الفصل الثالث

بريكلي بوركي يَكْتَسِبُ أَصْدِقَاءَ

نَشَرَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ سَرِيعًا الْخَبَرَ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَفِي أَنْحَاءِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ أَنَّ غَرِيبًا أَتَى مِنَ الشَّمَالِ. عَلَى الْفَوْرِ اخْتَلَقَ سُكَّانُ الْمُرُوجِ الصِّغَارُ وَأَهْلُ الْغَابَةِ بَعْضَ الْأَعْذَارِ مِنْ أَجْلِ الذَّهَابِ إِلَى شَجَرَةِ الْحَوْرِ الْكَبِيرَةِ حَيْثُ كَانَ الْغَرِيبُ مُنْشَغِلًا بِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ. كَانَ فِي الْبِدَايَةِ خَجُولًا لِلْغَايَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ مَا يَقُولُهُ. كَانَ كَائِنًا غَرِيبَ الْأَطْوَارِ وَكَبِيرًا لِلْغَايَةِ وَأَسْنَانُهُ حَادَّةٌ وَطَوِيلَةٌ جِدًّا، حَتَّى إِنَّ زُوَّارَهُ حَرَصُوا عَلَى الِابْتِعَادِ عَنْهُ.

جَاءَ الثَّعْلَبُ ريدي — الَّذِي كَانَ كَمَا تَعْلَمُونَ شَدِيدَ التَّفَاخُرِ وَيُحِبُّ التَّبَاهِيَ بِذَكَائِهِ وَشَجَاعَتِهِ — وَبِرُفْقَتِهِ بَاقِي سُكَّانِ الْمُرُوجِ الصِّغَارِ.

صَاحَ الثَّعْلَبُ ريدي: «هَاهْ! مَنْ يَخَافُ مِنْ هَذَا الْكَائِنِ؟»

عِنْدَهَا بَدَأَ الْكَائِنُ الْغَرِيبُ فِي النُّزُولِ مِنَ الشَّجَرَةِ؛ فَتَرَاجَعَ ريدي إِلَى الْخَلْفِ.

قَالَ الْأَرْنَبُ بيتر: «تَبْدُو كَمَا لَوْ كُنْتَ خَائِفًا أَيُّهَا الثَّعْلَبُ ريدي.»

رَدَّ الثَّعْلَبُ ريدي: «أَنَا لَا أَخَافُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ.» وَانْتَفَخَ حَتَّى يَبْدُوَ فِي ضِعْفِ حَجْمِهِ الْحَقِيقِيِّ.

قَالَ السِّنْجَابُ الصَّغِيرُ الْمُخَطَّطُ بِصَوْتٍ عَالٍ: «يَبْدُو لِي أَنِّي أَسْمَعُ صَوْتَ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر.»

لَمْ يَكُنِ السِّنْجَابُ الصَّغِيرُ الْمُخَطَّطُ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالْفِعْلِ، لَكِنَّهُ فَقَطْ سَمِعَ صَوْتَ خُطًى ثَقِيلَةٍ تَتَسَارَعُ فَوْقَ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ الْجَافَّةِ، وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ كَانَ باوزر بِشَخْصِهِ. لَاذَ الْجَمِيعُ بِالْفِرَارِ، عَدَا الْكَائِنَ الْغَرِيبَ الْقَادِمَ مِنَ الشَّمَالِ، الَّذِي اسْتَمَرَّ فِي النُّزُولِ مِنْ فَوْقِ الشَّجَرَةِ. رَآهُ باوزر وَوَقَفَ مُتَعَجِّبًا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا مِثْلَ هَذَا الْكَائِنِ الضَّخْمِ الدَّاكِنِ اللَّوْنِ قَطُّ.

فَصَاحَ باوزر بِصَوْتِهِ الْعَمِيقِ: «بُو وُو وُو.»

اعْتَادَ باوزر أَنَّهُ عِنْدَمَا يَصِيحُ بِصَوْتِهِ الْعَمِيقِ هَذَا يَرَى كُلَّ سُكَّانِ الْمُرُوجِ الصِّغَارِ وَأَهْلِ الْغَابَةِ يَفِرُّونَ، لَكِنَّ هَذَا الْغَرِيبَ لَمْ يَهْتَزَّ. تَفَاجَأَ باوزر حَتَّى إِنَّهُ وَقَفَ ثَابِتًا وَحَدَّقَ فِيهِ. ثُمَّ زَمْجَرَ زَمْجَرَةً عَمِيقَةً. مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُعِرْهُ الْغَرِيبُ انْتِبَاهَهُ، فَلَمْ يَدْرِ باوزر مَاذَا يَفْعَلُ مَعَهُ.

قَالَ باوزر لِنَفْسِهِ: «سَأُلَقِّنُ هَذَا الْكَائِنَ دَرْسًا، سَأَهُزُّهُ هَزًّا عَنِيفًا حَتَّى تَنْقَطِعَ أَنْفَاسُهُ.»

فِي هَذَا الْوَقْتِ كَانَ الْغَرِيبُ قَدْ وَصَلَ إِلَى الْأَرْضِ وَيَتَّجِهُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى، غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِمَا حَوْلَهُ. ثُمَّ حَدَثَ شَيْءٌ مَا. انْدَفَعَ باوزر تِجَاهَ الْغَرِيبِ، وَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَفِرَّ الْغَرِيبُ … مَاذَا تَتَوَقَّعُونَ أَنَّهُ فَعَلَ؟ تَكَوَّرَ عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ كَالْكُرَةِ وَانْدَثَرَ رَأْسُهُ وَسْطَ فَرْوِ صَدْرِهِ، وَعِنْدَمَا كَانَ مُتَكَوِّرًا عَلَى هَذَا النَّحْوِ، بَرَزَتْ كُلُّ الْأَشْوَاكِ الَّتِي كَانَتْ مُخَبَّأَةً بَيْنَ شَعْرِ فَرْوِهِ، وَبَدَا أَشْبَهَ بِالْقِشْرَةِ الْخَارِجِيَّةِ لِثَمَرَةِ الْكَسْتَنَاءِ. وَقَفَ باوزر فَجْأَةً. ثُمَّ مَدَّ أَنْفَهُ وَشَمَّ هَذَا الشَّيْءَ الْغَرِيبَ. طِرَاخْ! صَفَعَ الْكَائِنُ الْغَرِيبُ بِذَيْلِهِ باوزر عَلَى وَجْهِهِ، وَالْتَصَقَتْ عَشَرَاتٌ مِنَ الْأَشْوَاكِ الصَّغِيرَةِ بِوَجْهِهِ كَالدَّبَابِيسِ.

صَرَخَ باوزر بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَاوْ! وَاوْ! وَاوْ! وَاوْ!» وَاتَّجَهَ إِلَى الْمَنْزِلِ وَذَيْلُهُ بَيْنَ سَاقَيْهِ، وَهُوَ يَصْرُخُ مَعَ كُلِّ قَفْزَةٍ. بَعْدَ ذَلِكَ فَكَّ الْغَرِيبُ نَفْسَهُ وَابْتَسَمَ، وَصَاحَ كُلُّ سُكَّانِ الْمُرُوجِ الصِّغَارِ وَأَهْلِ الْغَابَةِ، الَّذِينَ كَانُوا يُشَاهِدُونَ، بِصَوْتٍ عَالٍ مِنَ الْبَهْجَةِ.

وَهَكَذَا اكْتَسَبَ الشَّيْهَمُ الْبَدِينُ بريكلي بوركي أَصْدِقَاءَ جُدُدًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤