فجأة … تحوَّل المكان إلى شجن

عندما دخل الشياطين «فندق السلام» أخذ «رشيد» طريقه إلى مكتب الاستعلامات، ثم تسلَّم مفاتيح الغرف. عاد إلى الشياطين الذين كانوا قد انتشروا في صالة الفندق الواسعة. كان «أحمد» يقف أمام لوحة مُعلَّقة أخذ يقرأ ما عليها، في حين كان «فهد» و«قيس» قد اشتبكا في حوار، بينما كانت أعينهم تدور في أرجاء الصالة. أمَّا «عثمان» فقد وقف وحده يرقب طفلَين يجريان في الصالة عندما رأوا «رشيد» متجهًا إليهم. أخذوا طريقهم إلى مكان المصعد، حيث استقلوا مصعدًا إلى الدور العاشر … وعندما توقَّف المصعد غادروه. أشار «رشيد» إلى مكان الغرف، وكانت ثلاثة؛ غرفة ﻟ «أحمد» حيث تُعقَد الاجتماعات، وغرفة ﻟ «عثمان» و«قيس»، وغرفة ﻟ «رشيد» و«فهد».

قال «أحمد»: سوف نلتقي بعد ربع ساعة … أخذ كلُّ اثنَين طريقهما إلى غرفتهما، ودخل «أحمد» غرفته. كان أول شيء فعله أن اتصل بعميل رقم «صفر» ليعرف آخر الأخبار …

قال العميل: إن هناك حالة طوارئ قصوى، والعصفورة لم تَخرج من «جنيف»، وقد أحضرت أجهزةً دقيقةً تمامًا لكشف من يحملها، غير أنه حتى الآن لم يظهر شيء.

سأل «أحمد»: هل كان «كريم الدين» هو نفس الشخص الذي شاهد العصفورة، أو أن هذه كانت خدعة؟

ردَّ العميل: يُرجَّح أن تكون هناك خدعة قد حدثت، وإن كانت الجهات المسئولة لم تقطع بالأمر بعد.

سأل «أحمد» من جديد: هل يتوقَّع طيران العصفورة قريبًا؟

ردَّ العميل: ربما في خلال أسبوع مثلًا؛ فالخبراء يتوقَّعون أن تكون هذه هي المدة.

سأل «أحمد»: هل هناك توقُّع بأن تضع العصفورة عدة بيضات؟

لم يُجِب العميل بسرعة؛ فقد مضى بعض الوقت، حتى إن «أحمد» أعاد السؤال بطريقة أخرى حتى يفهم. كان الاثنان يتحدَّثان بلغةٍ متفق عليها، ولا يعرفها إلا الشياطين، وعملاء رقم «صفر» في العالم؛ حتى لا يكتشف أحد اللغة التي يتحدَّثون بها. أخيرًا أجاب العميل: لا أظن؛ فهم يتوقَّعون أن تطير العصفورة بنفسها دون أن تضع بيضها؛ لأن ذلك سوف يُفقدها قيمتها.

شكر «أحمد» العميل في نهاية مكالمته وقال: إذا حدث شيء سوف نعاود الاتصال.

كان «أحمد» يقصد بالعصفورة «الماسة الزرقاء»، أمَّا البيض فهو عملية تقطيعها إلى ماسات صغيرة.

وقعت عينا «أحمد» على جرائد اليوم. أخذ يتصفَّحها بسرعة، لكنه لم يجِد ما يُشير إلى السرقة، قال في نفسه: إنهم لم يُعلنوا عن سرقة الماسة حتى لا يلفتوا النظر. إنهم بذلك يجعلون العصابة تتصرَّف بأمان حتى تقع في أيديهم.

بعد لحظةٍ قال لنفسه: لكن المؤكَّد أن العصابة تعرف ذلك؛ فهي تتصرَّف بحذرٍ شديد. جلس أمام شرفة واسعة تُطل على ميدان كبير. ومن بعيدٍ رأى لافتةً مكتوب عليها «جينيفا بنك» … ابتسم وقال لنفسه: إذن، لقد حدثتِ السرقة هنا.

ظلَّ يتأمَّل الميدان لحظة، ثم تجمَّع الشياطين. أشار «أحمد» إلى اللافتة وهو يقول: من يدري؟ قد يكون أفراد العصابة قد نزلوا في هذه الغرفة حتى يكون «جينيفا بنك» تحت أعينهم!

ابتسم «رشيد» وهو يعلِّق: من يدري؟

تساءل «فهد»: هل تحتاج العصابة إلى نقل تمثال صغير كالذي يحمله «بروك» من أجل إخفاء الماسة؟! … لماذا لم يشتروا تمثالًا من «سويسرا» بدلًا من هذه العملية؟!

لم يرُدَّ أحد مباشرة؛ فقد كان السؤال معقولًا، لكن بعد لحظة قال «أحمد»: أعتقد أن التمثال قد صُنع خصوصًا لذلك؛ فمن المؤكَّد أنه مصنوع من مادة ضد الإشعاعات وأجهزة الكشف حتى لا ينكشف وجود «الماسة» في داخله، وربما يكون الدليل أنه قد صُنع خصوصًا بهذه الطريقة التي كُسر بها؛ فعندما وقعت الحقيبة على الأرض انشطر إلى نصفَين متساويَين، وهذا يعني أنه مُجهَّز لعملية خاصة، ولو كان تمثالًا عاديًّا لانكسر بطريقةٍ أخرى …

بعد لحظةٍ ردَّ «قيس»: هذا احتمال كبير.

بدأ الشياطين يرسمون خطة تحرُّكهم، وكانت البداية هي تسجيل الإشارات التي يسجِّلها جهاز الإشارات. كان «أحمد» قد وضع الجهاز فوق منضدة صغيرة أمامهم، وكان مؤشِّره يتذبذب في مكانه، بما يعني أنه يستقبل الإشارات الصادرة إليه من التمثال. قال «فهد»: إنها خطة ذكية تمامًا أن تلجأ للمادة المشعة فتخلطها بالمادة اللاصقة لتمثال «بوذا». لقد استطعت أن تسيطر على التمثال لأنه بذلك لن يغيب عن أعيننا.

فجأةً تحرَّك مؤشِّر الجهاز، قال «عثمان»: إنه يتجه بزاوية حادة في اتجاه الغرب، وهذا يعني أنه ربما أخذ طريقه إلى «فرنسا».

قال «أحمد»: لا بدَّ أن نتحرَّك الآن حتى لا نعطيهم فرصة الخروج من «جنيف».

كان الشياطين قد حدَّدوا على خريطة صغيرة موقع التمثال الآن من خلال الإشارات التي يسجِّلها الجهاز، وبسرعةٍ كانوا يأخذون طريقهم إلى الخارج، بينما «أحمد» قد أخفى الجهاز الدقيق في جيبه. وفي لمح البصر كانوا يغادرون الفندق إلى حيث تقف سيارتهم.

كان الليل قد هبط على مدينة «جنيف»، وبدأت حركة الشوارع تهدأ، غير أن الشوارع الرئيسية كانت مضاءةً جيدًا، أمَّا الشوارع الجانبية فقد كانت هادئة الضوء. كان «فهد» يقود السيارة متجهًا تبعًا لمؤشِّر تابلوه السيارة الذي كان يتحرَّك تبعًا لاتجاه مؤشِّر جهاز كشف الإشارات. قطعت السيارة شارع «سان لابال» الرئيسي، وعند نهايته تفرَّع إلى شارعَين. أعطى الجهاز إشارةً إلى اتجاه الشمال حيث لا يمكن الدخول.

اضطُر «فهد» أن يدور بالسيارة دورةً واسعة حتى يستطيع العودة مرةً أخرى إلى نفس المكان. تتبَّع اتجاه المؤشِّر إلى شارع صغير هو شارع ٢٠١. كان الشارع هادئا تمامًا، إضاءته خافتة. استمرَّ يسير في الشارع ببطء، حتى إذا وصل إلى نهايته توقَّف المؤشِّر عن الحركة. نظر الشياطين إلى بعضهم. إن هذا يعني أن التمثال موجود في هذه النقطة … ولم تكُن النقطة سوى عمارة متوسِّطة الارتفاع تصل إلى خمسة أدوار.

همس «رشيد»: علينا أن نغادر السيارة لنبدأ عملنا.

مرَّت دقيقة قبل أن يقول «أحمد»: سوف أنزل أنا و«قيس»، بينما يقوم بقية الشياطين بعملية المراقبة، على أن يظل الاتصال مستمرًّا بيننا.

في لحظة … كان الاثنان قد غادرا السيارة التي تحرَّكت مبتعدةً عنهما لتقف في مكان مظلم بجوار فيلا هادئة تمامًا، وكأن أحدًا لا يسكنها. في نفس الوقت تحرَّك «أحمد» و«قيس» إلى العمارة التي حدَّدها مؤشِّر الجهاز. كانت أبوابها مغلقة. نظر «قيس» حوله قليلًا، ثم أخرج مفتاحه السري وأدخله في الباب، ثم أداره فانفتح الباب. في نفس اللحظة كانت هناك رسالة يسجِّلها الجهاز عند «أحمد». كانت الرسالة شفرية: ««٣-٥-٢٩-٨» وقفة «٢٠-٢٥-٢٩-٧» وقفة «٢٣-٧-١٠» وقفة «٢٩-٧-٢٨-٢٩-٢٨» انتهى».

نقل «أحمد» الرسالة إلى «قيس» وهو يجذبه قائلًا: انتظر.

كانت السيارة قد وجَّهت أشعةً كاشفةً إلى مدخل العمارة، فكشفت كل شيء، فتوقَّف «أحمد» و«قيس» لحظةً كانت كافيةً ليظهر أحد الرجال. نظر إليهما وقال: هل تريدان شيئًا؟

ردَّ «أحمد» بسرعة: إننا نبحث عن رقم «٨٩».

ردَّ الرجل: هل قرأتما هذا الرقم على باب العمارة؟

ردَّ «أحمد»: إنه لم يظهر جيدًا.

نظر لهما الرجل نظرةً ذات معنًى، ثم قال: إنها ليست «٨٩».

بسرعة سأل «أحمد»: كم هي إذن حتى نستطيع أن نحدِّد المنزل الذي نريده؟

لم يُجِب الرجل مباشرة، لكنه قال بعد لحظة: إنه «٩٨».

ابتسم «أحمد» ابتسامةً تمثيليةً وهو يقول: نحن نعتذر. لقد قرأنا الرقم خطأً.

انسحب الرجل وأغلق الباب … ثم ابتعد الاثنان قليلًا، فهمس «قيس»: ماذا نستطيع أن نفعل الآن؟

قال «أحمد»: سوف نرى!

ابتعدا أكثر. ألقى «أحمد» نظرةً على المكان … كانت الأبنية متباعدة، لكنه قال: يمكن أن ندخل العمارة من أعلاها.

أرسل رسالةً شفريةً إلى الشياطين في السيارة: ««٢٠-٩-٢٨-٤-٢٩» وقفة «٢٩-٧-٦-٨-٢٩-٥» وقفة «٨-٤-١٠» وقفة «٥-٢٢-٢٣-٧» وقفة «٢٩-٧-١٢-٦-٢٩-٢٠-٣» وقفة «٦-٧» وقفة «٢٩-٧-١٨-١٤-٢٤» انتهى».

وعندما انتهى من الرسالة أشار إلى «قيس»، ثم اتجها إلى شارع «٢١٨» المتفرِّع من «٢٠١». وعندما وقفا عند العمارة التي تقع خلف «٨٩» همس «أحمد»: سوف ندخل هذه العمارة ونصعد إلى سطحها مباشرة.

في لحظةٍ كان «قيس» يفتح الباب بطريقته الخاصة، وبسرعة كانا يصعدان السلالم في رشاقة. وبرغم وجود المصعد إلا أنهما لم يستخدماه حتى لا يلتقيا بأحد. كانت العمارة في نفس ارتفاع العمارة رقم «٨٩» … وصلا إلى السطح. كانت المسافة بين العمارتَين حوالي خمسة أمتار، استطاع «قيس» أن يقدِّرها بسرعة، ثم قال: إنها ليست مسافةً مخيفة. إن قفزةً واحدةً تجعلنا هناك، خصوصًا وأن الأحذية التي نلبسها تساعد على القفز دون صوت.

وفي لمح البصر تراجع «أحمد» حتى نهاية السطح، ثم جرى، وقفز قفزةً واسعةً فتجاوز المسافة ونزل على سطح العمارة. في نفس الوقت كان «قيس» يقوم بنفس المحاولة … لكن فجأةً وبينما «قيس» في الهواء، رنَّت طلقة جعلت «أحمد» ينظر مشدوهًا؛ فقد تخيَّل أن «قيس» قد أُصيب؛ فقد اهتزَّ «قيس» في الهواء، لكنه وصل إلى السطح ووقع على الأرض.

أسرع «أحمد» إليه، إلا أن «قيس» طمأنه بسرعةٍ وهو يقول: لقد كِدت أُصاب، ولولا أنني انحنيت في الهواء لكانت الطلقة قد استقرَّت في جسمي.

سكت لحظة، ثم قال: ليست هذه هي المسألة الآن، المهم أننا قد انكشفنا، ولا بدَّ أننا سندخل المعركة حالًا!

قال «أحمد»: يجب أن نفاجئهم إذن قبل أن يحاصرونا.

وبسرعة تحرَّك الاثنان إلى الباب المؤدِّي إلى سُلم العمارة … لكن الباب كان مغلقًا. أسرع «قيس» يمارس اختصاصه وذلك بوضع المفتاح في ثقب الباب. وما كاد يفتحه حتى انهالت طلقات الرصاص عليهما. ألقى كلٌّ منهما نفسه على الأرض. لقد كان صوت الطلقات مكتومًا، حتى إن «أحمد» فكَّر: إنها مسدسات كاتمة للصوت.

أشار إلى «قيس» أن يتجه إلى الجانب الآخر من الباب، واتجه هو إلى الجانب الأقرب إليه … وعندما أصبحا بجوار الباب أخرج كلٌّ منهما مسدسه في انتظار الاشتباك. لحظة، ثم أسرع «قيس» بإخراج قنابل الدخان من جيبه. أخرج واحدةً من الباب المفتوح، في نفسه اللحظة التي توالت فيها الطلقات مرةً أخرى، لكن ذلك لم يوقفه؛ فقد أخرج قنبلةً أخرى، ولم تمضِ دقائق حتى سمع صوت سعال، فهمس: لقد فعلَت القنابل مفعولها.

قال «أحمد»: ينبغي أن نهجم الآن!

دخلا من الباب بسرعة. كانت بداية السلم أمامهما … لكن أحدًا لم يكُن موجودًا. الْتصق كلٌّ منهما بجدار، ونزلا في هدوء. قال «أحمد» بسرعة: ينبغي أن ننزل أسرع حتى لا نعطي أحدًا فرصة.

وفي لمح البصر كانا يهبطان السلم. وعندما وصلا عند أول طابق توقَّفا. إن عليهما أن يدخلا الآن هذه الغرف الكثيرة حتى يكتشفا ما بداخلها. أشار «أحمد» إلى «قيس»، ثم دخل كلٌّ منهما غرفة … لكنهما عادا بسرعة، وكان هذا يعني أنه لا يوجد أحد. نزلا إلى الطابق التالي ولم يقابلهما أحد. ظلا ينزلان حتى رأى «أحمد» سُلمًا يتوسط الحجرة التي دخلها. توقَّف لحظة، ثم أرسل رسالةً إلى «قيس» يخبره أنه سوف ينزل من على السلم الجديد، بينما استمرَّ «أحمد» في النزول. كان السُّلم غريبًا؛ فهو لا ينتهي أبدًا. إنه يمر في كل طابق، ويمتد إلى ما بعده في نفس الوقت، لم يكن في كل طابق سوى باب واحد. كان ترتيب المبنى يبدو غريبًا.

فجأةً وصلت «أحمد» رسالة شفرية من الشياطين: ««٢٧-٢٤-٢٠-٨» وقفة «٢٩-٧-٣-٢٢-١٠» وقفة «٢٩-٧-١» وقفة «٢٧-٢٤-٢٧» وقفة «٢٩-٧-٢٩-٢١-١٥» انتهى».

بعد أن فهم «أحمد» معنى الرسالة وقف ينظر حوله. لم يكن هناك مكان يمكن أن ينفذ منه. كانت الجدران كلها كالسد، فقال في نفسه: هل وقعتُ في سجن؟!

ثم تحرَّك من مكانه، لكن السلم كان قد اختفى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤