الفصل التاسع

رِوَايَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لِلظَّرِبَانِ جيمي وَالْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ

لَمْ يَدْرِ سُكَّانُ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارُ مَاذَا يُصَدِّقُونَ. فِي الْبِدَايَةِ جَاءَ الْأَرْنَبُ بيتر لِيَرْوِيَ أَغْرَبَ أَنْوَاعِ الْقِصَصِ عَنْ مُطَارَدَةِ كَائِنٍ رَهِيبٍ لَيْسَ لَهُ أَرْجُلٌ وَلَا رَأْسٌ وَلَا ذَيْلٌ. قَالَ إِنَّهُ نَزَلَ مِنْ فَوْقِ التَّلِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ الشَّيْهَمُ الْبَدِينُ بريكلي بوركي فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. فَأُرْسِلَ الظَّرِبَانَ جيمي لِيَزُورَ بريكلي بوركي وَيَسْأَلَهُ إِذَا كَانَ قَدْ رَأَى أَيَّ كَائِنٍ غَرِيبٍ كَالَّذِي أَخْبَرَهُمْ عَنْهُ الْأَرْنَبُ بيتر. قَالَ بريكلي بوركي إِنَّهُ لَمْ يَرَ أَيَّ غَرِيبٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَعَادَ جيمي مُبَاشَرَةً إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَأَخْبَرَ كُلَّ أَصْدِقَائِهِ هُنَاكَ بِأَنَّ الْأَرْنَبَ بيتر لَا بُدَّ أَنَّهُ يُعَانِي مِنْ خَطْبٍ مَا فِي عَيْنَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ فَقَدَ صَوَابَهُ؛ حَيْثُ إِنَّ بريكلي بوركي لَمْ يَغِبْ عَنْ بَيْتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرَ شَيْئًا غَيْرَ عَادِيٍّ.

فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ كَانَ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ يَتَجَوَّلُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ يُخْبِرُ كُلَّ مَنْ يُقَابِلُهُ بِأَنَّهُ زَارَ الشَّيْهَمَ بريكلي بوركي، وَأَنَّ بريكلي بوركي أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الْأَرْنَبَ بيتر رَأَى بِلَا شَكٍّ شَيْئًا غَرِيبًا. بِالطَّبْعِ انْتَشَرَتْ عَلَى الْفَوْرِ قِصَّةُ الظَّرِبَانِ جيمي عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَانْتَشَرَتْ قِصَّةُ الْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ عَلَى الْفَوْرِ عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ؛ لِذَا لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ أَيُّ رِوَايَةٍ يَجِبُ تَصْدِيقُهَا أَوْ تَأَمُّلُهَا. فَإِذَا كَانَ الظَّرِبَانُ جيمي مُحِقًّا، فَإِنَّ قِصَّةَ الْأَرْنَبِ بيتر الْغَرِيبَةَ لَمْ تَكُنْ لِتُصَدَّقَ فِي الْأَسَاسِ. وَإِذَا كَانَ الْعَمُّ بيلي مُحِقًّا، فَإِنَّ قِصَّةَ بيتر لَيْسَتْ بِالْجُنُونِ الَّذِي بَدَتْ عَلَيْهِ.

بِالطَّبْعِ تَسَبَّبَ هَذَا الْأَمْرُ فِي قَدْرٍ كَبِيرٍ مِنَ الْجِدَالِ وَأَثَارَ الْفُضُولَ، وَبَدَأَ مَنْ يَتَحَلَّوْنَ بِأَكْبَرِ قِسْطٍ مِنَ الشَّجَاعَةِ فِي زِيَارَةِ التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ الشَّيْهَمُ بريكلي بوركي لِيَتَحَقَّقُوا مِنْ وُجُودِ أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ بِأَنْفُسِهِمْ. لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَجِدُونَ دَائِمًا ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ كَمَا عَهِدُوهُ دَوْمًا. وَإِنْ رَأَوْا بريكلي بوركي فَدَائِمًا مَا كَانُوا يَجِدُونَهُ مُسْتَغْرِقًا فِي النَّوْمِ، وَلَمْ يَشَأْ أَحَدٌ أَنْ يُوقِظَهُ مِنْ أَجْلِ طَرْحِ أَسْئِلَةٍ عَلَيْهِ. وَشَيْئًا فَشَيْئًا بَدَءُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الظَّرِبَانَ جيمي كَانَ مُحِقًّا، وَأَنَّ الْكَائِنَ الرَّهِيبَ الَّذِي رَآهُ الْأَرْنَبُ بيتر لَا وُجُودَ لَهُ سِوَى فِي مُخَيِّلَتِهِ.

فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَقْرِيبًا حَكَى الْعَمُّ بيلي عَنْ تَعَرُّضِهِ لِتَجْرِبَةٍ تُشْبِهُ تَمَامًا تِلْكَ الَّتِي تَعَرَّضَ لَهَا بيتر. وَمَا حَدَثَ لِبيتر، حَدَثَ مَعَهُ تَمَامًا، وَذَلِكَ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ، أَثْنَاءَ مُرُورِهِ بِسَفْحِ التَّلِّ حَيْثُ يَسْكُنُ بريكلي بوركي.

قَالَ الْعَمُّ بيلي: «أَثْنَاءَ مُرُورِي مِنْ هُنَاكَ غَيْرَ مُبَالٍ بِمَا حَوْلِي، سَمِعْتُ ضَوْضَاءَ أَعْلَى التَّلِّ خَلْفِي. وَعِنْدَمَا نَظَرْتُ إِلَى أَعْلَى، وَجَدْتُ شَيْئًا مُتَّجِهًا نَحْوِي مُبَاشَرَةً مِنْ أَعْلَى، وَلَمْ أَسْتَطِعْ رُؤْيَةَ أَيَّةِ أَرْجُلٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ ذَيْلٍ لِذَلِكَ الْكَائِنِ.»

سَأَلَ الرَّاكُونُ بوبي: «مَاذَا فَعَلْتَ يَا عَمُّ بيلي؟»

رَدَّ الْعَمُّ بيلي وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى الدَّائِرَةِ الصَّغِيرَةِ الْمُجْتَمِعَةِ حَوْلَهُ مِنْ سُكَّانِ الْغَابَةِ وَالْمُرُوجِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ بِأَعْيُنٍ مُتَّسِعَةٍ وَأَفْوَاهٍ فَاغِرَةٍ: «مَاذَا فَعَلْتُ؟ فَعَلْتُ مَا كُنْتُمْ سَتَفْعَلُونَهُ جَمِيعًا، رَكَضْتُ! نَعَمْ، رَكَضْتُ بِالْفِعْلِ، وَلَمْ أَلْتَفِتْ حَوْلِي إِلَّا عِنْدَمَا أَصْبَحْتُ آمِنًا فِي شَجَرَتِي الْمُجَوَّفَةِ.»

سَخِرَ الثَّعْلَبُ ريدي، الَّذِي كَانَ يَسْتَمِعُ، وَقَالَ: «وَاهْ! يَا لَكَ مِنْ جَبَانٍ! لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ، مَا رَكَضْتُ! كُنْتُ سَأَنْتَظِرُ وَأَعْرِفُ مَا هُوَ. فَأَنْتَ وَالْأَرْنَبُ بيتر تَتَّسِمَانِ بِالْجُبْنِ الشَّدِيدِ.»

رَدَّ الْعَمُّ بيلي: «أَنْتَ نَفْسُكَ لَا تَجْرُؤُ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى هُنَاكَ فَجْرَ الْغَدِ.»

قَالَ ريدي فِي غَضَبٍ: «بِالطَّبْعِ أَسْتَطِيعُ!» رَغْمَ عَدَمِ وُجُودِ نِيَّةٍ لَدَيْهِ لِلذَّهَابِ إِلَى هُنَاكَ مُطْلَقًا.

قَالَ الْعَمُّ بيلي: «حَسَنًا. سَأَمْكُثُ فِي شَجَرَةٍ تَتَسَنَّى لِيَ الْمُرَاقَبَةُ مِنْهَا غَدًا صَبَاحًا لِأَرَى إِذَا كَانَ كَلَامُكَ يَعْكِسُ شَجَاعَتَكَ أَمْ لَا.»

عِنْدَهَا عَلِمَ ريدي أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ وَإِلَّا فَسَيُطْلَقُ عَلَيْهِ جَبَانٌ. فَرَدَّ غَاضِبًا وَهُوَ يَتَسَلَّلُ مُبْتَعِدًا: «سَأَكُونُ هُنَاكَ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤