فلما كانت الليلة ٣٩٤

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المرأة لما جاءت لزوجها في الجمعة الثانية أخرجت السمكة من الزير حية، وجمعت عليه الناس، فأخبرهم بالقصة فكذبوه وقالوا له: لا يمكن أن السمكة تقعد بالحياة هذه المدة. وأثبتوا جنونه وسجنوه وصاروا يضحكون عليه، فأفاضَ دمعَ العين وأنشد هذين البيتين:

عَجُوزٌ تَوَلَّتْ فِي الْقَبَائِحِ مَنْصِبًا
عَلَى وَجْهِهَا لِلْفَاحِشَاتِ شُهُودُ
إِذَا طُمِّثَتْ قَادَتْ وَإِنْ طُهِّرَتْ زَنَتْ
مَدَى الدَّهْرِ تَزْنِي تَارَةً وَتَقُودُ

حكاية الإسرائيلية والشيخين

ومما يُحكَى أنه كان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، امرأة صالحة في بني إسرائيل، وكانت تلك المرأة ديِّنة عابدة تخرج كلَّ يوم إلى المصلَّى، وكان بجانب تلك المصلَّى بستان، فإذا خرجت إلى المصلى تدخل ذلك البستان وتتوضَّأ منه، وكان في البستان شيخان يحرسانه، فتعلَّق الشيخان بتلك المرأة، وراوداها عن نفسها فأبت، فقالا لها: إن لم تمكِّنينا من نفسك، لَنشهدنَّ عليك بالزنا. فقالت لهما الجارية: الله يكفيني شرَّكما. ففتحا باب البستان وصاحا؛ فأقبل عليهما الناس من كل مكان وقالوا: ما خبركما؟ فقالا: إنَّا وجدنا هذه الجارية مع شاب يفجر بها، وانفلت الشاب من أيدينا. وكان الناس في ذلك الوقت ينادون بفضيحة الزاني ثلاثة أيام ثم يرجمونه؛ فنادوا عليها ثلاثة أيام من أجل الفضيحة، وكان الشيخان في كل يوم يدنوان منها ويضعان أيديهما على رأسها، ويقولان لها: الحمد لله الذي أنزَلَ بكِ نقمته. فلما أرادوا رجمها تبعهم دانيال، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وهذه أول معجزة له — على نبينا وعليه الصلاة والسلام — ولم يزل تابعًا لهم حتى لحقهم وقال: لا تعجلوا عليها بالرجم حتى أقضي بينهم. فوضعوا له كرسيًّا ثم جلس، وفرَّق بين الشيخين — وهو أول مَن فرَّقَ بين الشهود — فقال لأحدهما: ما رأيتَ؟ فذكر له ما جرى، فقال له: حصل ذلك في أي مكان في البستان؟ فقال: في الجانب الشرقي تحت شجرة الكمثرى. ثم سأل الثاني عمَّا رأى فأخبره بما جرى، فقال له: في أي مكان في البستان؟ فقال: في الجانب الغربي تحت شجرة التفاح. كل هذا والجارية واقفة رافعة رأسها ويديها إلى السماء، وهي تدعو الله بالخلاص؛ فأنزل الله تعالى صاعقةً من العذاب فأحرقت الشيخين، وأظهر الله تعالى براءة الجارية، وهذا أول ما جرى من المعجزات لنبي الله دانيال عليه السلام.

حكاية جعفر البرمكي والشيخ

ومما يُحكَى أن أمير المؤمنين هارون الرشيد خرج يومًا من الأيام هو وأبو يعقوب النديم وجعفر البرمكي وأبو نواس، وساروا في الصحراء فرأوا شيخًا متَّكِئًا على حمار له، فقال هارون الرشيد لجعفر: اسأل هذا الشيخ من أين هو؟ فقال له جعفر: من أين جئتَ؟ فقال: من البصرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤