الفصل الحادي والعشرون

طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي يُبْلِغُ رِسَالَتَهُ

يَحْمِلُ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي الْعَدِيدَ مِنَ الرَّسَائِلِ، فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ آخَرُ كَيْفِيَّةَ تَوْصِيلِ الرَّسَائِلِ أَفْضَلَ مِنْهُ؛ فَهُوَ يَعْلَمُ مَتَى يَكُونُ مُهَذَّبًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ تَهْذِيبًا مِنْهُ. ذَهَبَ أَوَّلًا إِلَى مَنْزِلِ ريدي وَالْجَدَّةِ ثعلبة وَدَعَاهُمَا إِلَى الْحُضُورِ إِلَى التَّلِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ الشَّيْهَمُ بريكلي بوركي لِيُشَاهِدَا الْكَائِنَ الْمُفْزِعَ الَّذِي أَصَابَهُمَا بِالرُّعْبِ وَهُوَ يُخِيفُ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ. قَالَ كُلٌّ مِنْ ريدي وَالْجَدَّةِ عَلَى الْفَوْرِ إِنَّهُمَا لَنْ يَفْعَلَا شَيْئًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَإِنَّهُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ سامي مُشَارِكًا فِي مَكِيدَةٍ مَا، وَإِنَّهُمَا عَلَى أَيَّةِ حَالٍ يَعْلَمَانِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَخْلُوقٌ هَكَذَا دُونَ رَأْسٍ أَوْ أَرْجُلٍ أَوْ ذَيْلٍ، وَرَغْمَ أَنَّهُمَا خُدِعَا مَرَّةً، فَإِنَّهُمَا لَا يَعْتَزِمَانِ أَنْ يُخْدَعَا مَرَّةً أُخْرَى.

رَدَّ سامي كَمَا لَوْ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَعْنِيهِ: «حَسَنًا، فَأَنْتُمَا تَعْتَرِفَانِ بِأَنَّهُ رَغْمَ ذَكَائِكُمَا تَعَرَّضْتُمَا لِلْخِدَاعِ، وَفَكَّرْنَا أَنَّهُ رُبَّمَا تُرِيدَانِ رُؤْيَةَ الْأَمْرِ نَفْسِهِ يَحْدُثُ لِلْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ.»

عِنْدَمَا قَالَ هَذَا طَارَ مُبْتَعِدًا نَحْوَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ لِيَبْحَثَ عَنِ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ، وَضَحِكَ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ يَطِيرُ. غَمْغَمَ: «سَوْفَ يَأْتِيَانِ، فَأَنَا أَعْرِفُهُمَا جَيِّدًا وَأَعْلَمُ أَنْ لَا شَيْءَ سَيَمْنَعُهُمَا مِنَ الْمَجِيءِ عِنْدَمَا تَتَسَنَّى لَهُمَا فُرْصَةُ مُشَاهَدَةِ أَحَدٍ آخَرَ يُصَابُ بِالذُّعْرِ، لَا سِيَّمَا الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ. سَيُحَاوِلَانِ الِابْتِعَادَ عَنِ الْأَنْظَارِ، لَكِنَّهُمَا سَيَأْتِيَانِ.»

وَجَدَ سامي الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ وَهُوَ يَتَشَمَّسُ. قَالَ سامي بِأُسْلُوبٍ مُهَذَّبٍ لِلْغَايَةِ: «صَبَاحُ الْخَيْرِ أَيُّهَا السَّيِّدُ قيوط، أَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ بِخَيْرٍ.»

رَدَّ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ وَهُوَ يُرَاقِبُ سامي طَوَالَ الْوَقْتِ بِحِدَّةٍ بِطَرَفَيْ عَيْنَيْهِ الْمَاكِرَتَيْنِ: «لَا بَأْسَ، لَا بَأْسَ، شُكْرًا لَكَ. مَا الْأَخْبَارُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؟»

قَالَ سامي: «لَا شَيْءَ، فَلَا يُوجَدُ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُرْوَى. فَأَنَا لَمْ أَرَ صَيْفًا مُمِلًّا هَكَذَا. هَلْ تُوجَدُ أَخْبَارٌ هُنَا فِي الْأَسْفَلِ عِنْدَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ؟ سَمِعْتُ أَنَّ فَأْرَ الْمُرُوجِ داني قَدْ وَجَدَ طِفْلَهُ الضَّائِعَ.»

رَدَّ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ: «هَذَا مَا سَمِعْتُهُ. لَقَدْ حَاوَلْتُ الْعُثُورَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ؛ فَأَنَا كَمَا تَعْلَمُ أُومِنُ بِحُسْنِ مُعَامَلَةِ الْجَارِ.»

ابْتَسَمَ سامي؛ حَيْثُ إِنَّ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ عِنْدَمَا قَالَ هَذَا غَمَزَ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ غَمْزَةً صَغِيرَةً، وَكَانَ سامي يَعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّ الْقَيُّوطَ إِذَا كَانَ قَدْ وَجَدَ الطِّفْلَ الضَّائِعَ، فَمَا كَانَ فَأْرُ الْمُرُوجِ داني لِيَرَاهُ مَرَّةً أُخْرَى أَبَدًا. قَالَ سامي فِي نَبْرَةٍ عَادِيَّةٍ: «بِالْمُنَاسَبَةِ، بَيْنَمَا كُنْتُ قَادِمًا عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ رَأَيْتُ الْأَرْنَبَ بيتر عَلَى التَّلِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ الشَّيْهَمُ الْبَدِينُ بريكلي بوركي، وَبَدَا أَنَّ بيتر يُعَانِي خَطْبًا مَا. فَكَانَ يُعَانِي مِنْ ضَعْفٍ شَدِيدٍ حَتَّى إِنَّهُ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجْرُؤُ عَلَى مُحَاوَلَةِ الذَّهَابِ إِلَى الْمَنْزِلِ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَلْتَقِيَ بِأَحَدٍ يُرِيدُ تَنَاوُلَ أَرْنَبٍ عَلَى الْعَشَاءِ، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ إِنْقَاذَ نَفْسِهِ بِسَبَبِ مَا يَشْعُرُ بِهِ مِنْ آلَامٍ. سَيَلْقَى بيتر نِهَايَةً مَشْئُومَةً يَوْمًا مَا إِنْ لَمْ يَتَوَخَّ الْحَذَرَ.»

رَدَّ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ بِضَحْكَةٍ خَبِيثَةٍ: «هَذَا يَعْتَمِدُ عَلَى مَا تَعْنِيهِ بِنِهَايَةٍ مَشْئُومَةٍ؛ فَرُبَّمَا تَكُونُ مَشْئُومَةً لِبيتر، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ طَيِّبَةً جِدًّا لِأَحَدٍ آخَرَ.»

ضَحِكَ سامي عَلَى الْفَوْرِ، وَقَالَ: «هَذَا رَأْيُكَ. حَسَنًا، فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ لِبيتر؛ لِأَنَّنِي أَسْتَمْتِعُ كَثِيرًا بِالشِّجَارِ مَعَهُ وَسَأَفْتَقِدُهُ بِشِدَّةٍ. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي سَأَذْهَبُ إِلَى الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ لِأَرَى مَا يَحْدُثُ هُنَاكَ.»

طَارَ سامي فِي اتِّجَاهِ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، وَضَحِكَ فِي نَفْسِهِ مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ يَطِيرُ؛ فَقَدْ رَأَى كَيْفَ انْتَبَهَتْ أُذُنَا الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ قَلِيلًا عِنْدَمَا ذَكَرَ أَنَّ بيتر مَوْجُودُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ مُتْعَبًا لِلْغَايَةِ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَا يَجْرُؤُ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى بَيْتِهِ. فَكَّرَ سامي: «سَيَتَّجِهُ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ مُبَاشَرَةً نَحْوَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ بِمُجَرَّدِ غِيَابِي عَنِ الْأَنْظَارِ.» وَهَذَا بِالضَّبْطِ مَا فَعَلَهُ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤