الفصل الثاني عشر

مَاذَا رَأَى الثَّعْلَبُ ريدي، وَمَاذَا فَعَلَ؟

مَنْ يَصُنْ لِسَانَهُ
يَحْفَظْ مَقَامَهُ،
وَالْمَتَاعِبَ وَالْمُشْكِلَاتِ يَقْهَرْ،
وَالْخَوْفَ وَالْقَلَقَ يَدْحَرْ.

لِسُوءِ الْحَظِّ تَذْكُرُ الْغَالِبِيَّةُ الْعُظْمَى مِنَ الْأَفْرَادِ هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَانِ. وَالثَّعْلَبُ ريدي مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ؛ فَهُوَ ذَكِيٌّ وَمَاكِرٌ وَبَارِعٌ بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّمْ إِلَى الْآنَ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ، وَقَدْرٌ كَبِيرٌ مِنَ الْمَتَاعِبِ الَّتِي يَتَوَرَّطُ فِيهَا تَكُونُ بِسَبَبِ لِسَانِهِ السَّلِيطِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَكُّمَ فِيهِ؛ فَكَمَا تَرَوْنَ، لَا يَنْطِقُ لِسَانُهُ إِلَّا بِالتَّبَجُّحِ وَالْكَذِبِ، وَالتَّبَجُّحُ عِنْدَمَا يَقْتَرِنُ بِالْكَذِبِ لَا يَجْلِبَانِ سِوَى أَشَدِّ الْمَتَاعِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. أَوْقَعَهُ لِسَانُهُ فِي شَتَّى الْمَآزِقِ فِي الْمَاضِي، وَالْآنَ أَصْبَحَ فِي مَأْزِقٍ آخَرَ؛ كُلُّ هَذَا بِسَبَبِ هَذَا اللِّسَانِ.

أَزَاحَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ سَتَائِرَهُ الْوَرْدِيَّةَ وَنَشَرَ ابْتِسَامَتَهُ فِي رُبُوعِ الْأَرْضِ الْفَسِيحَةِ أَثْنَاءَ صُعُودِهِ أَعَالِيَ السَّمَاءِ الزَّرْقَاءِ. تَرَاقَصَتْ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ بِالْفِعْلِ فِي أَنْحَاءِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، تُطَارِدُ الظِّلَالَ السَّوْدَاءَ، وَعَلِمَ ريدي أَنَّهُ حَانَ وَقْتُ ذَهَابِهِ إِلَى التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ بريكلي بوركي. تَسَلَّلَ بِخُطًى مُتَثَاقِلَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ إِلَى أُخْرَى مُخْتَلِسًا النَّظَرَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِقَلَقٍ، خَائِفًا مِنَ الْمُضِيِّ قُدُمًا، وَلَكِنَّ خَوْفَهُ مِنْ عَدَمِ الذَّهَابِ إِلَى هُنَاكَ وَنَعْتِ الْآخَرِينَ لَهُ بِالْجَبَانِ كَانَ أَشَدَّ.

وَصَلَ تَقْرِيبًا إِلَى سَفْحِ التَّلِّ دُونَ أَنْ يَرَى أَيَّ شَيْءٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ وَدُونَ أَيِّ أَثَرٍ لِلْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ. وَعِنْدَمَا بَدَأَ يَشْعُرُ بِأَمَلٍ دَاخَلَهُ أَنَّهُ لَنْ يَجِدَ الْعَمَّ بيلي هُنَاكَ كَمَا قَالَ إِنَّهُ سَيَفْعَلُ، ثُمَّ سَمِعَ صَوْتًا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ يَقُولُ:

«أَنَا سَعِيدٌ حَقًّا لِأَنَّكَ وَفَّيْتَ بِوَعْدِكَ أَيُّهَا الثَّعْلَبُ؛ فَنَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى شُجَاعٍ مِثْلِكَ لِيَكْتَشِفَ مَاهِيَّةَ هَذَا الْكَائِنِ الْغَرِيبِ الَّذِي طَارَدَنَا.»

نَظَرَ ريدي إِلَى أَعْلَى بِابْتِسَامَةٍ بَاهِتَةٍ. وَجَدَ الْعَمَّ بيلي الْأَبُوسُومَ يَجْلِسُ دَاخِلَ شَجَرَةِ صَنَوْبَرٍ فَوْقَ رَأْسِهِ مُبَاشَرَةً؛ فَعَلِمَ الْآنَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَجَالٌ لِلتَّرَاجُعِ، فَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ قُدُمًا. حَاوَلَ التَّبَاهِيَ وَالتَّظَاهُرَ بِالْجُرْأَةِ الشَّدِيدَةِ وَالشَّجَاعَةِ.

فَتَفَاخَرَ مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتُ لَكَ إِنَّنِي لَسْتُ خَائِفًا، وَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يُوجَدُ أَيُّ شَيْءٍ غَرِيبٍ هُنَا، فَسَأَعْرِفُ مَا هُوَ.» لَكِنَّ الْعَمَّ بيلي لَاحَظَ أَنَّ صَوْتَهُ يَبْدُو مُرْتَجِفًا بَعْضَ الشَّيْءِ.

فَرَدَّ الْعَمُّ بيلي: «وَاصِلِ السَّيْرَ حَتَّى سَفْحِ التَّلِّ؛ فَهَذَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِيهِ بِالْأَمْسِ. يَا إِلَهِي كَمْ أَنَا سَعِيدٌ بِأَنَّ بَيْنَنَا فَرْدًا يَتَحَلَّى بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّجَاعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ!»

نَظَرَ ريدي إِلَى الْعَمِّ بيلي بِحِدَّةٍ، لَكِنْ لَمْ يَرَ أَيَّ أَثَرٍ لِابْتِسَامَةٍ عَلَى وَجْهِهِ؛ فَلَمْ يَسْتَطِعْ ريدي مَعْرِفَةَ مَا إِذَا كَانَ الْعَمُّ بيلي يَسْخَرُ مِنْهُ أَمْ لَا. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ شَيْءٌ لِفِعْلِهِ هُنَاكَ، اسْتَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ. وَصَلَ إِلَى سَفْحِ التَّلِّ دُونَ رُؤْيَةِ أَوْ سَمَاعِ أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ عَادِيٍّ؛ فَبَدَتِ الْغَابَةُ الْخَضْرَاءُ كَعَادَتِهَا دَائِمًا؛ فَكَانَ الطَّائِرُ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ يَشْدُو أُغْنِيَّتَهُ الصَّغِيرَةَ عَنِ السَّعَادَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ كَمَا يَنْبَغِي، وَبَدَأَ ريدي يَسْتَجْمِعُ شَجَاعَتَهُ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ، وَلَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ. بِالطَّبْعِ لَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ! فَالْأَمْرُ بُرُمَّتِهِ لَيْسَ سِوَى حَمَاقَةٍ مِنْ حَمَاقَاتِ الْأَرْنَبِ بيتر. وَيَوْمًا مَا سَيُمْسِكُ بِالْأَرْنَبِ بيتر وَيَضَعُ حَدًّا لِهَذِهِ الْحِكَايَاتِ السَّخِيفَةِ.

«آهٍ! مَا هَذَا؟» الْتَقَطَتْ أُذُنَاهُ الْحَادَّتَانِ صَوْتًا بِالْقُرْبِ مِنْ قِمَّةِ التَّلِّ. تَوَقَّفَ عَلَى الْفَوْرِ وَنَظَرَ لِأَعْلَى. لِبُرْهَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ يَسْتَطِعْ ريدي تَصْدِيقَ مَا تَرَاهُ عَيْنَاهُ؛ فَكَانَ مُتَّجِهًا نَحْوَهُ مُبَاشَرَةً مِنْ أَعْلَى التَّلِّ أَغْرَبُ شَيْءٍ رَآهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ رُؤْيَةَ أَيِّ أَرْجُلٍ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ رُؤْيَةَ أَيِّ رَأْسٍ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ رُؤْيَةَ أَيِّ ذَيْلٍ. كَانَ شَيْئًا مُسْتَدِيرًا كَالْكُرَةِ، لَكِنَّهُ كَانَ أَغْرَبَ كُرَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ فَكَانَ مُغَطًّى بِأَوْرَاقِ شَجَرٍ قَدِيمَةٍ. لَمْ يَكُنْ ريدي لِيُصَدِّقَ أَنَّهُ كَائِنٌ حَيٌّ لَوْلَا الضَّوْضَاءُ الَّتِي كَانَ يُصْدِرُهَا. حَدَّقَ ريدي فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ لِلَحْظَةٍ سَرِيعَةٍ، ثُمَّ مَا تَظُنُّونَ أَنَّهُ فَعَلَ؟ عَوَى فِي ذُعْرٍ وَوَضَعَ ذَيْلَهُ بَيْنَ سَاقَيْهِ وَأَطْلَقَ سَاقَيْهِ لِلرِّيحِ. نَعَمْ، هَذَا بِالضَّبْطِ مَا فَعَلَهُ الثَّعْلَبُ ريدي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤