بريكلي بوركي يَكَادُ يَخْتَنِقُ
مَا كَادَ الظَّرِبَانُ جيمي يَتَوَارَى بَعِيدًا عَنِ الْأَنْظَارِ وَالسَّمْعِ بَعْدَ قِيَامِهِ بِتِلْكَ الزِّيَارَةِ، حَتَّى سَمِعَ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ — الَّذِي كَانَ يَعِيشُ عَلَى شَجَرَةٍ تَقَعُ مُبَاشَرَةً عِنْدَ سَفْحِ التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ بريكلي بوركي — ضَوْضَاءَ غَرِيبَةً لِلْغَايَةِ. كَانَ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ مُنْشَغِلًا بِإِنْشَادِ أَغَانٍ عَنْ مَدَى سَعَادَتِهِ وَجَمَالِ الطَّبِيعَةِ لِكُلِّ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ. يَبْدُو أَنَّ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ مُهِمَّتُهُ الْخَاصَّةُ فِي الْحَيَاةِ، وَأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْهَدَفِ الْمُحَدَّدِ؛ وَهُوَ التَّغَنِّي طَوَالَ الْيَوْمِ بِالسَّعَادَةِ وَالْفَرَحِ، حَتَّى عِنْدَمَا تَشْتَدُّ حَرَارَةُ الطَّقْسِ وَتَنْسَى الطُّيُورُ الْأُخْرَى أَنْ تُغَنِّيَ. لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ قَطُّ أَنَّهُ يَبُثُّ السَّعَادَةَ فِي الْآخَرِينَ مِنْ خِلَالِ شُعُورِهِ الشَّخْصِيِّ بِالسَّعَادَةِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ.
فِي الْبِدَايَةِ لَاحَظَ بِالْكَادِ تِلْكَ الضَّوْضَاءَ الْغَرِيبَةَ، لَكِنْ عِنْدَمَا تَوَقَّفَ عَنِ الْغِنَاءِ لِبَعْضِ الْوَقْتِ لِيَسْتَرِيحَ، سَمِعَهَا بِوُضُوحٍ وَبَدَتْ غَرِيبَةً لِلْغَايَةِ حَتَّى إِنَّهُ طَارَ أَعْلَى التَّلِّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَتْ قَادِمَةً مِنْهُ، وَهُنَاكَ وَقَعَتْ عَيْنَاهُ اللَّامِعَتَانِ عَلَى بريكلي بوركي. رَأَى عَلَى الْفَوْرِ أَنَّ بريكلي بوركي يُعَانِي مِنْ مُشْكِلَةٍ مَا، وَأَنَّهُ هُوَ مَنْ كَانَ يُصْدِرُ هَذِهِ الضَّوْضَاءَ الْغَرِيبَةَ. كَانَ بريكلي بوركي مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْأَرْضِ أَسْفَلَ إِحْدَى الْأَشْجَارِ، وَكَانَ يَتَدَحْرَجُ وَيَرْكُلُ وَيَنْهَشُ بِمَخَالِبِهِ شَيْئًا فِي فَمِهِ الَّذِي كَانَتْ تَتَدَلَّى مِنْهُ قِطْعَةٌ صَغِيرَةٌ مِنَ اللِّحَاءِ. كَانَ مَنْظَرًا غَرِيبًا حَتَّى إِنَّ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ حَدَّقَ فِيهِ دَقِيقَةً، ثُمَّ أَدْرَكَ سَرِيعًا مَا يَعْنِيهِ ذَلِكَ؛ فَكَانَ بريكلي بوركي يَخْتَنِقُ، وَمَا لَمْ يُتَّخَذْ إِجْرَاءٌ لِمُسَاعَدَتِهِ فَرُبَّمَا يَخْتَنِقُ حَتَّى الْمَوْتِ!
لَمْ يَكُنْ بِاسْتِطَاعَةِ أَحْمَرِ الْعَيْنَيْنِ فِعْلُ شَيْءٍ لِمُسَاعَدَتِهِ؛ فَهُوَ صَغِيرٌ لِلْغَايَةِ. لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ لِإِحْضَارِ مُسَاعَدَةٍ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، وَيَجِبُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ سَرِيعًا. نَظَرَ فِي لَهْفَةٍ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ شَجَرَةَ الْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ الْمُجَوَّفَةَ لَا تَبْعُدُ كَثِيرًا. رُبَّمَا يَسْتَطِيعُ الْعَمُّ بيلي تَقْدِيمَ الْمُسَاعَدَةِ. تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ الْعَمُّ بيلي فِي بَيْتِهِ، وَلَمْ يُضَيِّعْ وَقْتًا لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ. كَانَ الْعَمُّ بيلي مَوْجُودًا فِي بَيْتِهِ، وَعِنْدَمَا سَمِعَ أَنَّ صَدِيقَهُ الْعَزِيزَ بريكلي بوركي يُوَاجِهُ مُشْكِلَةً، رَكَضَ أَعْلَى التَّلِّ بِأَسْرَعِ مَا يَسْتَطِيعُ. وَرَأَى عَلَى الْفَوْرِ طَبِيعَةَ الْمُشْكِلَةِ.
قَالَ لَهُ: «تَوَقَّفْ عَنِ الْحَرَاكِ لَحْظَةً يَا بريكلي بوركي!» إِذْ لَمْ يَجْرُؤْ عَلَى الِاقْتِرَابِ كَثِيرًا بَيْنَمَا كَانَ بريكلي بوركي يَتَدَحْرَجُ وَيَرْكُلُ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ بَعْضٌ مِنْ آلَافِ الْأَشْوَاكِ الصَّغِيرَةِ الْمُخَبَّأَةِ فِي فَرْوِهِ. فَعَلَ بريكلي بوركي كَمَا قِيلَ لَهُ؛ فَكَانَ بِالْفِعْلِ وَاهِنَ الْقُوَى بِسَبَبِ صِرَاعِهِ الطَّوِيلِ وَأَسْعَدَهُ السُّكُونُ لَحْظَةً. أَمْسَكَ الْعَمُّ بيلي بِقِطْعَةِ اللِّحَاءِ الْعَالِقَةِ بِفَمِ بريكلي بوركي. ثُمَّ ثَبَّتَ نَفْسَهُ وَجَذَبَ بِكُلِّ قُوَّتِهِ. ظَلَّتْ قِطْعَةُ اللِّحَاءِ عَالِقَةً لَحْظَةً، ثُمَّ انْفَلَتَتْ فَجْأَةً حَتَّى إِنَّ الْعَمَّ بيلي سَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ. هَبَّ الْعَمُّ بيلي عَلَى قَدَمَيْهِ وَنَظَرَ مُعَاتِبًا بريكلي بوركي، الَّذِي اسْتَلْقَى مُتَقَطِّعَ الْأَنْفَاسِ وَدُمُوعٌ غَزِيرَةٌ تَنْهَمِرُ عَلَى وَجْهِهِ.
قَالَ الْعَمُّ بيلي وَهُوَ يَهُزُّ رَأْسَهُ: «أَنَا قَطْعًا مُنْدَهِشٌ يَا بريكلي بوركي، أَنَا قَطْعًا مُنْدَهِشٌ مِنْ أَنْ يَصِلَ بِكَ الطَّمَعُ إِلَى أَنْ تَخْنُقَ نَفْسَكَ بِالطَّعَامِ.»
ابْتَسَمَ بريكلي بوركي بِوَهَنٍ وَحَمَاقَةٍ، وَرَدَّ: «لَمْ يَكُنْ طَمَعًا يَا عَمُّ بيلي، لَمْ يَكُنْ طَمَعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ.»
فَسَأَلَ الْعَمُّ بيلي بِحِدَّةٍ: «هَلْ لِي أَنْ أَسْأَلَ مَاذَا كَانَ إِذَنْ؟»
شَرَحَ بريكلي بوركي لَهُ قَائِلًا: «فَكَّرْتُ فِي شَيْءٍ مُضْحِكٍ فِي مُنْتَصَفِ تَنَاوُلِي لِوَجْبَتِي، وَضَحِكْتُ وَأَنَا أَبْدَأُ فِي الْبَلْعِ فَسَلَكَتْ قِطْعَةُ اللِّحَاءِ الطَّرِيقَ الْخَطَأَ.» ثُمَّ بَدَا أَنَّ مُجَرَّدَ التَّفْكِيرِ فِي الشَّيْءِ الَّذِي دَفَعَهُ إِلَى الضَّحِكِ مِنْ قَبْلُ كَانَ كَفِيلًا بِأَنْ يَجْعَلَهُ يَضْحَكُ مِنْ جَدِيدٍ؛ فَأَخَذَ يَضْحَكُ بِشِدَّةٍ، حَتَّى نَفِدَ صَبْرُ الْعَمِّ بيلي أَخِيرًا.
فَقَالَ فِي غَضَبٍ: «لَقَدْ أَصْبَحْتَ قَطْعًا سَيِّئَ السُّلُوكِ يَا بريكلي بوركي.»
مَسَحَ بريكلي بوركي الدُّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: «اقْتَرِبْ حَتَّى أَهْمِسَ فِي أُذُنَيْكَ يَا عَمُّ بيلي.»
اقْتَرَبَ الْعَمُّ بيلي بِارْتِيَابٍ عَلَى مَسَافَةٍ كَافِيَةٍ تُمَكِّنُ بريكلي بوركي مِنَ الْهَمْسِ، وَعِنْدَمَا انْتَهَى بريكلي بوركي كَانَ الْعَمُّ بيلي يُجَفِّفُ دُمُوعَ الضَّحِكِ مِنْ عَيْنَيْهِ.