الفصل السادس عشر

الْجَدَّةُ ثعلبة تَفْقِدُ وَقَارَهَا

نَقَلَ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ الْخَبَرَ إِلَى الظَّرِبَانِ جيمي وَالْأَرْنَبِ بيتر وَالشَّيْهَمِ بريكلي بوركي بِأَنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ سَتَأْتِي مُبَاشَرَةً عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ لِتَرَى بِنَفْسِهَا الْكَائِنَ الْغَرِيبَ الَّذِي أَخَافَ الثَّعْلَبَ ريدي عِنْدَ سَفْحِ التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ بريكلي بوركي. كَيْفَ عَلِمَ الْعَمُّ بيلي؟ حَسَنًا، لَقَدْ خَمَّنَ الْأَمْرَ؛ فَهُوَ عَلَى الْقَدْرِ نَفْسِهِ مِنْ دَهَاءِ وَذَكَاءِ الْجَدَّةِ ثعلبة، وَعِنْدَمَا أَخْبَرَهَا بِأَنَّ الْوَقْتَ الْوَحِيدَ الَّذِي يُرَى فِيهِ الْكَائِنُ الْغَرِيبُ الَّذِي يَتَحَدَّثُ عَنْهُ الْجَمِيعُ هُوَ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، خَمَّنَ مِنْ طَرِيقَةِ اسْتِهْزَائِهَا وَتَظَاهُرِهَا بِعَدَمِ تَصْدِيقِ الْأَمْرِ بِرُمَّتِهِ أَنَّهَا سَتَزُورُ تَلَّ بريكلي بوركي فِي الصَّبَاحِ التَّالِي.

قَالَ الْعَمُّ بيلي وَهُوَ يُفَكِّرُ مَعَ أَصْدِقَائِهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَمْرِ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنَ الْمَسَاءِ مُحَذِّرًا: «تَظُنُّ السَّيِّدَةُ الْعَجُوزُ أَنَّ هُنَاكَ خُدْعَةً مَا، عَلَيْنَا أَنْ نَتَوَخَّى الْحَذَرَ الشَّدِيدَ. لَا بُدَّ أَنَّهَا سَتَأْتِي لِتَتَفَقَّدَ الْمَكَانَ قَبْلَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَيَجِبُ أَنْ نَكُونَ جَمِيعًا بَعِيدِينَ عَنِ الْأَنْظَارِ، عَدَا بريكلي بوركي. إِنَّهَا سَتَأْتِي مِنَ الطَّرِيقِ نَفْسِهِ الَّذِي جَاءَتْ مِنْهُ فِي عَصْرِ الْيَوْمِ؛ مِنْ خَلْفِ التَّلِّ لَا مِنْ عِنْدِ الْوَادِي الصَّغِيرِ بِالْمُقَدِّمَةِ.»

كَانَ الْعَمُّ بيلي مُحِقًّا؛ فَكَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ وَاثِقَةً مِنْ أَنَّ أَحَدًا مَا يُدَبِّرُ خُدْعَةً؛ لِذَا لَمْ تَنْتَظِرْ حَتَّى طُلُوعِ الشَّمْسِ. فَكَانَتْ عَلَى قِمَّةِ التَّلِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ بريكلي بوركي قَبْلَ شُرُوقِ الشَّمْسِ بِسَاعَةٍ كَامِلَةٍ، وَجَلَسَتْ هُنَاكَ تَنْتَظِرُ. لَمْ تَسْتَطِعْ رُؤْيَةَ أَوْ سَمَاعَ أَيِّ شَيْءٍ يُثِيرُ الرِّيبَةَ. كَانَ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ مُتَوَارِيًا عَنِ الْأَنْظَارِ، حَيْثُ جَلَسَ فِي أَكْثَرِ الْأَمَاكِنِ عُمْقًا دَاخِلَ شَجَرَةِ الشَّوْكَرَانِ، وَكَانَ الْأَرْنَبُ بيتر يَجْلِسُ سَاكِنًا دَاخِلَ فَرْعٍ مُجَوَّفٍ، وَلَمْ يَكُنِ الظَّرِبَانُ جيمي يَبْدُو مِنْهُ حَتَّى طَرَفُ أَنْفِهِ، حَيْثُ كَانَ يَسْتَلْقِي دَاخِلَ مَدْخَلِ بَيْتٍ قَدِيمٍ أَسْفَلَ جُذُورِ جِذْعٍ مَقْطُوعٍ كَبِيرٍ. كَانَ بريكلي بوركي هُوَ مَنْ يُرَى فَحَسْبُ، وَبَدَا أَنَّهُ نَائِمٌ دَاخِلَ شَجَرَتِهِ الْمُفَضَّلَةِ. بَدَا كُلُّ شَيْءٍ تَمَامًا كَمَا اعْتَادَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ رُؤْيَتَهُ مِئَاتِ الْمَرَّاتِ مِنْ قَبْلُ.

أَخِيرًا بَدَأَتْ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ الصَّغِيرَةُ تَتَرَاقَصُ فِي أَرْجَاءِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَتُطَارِدُ الظِّلَالَ السَّوْدَاءَ. اسْتَيْقَظَ الصَّدَّاحُ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ وَبَدَأَ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْغِنَاءِ كَعَادَتِهِ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ حَتَّى يَحْصُلَ عَلَى إِفْطَارِهِ. تَثَاءَبَ بريكلي بوركي وَنَخَرَ، ثُمَّ نَزَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَانَ يَجْلِسُ بِدَاخِلِهَا، وَسَارَ بِبُطْءٍ إِلَى أُخْرَى، وَبَدَأَ يَتَسَلَّقُهَا، ثُمَّ غَيَّرَ رَأْيَهُ وَبَدَأَ يَبْحَثُ فِي أَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْهَالِكَةِ. وَقَفَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ وَأَخَذَتْ تَمُطُّ جَسَدَهَا بِبُطْءٍ. نَظَرَتْ إِلَى بريكلي بوركي بِازْدِرَاءٍ؛ فَقَدْ رَأَتْهُ يَتَصَرَّفُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْحَمْقَاءِ الْحَائِرَةِ عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ مِنْ قَبْلُ. ثُمَّ سَارَتْ بِهُدُوءٍ وَهِيَ تُرَاقِبُ بِحِدَّةٍ مَا يَحْدُثُ عَلَى يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا، دُونَ أَنْ يَبْدُوَ عَلَيْهَا ذَلِكَ، نَحْوَ أَسْفَلِ التَّلِّ إِلَى الْوَادِي الصَّغِيرِ عِنْدَ سَفْحِهِ.

تَتَحَلَّى الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِالْوَقَارِ الشَّدِيدِ عِنْدَمَا تَرْغَبُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَتْ بِالْفِعْلِ كَذَلِكَ حِينَئِذٍ؛ فَلَمْ تُسْرِعِ الْخُطَى عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَرَفَعَتْ ذَيْلَهَا الْكَبِيرَ الْكَثِيفَ فِي حَذَرٍ. وَلَمْ تَنْظُرْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَرَاءَهَا، فَقَدْ كَانَتْ وَاثِقَةً أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ غَيْرُ مَأْلُوفٍ خَلْفَهَا، وَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ سَيُخِلُّ بِوَقَارِهَا. وَصَلَتْ إِلَى سَفْحِ التَّلِّ وَكَانَتْ تَسِيرُ عَلَى طُولِ الْوَادِي الصَّغِيرِ وَهِيَ تَبْتَسِمُ فِي نَفْسِهَا عِنْدَ التَّفْكِيرِ فِي مَدَى سُهُولَةِ تَسَلُّلِ شُعُورِ الْخَوْفِ إِلَى الْبَعْضِ، وَعِنْدَهَا الْتَقَطَتْ أُذُنَاهَا صَوْتًا أَعْلَى التَّلِّ خَلْفَهَا. الْتَفَتَتْ فِي لَمْحِ الْبَصَرِ، وَإِذَا بِالْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ تَغْلِبُهَا الدَّهْشَةُ فَلَا تَسْتَطِيعُ سِوَى التَّحْدِيقِ فِي الْمَشْهَدِ لِدَقِيقَةٍ؛ فَقَدْ كَانَ يَتَدَحْرَجُ مِنْ أَعْلَى التَّلِّ بِاتِّجَاهِهَا مُبَاشَرَةً الشَّيْءُ نَفْسُهُ الَّذِي أَخْبَرَهَا ريدي عَنْهُ.

فِي الْبِدَايَةِ قَرَّرَتِ الْجَدَّةُ أَنْ تَظَلَّ فِي مَكَانِهَا وَتَعْرِفَ مَاهِيَّةَ هَذَا الشَّيْءِ، لَكِنْ كُلَّمَا اقْتَرَبَ مِنْهَا، زَادَتْ غَرَابَتُهُ وَبَشَاعَتُهُ. كَانَ عِبَارَةً عَنْ كُرَةٍ ضَخْمَةٍ مُغَطَّاةٍ كُلُّهَا بِأَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْجَافَّةِ، مَعَ ذَلِكَ كَانَتِ الْجَدَّةُ مُتَأَكِّدَةً مِنْ أَنَّهُ كَائِنٌ حَيٌّ، رَغْمَ عَدَمِ تَمَكُّنِهَا مِنْ رُؤْيَةِ أَيِّ رَأْسٍ أَوْ ذَيْلٍ أَوْ أَرْجُلٍ. وَكُلَّمَا زَادَ اقْتِرَابُهُ مِنْهَا، زَادَتْ غَرَابَتُهُ وَبَشَاعَتُهُ. ثُمَّ نَسِيَتِ الْجَدَّةُ وَقَارَهَا. بِالْفِعْلِ نَسِيَتْ وَقَارَهَا. فِي الْوَاقِعِ فَقَدَتْهُ تَمَامًا؛ فَرَكَضَتِ كَمَا رَكَضَ ريدي!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤