زنجر يُحِب

اختفى الكلب «زنجر» فجأةً من منزل «تختخ» … استيقظ المغامر ذات صباح، وحمل طعامَ صديقه العزيز، ونزل إلى حديقة المنزل ولم يجد «زنجر» في الكشك الخشبي الأنيق، ودار في طرقات الحديقة ينادي عليه، ولكن «زنجر» كان «فص ملح وداب» وأحسَّ «تختخ» بالغضب أين ذهب؟ لعلَّه يكون قد خرج للنزهة في شوارع المعادي، ولكن هذه ليست عادتَه …

وتصور «تختخ» أن الكلب العزيز ربما يطارد فأرًا أو قطة حاولَا دخول الحديقة، وكثيرًا ما حدث هذا، وهكذا جلس يفكِّر نحو نصف ساعة ولكن «زنجر» لم يظهر.

عاد «تختخ» إلى الفيلَّا واتصل بالمغامرين وسألهم عن «زنجر»، وكانت الإجابة أن أحدًا منهم لم يَرَه على الإطلاق، وعندما مرَّت ساعتان على غياب «زنجر» تأكد «تختخ» أنَّ شيئًا قد حدث للكلب، وهكذا أتمَّ ارتداءَ ثيابه ثم رَكِب دراجته وخرج يطوف بالشوارع القريبة، ثم ذهب حتى الكورنيش دون جدوى … وهنا لم يكن هناك بدٌّ من إبلاغ الشرطة؛ فالكلب يحمل ترخيصًا حكوميًّا، ومعنى ذلك أن الحكومة مسئولةٌ عن حياته … وهكذا اتجه إلى الشرطة، وكان يعرف أنه سيتعرض لعاصفة من التأنيب والتوبيخ من الشاويش «فرقع» الذي قد يطيق الحديث عن أيِّ شيء خاص بالمغامرين الخمسة إلا «زنجر» باعتبار أنَّ هناك صراعًا خاصًّا محتومًا بينهما.

وهكذا دخل «تختخ» إلى قسم الشرطة وهو متأهب لغضب الصديق اللدود؛ الشاويش «علي»؛ ولم يَخِب ظنُّ «تختخ» عندما صاح الشاويش عندما رآه: ماذا تريد أنت أيضًا؟

تختخ: يا حضرة الشاويش أنا مواطن، ومن حقِّي كبقية المواطنين أن ألجأ إلى قسم الشرطة إذا كنتُ في حاجة إلى مساعدة أو حماية!‏

الشاويش: أي مساعدة؟ وأي حماية؟ ولمَن؟

تختخ: للكلب «زنجر».

لم يَكَد الشاويش «علي» يسمع اسم «زنجر» حتى هبَّ واقفًا … بل أخذ يقفز في الهواء وهو يصيح: كلاب … كلاب … لم يَعُد عندي مشكلة إلَّا مع الكلاب.

ونظر «تختخ» حوله فوجد فتاة ظريفة في مثل سنِّه تقريبًا تقف دامعةَ العينَين وقد بدَا عليها الحزنُ الشديد … تبادلَا النظرات، وفَهِم «تختخ» على الفور سرَّ ثورة الشاويش، فلا بد أن هذه الفتاة الجميلة قد ضاع منها كلبٌ أيضًا؛ وجاءت لإبلاغ الشاويش.

ترك «تختخ» الشاويش يصيح كما يشاء ويقفز كما يشاء، وسأل الفتاة: هل ضاع منكِ كلبٌ أنت أيضًا؟

الفتاة: نعم صديقتي العزيزة «سونا».

تختخ: متى اختفت؟

الفتاة: هذا الصباح.

تختخ: أيُّ نوعٍ من الكلاب هي؟

الفتاة: من طراز «الكانيش» الأبيض!

تختخ: تعالَي نخرج.

الفتاة: وبلاغ الشرطة؟

تختخ: إن الشاويش «علي» لن يستمع إلى كلمة واحدة بعد أن جئت … إن بيننا مشاكلَ لا تنتهي.

الفتاة: ولكن كيف سأعثر على «سونا»؟

تختخ: هل اسمها «سونا»؟

الفتاة: نعم!

تختخ: سأعثر أنا عليها!‏

الفتاة: ولكن أنت نفسك حضرتَ للإبلاغ عن كلب ضائع!

تختخ: نعم، ولكن ما دامت كلبتُكِ قد ضاعَت أيضًا؛ فسوف أعرف كيف أعثر على الكلبَين معًا.

كان «تختخ» يتحدث بثقة، وهكذا اتبعَتْه الفتاة؛ وهي تشعر أن هذا الولد السمين يملك قوةً غير عادية سواء أكانت قوةً ذهنية أم عضلية.

وهما يخرجان كان الشاويش «علي» قد أصبح على حافة الجنون؛ فقد دخل شخص ثالث يُبلِّغ عن فَقْد كلبِه، ‏ سارَا معًا، وكان مع الفتاة درَّاجة أيضًا … وهكذا مضيَا في شوارع المعادي الهادئة، كانَا يتحدثان، فقال «تختخ»: إنني أعرف فيلَّا مملوءة بالأزهار الجميلة والأشجار الكثيفة، وبالقرب من هذه الفيلا كثيرًا ما عثرت على «زنجر» في مثل هذه الأيام.

الفتاة: ولماذا مثل هذه الأيام؟

تختخ: هذا يتعلق بأشياء خلقها الله في طبيعة الحيوان؛ فهو في فترة معينة يحتاج كلُّ كائن إلى أن يتعرَّف فيه على الجنس الآخر.

الفتاة: شيء مدهش!

تختخ: الحياة كلها قصة مدهشة من أولها إلى آخرها.

وسارَا حتى وصلَا إلى «الفيلَّا»، وتقدَّم «تختخ» من رجل يرتدي الملابس البلدية، وقال: صباح الورد!

رد الرجل: صباح الحب!

تختخ: هل «زنجر» هنا؟

الرجل: نعم … منذ ثلاث ساعات.

تختخ: ومعه كلبة من نوع «كانيش» بيضاء اللون.

الرجل: كيف عرفت؟

تختخ: المسألة غير محتاجة إلى معرفة.

وأعطى «تختخ» للرجل مبلغًا من المال، ثم دخل «تختخ» إلى «الفيلَّا» … ووجد «زنجر» يجلس هادئًا بجوار شجرة «ورد» وكانت الكلبة البيضاء «سونا» تجلس أمامه، وهما يتبادلان النباح المكتوم … وما كاد «زنجر» يرى «تختخ» حتى هبَّ واققًا، وكأنه يقف احترامًا لصاحبه …

وأسرعَت «سونا» إلى صاحبتها، وخرج كلٌّ منهما وخلفه كلبُه … وأسرع «تختخ» إلى حديقة منزل «نوسة» و«محب»؛ ليطمئن الأصدقاء أن «زنجر» قد عاد؛ فهو يعرف أنهم يحبون الكلب الأسود حبًّا لا يقلُّ عن حبِّه له …

نوسة: أين وجدتَه يا «تختخ»؟

تختخ: لقد وجدتُه في نفس «الفيلَّا» القريبة من حديقتِنا هذه، أتمنَّى لو يأتي يومٌ أستطيع أن أتفقَّد هذه الفيلَّا من الداخل، يقولون … إن بها حمامَ سباحة لا يوجد له مثيلٌ في جماله وروعته.

محب: ولكني أعرف أن صاحبها لا يقابل أحدًا من الغرباء، وليس له أصدقاء في المعادي، ولا يعرفه أحدٌ شخصيًّا.

تختخ: مَن يدري؟ قد يأتي يوم نستطيع رؤية هذه «الفيلا» من الداخل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤