فلما كانت الليلة ٣٨٥

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الغلام تعلَّقَ بحبِّ الجارية وأحَبَّها حبًّا شديدًا، فلما كان في بعض الأيام في ساعة غفلة الصبيان، أخذ الغلام لوح الجارية وكتب فيه هذين البيتين:

مَاذَا تَقُولِينَ فِيمَنْ شَفَّهُ سَقَمُ
مِنْ فَرْطِ حُبِّكِ حَتَّى صَارَ حَيْرَانَا
يَشْكُو الصَّبَابَةَ مِنْ وَجْدٍ وَمِنْ أَلَمٍ
لَا يَسْتَطِيعُ لِمَا فِي الْقَلْبِ كِتْمَانَا

فلما أخذت الجارية لوحها رأت هذا الشعر مكتوبًا فيه، فلما قرأته وفهمت معناه بكت رحمةً له، وكتبت تحت خط الغلام هذين البيتين:

إِذَا رَأَيْنَا مُحِبًّا قَدْ أَضَرَّ بِهِ
حَالُ الصَّبَابَةِ أَوْلَيْنَاهُ إِحْسَانَا
وَيَبْلُغُ الْقَصْدَ مِنَّا فِي مَحَبَّتِهِ
وَلَوْ يَكُونُ عَلَيْنَا كُلُّ مَا كَانَا

فاتفق أن الفقيه دخل عليهما فوجد اللوح على حين غفلة، فأخذه وقرأ ما فيه فرَقَّ لحالهما، وكتب في اللوح تحت كتابهما هذين البيتين:

صِلِي مُحِبَّكِ لَا تَخْشَيْ مُعَاقَبَةً
إِنَّ الْمُحِبَّ غَدَا فِي الْحُبِّ حَيْرَانَا
أَمَّا الْفَقِيهُ فَلَا تَخْشَى مَهَابَتَهُ
فَإِنَّهُ قَدْ بُلِيَ بِالْعِشْقِ أَزْمَانَا

فاتفق أن سيد الجارية دخل المكتب في تلك الساعة، فوجد لوح الجارية فأخذه وقرأ ما فيه من كلام الجارية وكلام الشاب وكلام الفقيه، فكتب الآخر في اللوح تحت كتابة الجميع هذين البيتين:

لَا فَرَّقَ اللهُ طُولَ الدَّهْرِ بَيْنَكُمَا
وَظَلَّ وَاشِيكُمَا حَيْرَانَ تَعْبَانَا
أَمَّا الْفَقِيهُ فَلَا وَاللهِ مَا نَظَرَتْ
عَيْنَايَ أَعْرَسَ مِنْهُ قَطُّ إِنْسَانَا

ثم إن سيد الجارية أرسل خلف القاضي والشهود، وكتب كتابها على الشاب في المجلس، وجعل لهما وليمة وأحسن إليهما إحسانًا عظيمًا، وما زالا مجتمعين في هناء وسرور إلى أن أدركهما هادم اللذات ومفرِّق الجماعات.

حكاية المتلمس وزوجته أميمة

ومما يُحكَى أن المتلمس هرب من النعمان بن المنذر وغاب غيبة طويلة حتى ظنوا أنه مات، وكان له زوجة جميلة تُسمَّى أميمة، فشار عليها أهلها بالزواج فأَبَتْ، فألحوا عليها لكثرة خطَّابها وغصبوها على الزواج، فأجابتهم إلى ذلك وهي كارهة، فزوَّجوها رجلًا من قومها، وكانت تحبُّ زوجَها المتلمس محبةً عظيمة، فلما كانت ليلة زفافها على ذلك الرجل الذي غصبوها على الزواج به، قَدِمَ زوجُها المتلمس في تلك الليلة، فسمع في الحي صوت المزامير والدفوف ورأى علامات الفرح، فسأل من بعض الصبيان عن هذا الفرح فقالوا له: إن أميمة زوجة المتلمس زوَّجوها لفلان، وها هو داخل في هذه الليلة. فلما سمع المتلمس ذلك الكلام تحيَّلَ في الدخول مع جملة النساء، فوجدهما على منصتهما وقد تقدَّمَ إليها العريس، فتنفست الصعداء وبكت وأنشدت هذا البيت:

أَيَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ
بِأَيِّ بِلَادٍ أَنْتَ يَا مُتَلَمِّسُ؟

وكان زوجها المتلمِّس من الشعراء المشهورين، فأجابها بقوله:

بِأَقْرَبِ دَارٍ يَا أُمَيْمَةُ فَاعْلَمِي
وَمَا زِلْتُ مُشْتَاقًا إِذَا الرَّكْبُ عَرَّسُوا

فعند ذلك فطن العريس بهما، فخرج من بينهما بسرعة وهو ينشد قوله:

فَكُنْتُ بِخَيْرٍ ثُمَّ بِتُّ بِضِدِّهِ
وَضَمَّكُمَا بَيْتٌ رَحِيبٌ وَمَجْلِسُ

ثم تركهما وذهب، واختلى بها زوجها المتلمِّس، وما زالا في أطيب عيش وأصفاه وأرغده وأهناه، إلى أن فرَّقَ بينهما الممات، فسبحان مَن تقوم بأمره الأرض والسموات.

حكاية هارون الرشيد والسيدة زبيدة في البحيرة

ومما يُحكَى أن الخليفة هارون الرشيد كان يحب السيدة زبيدة محبةً عظيمة، وبنى لها مكانًا للتنزُّه، وعمل فيه بحيرة من الماء، وعمل لها سياجًا من الأشجار، وأرسل إليها الماء من كل جانب، فالتفَّتْ عليها الأشجار حتى لو دخل أحد يغتسل في تلك البحيرة لم يره أحد من كثرة أوراق الشجر، فاتفق أن السيدة زبيدة دخلت ذلك المكان يومًا، وأتت إلى البحيرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤