الفصل التاسع عشر

الظَّرِبَانُ جيمي يَنْقُلُ الْخَبَرَ لِزَوْجَةِ الْأَرْنَبِ بيتر

عِنْدَمَا وَجَدَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة أَنَّ بريكلي بوركي يَقِفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْنَبِ بيتر، وَالْآلَافُ مِنْ أَشْوَاكِهِ الصَّغِيرَةِ مُوَجَّهَةٌ نَحْوَهَا، شَعَرَتْ بِغَضَبٍ لَمْ تَشْعُرْ بِهِ مِنْ قَبْلُ. وَلَمْ تَجْرُؤْ عَلَى لَمْسِ بريكلي بوركي؛ حَيْثُ كَانَتْ تَعْلَمُ جَيِّدًا مَعْنَى أَنْ تَنْغَرِسَ إِحْدَى هَذِهِ الْأَشْوَاكِ الصَّغِيرَةِ الْحَادَّةِ الشَّائِكَةِ فِي جِلْدِهَا. فَكَانَ مُجَرَّدُ تَفْكِيرِهَا فِي أَنَّهَا أَمْسَكَتْ بِالْأَرْنَبِ بيتر بِالْفِعْلِ ثُمَّ أَفْلَتَتْهُ يَغِيظُهَا كَثِيرًا. وَكَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ تَحْتَمِلَهُ أَعْصَابُهَا، خَاصَّةً أَنَّهَا سَرِيعَةُ الْغَضَبِ بِطَبِيعَتِهَا. وَفِي نَوْبَةِ غَضَبِهَا أَخَذَتْ تُثِيرُ أَوْرَاقَ الشَّجَرِ وَالتُّرَابِ بِسَاقَيْهَا الْخَلْفِيَّتَيْنِ، وَطَوَالَ الْوَقْتِ أَطْلَقَتْ لِسَانَهَا عَلَى الشَّيْهَمِ بريكلي بوركي وَالظَّرِبَانِ جيمي وَالْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ وَنَعَتَتْهُمْ بِأَقْبَحِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي خَطَرَتْ عَلَى بَالِهَا. وَنَظَرَتْ إِلَيْهِمْ بِعَيْنَيْهَا الصَّفْرَاوَيْنِ شَزْرًا، فَبَدَا كَمَا لَوْ أَنَّ أَلْسِنَةَ لَهَبٍ تَتَطَايَرُ مِنْهُمَا. فَكَانَ بيتر يَرْتَجِفُ مِنْ مُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَيْهَا.

أَمَّا الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ، الَّذِي انْزَلَقَ مِنْ وَرَائِهَا وَعَضَّهَا فِي أَحَدِ عَقِبَيْهَا وَجَعَلَهَا تَتْرُكُ بيتر، فَابْتَسَمَ لَهَا مِنْ مَكَانٍ آمِنٍ دَاخِلَ إِحْدَى الْأَشْجَارِ. وَقَفَ الظَّرِبَانُ جيمي يَبْتَسِمُ لَهَا عَلَى نَحْوٍ اسْتِفْزَازِيٍّ أَكْثَرَ، وَلَمْ تَسْتَطِعْ فِعْلَ شَيْءٍ لَهُمْ؛ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَدَيْهَا أَيَّةُ رَغْبَةٍ فِي أَنْ يُفْرِزَ جيمي رَائِحَتَهُ الْكَرِيهَةَ. وَأَخَذَتْ تَتَكَلَّمُ حَتَّى لَمْ تَجِدْ شَيْئًا آخَرَ تَقُولُهُ، وَبَعْدَ تَوْجِيهِ الْعَدِيدِ مِنَ التَّهْدِيدَاتِ أَثْنَاءَ انْصِرَافِهَا عَمَّا سَتَفْعَلُهُ، اتَّجَهَتْ إِلَى بَيْتِهَا. لَاحَظَ الْعَمُّ بيلي أَنَّهَا تَعْرُجُ قَلِيلًا عَلَى الْقَدَمِ الَّتِي عَضَّهَا مِنْهَا بِشِدَّةٍ، فَلَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ يَشْعُرَ بِقَلِيلٍ مِنَ الْأَسَفِ نَحْوَهَا.

عِنْدَمَا ذَهَبَتِ، الْتَفَتَ الْآخَرُونَ إِلَى الْأَرْنَبِ بيتر لِيَرَوْا مَدَى سُوءِ إِصَابَتِهِ. فَحَصُوهُ بِالْكَامِلِ وَلَمْ يَجِدُوا أَنَّ إِصَابَتَهُ خَطِيرَةً بِالنَّظَرِ إِلَى التَّجْرِبَةِ الْعَصِيبَةِ الَّتِي مَرَّ بِهَا. كَانَ جَسَدُهُ مُتَيَبِّسًا وَلَا يَسْتَطِيعُ تَحْرِيكَ أَطْرَافِهِ، وَكَانَ عُنُقُهُ مِنَ الْخَلْفِ مُلْتَهِبًا حَيْثُ أَمْسَكَتْ بِهِ الْجَدَّةُ ثَعْلَبَةُ، لَكِنَّهُ سَيَسْتَعِيدُ عَافِيَتَهُ فِي يَوْمٍ أَوِ اثْنَيْنِ.

قَالَ بِصَوْتٍ وَاهِنٍ: «يَجِبُ أَنْ أَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ الْآنَ؛ فَزَوْجَتِي سَتَعْرِفُ أَنْ خَطْبًا مَا حَدَثَ لِي وَسَتَقْلَقُ كَثِيرًا.»

قَالَ الظَّرِبَانُ جيمي: «لَا، لَنْ تَذْهَبَ. فَسَتَبْقَى هُنَا حَيْثُ نَسْتَطِيعُ الِاعْتِنَاءَ بِكَ. لَيْسَ مِنَ الْآمَنِ لَكَ أَنْ تُحَاوِلَ الذَّهَابَ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ الْآنَ؛ لِأَنَّكَ إِنْ قَابَلْتَ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ أَوِ الثَّعْلَبَ ريدي أَوِ الصَّقْرَ أَبْيَضَ الذَّيْلِ، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ الرَّكْضَ بِالسُّرْعَةِ الْكَافِيَةِ لِتَتَمَكَّنَ مِنَ الْهُرُوبِ. سَأَنْزِلُ أَنَا مِنْ عَلَى التَّلِّ وَأَذْهَبُ لِأُخْبِرَ زَوْجَتَكَ بِالْأَمْرِ، وَأَنْتَ سَتَسْتَرِيحُ فِي الْمَنْزِلِ الْقَدِيمِ وَرَاءَ هَذَا الْجِذْعِ حَيْثُ كُنْتُ مُخْتَبِئًا.»

حَاوَلَ بيتر الْإِصْرَارَ عَلَى الذَّهَابِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَمِعِ الْآخَرُونَ لَهُ، وَحَسَمَ الظَّرِبَانُ جيمي الْأَمْرَ بِالِاتِّجَاهِ نَحْوَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. وَجَدَ زَوْجَتَهُ تَتَرَقَّبُ فِي لَهْفَةٍ الْغَابَةَ الْخَضْرَاءَ بَحْثًا عَنْ أَيِّ أَثَرٍ لِبيتر.

صَاحَتْ: «يَا إِلَهِي! لَقَدْ جِئْتَ لِتَنْقُلَ لِي أَخْبَارًا سَيِّئَةً. قُلْ لِي سَرِيعًا مَاذَا حَدَثَ لِبيتر!»

رَدَّ جيمي عَلَى الْفَوْرِ: «لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ خَطِيرٌ.» ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِطَرِيقَةٍ سَاخِرَةٍ جِدًّا عَنْ ذُعْرِ الْجَدَّةِ ثعلبة عِنْدَمَا رَأَتِ الْكَائِنَ الرَّهِيبَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ وَهُوَ يَتَدَحْرَجُ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ، وَكُلِّ مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ حَرَصَ بِشِدَّةٍ عَلَى التَّهْوِينِ مِنْ إِفْلَاتِ بيتر مِنَ الْجَدَّةِ، وَشَرَحَ لَهَا أَنَّهُ سَيَرْتَاحُ فَقَطْ هَذَا الْيَوْمَ عَلَى تَلِّ بريكلي بوركي وَسَيَعُودُ إِلَى الْمَنْزِلِ فِي اللَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ. إِلَّا أَنَّ الزَّوْجَةَ الشَّابَّةَ لَمْ تَقْتَنِعْ تَمَامًا.

فَقَالَتْ: «لَقَدْ نَاشَدْتُهُ كَثِيرًا أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، لَكِنِ الْآنَ إِذَا كَانَ قَدْ تَعَرَّضَ لِأَذًى يَمْنَعُهُ مِنَ الْحُضُورِ إِلَى الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيَّ، وَسَأَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ بِنَفْسِي.»

لَمْ يُقْنِعْهَا أَيُّ شَيْءٍ يَقُولُهُ جيمي بِالْعُدُولِ عَنْ رَأْيِهَا؛ لِذَا وَافَقَ أَخِيرًا عَلَى اصْطِحَابِهَا إِلَى بيتر. وَذَهَبَتْ زَوْجَةُ الْأَرْنَبِ بيتر الضَّعِيفَةُ الْقَلْبِ وَهِيَ تَقْفِزُ خَلْفَ الظَّرِبَانِ جيمي فِعْلِيًّا إِلَى دَاخِلِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، الَّتِي كَانَتْ تَخَافُ مِنْهَا كَثِيرًا؛ مِمَّا يُظْهِرُ الشَّجَاعَةَ الَّتِي يُعْطِيهَا الْحُبُّ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤