الفصل الرابع عشر

الثَّعْلَبُ ريدي يَتَوَارَى عَنِ الْأَنْظَارِ

لَمْ يَسْبِقْ لِلثَّعْلَبِ ريدي أَنْ شَعَرَ بِمِثْلِ هَذَا الِانْزِعَاجِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ قَبْلُ؛ فَكَانَ يَعْرِفُ حَالِيًّا أَنَّ كُلَّ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ وَعَلَى طُولِ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ يَعْلَمُونَ كَيْفَ وَضَعَ ذَيْلَهُ بَيْنَ سَاقَيْهِ وَرَكَضَ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْكَائِنَ الْغَرِيبَ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ وَهُوَ يَتَدَحْرَجُ إِلَى أَسْفَلِ تَلِّ الشَّيْهَمِ بريكلي بوركي. وَكَانَ مُحِقًّا؛ فَكَانَ الْجَمِيعُ يَعْرِفُونَ بِالْأَمْرِ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ؛ فَقَدْ رَآهُ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ وَالظَّرِبَانُ جيمي وَالْأَرْنَبُ بيتر وَهُوَ يَرْكُضُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا كُلَّ مَنْ قَابَلُوهُ بِذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ تَنْتَقِلُ سَرِيعًا لِلْغَايَةِ.

لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَتَفَاخَرْ سَابِقًا بِأَنَّهُ إِذَا رَأَى الْكَائِنَ الْغَرِيبَ فَسَيَنْتَظِرُهُ وَيَعْرِفُ مَاهِيَّتَهُ، لَمَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنَ السُّوءِ؛ فَقَدْ رَكَضَ مِثْلَمَا رَكَضَ الْأَرْنَبُ بيتر عِنْدَمَا رَآهُ، وَكَانَ خَائِفًا تَمَامًا كَبيتر. وَالْآنَ وَهُوَ يَتَسَلَّلُ مُحَاوِلًا الْعُثُورَ عَلَى شَيْءٍ يَتَنَاوَلُهُ، إِذْ كَانَ جَائِعًا، بَذَلَ قُصَارَى جُهْدِهِ لِيَبْقَى بَعِيدًا عَنِ الْأَنْظَارِ. عَادَةً مَا يَتَبَاهَى الثَّعْلَبُ ريدي كَثِيرًا بِفَرْوِهِ الْأَحْمَرِ الْجَمِيلِ، لَكِنَّهُ الْآنَ يَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ بِاسْتِطَاعَتِهِ التَّخَلُّصَ مِنْهُ. فَيَصْعُبُ لِلْغَايَةِ الْبَقَاءُ بَعِيدًا عَنِ الْأَنْظَارِ عِنْدَمَا تَكُونُ مَكْسُوًّا بِشَيْءٍ فَاقِعِ اللَّوْنِ. وَالْآنَ رَصَدَتْهُ عَيْنَا طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي الْحَادَّتَانِ وَهُوَ يُحَاوِلُ التَّسَلُّلَ لِاصْطِيَادِ صِغَارِ السَّيِّدَةِ طيهوجة؛ فَطَارَ سامي عَلَى الْفَوْرِ إِلَى هُنَاكَ وَهُوَ يَصِيحُ بِمِلْءِ فَمِهِ:

الثَّعْلَبُ ريدي جَرِيءٌ جِدًّا عِنْدَمَا
لَا يُوجَدُ خَطَرٌ قَرِيبٌ،
وَإِذَا وُجِدَ الْخَطَرُ، فَوَا أَسَفَاهُ،وَوَا حَسْرَتَاهُ،
يَرْكُضُ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ.

نَظَرَ ريدي إِلَى أَعْلَى نَحْوَ سامي وَزَمْجَرَ غَاضِبًا. لَمْ يَعُدْ مِنَ الْمُجْدِي الْآنَ مُبَاغَتَةُ أَيٍّ مِنْ صِغَارِ طَائِرِ الطَّهْيُوجِ وَاصْطِيَادُهُ؛ لِذَا اسْتَدَارَ وَمَضَى مُسْرِعًا، مُحَاوِلًا الْهُرُوبَ مِنْ عَيْنَيْ سامي الْحَادَّتَيْنِ. بَعْدَ أَنْ سَارَ لِمَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ سَمِعَ صَوْتًا حَادًّا يَقُولُ: «جَبَانٌ! جَبَانٌ! جَبَانٌ!» كَانَ صَوْتَ السِّنْجَابِ الْأَحْمَرِ ثرثار.

وَبِمُجَرَّدِ ابْتِعَادِهِ عَنْ أَنْظَارِ ثرثار سَمِعَ صَوْتًا آخَرَ. كَانَ يُعِيدُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا:

هَا! هَا! هَا!
إِنَّ الشَّجَاعَةَ هُوَ مَنِ ادَّعَاهَا
وَلَكِنَّهُ جَبَانٌ، هَكَذَا وَجَدْنَاهُ.

كَانَ هَذَا عُصْفُورَ الْقَرْقَفِ تومي. لَمْ يَسْتَطِعْ ريدي التَّفْكِيرَ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَقُولُهُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ؛ لِذَا انْطَلَقَ مُسْرِعًا، مُحَاوِلًا الْعُثُورَ عَلَى مَكَانٍ يَتْرُكُهُ الْآخَرُونَ فِيهِ وَشَأْنَهُ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ إِلَيْهِ دُونَ أَنْ يَسْمَعَ مِثْلَ هَذِهِ الْأَصْوَاتِ السَّاخِرَةِ. حَتَّى عِنْدَمَا تَسَلَّلَ خُفْيَةً إِلَى بَيْتِهِ، لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا؛ حَيْثُ كَانَتِ النَّحْلَةُ الطَّنَّانَةُ تَطِنُّ حَوْلَ مَدْخَلِ مَنْزِلِهِ، وَكَانَتْ تُدَمْدِمُ:

تَنَّا تَنَّا تَنَّا تَنَّا!
وَفَرَّ ريدي رَكْضًا رَكْضًا.

فِي وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنْ عَصْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ نَادَتْ عَلَيْهِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَكَانَ وَاضِحًا عَلَيْهَا أَنَّهَا مُنْزَعِجَةٌ لِلْغَايَةِ مِنْ شَيْءٍ مَا. فَسَأَلَتْهُ بِمُجَرَّدِ أَنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ مَدْخَلِ بَيْتِهِ: «مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُهُ فِي أَيِّ مَكَانٍ أَذْهَبُ إِلَيْهِ بِشَأْنِ كَوْنِكَ جَبَانًا؟»

طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَأَخْبَرَهَا فِي خَجَلٍ شَدِيدٍ عَنِ الرُّعْبِ الَّذِي أَصَابَهُ وَكُلِّ شَيْءٍ عَنِ الْكَائِنِ الْغَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَرْجُلٌ أَوْ رَأْسٌ أَوْ ذَيْلٌ وَتَدَحْرَجَ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ.

قَالَتِ الْجَدَّةُ فِي غَضَبٍ: «هَذَا جَزَاءُ التَّفَاخُرِ! كَمْ مَرَّةٍ قُلْتُ لَكَ أَنْ لَا خَيْرَ يَأْتِي مِنْ وَرَاءِ التَّفَاخُرِ! يُحْتَمَلُ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَبَّرَ لَكَ خُدْعَةً؛ فَلَقَدْ عِشْتُ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ قَبْلُ قَطُّ عَنْ كَائِنٍ بِهَذَا الشَّكْلِ. وَإِنْ وُجِدَ، كَانَ لَا بُدَّ لِي أَنْ أَرَاهُ. عُدْ أَنْتَ إِلَى دَاخِلِ الْبَيْتِ الْآنَ، وَابْقَ هُنَاكَ؛ فَأَنْتَ عَارٌ عَلَى أُسْرَةِ الثَّعَالِبِ. سَأَبْحَثُ فِي الْأَمْرِ وَأَعْرِفُ مَا يَجْرِي. فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ خُدْعَةً مَا، فَسَيَجِدُونَ أَنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ لَا يَسْهُلُ خِدَاعُهَا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤