تميَّز بها فيرما وإسهاماتِه في الرياضيات، التي تتجاوز المبرهنةَ الأخيرة بمقدارٍ كبير، خصَّصتُ عدة صفحات لوصفِ حياته، وبعضٍ من اكتشافاته البارعةِ الأخرى.

وفي الفصلَين الثالثِ والرابع، نَصِفُ بعض المحاولات لإثبات مبرهنة فيرما الأخيرة خلال القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وبالرغم من أنَّ هذه المحاولات انتهَت بالفشل، فقد خلَّفَت مستودعًا مذهلًا من التقنيات الرياضيَّة والأدوات، التي كان بعضُها من العناصر الأساسية في المحاولات الأحدث لإثبات المبرهنة الأخيرة. وإضافةً إلى وصف الرياضيَّات، خصَّصتُ القدر الأكبر من هذَين الفصلَين لذكر علماء الرياضيات الذين صاروا مهووسين بإرثِ فيرما. فقصصُهم توضِّح مدى استعدادِ علماء الرياضيَّات للتضحية بأيِّ شيء في رحلة البحث عن الحقيقة، ومدى تطوُّر الرياضيات على مدى القرون.

أما الفصول المتبقِّية من الكتاب، فهي تُؤرِّخ الأحداثَ البارزة في السنواتِ الأربعينَ الأخيرة، التي قد أحدثَت ثورةً في دراسة مبرهنة فيرما الأخيرة. وفي الفصلين السادسِ والسابعِ على وجه التحديد، نُركِّز على عمل أندرو وايلز، الذي أذهلَت اكتشافاتُه في العقد الأخير المجتمع الرياضي. وهذان الفصلان الأخيران يستندانِ على المقابلاتِ الموسَّعة التي أجريتُها مع وايلز. لقد كانت فرصةً فريدة لي أن أستمع بصفةٍ شخصية إلى واحدة من الرحلات الفكرية الأكثرِ استثنائيةً في القرن العشرين، وأرجو أن أكون قد تمكَّنتُ من التعبيرِ عما بها من إبداع، والبطولة التي كانت تستلزمُها محنةُ وايلز التي استمرَّت على مدى عشرِ سنوات.

وفي سردي لحكاية بيير دو فيرما ولُغزِه المحيِّر، حاولت أن أشرحَ المفاهيم الرياضية دون اللجوء إلى المعادلات، غير أنَّ رموزًا مثل x وy وz، لا بد أنَّ تُطِلَّ برءوسها القبيحة بين الحين والآخَر. وفي المرات التي تظهر فيها المعادلات في النَّص، حاولتُ تقديم تفسيرٍ كافٍ لها؛ لكي يتمكن القرَّاء من فَهم دلالتها، وإن كانوا لا يُلِمُّون بأيِّ معارفَ أساسية عن الرياضيات. أما القرَّاء الذين يُلِمُّون بمعرفةٍ أعمقَ قليلًا عن الموضوع، فقد وفَّرتُ لهم مجموعةً من الملاحق التي تتوسع في تقديم الأفكار الرياضية التي يتضمَّنُها النص الأساسي. إضافةً إلى ذلك، ضمَّنتُ قائمةً بمصادر إضافية للقراءة، تهدف في مُجملها إلى تقديمِ المزيد من التفاصيل بشأن جوانب محدَّدة من الرياضيات لغيرِ المتخصصين فيها.

إنَّ هذا الكتاب لم يكن ليُصبِحَ ممكِنًا دون مساعدةِ الكثيرين من الأشخاص ومشاركتهم. وأودُّ أن أتقدَّم بالشكر على وجه التحديد، لأندرو وايلز الذي تجشَّم العَناء ليمنحَنا هذه المقابلاتِ الطويلة المفصَّلة في وقتٍ كان يُواجه فيه ضغطًا شديدًا. فعلى مدى السنواتِ السبع التي عملتُ فيها صحافيًّا في مجال العلوم، لم ألتقِ أحدًا على الإطلاق يُكِنُّ لعمله من الشغفِ والالتزام ما يُكِنه البروفيسور وايلز، وأنا دائمُ الامتنانِ له إذ كان مستعدًّا لمشاركة قصتِه معي.

وأودُّ أيضًا أن أتقدم بالشكر لغيرِه من علماء الرياضيات الذين ساعَدوني في كتابة هذا الكتاب، وسمحوا لي بإجراء مقابلات مفصَّلة معهم. وقد كان بعضُهم منخرطًا للغاية في معالجة أمر مبرهنة فيرما الأخيرة، بينما كان البعضُ الآخر شاهدًا على الأحداث التاريخية في السنوات الأربعين الأخيرة فحسب. لقد استمتعتُ كثيرًا بالساعات التي قضيتها في طرح الأسئلة عليهم وتبادُلِ أطراف الحديث معهم، وأنا أُقدِّر لهم صبرهم وحماسهم في شرح الكثير من المفاهيم الرياضية الجميلة لي. وأريد أن أتقدَّم بالشكرِ على وجه التحديد إلى جون كوتس، وجون كونواي، ونيك كاتس، وباري ميزور، وكين ريبِت، وبيتر سارناك، وجورو شيمورا، وريتشارد تايلور.

لقد حاولتُ أن أضمَّ إلى هذا الكتاب أكبرَ قدرٍ ممكن من الصور الشخصية؛ لكي أُقدِّم للقارئ انطباعًا أدقَّ عن الشخصيات المشتركة في قصةِ مبرهنة فيرما الأخيرة. لقد بذلت العديد من المكتبات والسجلَّات جهودًا كبيرةً في مساعدتي، وأودُّ أن أخصَّ بالشكر سوزان أوكس من جمعية «لندن ماثيماتيكال سوسايَتي» وساندرا كامينج من جمعية «ذا رويال سوسايَتي» وأيان ستيوارت من جامعة ووريك. وأنا ممتنٌّ أيضًا لجاكلين سافاني من جامعة برينستون، ودانكَن ماك أنجوس، وجيرمي جري، وبول باليستر ومعهد إسحاق نيوتن؛ لما قدَّموه من مساعدة في الحصول على المادة البحثية. وأتقدم بالشكر أيضًا إلى باتريك والش، وكريستوفر بوتَر، وبرناديت ألفيز، وسانجيدا أوكونيل، ووالديَّ أيضًا؛ لما قدَّموه من تعليقات ودعمٍ على مدى العام الماضي بأكمله.

وأخيرًا، أود أن أذكر أنَّ العديدَ من المقابلات التي أقتبسُ منها في هذا الكتاب قد أجريتُها في أثناء العمل على بَرنامَجٍ وثائقي تليفزيوني، يتحدث عن مبرهنة فيرما الأخيرة. وأنا أتقدم بالشكر لشبكة «بي بي سي»؛ إذ سمحَت لي باستخدامِ هذه المادة، وأَدينُ بالامتنان على وجه التحديد، لجون لينش الذي عمل معي في البرنامَج الوثائقي، وألهمَني بالاهتمام بالموضوع.

سايمون سينج
تاكاركي، فاجوارا
١٩٩٧

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤