فلما كانت الليلة ٥٣١

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن بلوقيا لما سمع هذا الكلام من جانشاه تعجب وقال: والله إني كنت أظن أنني سحت ودرت طائفًا في الأرض، والله إني نسيت الذي رأيته بما سمعته من قصتك. ثم إنه قال لجانشاه: أريد من فضلك وإحسانك يا أخي، أنك تدلني على طريق السلامة. فدلَّه على الطريق، ثم ودَّعه وسار، وكل هذا الكلام تحكيه ملكة الحيات لحاسب كريم الدين، فقال لها حاسب كريم الدين: كيف عرفتِ هذه الأخبار؟ فقالت له: اعلم يا حاسب، أني كنتُ أرسلت إلى بلاد مصر حية عظيمة من مدة خمسة وعشرين عامًا، وأرسلت معها كتابًا بالسلام على بلوقيا لتوصله إليه، فراحت تلك الحية وأوصلته إلى بنت شموخ، وكان لها بنت في أرض مصر؛ فأخذت ذلك الكتاب وسارت حتى وصلت إلى مصر، وسألت الناس عن بلوقيا فدلُّوها عليه، فلما أتت ورأته، سلَّمَتْ عليه وأعطته ذلك الكتاب؛ فقرأه وفهم معناه ثم قال للحية: هل أنت أتيتِ من عند ملكة الحيات؟ قالت: نعم. فقال لها: أريد أن أروح معك إلى ملكة الحيات لأن لي عندها حاجة. فقالت له: سمعًا وطاعة. ثم أخذته وسارت به إلى بنتها وسلَّمَتْ عليها، ثم ودَّعَتْها وخرجت من عندها وقالت له: أغمض عينَيْك. فأغمض عينَيْه وفتحهما، فإذا هو في الجبل الذي أنا فيه؛ فسارت به إلى الحية التي أعطتها الكتاب، وسلَّمَتْ عليها وقالت لها: هل أوصلتِ الكتاب إلى بلوقيا؟ قالت: نعم، أوصلته إليه وقد جاء معي، وها هو. فتقدَّمَ بلوقيا وسلَّم على تلك الحية وسألها عن ملكة الحيات، فقالت له: إنها راحت إلى جبل قاف بجنودها وعساكرها، وإنها حين يأتي الصيف تعود إلى هذه الأرض، وكلما ذهبت إلى جبل قاف وضعتني في موضعها حتى تأتي؛ فإن كان لك حاجة فأنا أقضيها لك. فقال لها بلوقيا: أريد منك أن تجيئي بالنبات الذي كلُّ مَن دقه وشرب ماءه لا يضعف ولا يشيب ولا يموت. فقالت له تلك الحية: ما أجيء به حتى تخبرني بما جرى لك بعد مفارقتها، حيث رحت أنت وعفان إلى مدفن السيد سليمان. فأخبرها بلوقيا بقصته من أولها إلى آخِرها، وأعلمها بما جرى لجانشاه وحكى لها حكايته، ثم قال لها: اقضي لي حاجتي حتى أروح إلى بلادي. فقالت الحية: وحق السيد سليمان ما أعرف طريق ذلك العشب. ثم إنها أمرت الحية التي جاءت به وقالت لها: أوصليه إلى بلاده. فقالت لها: سمعًا وطاعةً. ثم قالت له: أغمض عينيك. فأغمض عينيه وفتحهما، فرأى نفسه في الجبل المقطب، فسار حتى أتى منزله.

ثم إن ملكة الحيات لما عادت من جبل قاف توجَّهَتْ إليها الحية التي أقامتها مقامها، وسلَّمت عليها وقالت لها: إن بلوقيا يسلِّم عليك. وحكت لها جميع ما أخبرها به بلوقيا مما رآه في سياحته ومن اجتماعه بجانشاه، ثم قالت ملكة الحيات لحاسب كريم الدين: وهذا الذي أخبرني بهذا الخبر يا حاسب. فقال لها حاسب: يا ملكة الحيات، أخبريني بما جرى لبلوقيا حين عاد إلى مصر. فقالت له: اعلم يا حاسب أن بلوقيا لما فارَقَ جانشاه، سار ليالي وأيامًا حتى وصل إلى بحر عظيم، ثم إنه دهن قدمَيْه من الماء الذي معه، ومشى على وجه الماء حتى وصل إلى جزيرةٍ ذات أشجار وأنهار وأثمار كأنها الجنة، ودار في تلك الجزيرة، فرأى شجرة عظيمة ورقها مثل قلوع المراكب، فقرب من تلك الشجرة، فرأى تحتها سماطًا ممدودًا، وفيه جميع الألوان الفاخرة من الطعام، ورأى على تلك الشجرة طيرًا عظيمًا من اللؤلؤ والزمرد الأخضر، ورجلاه من الفضة، ومنقاره من الياقوت الأحمر، وريشه من نفيس المعادن، وهو يسبِّح الله تعالى، ويصلِّي على محمد . وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤