فلما كانت الليلة ٣٣٦

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن اليمني سيد الجواري أشار إلى الجارية السمينة فقامت، وأشارت بيدها إلى الهزيلة، وكشفت سيقانها ومعاصمها، وكشفت عن بطنها فبانت طيَّاته، وظهر تدوير سُرَّتها، ثم لبست قميصًا رفيعًا، فبان منه جميع بدنها، وقالت: الحمد لله الذي خلقني فأحسن صورتي، وسمَّنني فأحسن سمنتي، وشبَّهني بالأغصان، وزاد في حسني وبهجتي، فله الحمد على ما أولاني وشرَّفني؛ إذ ذكرني في كتابه العزيز فقال تعالى: فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، وجعلني كالبستان المشتمل على خوخ ورمَّان. وإن أهل المدن يشتهون الطيرَ السمين فيأكلون منه، ولا يحبون طيرًا هزيلًا، وبنو آدم يشتهون اللحم السمين ويأكلونه، وكم للسمن من مفاخر، وما أحسن قول الشاعر:

وَدِّعْ حَبِيبَكَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ
وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ
كَأَنَّ مَشْيَتَهَا فِي بَيْتِ جَارَتِهَا
مَشْيَ السَّمِينَةِ لَا عَيْبٌ وَلَا مَلَلُ

وما رأيت أحدًا يقف على الجزار إلا ويطلب منه اللحم السمين. وقالت الحكماء: اللذة في ثلاثة أشياء: أكل اللحم، والركوب على اللحم، وإدخال اللحم في اللحم. وأما أنت يا رفيعة فسيقانك كسيقان العصفور، ومحراك التنُّور، وأنت خشبة المصلوب، ولحم المعيوب، وليس فيكِ شيء يسرُّ الخاطر، كما قال فيكِ الشاعر:

أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ أَشْيَاءَ تُحْوِجُنِي
إِلَى مُضَاجَعَةٍ كَالدَّلْكِ بِالْمَسَدِ
فِي كُلِّ عُضْوٍ لَهَا قَرْنٌ يُنَاطِحُنِي
عِنْدَ الْمَنَامِ فَأُمْسِي وَاهِيَ الْجَسَدِ

فقال لها سيدها: اجلسي، ففي هذا القدر كفاية. فجلست، ثم أشار إلى الهزيلة فقامت كأنها غصن بان أو قضيب خيزران أو عود ريحان، وقالت: الحمد لله الذي خلقني فأحسنني، وجعل وصلي غاية المطلوب، وشبَّهني بالغصن الذي تميل إليه القلوب، فإن قمتُ قمتُ خفيفةً، وإن جلستُ جلستُ ظريفة؛ فأنا خفيفة الروح عند المزاح، طيبة النفس من الارتياح، وما رأيت أحدًا وصف حبيبه فقال: حبيبي قدر الفيل، ولا مثل الجبل العريض الطويل، وإنما حبيبي له قدٌّ أهيف، وقوام مهفهف. فاليسير من الطعام يكفيني، والقليل من الماء يرويني، لعبي خفيف، ومزاجي ظريف؛ فأنا أنشط من العصفور، وأخف حركة من الزرزور، ووصلي منية الراغب، ونزهة الطالب. وأنا مليحة القوام حسنة الابتسام، كأني غصن بان أو قضيب خيزران أو عود ريحان، وليس لي في الجمال مماثِل، كما قال فيَّ القائل:

شَبَّهْتُ قَدَّكِ بِالْقَضِيبِ
وَجَعَلْتُ شَكْلَكِ مِنْ نَصِيبِي
وَغَدَوْتُ خَلْفَكِ هَائِمًا
خَوْفًا عَلَيْكِ مِنَ الرَّقِيبِ

وفي مثلي تهيم العشاق، ويتولَّه المشتاق، وإن جذبني حبيبي أنجذب إليه، وإن استمالني ملت له لا عليه، وها أنت يا سمينة البدن، فإن أكلك أكل الفيل، ولا يُشبِعك كثير ولا قليل، وعند الاجتماع لا يستريح معك خليل، ولا يوجد لراحته معك سبيل؛ فكبر بطنك يمنعه من جماعك، وعند التمكن من فرجك يدفعه غلظ أفخاذك، أي شيء في غلظك من الملاحة؟ أو في فظاظتك من اللطف والسماحة؟ ولا يليق باللحم السمين غير الذبح، وليس فيه شيء من موجبات المدح، إنْ مازَحَكِ أحدٌ غضبتِ، وإن لاعَبَكِ حزنتِ، فإنْ غنجتِ شخرتِ، وإنْ مشيتِ لهثتِ، وإنْ أكلتِ ما شبعتِ. وأنت أثقل من الجبال، وأقبح من الخبال والوبال، ما لك حركة، ولا فيك بركة، وليس لك شغل إلا الأكل والنوم، وإنْ بُلْتِ شرشرْتِ، وإنْ تغوَّطتِ بطبطتِ، كأنك زقٌّ منفوخ أو فيل ممسوخ، إنْ دخلتِ بيت الخلا تريدين مَن يغسل لك فرجكِ، وينتف من فوقه شعرك، وهذا غاية الكسل، وعنوان الخبل، وبالجملة ليس فيك شيء من المفاخر، وقد قال فيك الشاعر:

ثَقِيلَةٌ مِثْلُ زِقِّ الْبَوْلِ مُنْتَفِخٌ
أَوْرَاكُهَا كَعَوَامِيدَ مِنَ الْجَبَلِ
إِذَا مَشَتْ فِي بِلَادِ الْغَرْبِ أَوْ خَطَرَتْ
سَرَى إِلَى الشَّرْقِ مَا تُبْدِي مِنَ الْهَبَلِ

فقال لها سيدها: اجلسي، ففي هذا القدر كفاية. فجلست، ثم أشار إلى الصفراء، فقامت على قدمَيْها وحمدت الله تعالى وأثنت عليه، وأتَتْ بالصلاة والسلام على خيار خلقه لديه، ثم أشارت بيدها إلى السمراء وقالت … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤