الفصل الرابع

الْأَرْنَبُ بيتر يَحْمِلُ أَنْبَاءً مُفْزِعَةً

جَلَسَتْ زَوْجَةُ الْأَرْنَبِ بيتر الشَّابَّةُ — الَّتِي كَانَتْ تَحْمِلُ اسْمَ الْأَرْنَبَةِ شَعْثَاءِ الذَّيْلِ قَبْلَ الزَّوَاجِ — عِنْدَ أَطْرَافِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، تَتَطَلَّعُ فِي تَرَقُّبٍ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؛ فَقَدْ كَانَتْ قَلِقَةً لِلْغَايَةِ، لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ فَلِمَاذَا لَمْ يَعُدْ بيتر إِلَى الْمَنْزِلِ؟ تَمَنَّتْ بِالْفِعْلِ لَوْ يَكْتَفِي الْأَرْنَبُ بيتر بِالْبَقَاءِ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهَا فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. فَهِيَ تَعْجِزُ عَنْ فَهْمِ سَبَبِ رَغْبَتِهِ فِي قَطْعِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ حَتَّى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؛ فَطَالَمَا يَتَعَرَّضُ لِمُغَامَرَاتٍ مُفْزِعَةٍ وَمَوَاقِفَ يَنْجُو مِنْهَا بِصُعُوبَةٍ هُنَاكَ، وَمَعَ هَذَا وَرَغْمَ كُلِّ مَا تَنْصَحُهُ بِهِ، يُصِرُّ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى هُنَاكَ. لَا تَنْعَمُ الزَّوْجَةُ بِرَاحَةِ الْبَالِ لَحْظَةً بَيْنَمَا هُوَ غَائِبٌ عَنْ نَاظِرِهَا. لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي دَائِمًا عَلَى مَا يُرَامُ، لَكِنَّهَا لَا يَسَعُهَا إِلَّا الشُّعُورُ أَحْيَانًا بِأَنَّ فُضُولَهُ الشَّدِيدَ سَيُوقِعُهُ فِي مُشْكِلَةٍ لَنْ يَسْتَطِيعَ النَّجَاةَ مِنْهَا؛ لِذَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَذْهَبُ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَاثِقَةً تَمَامًا مِنْ أَنَّهَا لَنْ تَرَاهُ مَرَّةً أُخْرَى.

اعْتَادَ بيتر السُّخْرِيَةَ مِنْ زَوْجَتِهِ وَوَصْفَهَا بِأَنَّهَا حَمْقَاءُ، وَيُطَمْئِنُهَا بِأَنَّهُ قَادِرٌ تَمَامًا عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِنَفْسِهِ. وَعِنْدَمَا يَلْحَظُ مَدَى قَلَقِهَا عَلَيْهِ، يَعِدُهَا بِأَنَّهُ سَيَتَوَخَّى الْحَذَرَ جِدًّا وَلَنْ يَقُومَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَهْوَجَ أَوْ أَحْمَقَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعِدُهَا بِعَدَمِ الذَّهَابِ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. بِالطَّبْعِ لَنْ يَعِدَ بيتر بِذَلِكَ؛ فَكَمَا تَعْلَمُونَ، إِنَّ بيتر لَدَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْدِقَاءِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَدَائِمًا مَا تَتَرَدَّدُ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي عَلَيْهِ الْإِلْمَامُ بِهَا؛ وَمِنْ ثَمَّ لَا يَسَعُهُ الْبَقَاءُ بَعِيدًا عَنِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. أَقْنَعَ بيتر زَوْجَتَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ بِالذَّهَابِ مَعَهُ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَفْزَعُ فَزَعًا شَدِيدًا فِي كُلِّ دَقِيقَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهَا هُنَاكَ؛ حَيْثُ بَدَا لَهَا كَأَنَّ هُنَاكَ خَطَرًا يَكْمُنُ وَرَاءَ كُلِّ شَجَرَةٍ وَتَحْتَ كُلِّ شُجَيْرَةٍ. لَمْ يَجِدِ السِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار وَالسِّنْجَابُ الرَّمَادِيُّ جاك السَّعِيدُ صُعُوبَةً فِي الْوُجُودِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؛ فَهُمَا يَسْتَطِيعَانِ الْقَفْزَ مِنْ شَجَرَةٍ لِأُخْرَى، أَمَّا زَوْجَةُ الْأَرْنَبِ بيتر فَلَا تَجِدُهَا مَكَانًا آمِنًا وَمُنَاسِبًا لِأَرْنَبٍ يَعْقِلُ الْأُمُورَ، وَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ.

فِي ذَاكَ الصَّبَاحِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ كَانَتْ قَلِقَةً بِدَرَجَةٍ بَالِغَةٍ؛ فَكَانَ بيتر غَائِبًا طَوَالَ اللَّيْلِ، وَهُوَ عَادَةً مَا يَعُودُ إِلَى الْمَنْزِلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَهُبُّ فِيهِ الرِّيَاحُ الْغَرْبِيَّةُ الْعَجُوزُ مِنَ التِّلَالِ الْأُرْجُوَانِيَّةِ وَتُطْلِقُ صِغَارَهَا، النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةَ الْمَرِحَةَ، مِنْ حَقِيبَتِهَا الْكَبِيرَةِ حَتَّى تَلْعَبَ طَوَالَ الْيَوْمِ عَلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، لَكِنْ هَذَا الصَّبَاحَ أَنْجَزَتِ الرِّيَاحُ الْغَرْبِيَّةُ الْعَجُوزُ عَمَلَهَا مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ بيتر بَعْدُ.

أَخَذَتْ تَنْتَحِبُ وَتَقُولُ: «لَقَدْ أَصَابَهُ مَكْرُوهٌ، أَنَا وَاثِقَةٌ مِنْ أَنَّ شَيْئًا أَصَابَهُ!»

آهٍ يَا عَزِيزِي بيتر …
آهٍ أَيُّهَا الْمُسْتَهْتِرُ …
لِمَاذَا لَا تَبْتَعِدُ عَنِ الْخَطَرِ …
فَلَا يَأْتِي مِنْهُ سِوَى كُلِّ ضَرَرٍ …

قَالَتْ إِحْدَى النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةِ الْمَرِحَةِ الَّتِي تَصَادَفَ مُرُورُهَا فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ وَسَمِعَتْهَا: «لَا تَقْلَقِي؛ فَبيتر ذَكِيٌّ بِمَا يَكْفِي لِلِاعْتِنَاءِ بِنَفْسِهِ، سَيَعُودُ إِلَى الْمَنْزِلِ فِي الْقَرِيبِ الْعَاجِلِ. فِي الْحَقِيقَةِ، أَظُنُّ أَنِّي أَرَاهُ قَادِمًا الْآنَ.»

نَظَرَتْ زَوْجَةُ الْأَرْنَبِ بيتر فِي الِاتِّجَاهِ الَّذِي كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ النَّسَمَةُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ، فَرَأَتْ بيتر بِالْفِعْلِ. كَانَ مُتَّجِهًا مُبَاشَرَةً نَحْوَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ يَرْكُضُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَعْرِضَ سُرْعَتَهُ فِي الرَّكْضِ. دَقَّ قَلْبُ زَوْجَةِ الْأَرْنَبِ فِي ذُعْرٍ وَفَكَّرَتْ: «لَا بُدَّ أَنَّ ريدي أَوِ الْجَدَّةَ ثعلبة أَوِ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ فِي إِثْرِهِ مُبَاشَرَةً»، وَلَكِنَّهَا أَمْعَنَتِ النَّظَرَ قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ وَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ رُؤْيَةِ أَيِّ شَيْءٍ يَدْعُو بيتر لِلرَّكْضِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ.

وَفِي غُضُونِ ثَوَانٍ قَلِيلَةٍ وَصَلَ بيتر بِالْقُرْبِ مِنْ زَوْجَتِهِ. كَانَتْ عَيْنَاهُ مُتَّسِعَتَيْنِ لِلْغَايَةِ وَكَانَ وَاضِحًا أَنَّهُ يَحْمِلُ أَخْبَارًا مُهِمَّةً.

قَالَتِ الزَّوْجَةُ الشَّابَّةُ بِلَهْفَةٍ: «مَا الْأَمْرُ يَا بيتر؟ أَخْبِرْنِي سَرِيعًا! هَلْ نَجَوْتَ مَرَّةً أُخْرَى بِأُعْجُوبَةٍ؟»

أَوْمَأَ بيتر وَقَالَ وَهُوَ يَلْهَثُ: «هُنَاكَ كَائِنٌ غَرِيبٌ آخَرُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، كَائِنٌ مُرِيعُ الشَّكْلِ بِلَا أَرْجُلٍ وَلَا رَأْسٍ وَلَا ذَيْلٍ، وَكَادَ يُمْسِكُ بِي!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤