السكرتير المريب!

وضاقَت عينَا «تختخ» وأضاف: وهناك أيضًا ما يُثير ريبتي … إنه السكرتير.

لوزة: لماذا يا «تختخ»؟

قال تختخ (في حيرة): إن هناك شعورًا بالريبة يراودني منذ ‏شاهدتُ هذا الرجل لأول مرة، فهو قليل الحديث جدًّا،‏ وليس لديه أيُّ معلومات عن اختفاء المليونير أو عن أعماله، أو أقرب أقربائه وأصدقائه على سبيل المال، ولم يحاول أن يُرشدنا إلى أيِّ معلومة تُفيد التحقيق في اختفاء المليونير.

نوسة: هذا صحيح تمامًا.

تختخ: أيضًا فهو الوحيد الذي اختارَته العصابة التي اختطفت المليونير للاتصال به، فما معنى ذلك؟

عاطف: هل تظن أن السكرتير متورط في اختطاف المليونير؟

تختخ: كل شيء جائز …

نوسة: إنه يتظاهر بالبعد عن الجريمة، ولكنه يخطط لها في الوقت نفسه، ولعله قام بتلفيق مسألة التليفون الذي جاءه من العصابة يطلب الفدية، وينوي أن يستوليَ على المبلغ لنفسه …

محب: هذا جائز جدًّا، خاصة وأنَّه يستمع إلينا مع المفتش «سامي» دون أن ينطق بكلمة، ويعرف ما ينوي رجال الشرطة بخصوص تلك العصابة المزعومة وترقيم النقود التي ستُدفع كفدية لها.

تختخ: هناك أيضًا نقطة أثارَت شكوكي في هذا الرجل … ألم تلاحظوا أن البواب قد تعرَّض للاعتداء عليه بالضرب بعد أن ذهبتُ لمقابلته أنا و«محب»؟ وربما ظنَّ مَن ضربه أنه قد أسرَّ إلينا ببعض المعلومات التي تُفيد في كشف اختفاء أو اختطاف المليونير «محسن صديق»؟ ولذلك حاول قتله، وظن أنه مات من الضرب … وبالطبع فلن يفعل ذلك إلا شخصٌ يخشى انكشافَ أمره … وهو أيضًا شخص موجود في هذا المكان بحيث يتاح له مراقبة كلِّ شيء، ولعله شاهدنا ونحن نذهب للبواب ليلًا ونستجوبه.

نوسة: وهذا الشخص ليس غير السكرتير طبعًا.

همس عاطف: اخفضوا صوتكم، فهو لا يزال بالداخل وقد يسمعنا.

محب: كيف لم يُثِر هذا الشخص ريبتَنا من قبل؟

عاطف: والأدهى من ذلك أن المفتش «سامي» قد سمح له بالبحث في أوراق المليونير، ولعله الآن يحاول إخفاء بعض الأدلة أو الأوراق التي تُدينه.

نوسة: إذن هيَّا بنا نلحق به قبل أن يتمكن من ذلك …

تختخ: لا يا «نوسة» … لو كان السكرتير هو مختطف المليونير فلن يكون من الغباء ليترك أيَّ أوراق تُدينه، خاصةً وقد كانت أمامه فرصة لإخفاء هذه الأوراق أو التخلص منها قبل إبلاغ الشرطة باختفاء المليونير …

قالت نوسة (في دهشة): إذن لماذا أراد السكرتير الصعود لأعلى إلى مكتب المليونير؟

لوزة: لسبب بسيط طبعًا، وتطلَّع المغامرون إلى «لوزة» التي جلسَت صامتةً طوال الوقت تستمع إليهم، ثم قالت تُكمل عبارتها: لقد ذهب ليُخفيَ مفاتيح القصر وملحقاته … وأنا أقصد النسخة الثانية من المفاتيح التي كان يحتفظ بها المليونير في مكتبه.

عاطف: ولماذا يفعل ذلك؟

لوزة: لأنه لا يريدنا أن نقوم بتفتيش غُرَف القصر … ولا بد أنه كان كاذبًا في ادعائه بأن المفاتيح التي يملكها قد تركها في منزله … فهو لا يريد إعطاءَها ﻟ «تختخ» في الوقت الحالي …

«تختخ»: أنت رائعة «يا لوزة» … إن هذا معناه أن السكرتير لديه ما يُخفيه في هذه الفيلا.

نوسة: إذن هيَّا بنا نكتشف هذا الشيء بتفتيش كلِّ حجرات القصر … وصمتَت عندما تذكَّرَت أنهم لا يملكون مفاتيح الفيلا … وأكملت في ضيق … ما العمل الآن؟

تختخ: ليس لدينا ما نفعله غير مراقبة السكرتير … فإما أن تتأكَّد شكوكُنا فيه وتكون استنتاجاتُنا صحيحة … وإما أن تكون كلها مجردَ أوهام …

ولكن وقبل أن يتحرك المغامرون، شاهدوا السكرتير يهبط من داخل القصر ويتجه خارجًا نحو بوابته …

تلاقَت نظراتُ المغامرين في خيبة أمل، ولكن «تختخ» هتف في حماس: فلنُسرعْ بمراقبة هذا الرجل، سأذهب أنا و«محب» خلفه … وسيبقى الآخرون هنا لتفتيش حجرات القصر لحين عودتنا.

واندفع «تختخ» و«محب» خارجين من القصر خلف السكرتير، الذي ركب سيارته الفاخرة ثم أدارها مبتعدًا عن المكان.

أسرع «محب» يُشير إلى أول تاكسي وركبه مع «تختخ»، وهتف في السائق: فلتتبع هذه السيارة المرسيدس أمامك … وسأضاعف الأجر …

تطلَّع السائق إلى المغامرين في دهشة وشكٍّ، فقال «تختخ» له: إننا نقوم بمهمة لمساعدة العدالة … ويمكننا أن نترك لك أرقامَ بطاقاتنا وعناويننا لتتصل بالشرطة بعد ذلك وتتأكد من حقيقة عملنا، إذا كان لديك أيُّ شكٍّ فيما نقوله … فكَّر السائق لحظة، ثم تطلَّع نحو المغامرين قائلًا: إن وجهَ كلٍّ منكما يقول: إنكما صادقان … سوف أنطلق خلف تلك المرسيدس … وأسرع السائق يلحق بسيارة السكرتير التي اتجهت أخذ طريقها خارج المعادي …

وقال «محب» للسائق: فلتتبع السيارة بحذر لا ينتبه إليك سائقها.

أومأ السائق برأسه موافقًا … وظل على تتبُّعِه لسيارة السكرتير على مسافة دون أن يلحظه، وظهرت مشارف القاهرة … وتجاوزَتها المرسيديس متجهة إلى حي جاردن سيتي الراقي الهادئ … وقد بدأت الأمطار تهطل بكثافة في الخارج، وأوقف السكرتير سيارته أمام فيلا صغيرة أنيقة، وغادر السيارة واتجه إلى الفيلا واختفى فيها.

هبط المغامران من التاكسي وطلبَا من سائقه الانتظار … وسارَا تحت المطر مقتربين من الفيلا في حذَر …

كان المكان ساكنًا هادئًا … عدا صوت قطرات المطر الشديدة … وقد خلا الشارع من السائرين …

وما إن اقترب «تختخ» و«محب» من بوابة الفيلا، حتى ظهر لهما حارسٌ ضخمٌ حادُّ الملامح، وهتف فيهما: ماذا تريدان؟

ارتبك المغامران لحظة، ولكنهما: تمالكَا نفسَيهما بسرعة … فقال: «تختخ»: إننا نبحث عن فيلا «محمود المناسترلي» … أليست هذه فيلته؟

أجاب الحارس: لا … إنها فيلا الأستاذ «حسام قدري» …

محب: هذا غريب … ولكن صديقنا كان يسكن هذه الفيلا.

الحارس: إنني لا أعرف مَن كان يسكن هذه الفيلا من قبل، فقد استأجرها الأستاذ «حسام» منذ يومين فقط.

تختخ: إذن فلا بد أن صديقنا «محمود» قد سافر مع والده إلى الخارج، وقامَا بتأجير هذه الفيلا كما أخبرنا من قبل … لسوء الحظ فقد جئنا متأخرين.

الحارس: متأخرين عن ماذا؟

تختخ: لقد كان والدنا يريد تأجيرها لبعض أصدقائه من الأجانب الذين يزورون مصر قريبًا … وقد وعدَنا صديقُنا‏ «محمود» بأنه سيُقنع والدَه بتأجيرها لنا … ولكن يبدو أننا جئنا متأخرين بعضَ الشيء فقام والدُ صديقنا بتأجيرها لآخرين.

تطلَّع «محب» في دهشة إلى «تختخ» دون أن يفهم معنى حديثه. وسأل «تختخ» الحارس: بكم استأجر الأستاذ «حسام» هذه الفيلا؟

أجاب الحارس: لقد استأجرها بخمسة آلاف جنيه شهريًّا.

تختخ: شكرًا لك.

وابتعد «تختخ» مع «محب» الذي سأله في دهشة كبيرة: ما معنى ذلك الحديث الذي قلتَه للحارس …

ابتسم «تختخ» وهو يقول: أليس عجيبًا أن سكرتيرًا يستأجر فيلا بمبلغ خمسة آلاف جنيه شهريًّا … من أين له مثل هذا المبلغ مهما كان مرتبه؟ لقد أردت بحديثي استدراج الحارس ليُخبرنا بإيجار الفيلا …

محب: يا لَك من مدهش يا «تختخ» … إنك على حقٍّ … كيف ولماذا يدفع «حسام قدري» خمسة آلاف جنيه شهريًّا … ومن أين له بمثل هذا المال؟

تختخ: هناك شيء آخر لا يقلُّ غرابة عن تلك الملاحظة الأولى … وهو أن السكرتير قد استأجر الفيلا منذ يومين فقط … أي منذ اختفاء أو اختطاف المليونير «محسن صديق» …

محب: وما معنى ذلك؟

تختخ: لا أدري … إنها مجرد ملحوظات مريبة … ولكنها لا تُشكِّل أيَّ دليل ضد هذا السكرتير …

وركب الاثنان سيارة التاكسي عائدَين إلى «فيلا رامتان» واستقبلهما بقيةُ المغامرين بعاصفة من الأسئلة، فقصَّ عليهما «تختخ» و«محب» كلَّ ما صنعاه في تلك الليلة …

وقالت نوسة: إن هذا يزيد شكوكنا في السكرتير بدرجة كبيرة.

لوزة: ولكن لا دليل …

عاطف: ومن سوء الحظِّ تفتيشنا لغرف القصر لم يؤدِّ إلى شيء الآن أغلبها مغلق …

نوسة: ولكننا سنحصل على المفاتيح في الصباح …

تختخ: وهل تظنون أن السكرتير سيأتي بها لنا … سوف ترَون في الصباح أنه سيأتي بدونها … ولن يسمح لنا بتفتيش القصر أبدًا …

وتقابلَت نظرات المغامرين في وجوم، وانصرفوا للنوم وعشرات الأسئلة تدور في ذهنهم … وكلها تتعلق بذلك السكرتير المريب … وسر حمام السباحة …

كان توقُّع «تختخ» في محلِّه … فقد جاء السكرتير في الصباح، وليس معه المفاتيح وادَّعى أنه بحث عنها ولم يجدها … وربما يكون قد نسيها في مكان ما ونسيَ مكانها … ثم اتجه إلى داخل الفيلا …

وتقابلَت نظرات المغامرين … كانت شكوكهم في السكرتير قد قَوِيَت إلى أقصى حدٍّ … وهمسَت «نوسة»: علينا أن نفعل شيئًا … يجب أن نجد المفتش «سامي» لنتأكدَ من شكوكنا في هذا الرجل …

محب: وبماذا تُفيد الشكوك … إننا بحاجة إلى دليل لإدانته …

عاطف: إنني أشعر أن هذا الدليل يوجد بداخل الفيلا في إحدى الحجرات المغلقة، ومن المؤسف أننا لن نستطيع العثور عليه في الوقت الحالي …

لوزة: لماذا لا نطلب من المفتش «سامي» أن يفتح لنا هذه الحجرات، ولو بكسرها للعثور على هذا الدليل؟

تختخ: كان علينا أن نفعل ذلك منذ مساء الأمس، ولكنني أشعر الآن أن الوقت قد صار متأخرًا جدًّا … وأن السكرتير قد جاء لإخفاء هذا الدليل …

لوزة: علينا أن نمنعه بأي وسيلة.

تختخ: إذن عليكم بمراقبته.

محب: وأنت ماذا ستفعل يا «تختخ»؟

أجابه «تختخ» في غموض: إنَّ هناك شيئًا يشدُّني في هذا اللغز منذ بدايته … وأحسُّ أنَّ نصْفَ السر يكمن خلفه … هيا اذهبوا خلف ذلك السكرتير لمراقبته.

اندفع المغامرون الأربعة إلى داخل القصر … على حين اتجه «تختخ» إلى حمام السباحة الكبير … كان ذلك الحمام العجيب الشكل يجذبه منذ بداية اللغز … ووقف «تختخ» يرمقه وهو يفكر في السر الذي قد يُخفيه ذلك الحمام الفاخر …

ولاحظ «تختخ» أن مياه حمام السباحة تتناقص ببطء ويهبط منسوبُها أمام عينيه … وأن المياه تتجمَّد وتوجد فتحات خاصة في قاع الحمام تحت القصر … في الجزء الذي يحتويه.

اندفع «تختخ» مسرعًا إلى جراج القصر … وقد بدأت الرياح تزأر حولَه والسحب السوداء تتجمَّع في السماء منذرةً بمطر شديد …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤