الفصل الثاني والعشرون

الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ يَفْقِدُ شَهِيَّتَهُ

مَا إِنْ غَابَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي عَنِ الْأَنْظَارِ، وَكَانَ فِي طَرِيقِهِ نَحْوَ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، حَتَّى بَدَأَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ رِحْلَتَهُ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. فَالْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ ذَكِيٌّ لِلْغَايَةِ، ذَكِيٌّ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَنْخَدِعُ كَثِيرًا. فَإِذَا كَانَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي ذَهَبَ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ بِفُرْصَتِهِ الْعَظِيمَةِ فِي الْإِمْسَاكِ بِالْأَرْنَبِ بيتر إِذَا أَسْرَعَ بِالذَّهَابِ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، كَانَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ سَيَشُكُّ فِي تَدْبِيرِ مَكِيدَةٍ مَا لَهُ. لَكِنَّ سامي كَانَ ذَكِيًّا لِلْغَايَةِ وَأَدْرَكَ هَذَا الْأَمْرَ؛ لِذَا ذَكَرَ بِنَبْرَةٍ عَادِيَّةٍ لِلْغَايَةِ أَنَّهُ رَأَى بيتر عَلَى تَلِّ بريكلي بوركيِ، وَأَنَّ بيتر بَدَا كَأَنَّهُ يُعَانِي خَطْبًا مَا، فَكَانَ مُتْعَبًا لِلْغَايَةِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ إِلَى بَيْتِهِ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. لَمْ يُلَمِّحْ بِأَيِّ شَيْءٍ إِلَى ضَرُورَةِ ذَهَابِ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ إِلَى هُنَاكَ. هَذَا مَا جَعَلَ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ يَتَأَكَّدُ أَنَّ الْأَخْبَارَ عَنْ بيتر رُبَّمَا تَكُونُ صَحِيحَةً.

وَعِنْدَمَا تَأَكَّدَ سامي مِنْ أَنَّ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ لَا يَسْتَطِيعُ رُؤْيَتَهُ، تَوَجَّهَ مُبَاشَرَةً نَحْوَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالتَّلِّ حَيْثُ يَنْتَظِرُ الظَّرِبَانُ جيمي وَالْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ وَالْأَرْنَبُ بيتر وَزَوْجَتُهُ. وَبَيْنَمَا كَانَ طَائِرًا رَأَى الثَّعْلَبَ ريدي وَالْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ مُنْبَسِطَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ خَلْفَ جِذْعِ شَجَرَةٍ عَتِيقٍ يَبْعُدُ قَلِيلًا عَنِ التَّلِّ، لَكِنْ بِمَقْدُورِهِمَا رُؤْيَةُ كُلِّ مَا سَيَحْدُثُ.

ضَحِكَ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ: «كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُمَا سَيَحْضُرَانِ.»

عِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى الْآخَرِينَ، أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ أَوْصَلَ الرِّسَالَةَ إِلَى الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ وَأَنَّهُ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَايَةِ، فِي الْوَاقِعِ هُوَ عَلَى يَقِينٍ، مِنْ أَنَّ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ فِي طِرِيقِهِ بِالْفِعْلِ إِلَى هُنَاكَ عَلَى أَمَلِ أَنْ يَسْتَطِيعَ الْإِمْسَاكَ بِالْأَرْنَبِ بيتر. تَقَرَّرَ أَنْ يَخْتَفِيَ الْجَمِيعُ عَنِ الْأَنْظَارِ عَلَى الْفَوْرِ عَدَا بيتر؛ لِذَا تَسَلَّقَ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ شَجَرَةً، وَزَحَفَ الظَّرِبَانُ جيمي إِلَى دَاخِلِ جِذْعِ شَجَرَةٍ مُجَوَّفٍ، وَاخْتَبَأَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي فِي أَعْمَقِ جُزْءٍ بِشَجَرَةِ شَوْكَرَانٍ، وَاخْتَبَأَ بريكلي بوركي خَلْفَ جِذْعٍ كَبِيرٍ عَلَى قِمَّةِ التَّلِّ، وَزَحَفَتْ زَوْجَةُ الْأَرْنَبِ بيتر وَقَلْبُهَا يَخْفِقُ بِشِدَّةٍ دَاخِلَ الْبَيْتِ الْقَدِيمِ بَيْنَ جُذُورِ الْجِذْعِ نَفْسِهِ، وَكَانَ بيتر فَقَطْ هُوَ الظَّاهِرَ عِنْدَمَا جَاءَ أَخِيرًا الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ عَلَى امْتِدَادِ الْوَادِي الصَّغِيرِ عِنْدَ سَفْحِ التَّلِّ، يَنْسَلُّ فِي هُدُوءٍ كَالظِّلِّ.

وَقَعَ نَظَرُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي اللَّحْظَةِ نَفْسِهَا تَقْرِيبًا، وَعِنْدَمَا رَأَى الْقَيُّوطُ بيتر تَجَمَّدَ مَكَانَهُ كَالصَّخْرِ. خَطَا بيتر بِضْعَ خُطُوَاتٍ، وَكَانَ وَاضِحًا أَنَّهُ مُتْعَبٌ، تَمَامًا كَمَا قَالَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي.

فَكَّرَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ وَعَيْنَاهُ تَعْلُوهُمَا نَظْرَةُ جُوعٍ: «لَقَدْ نَطَقَ ذَلِكَ السِّنْدِيَانُ عَدِيمُ الْفَائِدَةِ بِالْحَقِيقَةِ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى فِي حَيَاتِهِ.»

كَانَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ يَزْحَفُ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ شَجَرَةٍ لِأُخْرَى مَتَى ظَنَّ أَنَّ بيتر لَا يَنْظُرُ تِجَاهَهُ، وَأَخَذَ يَقْتَرِبُ مِنْ بيتر أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ. وَكَانَ يَسْتَلْقِي فِي سُكُونٍ تَامٍّ عِنْدَمَا يَبْدُو أَنَّ بيتر يَنْظُرُ نَحْوَهُ. كَانَ بيتر يَعْلَمُ بِالطَّبْعِ مَا يَحْدُثُ، وَحَرَصَ بِشِدَّةٍ عَلَى عَدَمِ الِابْتِعَادِ أَكْثَرَ مِنْ بِضْعِ قَفَزَاتٍ عَنِ الْبَيْتِ الْقَدِيمِ أَسْفَلَ الْجِذْعِ الْكَبِيرِ حَيْثُ كَانَتِ زَّوْجَتُهُ تَخْتَبِئُ، وَتَتَمَنَّى بِشِدَّةٍ لَوْ كَانَتْ هِيَ وَبيتر فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. كَانَ الْجَوُّ هَادِئًا لِلْغَايَةِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ بِاسْتِثْنَاءِ الْأُغْنِيَّةِ السَّعِيدَةِ الَّتِي يُنْشِدُهَا الصَّدَّاحُ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ، الَّذِي لَوْ عَلِمَ بِمَا يَحْدُثُ، لَمَا أَصْدَرَ أَيَّةَ إِشَارَةٍ. إِلَّا أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ مُمْتِعًا لِمَنْ يُشَاهِدُونَ!

زَحَفَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ إِلَى مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ أَعْلَى التَّلِّ، وَكَانَ بيتر يَتَسَاءَلُ عَنْ مِقْدَارِ الْمَسَافَةِ الَّتِي يُسْمَحُ لَهُ بِالِاقْتِرَابِ فِيهَا وَيَظَلُّ هُوَ فِي أَمَانٍ، عِنْدَمَا صَدَرَ صَوْتُ نَخْرٍ فَجْأَةً مِنْ خَلْفِهِ. عَلِمَ بيتر مَعْنَى هَذَا الصَّوْتِ وَقَفَزَ جَانِبًا، ثُمَّ تَدَحْرَجَ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ الْكَائِنُ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ رَأْسٌ أَوْ ذَيْلٌ أَوْ أَرْجُلٌ، وَالَّذِي أَخَافَ الثَّعْلَبَ ريدي وَالْجَدَّةَ ثعلبة، نَحْوَ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ مُبَاشَرَةً.

نَظَرَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ نَظْرَةً فَاحِصَةً، وَشَعَرَ بِالتَّرَدُّدِ، ثُمَّ أَلْقَى نَظْرَةً أُخْرَى، ثُمَّ وَلَّى دُبُرَهُ وَانْطَلَقَ نَحْوَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُهُ. كَانَ وَاضِحًا أَنَّهُ خَائِفٌ، خَائِفٌ لِلْغَايَةِ. وَقَدْ فَقَدَ شَهِيَّتَهُ فَجْأَةً.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤