فلما كانت الليلة ٤٢٤

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا سويد قال: لما قلتُ للعجوز ذلك الكلام رفعَتْ رأسَها إليَّ، وحملقت العينين، وأنشدت هذين البيتين:

وَصَبَغْتُ مَا صَبَغَ الزَّمَانُ فَلَمْ يَدُمْ
صِبْغِي وَدَامَتْ صَبْغَةُ الْأَيَّامِ
أَيَّامَ أَرْفُلُ فِي ثِيَابِ شَبِيبَتِي
وَأُنَاكَ مِنْ خَلْفِي وَمِنْ قُدَّامِي

فقلت لها: لله دَرُّك من عجوز! ما أصدقك في اللهج بالحرام! وأكذبك في دعوى التوبة من الآثام.

حكاية علي بن طاهر والجارية مؤنس

ومما يُحكَى أن علي بن محمد بن عبد الله بن طاهر استعرض جارية اسمها مؤنس للشراء، وكانت فاضلة أديبة شاعرة، فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: أعَزَّ الله الأمير، اسمي مؤنس. وكان قد عرف اسمها قبل ذلك، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إليها، وأنشد هذا البيت:

مَاذَا تَقُولِينَ فِيمَنْ شَفَّهُ سَقَمُ
مِنْ أَجْلِ حُبِّكِ حَتَّى صَارَ حَيْرَانَا

فقالت: أعَزَّ الله الأمير. وأنشدت هذا البيت:

إِذَا رَأَيْنَا مُحِبًّا قَدْ أَضَرَّ بِهِ
دَاءُ الصَّبَابَةِ أَوْلَيْنَاهُ إِحْسَانَا

فأعجبته، فاشتراها بسبعين ألف درهم، وأولدها عبيد الله بن محمد صاحب المآثر.

حكاية أبي العيناء عن امرأتين عاشقتين

وقال أبو العيناء: كان عندنا في الدرب امرأتان؛ إحداهما تعشق رجلًا، والأخرى تعشق أمردَ، فاجتمعَتَا ليلة على سطح إحداهما، وهو قريب من داري، وهما لا يعلمان بي، فقالت صاحبة الأمرد للأخرى: يا أختي، كيف تصبرين على خشونة اللحية حين تقع على صدرك وقت لثمك، وتقع شواربه على شفتَيْك وخدَّيك؟ فقالت لها: يا رعناء، وهل يزين الشجر إلا ورقه، والخيار إلا زغبه؟ وهل رأيت في الدنيا أقبح من أقرع منتوف؟ أَمَا علمتِ أن اللحية للرجل مثل الذوائب للمرأة؟ وما الفرق بين الخدِّ واللحية؟ أَمَا علمتِ أن الله — سبحانه وتعالى — خلق في السماء ملكًا يقول: سبحان مَن زيَّن الرجال باللحى والنساء بالذوائب. فلولا أن اللحى كالذوائب في الجمال لما قُرِن بينهما. يا رعناء، ما لي أفرش نفسي تحت الغلام الذي يعاجلني إنزاله، ويسابقني انحلاله، وأترك الرجل الذي إذا شمَّ ضمَّ، وإذا أدخل أمهل، وإذا فرغ رجع، وإذا هزَّ أجاد، وكلما خلص عاد. فاتَّعَظَتْ صاحبة الغلام بمقالها، وقالت: سلوت صاحبي وربِّ الكعبة.

حكاية علي المصري التاجر من بغداد

ومما يُحكَى أنه كان بمدينة مصر رجل تاجر، وكان عنده شيء كثير من مال ونقود وجواهر ومعادن وأملاك لا تُحصَى، وكان اسمه حسن الجوهري البغدادي، وقد رزقه الله بولد حسن الوجه، معتدل القد، مورد الخد، ذي بهاء وكمال وبهجة وجمال، فسمَّاه عليًّا المصري، وقد علَّمَه القرآن والعلم والفصاحة والأدب، وصار بارعًا في كامل العلوم، وكان تحت يد والده في التجارة، فحصل لوالده مرض وزاد عليه الحال، فأيقن بالموت وأحضر ولده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤