الفصل الثالث عشر

ريدي يُعَانِي بُؤْسًا شَدِيدًا

عِنْدَمَا وَضَعَ الثَّعْلَبُ ريدي ذَيْلَهُ بَيْنَ سَاقَيْهِ وَرَكَضَ مُبْتَعِدًا عَنِ الْكَائِنِ الْمُخِيفِ الْقَادِمِ مِنْ أَعْلَى التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ بريكلي بوركي، لَمْ يُفَكِّرْ فِي شَيْءٍ إِلَّا الِابْتِعَادَ قَدْرَ الْإِمْكَانِ فِي أَقْصَرِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ؛ لِذَا رَكَضَ وَهُوَ يُصْدِرُ عُوَاءً مَذْعُورًا مَعَ كُلِّ قَفْزَةٍ، وَرَكَضَ عَلَى نَحْوٍ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ قَبْلُ إِلَّا فِيمَا نَدَرَ. نَسِيَ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ لَهُ مِنْ مَكَانٍ آمِنٍ فَوْقَ شَجَرَةِ صَنَوْبَرٍ. وَلَمْ يَرَ الظَّرِبَانَ جيمي وَهُوَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ وَرَاءِ جِذْعِ شَجَرٍ قَدِيمٍ وَيَضْحَكُ حَتَّى كَادَ يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الضَّحِكِ. عِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى أَطْرَافِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، لَمْ يَرَ حَتَّى الْأَرْنَبَ بيتر وَهُوَ يَقْفِزُ مِنْ طَرِيقِهِ وَيَتَفَادَاهُ دَاخِلَ جِذْعِ شَجَرَةٍ أَجْوَفَ.

عِنْدَمَا مَرَّ ريدي مِنْ جَانِبِ الْأَرْنَبِ بيتر وَأَصْبَحَ بيتر فِي مَأْمَنٍ مِنْهُ، خَرَجَ بيتر مِنْ مَخْبَئِهِ. وَجَلَسَ مُعْتَدِلًا، وَأُذُنَاهُ مُنْتَصِبَتَانِ لِأَعْلَى وَعَيْنَاهُ مَفْتُوحَتَانِ عَنْ آخِرِهِمَا مِنَ الدَّهْشَةِ، وَأَخَذَ يُحَدِّقُ فِي ريدي وَهُوَ يَرْكُضُ بَعِيدًا. صَاحَ بيتر فِي دَهْشَةٍ: «يَا إِلَهِي! يَا إِلَهِي! أَظُنُّ أَنَّ ريدي أُصِيبَ بِهَلَعٍ.» وَلِأَنَّ الْأَرْنَبَ بيتر يَتَّسِمُ بِالْفُضُولِ، بَدَأَ يَتَسَاءَلُ عَمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُخِيفَ ريدي عَلَى هَذَا النَّحْوِ، وَفَكَّرَ لِلَحْظَةٍ فِي الْكَائِنِ الْغَرِيبِ الَّذِي أَخَافَهُ قَبْلَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ. فَصَاحَ: «أَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ! أَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ؛ فَالثَّعْلَبُ ريدي كَانَ قَادِمًا مِنِ اتِّجَاهِ بَيْتِ بريكلي بوركي، حَيْثُ أُصِيبَ بِالْهَلَعِ. أَنَا … أَنَا …»

ارْتَبَكَ بيتر؛ فَفِي وَاقِعِ الْأَمْرِ كَانَ يَتَسَاءَلُ عَمَّا إِذَا كَانَ يَجْرُؤُ عَلَى الصُّعُودِ إِلَى هُنَاكَ وَرُؤْيَةِ مَا إِذَا كَانَ هَذَا الْكَائِنُ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ لَدَيْهِ رَأْسٌ أَوْ ذَيْلٌ أَوْ أَرْجُلٌ مَوْجُودًا حَقًّا هُنَاكَ مَرَّةً أُخْرَى. كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنَ الْحَمَاقَةِ فِعْلُ ذَلِكَ؛ فَمِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ ذَاهِبًا نَحْوَ الْخَطَرِ مُبَاشَرَةً. وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ زَوْجَتَهُ الشَّابَّةَ تَجْلِسُ فِي انْتِظَارِهِ عِنْدَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَسَيُسَاوِرُهَا الْقَلَقُ؛ إِذَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بِالْفِعْلِ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ. وَلَكِنْ كَانَ لَدَيْهِ فُضُولٌ شَدِيدٌ لِمَعْرِفَةِ مَاذَا أَخَافَ ريدي هَكَذَا، وَكَانَ فُضُولُهُ، الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي الْعَدِيدِ مِنَ الْمَآزِقِ، يَزِيدُ مَعَ كُلِّ دَقِيقَةٍ تَمُرُّ.

فَكَّرَ بيتر: «لَا بَأْسَ مِنَ الذَّهَابِ حَتَّى مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ إِلَى هُنَاكَ؛ فَرُبَّمَا أَكْتَشِفُ شَيْئًا وَلَا أُضْطَرُّ إِلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ كُلِّهَا إِلَى هُنَاكَ.»

لِذَا، بَدَلًا مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الْمَنْزِلِ كَمَا كَانَ يُفْتَرَضُ بِهِ أَنْ يَفْعَلَ، عَادَ أَدْرَاجَهُ عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَكَانَ يَتَوَقَّفُ بَعْدَ كُلِّ بِضْعِ قَفَزَاتٍ لِيَنْظُرَ وَيَسْتَمِعَ وُهَوَ مُتَّجِهٌ مُبَاشَرَةً نَحْوَ سَفْحِ التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ بريكلي بوركي. وَهُنَاكَ عِنْدَ سَفْحِ التَّلِّ اخْتَبَأَ تَحْتَ شَجَرَةِ شَوْكَرَانٍ صَغِيرَةٍ وَنَظَرَ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ بَحْثًا عَنِ الْكَائِنِ الْغَرِيبِ الَّذِي أَخَافَهُ فِي الْمَرَّةِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا هُنَا. لَكِنَّهُ لَمْ يَرَ إِلَّا الشَّيْهَمَ بريكلي بوركي وَالظَّرِبَانَ جيمي وَالْعَمَّ بيلي الْأَبُوسُومَ وَهُمْ يَتَدَحْرَجُونَ بَيْنَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ أَعْلَى التَّلِّ وَيَضْحَكُونَ حَتَّى كَادَ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنَ الضَّحِكِ.

فَكَّرَ بيتر بِدَهَاءٍ: «لَا يُوجَدُ خَطَرٌ هُنَا، هَذَا مُؤَكَّدٌ. وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ دَبَّرُوا خُدْعَةً مَا.»

عِنْدَهَا قَفَزَ بِشَجَاعَةٍ إِلَى أَعْلَى التَّلِّ لِيَنْضَمَّ إِلَيْهِمْ، وَسَأَلَ: «مَا الدُّعَابَةُ الَّتِي تَضْحَكُونَ مِنْهَا؟»

سَأَلَهُ الظَّرِبَانُ جيمي وَهُوَ يُجَفِّفُ دُمُوعَ الضَّحِكِ مِنْ عَيْنَيْهِ: «هَلْ قَابَلْتَ الثَّعْلَبَ ريدي؟»

فَرَدَّ بيتر: «هَلْ قَابَلْتُهُ؟ إِنَّهُ كَادَ يَصْدِمُنِي وَلَمْ يَرَنِي عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ مَا زَالَ يَجْرِي. مَا الْأَمْرُ الْمُضْحِكُ الْآنَ؟»

بَعْدَمَا اسْتَطَاعَ الْآخَرُونَ تَمَالُكَ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الضَّحِكِ بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ، اجْتَمَعُوا حَوْلَ بيتر وَأَخْبَرُوهُ بِشَيْءٍ أَصَابَهُ بِنَوْبَةِ ضَحِكٍ جَعَلَتْهُ يَتَأَلَّمُ مِنْ فَرْطِ الضَّحِكِ. وَقَالَ: «لَقَدْ وَقَعَ ريدي فِي هَذِهِ الْخُدْعَةِ الْمُتْقَنَةِ تَمَامًا مِثْلَمَا وَقَعْتُ فِيهَا أَنَا. الْآنَ، مَنْ أَيْضًا يُمْكِنُنَا إِخَافَتُهُ؟»

كَانَ كُلُّ هَذَا يُشِيرُ إِلَى وُجُودِ خُدْعَةٍ مَا تُدَبَّرُ أَعْلَى التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ الشَّيْهَمُ الْبَدِينُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤