الفصل الخامس عشر

الْجَدَّةُ ثعلبة تُحَقِّقُ فِي الْأَمْرِ

إِنَّ التَّحْقِيقَ كَلِمَةٌ كَبِيرَةٌ، لَكِنَّ مَعْنَاهَا بَسِيطٌ لِلْغَايَةِ؛ فَالتَّحْقِيقُ هُوَ أَنْ تَبْحَثَ فِي شَيْءٍ مَا وَتَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ عَنْهُ. هَذَا مَا بَدَأَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ الْقِيَامَ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهَا ريدي بِالرُّعْبِ الشَّدِيدِ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ بريكلي بوركي.

وَالْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مَاكِرَةٌ وَذَكِيَّةٌ وَبَارِعَةٌ، كَمَا تَعْلَمُونَ جَمِيعًا. وَذَكَاءُ الثَّعْلَبِ ريدي لَا يُسَاوِي شَيْئًا مُقَارَنَةً بِذَكَائِهَا. رُبَّمَا يُصْبِحُ بِمَكْرِهَا وَذَكَائِهَا وَبَرَاعَتِهَا يَوْمًا مَا، وَلَكِنَّهُ بِحَاجَةٍ إِلَى تَعَلُّمِ الْكَثِيرِ قَبْلَ هَذَا. وَإِذَا كَانَ ريدي هُوَ مَنْ سَيُحَقِّقُ فِي الْأَمْرِ، كَانَ سَيَتَّجِهُ مُبَاشَرَةً إِلَى تَلِّ بريكلي بوركي وَيَتَفَقَّدُ الْمَكَانَ وَيَطْرَحُ أَسْئِلَةً خَبِيثَةً، وَسَيَعْرِفُ كُلُّ مَنْ يَلْتَقِي بِهِ أَنَّهُ يَسْعَى لِمَعْرِفَةِ شَيْءٍ مَا.

وَلَكِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا كَهَذَا. بِالطَّبْعِ لَا، فَقَدْ ذَهَبَتْ لِتَصْطَادَ طَعَامَ الْعَشَاءِ كَالْمُعْتَادِ دَوْمًا، وَلَمْ يَبْدُ عَلَيْهَا أَنَّهَا تُعِيرُ أَيَّ اهْتِمَامٍ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ حَوْلِهَا. رَكَضَتْ فِي هَذَا الِاتِّجَاهِ وَذَاكَ وَأَنْفُهَا مُوَجَّهٌ نَحْوَ الْأَرْضِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ تَقْتَفِي أَثَرًا. نَظَرَتْ دَاخِلَ جُذُوعِ الشَّجَرِ الْقَدِيمَةِ الْمُجَوَّفَةِ وَتَحْتَ أَكْوَامِ الْأَجَمَةِ الصَّغِيرَةِ؛ لِذَا بِمُرُورِ الْوَقْتِ وَصَلَتْ إِلَى التَّلِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ بريكلي بوركي.

كَانَ ريدي قَدْ أَخْبَرَ الْجَدَّةَ بِأَنَّ الْمَخْلُوقَ الْمُفْزِعَ الَّذِي أَخَافَهُ تَدَحْرَجَ مِنْ أَعْلَى التَّلِّ نَحْوَهُ، حَيْثُ كَانَ يَقِفُ فِي الْأَسْفَلِ. وَسَمِعَتِ الْجَدَّةُ بِأَنَّ الْأَمْرَ نَفْسَهُ حَدَثَ لِلْأَرْنَبِ بيتر وَالْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ؛ لِذَا، بَدَلًا مِنَ الذَّهَابِ إِلَى هُنَاكَ مِنْ عِنْدِ الْوَادِي الصَّغِيرِ، ذَهَبَتْ مِنَ الطَّرِيقِ الْآخَرِ. فَكَّرَتِ الْجَدَّةُ بِدَهَاءٍ: «إِذَا كَانَ يُوجَدُ أَيُّ شَيْءٍ هُنَاكَ، فَسَأَكُونُ خَلْفَهُ، وَلَسْتُ أَمَامَهُ.»

رَكَّزَتِ الْجَدَّةُ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا بِشِدَّةٍ مَعَ اقْتِرَابِهَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ بريكلي بوركي، وَتَظَاهَرَتْ بِعَدَمِ اكْتِرَاثِهَا بِشَيْءٍ إِلَّا الصَّيْدَ مِنْ أَجْلِ الْعَشَاءِ. لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ لِيَظُنَّ أَنَّهَا تُفَكِّرُ فِي شَيْءٍ آخَرَ. رَكَضَتْ هُنَا وَهُنَاكَ فِي أَنْحَاءِ التَّلِّ، لَكِنَّهَا لَمْ تَرَ أَوْ تَسْمَعْ شَيْئًا غَيْرَ عَادِيٍّ إِلَّا شَيْئًا وَاحِدًا؛ فَقَدْ وَجَدَتْ آثَارًا غَرِيبَةً تَتَّجِهُ نَحْوَ أَسْفَلِ التَّلِّ كَمَا لَوْ أَنَّ شَيْئًا تَدَحْرَجَ هُنَا. تَتَبَّعَتْ هَذِهِ الْآثَارَ حَتَّى السَّفْحِ، لَكِنَّهَا اخْتَفَتْ هُنَاكَ.

وَبَيْنَمَا هِيَ تُهَرْوِلُ عَائِدَةً إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَى طُولِ الْمَمَرِّ الصَّغِيرِ عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، الْتَقَتْ بِالْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ. لَمْ تَلْتَقِهِ بِالضَّبْطِ؛ لِأَنَّهُ رَآهَا قَبْلَ أَنْ تَرَاهُ، فَتَسَلَّقَ شَجَرَةً عَلَى الْفَوْرِ.

قَالَ الْعَمُّ بيلي: «أَظُنُّ أَنَّ الْجَمِيعَ سَمِعَ عَنِ الْكَائِنِ الْمُفْزِعِ الَّذِي أَخَافَ ريدي حَتَّى كَادَ يَفْقِدُ صَوَابَهُ هَذَا الصَّبَاحَ.»

تَوَقَّفَتِ الْجَدَّةُ وَنَظَرَتْ لِأَعْلَى، وَرَدَّتْ: «مِنَ السَّهْلِ إِخَافَةُ الصِّغَارِ وَالْأَبْرِيَاءِ أَيُّهَا السَّيِّدُ أبوسوم. أَنَا لَا أُصَدِّقُ كُلَّ مَا أَسْمَعُ. أَنَا أَصْطَادُ فَحَسْبُ فِي أَنْحَاءِ التَّلِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ بريكلي بوركي، وَلَمْ أَسْتَطِعِ الْعُثُورَ حَتَّى عَلَى فَأْرِ الْخَشَبِ لِلْعَشَاءِ. هَلْ تُصَدِّقُ مِثْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ السَّاذَجَةِ أَيُّهَا السَّيِّدُ أبوسوم؟»

سَعَلَ الْعَمُّ بيلي وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَرَدَّ: «نَعَمْ أَيَّتُهَا السَّيِّدَةُ ثعلبة، أَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيَّ تَصْدِيقُهَا. فَكَمَا تَرَيْنَ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا الشَّيْءَ بِنَفْسِي؛ لِذَا مِنَ الطَّبِيعِي أَنْ أُصَدِّقَ عَيْنَيَّ.»

قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة فِي حِدَّةٍ: «هَاهْ! أُرِيدُ رُؤْيَتَهُ! رُبَّمَا عِنْدَهَا أُصَدِّقُ.»

رَدَّ الْعَمُّ بيلي: «الْوَقْتُ الْوَحِيدُ الَّذِي يُمْكِنُكِ رُؤْيَتُهُ فِيهِ هُوَ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ. فَمَنْ يَأْتِ عَلَى طُولِ سَفْحِ تَلِّ بريكلي بوركي عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، فَقَدْ لَا يَنْسَى مَا سَيَحْدُثُ لَهُ أَبَدًا. أَنَا لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ ثَانِيَةً. لَا، فَمَرَّةٌ وَاحِدَةٌ تَكْفِي الْعَمَّ بيلي.»

نَخَرَتِ الْجَدَّةُ وَقَالَتْ: «هَاهْ» ثُمَّ هَرْوَلَتْ.

رَاقَبَهَا الْعَمُّ بيلي وَهِيَ تَغِيبُ عَنِ الْأَنْظَارِ وَابْتَسَمَ ابْتِسَامَةً عَرِيضَةً. ضَحِكَ الْعَمُّ بيلي وَقَالَ: «بِمُجَرَّدِ أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ صَبَاحَ الْغَدِ، سَتَكُونُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ هُنَا. يَجِبُ أَنْ أُبْلِغَ الشَّيْهَمَ وَالظَّرِبَانَ وَالْأَرْنَبَ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤