فلما كانت الليلة ٣٤٨

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الرجل السائل قال للمرأة: تصدَّقِي عليَّ بشيء. فقالت: كيف أتصدَّق عليك والملك يقطع يدَ كلِّ مَن تصدَّق؟ فقال: اسألك بالله تعالى أن تتصدَّقِي عليَّ. فلما سألها بالله رقَّتْ له وتصدقت عليه برغيفين، فوصل الخبر إلى الملك فأمر فإحضارها، فلما حضرت قطع يديها وتوجهت إلى دارها، ثم إن الملك بعد حين قال لأمه: إني أريد الزواج فزوِّجيني امرأةً جميلة. قال: إن في جوارنا امرأة لم يوجد أحسن منها ولكن بها عيب شديد. قال: ما هو؟ قالت: مقطوعة اليدين. قال: أريد أن أنظرها. فأتَتْ بها إليه، فلما نظرها افتتن بها، فتزوَّجَها ودخل بها، وكانت تلك المرأة هي التي تصدَّقت على السائل برغيفين وقطع يديها من أجل ذلك، فلما تزوَّجَ بها حسدها ضرائرها، وكتبن إلى الملك يخبرنه عنها بأنها فاجرة وقد ولدت غلامًا، فكتب الملك إلى أمه كتابًا وأمرها فيه أن تخرج بها إلى الصحراء وتتركها هناك ثم ترجع، ففعلت أمه ذلك وخرجت بها إلى الصحراء ثم رجعت، فصارت تلك المرأة تبكي على ما جرى لها، وتنتحب انتحابًا شديدًا ما عليه من مزيد، فبينما هي تمشي والولد على عنقها إذ مرَّتْ على نهر، فبركت لتشرب من شدة العطش الذي لحقها من مشيها وتعبها وحزنها، فعندما طأطأت سقط الولد في الماء، فجلست تبكي على ولدها بكاءً شديدًا، فبينما هي تبكي إذ مرَّ عليها رجلان فقالا لها: ما يُبكِيكِ؟ قالت لهما: كان لي ولد على عنقي فسقط في الماء. فقالا لها: أتحبين أن نُخرِجه لك؟ قالت: نعم. فدعَوَا الله تعالى فخرج الولد إليها سالمًا لم يُصِبه شيء. ثم قالَا لها: أتحبِّين أن يردَّ الله يدَيْك كما كانتا؟ قالت: نعم. فدعَوَا الله سبحانه وتعالى، فرجعت يداها أحسن مما كانتا عليه، ثم قالا لها: أتدرين مَن نحن؟ قالت: الله أعلم. قالا: نحن رغيفاك اللذان تصدَّقْتِ بنا على السائل، وكانت الصدقة سببًا لقطع يدَيْكِ، فاحمدي الله تعالى الذي ردَّ عليك يدَيْكِ وولدكِ. فحمدت الله تعالى وأثنت عليه.

ومما يُحكَى أنه كان في بني إسرائيل رجل عابد له عيال يغزلون القطن، فكان كل يوم يبيع الغزل ويشتري قطنًا، وما خرج من الكسب يشتري به طعامًا لعياله يأكلونه في ذلك اليوم، فخرج ذات يوم وباع الغزل، فلقيه أخ له فشكا إليه الحاجة، فدفع له ثمن الغزل ورجع إلى عياله من غير قطن ولا طعام، فقالوا له: أين القطن والطعام؟ فقال لهم: استقبلني فلان فشكا إليَّ الحاجةَ، فدفعت إليه ثمن الغزل. قالوا: وكيف نصنع وليس عندنا شيء نبيعه؟ وكان عندهم قصعة مكسورة وجرَّة، فذهب بهما إلى السوق فلم يشترهما أحدٌ منه، فبينما هو في السوق إذ مرَّ به رجل ومعه سمكة … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤