الفصل الثامن عشر

الصَّدِيقُ وَقْتَ الضِّيقِ

إِنَّ الصَّدِيقَ الْوَفِيَّ هُوَ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ؛
إِذْ لَا يَتَخَلَّى عَنْكَ وَقْتَ الْمَتَاعِبِ.

لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ أَوْفَى أَصْدِقَائِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي مُشْكِلَةٍ. فَعِنْدَمَا يَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ وَلَا أَثَرَ لِلْمُشْكِلَاتِ فِي أَيِّ مَكَانٍ، يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ اكْتِسَابَ الْكَثِيرِ مِنَ الْأَصْدِقَاءِ. عَلَى الْأَقَلِّ هَذَا مَا يَبْدُو. لَكِنْ عِنْدَمَا تَأْتِي الْمُشْكِلَاتُ، دَائِمًا يَخْتَفِي هَؤُلَاءِ الْأَصْدِقَاءُ الْمُرَاءُونَ فِي لَمْحِ الْبَصَرِ، وَيَتَبَقَّى الْقَلِيلُ، أَحْيَانًا قَلِيلٌ لِلْغَايَةِ مِنْهُمْ. هَؤُلَاءِ هُمُ الْأَصْدِقَاءُ الْحَقِيقِيُّونَ وَالْأَوْفِيَاءُ، وَهُمْ أَهَمُّ كَثِيرًا مِنْ سَائِرِ الْأَصْدِقَاءِ الْآخَرِينَ مُجْتَمِعِينَ. تَذَكَّرْ أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ صَدِيقًا وَفِيًّا لِأَحَدٍ، فَسَتَقِفُ إِلَى جِوَارِهِ وَتُسَاعِدُهُ مَهْمَا حَدَثَ. أَحْيَانًا تَنْطَوِي الْمُشْكِلَاتُ عَلَى فَائِدَةٍ؛ إِذْ تَعْرِفُ حِينَهَا أَصْدِقَاءَكَ الْحَقِيقِيِّينَ.

عَرَفَ الْأَرْنَبُ بيتر بَعْضَ أَصْدِقَائِهِ الْأَوْفِيَاءِ عِنْدَمَا أَمْسَكَتْ بِهِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِسَبَبِ تَهَوُّرِهِ. مَرَّ بيتر مِنْ قَبْلُ بِالْعَدِيدِ مِنَ الْمَوَاقِفِ الْعَصِيبَةِ وَشَعَرَ بِالذُّعْرِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً فِي حَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ قَطُّ بِالْعَجْزِ وَفُقْدَانِ الْأَمَلِ إِلَّا عِنْدَمَا شَعَرَ بِمَخَالِبِ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ السَّوْدَاءِ وَهِيَ تُثَبِّتُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَسْنَانُهَا الْحَادَّةُ تُمْسِكُ بِالْجِلْدِ الْمُتَهَدِّلِ فِي عُنُقِهِ مِنَ الْخَلْفِ. كُلُّ مَا اسْتَطَاعَ فِعْلَهُ هُوَ الرَّكْلُ بِكُلِّ طَاقَتِهِ، لَكِنْ لَمْ تُوجَدْ جَدْوَى مِنَ الرَّكْلِ حَيْثُ حَرَصَتِ الْجَدَّةُ عَلَى الِابْتِعَادِ عَنْ قَدَمَيْهِ الْخَلْفِيَّتَيْنِ الْقَوِيَّتَيْنِ.

حَاوَلَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَدِيدَ وَالْعَدِيدَ مِنَ الْمَرَّاتِ الْإِمْسَاكَ بِبيتر، وَكَانَ بيتر دَائِمًا يَفُوقُهَا ذَكَاءً، كَمَا أَنَّهُ اسْتَهْزَأَ بِهَا وَسَخِرَ مِنْهَا لِلتَّوِّ. الْآنَ جَاءَ دَوْرُهَا لِتَأْخُذَ بِثَأْرِهَا، كُلُّ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مُتَهَوِّرًا وَأَحْمَقَ. فَكَمَا تَرَوْنَ، كَانَ بيتر وَاثِقًا مِنْ أَنَّ الْجَدَّةَ أُصِيبَتْ بِالذُّعْرِ عِنْدَمَا هَرَبَتْ مِنَ الْكَائِنِ الْغَرِيبِ الَّذِي تَدَحْرَجَ مِنْ أَعْلَى تَلِّ بريكلي بوركي مُتَّجِهًا نَحْوَهَا، حَتَّى إِنَّهَا لَنْ تُفَكِّرَ فِي الْعَوْدَةِ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِذَا اسْتَسْلَمَ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِذُعْرِ الْجَدَّةِ. عِنْدَ سَمَاعِ صَرَخَاتِ بيتر الْمَذْعُورَةِ، فَرَّ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ لِأَقْرَبِ شَجَرَةٍ، وَاخْتَبَأَ الظَّرِبَانُ جيمي خَلْفَ جِذْعٍ مَقْطُوعٍ. فَكَمَا تَرَوْنَ، كَانَ الْأَمْرُ مُفَاجِئًا فَلَمْ يُدْرِكُوا تَمَامًا مَا يَحْدُثُ. إِلَّا أَنَّ بريكلي بوركي، الَّذِي يَدْعُوهُ الْبَعْضُ بِالْغَبِيِّ، لَمْ يَتَحَرَّكْ هَارِبًا؛ فَقَدْ تَصَادَفَ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى بيتر عِنْدَمَا أَمْسَكَتْ بِهِ الْجَدَّةُ؛ لِذَا كَانَ يَعْلَمُ بِالضَّبْطِ مَا حَدَثَ. لَاحَتْ لَمْحَةُ غَضَبٍ فِي عَيْنَيْهِ الْفَاتِرَتَيْنِ عَادَةً، وَتَحَرَّكَ بريكلي بوركي بِسُرْعَةٍ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي حَيَاتِهِ. وَبَرَزَتْ آلَافُ الْأَشْوَاكِ الصَّغِيرَةِ الْمُخَبَّأَةِ فِي فَرْوِهِ فَجْأَةً، وَانْدَفَعَ إِلَى الْأَمَامِ بِعُنْفٍ.

قَالَ وَهُوَ يَنْخُرُ: «أَفْلِتِيهِ!»

زَمْجَرَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة فَحَسْبُ وَتَرَاجَعَتْ إِلَى الْخَلْفِ، وَهِيَ تَجُرُّ بيتر مَعَهَا وَتَجْعَلُهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بريكلي بوركي.

عِنْدَهَا كَانَ الظَّرِبَانُ جيمي قَدِ اسْتَجْمَعَ شَجَاعَتَهُ. وَهُوَ لَا يَخَافُ مِنْ أَيِّ أَحَدٍ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ. فَقَفَزَ مِنْ خَلْفِ الْجِذْعِ الْمَقْطُوعِ، عَلَى اسْتِحْيَاءٍ بَعْضَ الشَّيْءِ، وَاتَّجَهَ نَحْوَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ. أَمَرَهَا فِي نَبْرَةٍ مُهَدِّدَةٍ: «أَفْلِتِي بيتر مِنْ بَيْنِ بَرَاثِنِكِ!» كَانَ السَّبَبُ فِي عَدَمِ خَوْفِ الظَّرِبَانِ جيمي مِنْ أَيِّ أَحَدٍ هُوَ أَنَّهُ يَحْمِلُ مَعَهُ كِيسًا صَغِيرًا بِهِ رَائِحَةٌ نَفَّاذَةٌ لِلْغَايَةِ تُقَزِّزُ الْجَمِيعَ إِلَّا هُوَ، وَالْجَدَّةُ ثعلبة تَعْلَمُ هَذَا الْأَمْرَ؛ لِذَا تَرَدَّدَتْ لِبُرْهَةٍ، ثُمَّ فَكَّرَتْ فِي أَنَّهُ إِذَا أَفْرَزَ جيمي رَائِحَتَهُ الْكَرِيهَةَ فَإِنَّهَا سَتُؤْذِي بيتر تَمَامًا كَمَا سَتُؤْذِيهَا؛ لِذَا لَمْ تُصَدِّقْ أَنَّ جيمي سَيَفْعَلُ ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّتْ فِي التَّرَاجُعِ إِلَى الْخَلْفِ وَهِيَ تَجُرُّ بيتر مَعَهَا. ثُمَّ شَارَكَ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ، وَكَانَ عَمَلُهُ هُوَ الْأَشْجَعَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْجَدَّةَ سَتَتَفَوَّقُ عَلَيْهِ إِنْ دَخَلَ مَعَهَا فِي شِجَارٍ؛ فَانْزَلَقَ مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي احْتَمَى بِهَا، ثُمَّ زَحَفَ خَلْفَ الْجَدَّةِ وَعَضَّهَا بِشِدَّةٍ فِي أَحَدِ عَقِبَيْهَا. تَرَكَتِ الْجَدَّةُ بيتر لِتَلْتَفِتَ وَتَنْهَشَ الْعَمَّ بيلي. كَانَتْ هَذِهِ فُرْصَةَ بيتر؛ فَانْزَلَقَ مِنْ تَحْتِ مَخَالِبِ الْجَدَّةِ وَأَصْبَحَ خَلْفَ بريكلي بوركي فِي لَمْحِ الْبَصَرِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤