فلما كانت الليلة ٣٨٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أمير المؤمنين أمر مسرور السياف أن ينزع عن أبي نواس ثيابه، ويشد على ظهره برذعة، ويجعل في رأسه مقودًا وفي دبره طفرًا، ثم يدور به على مقاصير الجواري وعلى منازل الحريم وسائر المحلات، ليسخروا به، وبعد ذلك يقطع رأسه ويأتيه بها، فقال مسرور: سمعًا وطاعة. وأخذ يفعل ما أمره به الخليفة ودار به على المقاصير، وكان عددها بعدد أيام السنة، وكان أبو نواس مُضحِكًا وكلُّ مَن رآه يعطيه مالًا، فما رجع إلا وجبه ملآن مالًا، فبينما هو على هذه الحالة وإذا بجعفر البرمكي مُقبِل، فدخل على الخليفة وكان غائبًا في أمر مهم لأمير المؤمنين، فرأى أبا نواس في هذه الحالة فعرفه، فقال له: يا أبا نواس. فقال له: لبيك يا مولانا. قال له: أي ذنب فعلتَ حتى حصلَتْ لك هذه العقوبة؟ فقال له أبو نواس: ما فعلتُ ذنبًا إلا أني هاديتُ مولانا الخليفة بمحاسن أشعاري، فهاداني بمحاسن ملبوسه. فلما سمع أمير المؤمنين ذلك، ضحك ضحكًا ناشئًا عن قلب مملوء بالغيظ، وعفا عنه وأمر له ببدرة من المال.

من حكايات العشق ومكارم الأخلاق

حكاية عبد الله بن معمر ورجل من البصرة

ومما يُحكَى أن بعض أهل البصرة اشترى جارية فأدَّبَها وأحسن أدبها وتعليمها، وكان يحبها غاية المحبة، وأنفق ماله على البسط والانشراح وهو معها، ولم يَبْقَ عنده شيء، وقد أضرَّ به الفقر الشديد، فقالت له الجارية: يا سيدي، بعني لأنك محتاج إلى ثمني، وقد أشفقت على حالك مما أرى بك من الفقر، فلو بعتني وأنفقتَ ثمني لَكان ذلك أصلح لك من بقائي عندك، ولعل الله تعالى يوسع عليك رزقك، فأجابها إلى ذلك من ضيق حاله، ثم أخذها ونزل بها السوق فعرضها الدلال على أمير البصرة وكان اسمه عبد الله بن معمر التيمي، فأعجبته فاشتراها بخمسمائة دينار، ودفع ذلك المبلغ إلى سيدها، فلما قبضه سيدها وأراد الانصراف، بكت الجارية وأنشدت هذين البيتين:

هَنِيئًا لَكَ الْمَالُ الَّذِي قَدْ حَوَيْتَهُ
وَلَمْ يَبْقَ لِي غَيْرُ الْأَسَى وَالتَّفَكُّرِ
أَقُولُ لِنَفْسِي وَهْيَ فِي سُوءِ كَرْبِهَا
أَقِلِّي فَقَدْ بَانَ الْحَبِيبُ أَوِ اكْثِرِي

فلما سمعها سيدها صعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:

إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ عِنْدَكَ حِيلَةٌ
وَلَمْ تَجِدِي شَيْئًا سِوَى الْمَوْتِ فَاعْذِرِي
أَرُوحُ وَأَغْدُو وَالْأَوَانِسُ ذِكْرَهُمْ
أُنَاجِي بِهِ قَلْبًا شَدِيدَ التَّفَكُّرِ
عَلَيْكِ سَلَامٌ لَا زِيَارَةَ بَيْنَنَا
وَلَا وَصْلَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ابْنُ مَعْمَرِ

فلما سمع عبد الله بن معمر شعرهما ورأى كآبتهما قال: والله كنت معينًا على فراقكما وقد ظهر لي أنكما متحابان، فخذ المال والجارية أيها الرجل بارك الله لك فيهما، فإن افتراق الحبيبين من بعضهما صعب عليهما. فقبَّلَ الاثنان يده وانصرفا، وما زالا مجتمعين إلى أن فرَّقَ بينهما الموت، فسبحان مَن لا يدركه فوت.

حكاية العاشق العذري

ومما يُحكَى أنه كان في بني عذرة رجل ظريف وكان لا يخلو من العشق يومًا واحدًا، فاتفق له أنه أحب امرأة جميلة من الحي، فراسَلَها أيامًا وهي لا تزال تجفوه وتصدُّ عنه إلى أن أضرَّ به الغرام والوَجْد والهيام، فمرض مرضًا شديدًا ولزم الوساد وجفا الرقاد، وظهر للناس أمره واشتهر بالعشق ذِكْرُه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤