الضيف الغريب

قال «لوزة»: لقد وقعَت أحداثٌ كثيرة … وعندنا استنتاجات … ومن المهم الآن أن نضع كل هذه في صورةٍ واحدة لنتمكَّن من استكمال حل اللغز العجيب.

قال «عاطف» معلقًا: أي لغز؟! لقد انتهى اللغز، فقد عرفتُ حكاية الثعبان الأعمى … إنه ثعبانٌ حقيقي يحتفظ به شخصٌ ما لإرهاب الناس!

لوزة: ومن هو هذا الشخص يا «عاطف»؟

لم يستطع «عاطف» الإجابة … فتردَّد قليلًا ثم قال: شخص من الأشخاص المحيطين بنا!

لوزة: أي واحدٍ فيهم؟

محب: إننا لم نجتمع لهذا الحوار الذي لا معنى له … إننا نريد بسرعة أن نضع صورةً عامة للموقف كما قالت «لوزة»، وأعتقد أن «تختخ» برغم الحادث الأخير الذي تعرَّض له هو أكثرنا قدرة على وضع هذا التصوُّر.

بدأ «تختخ» الحديث فورًا فقال: من المؤكَّد وجود ثلاثةِ عناصرَ هامة في الأحداث التي تدور داخل هذا القصر وخارجه … أولًا أن هناك جوهرةً في القصر. ثانيًا أن هناك شخصًا يعرف مكانها. وثالثًا أن الثعبان ليس إلا وسيلةً لإرهابِ مَن في القصر للابتعاد عن الجوهرة خوفًا من انتقام الثعبان كما تقول الأسطورة، وقد عَرفْنا الآن حقيقة الثعبان … إنه ليس ثعبانًا سامًّا ولكنه بالطبع مخيف … وبَقِي كما تقول «لوزة» أن نعرف من هو الشخص الذي يُحرِّك كل هذه الأحداث!

نوسة: ليس إلا واحدًا من اثنَين … إما «عبود» الجنايني العجوز وإما «ميزار» السائق … فكلاهما يسكن في الكوخ حيث وجد «تختخ» الثعبان!

عاطف: ولماذا لا يكونان هما معًا مشتركَين في هذا لمحاولة الحصول على الجوهرة؟ لا تَنسَوا أنهما قريبان، وأن «عبود» هو الذي قدَّم «ميزار» للأسرة ليعمل سائقًا لها!

تختخ: هذا كلامٌ معقول جدًّا!

نوسة: هل تعتقد أنهما سيتراجعان عن خطَّتهما بعد أن يعودا أو يعود أحدهما ويعرف أننا اكتشفنا حقيقة الثعبان؟

تختخ: إنني أتصوَّر أنهما سيتحرَّكان بسرعة قبل أن تنكشف حقيقتهما!

محب: وهل يتحرَّكان بدون الثعبان؟ أليس هو الوسيلة التي كانا يستخدمانها في مغامرتهما المخفية!

تختخ: إنهما لن يتردَّدا — بعد أن بذلا كل هذا المجهود — في أن يفعلا كل شيء في سبيل الوصول إلى الجوهرة!

نوسة: أعتقد أنه من الأفضل ألا يُعرف أننا اكتشفنا حقيقة الثعبان، وإلا فسوف يُوجِّهان انتقامهما إلينا!

ودق الباب في هذه اللحظة ودخل «سليمان»، وقال وهو يبتسم: هناك ضيفٌ قادم للانضمام إلينا، وسيقضي ليلةً هنا ثم يغادرنا في الصباح! لقد جاء برسالةٍ من والدتي إلى جدي، وعلينا أن نستقبله في المساء!

قال «تختخ»: آسف … سوف لا أشترك معكم في لجنة الاستقبال هذه؛ فإنني أريد أن أخلو إلى نفسي قليلًا!

ولفت الجرح الذي في ذراع «تختخ» بصر «سليمان» فقال: ما هذا؟ هل جرحتَ نفسك؟

وانتظر الأصدقاء أن يروي «تختخ» ﻟ «سليمان» ما حدث. ولكن «تختخ» ابتسم قائلًا: بسيطة … لقد جرحَني غصن شجرة في أثناء تجوُّلي في الحديقة!

انصرف «سليمان» قائلًا: سأذهب للإشراف على إعداد غرفة للضيف، ثم نلتقي في المساء لاستقباله!

تختخ: وكيف يصل والعربة في الفيوم؟

سليمان: لقد تحدَّث تليفونيًّا من الفيوم، وقال إنه استأجر عربةً خاصة لتوصيله إلى هنا!

بعد انصراف «سليمان» … قال «محب» مندهشًا: لماذا لم تقل له على كل ما حدث؟

تختخ: لا أدري … لقد خشيتُ أن يقول لأحد من سكان القصر أو من الفلاحين وسرعان ما ينتقل الكلام إلى المجرم أو المجرمين، وقد يدفعهما هذا إلى الحذر!

وطلب «تختخ» من الأصدقاء أن يتركوه قليلًا ليرتاح، وبعد أن خرجوا أخرج دفتر مذكراته وأخذ يتصفَّحه، ويقرأ كل ما كتبه عن المغامرة الأخيرة، ثم أضاف بضع ملاحظاتٍ أخرى، واستلقى على الفراش، وسرعان ما استغرق في النوم.

عندما استيقظ «تختخ» كان الظلام قد أرخى سُدوله، فأدرك أنه نام أكثر من اللازم، وبرغم أنه أحس بالكسل بعد هذا النوم الطويل، فذهنه كان صافيًا.

قام من فراشه، وسمع الأصدقاء في صالة المنزل يضحكون ويلعبون، فارتدى ثيابه ونزل … لم يكن «سليمان» موجودًا، وكان الأصدقاء قد غادروا الصالة إلى شرفة القصر الواسعة المطلة على الحديقة، فذهب إليهم.

قدَّمتْ «نوسة» تقريرًا سريعًا، فقالت: وأنت نائمٌ ظهر عم «عبود» يحوم حول القصر … كان واضحًا أنه يبحث عن شيء بين أشجار الحديقة وأعشابها، وطبعًا لم نُخبره بما حدث، وقد حاوَلْنا استدراجه في الحديث، ولكنه ظلَّ يُردِّد بضع كلماتٍ بلهاء.

قاطعَها «تختخ» قائلًا: مثل ماذا؟

نوسة: الثعبان … الكنز … الجوهرة … أبي المسكين!

وقال «محب»: حاولتُ أن أجذبه إلى القصر لأتحدث معه، ولكنه فرَّ مني، وغاب بين الأشجار … ربما في اتجاه الكوخ على الأغلب!

نوسة: وظلَلْنا في انتظار الضيف، ولكنه لم يحضر، فذهبنا إلى مكتبة القصر حيث قضينا بعض الوقت نتفرَّج على مجموعةٍ عظيمة من الكتب والصور التذكارية … وفي أثناء وجودنا في المكتبة حضر الضيف، وقد ذهب «سليمان» معه إلى الغرفة التي أُعدَّت له.

وظهر «سليمان» في هذه اللحظة، وانضم إليهم قائلًا: شيءٌ مؤسف، لقد مشى الضيف كثيرًا حتى وصل إلى القصر!

عاطف: ألم يقل إنه سيحضُر في سيارة؟

سليمان: لقد أُصيبت السيارة بخللٍ طارئ على مسافةٍ غير بعيدة من القصر، واضطُر إلى حمل حقيبته والحضور إلى القصر مشيًا … كان متعبًا فصَعِد على الفور إلى غرفته، وقد حدَّدتُ موعدًا له الساعة التاسعة والنصف ليلًا لمقابلة جدي، بعد أن يتناول الأدوية مباشرة، وبعدها سوف يأوي الضيف إلى فراشه … لقد كان التفاهم معه صعبًا للغاية؛ فهو ألماني الأصل، ويتحدَّث إنجليزيةً مكسَّرة … ولا أدري كيف يتحدث إلى جدي!

قال «تختخ»: أريد أن أذهب إلى المكتبة؛ فقد نمت طول النهار تقريبًا، ولا أظنني أستطيع النوم قبل ساعةٍ متأخرة من الليل.

وقبل أن ينصرف «تختخ» إلى المكتبة قال للأصدقاء: أُحِس أن الليلة هي أخطر وأهم الليالي التي قضيناها هنا … خذوا حِذْركم … أريد مراقبة غرفة الأستاذ «عفيفي» جيدًا … لا تدَعوها تغيب عن بصركم!

وانصرف «تختخ» مع «سليمان» إلى غرفة المكتبة، فطلب الاطلاع على الصور التذكارية … وأخذ «سليمان» يتصفَّح معه الألبومات … هذه صورة جدِّي وهو شاب … الذي يقف بجانبه هو عم «عبود» … طبعًا في شبابه … وهذه صورة أبي … وأمي … وجدي وهو يصطاد الطيور في بحيرة قارون، وهذه جدَّتي وهي تلبس مجموعة من مجوهراتها …

وانقضى الوقت و«تختخ» يتفرَّج و«سليمان» يشرح: وهذه صورة جدِّي قبل أن يُصاب بالشلل ومعه عم «عبود»، لقد كانا دائمًا معًا … فهي ليست علاقة بين سيد وخادم … إنها علاقة بين صديقَين!

وفي التاسعة والنصف استأذن «سليمان» في الذهاب إلى الضيف، وبقي «تختخ» وحده، فانتظر لحظاتٍ ثم فتح باب المكتبة الذي يُطل على الحديقة، وانصرف وأغلَق الباب خلفه … كان يعلم أن الثعبان طليق … وقد يهاجمه مرةً أخرى، ولكنه لم يتردَّد في الخروج، وأسرع إلى الكوخ … كانت في ذهنه فكرةٌ معينة … وكان يعتقد أن في الكوخ مفتاحَ كلِّ هذه الأسرار والألغاز.

ووصل إلى الكوخ … كان مغلقًا وعليه القفل … ومعنى ذلك أن عم «عبود» قد عاد، وأنه عرف أن شخصًا أو أشخاصًا قد دخلوا الكوخ.

واقترب «تختخ» من الكوخ في حذرٍ شديد … ثم وضع أُذنه على فتحة الباب وأخذ ينصت في اهتمام … ولكن لم يكن هناك أي صوتٍ ينبئ عن وجود شخص في الكوخ … فانسحب بهدوء، ووقف بعيدًا ينتظر.

مضت فترةٌ طويلة بدون أن يحدُث شيء … وأَحسَّ «تختخ» أن الفكرة التي راودَتْه ليست صحيحة … فانصرف في طريقه إلى القصر … وفي تلك اللحظة سمع صوت صرخةٍ تصدُر من القصر … صرخة رعبٍ واضحة، لم يشُكَّ لحظةً أنها صادرة من «لوزة» أو «نوسة» …

وأسرع يجري في اتجاه القصر … وعندما وصل كان باب القصر مفتوحًا والصالة مضاءة فدخل، ووجد الأصدقاء جميعًا يقفون في مكانٍ واحد … و«محب» يمسك ﺑ «لوزة» ويُحاول تهدئتها.

وما كادت «لوزة» ترى «تختخ» حتى أسرعَت إليه، وألقت بنفسها على صدره وقالت: الثعبان … إنه في القصر!

قال «تختخ» وهو يربتُ عليها: لا تخافي … إنه غير سام … أين «سليمان»؟

عاطف: لقد كان معنا الآن … فقد طلب الضيف أن يبقى مع الأستاذ «عفيفي» وحده ليُبلغه رسالة من ابنته، وأتى «سليمان» ليجلس معنا، ولما شاهد الثعبان أسرع لإحضار بعض الفلاحين لمحاصرة الثعبان داخل القصر!

تختخ: وأين اتجه الثعبان؟

نوسة: لقد اتجه إلى المطبخ!

تختخ: يجب علينا إنذار السيدة العجوز التي تُشرِف على المطبخ، فسوف ترتعب إذا رأته.

ومضى الأصدقاء وهم يتلفَّتون حولهم ناحية المطبخ، وتَذكَّر «تختخ» الضيف، ألم تلفِت نظره الصرخة، لماذا لم ينزل إذن؟

وقال «تختخ» للأصدقاء: سأصعد إلى الدور الثاني، كونوا على حذَر!

وصعد «تختخ» مسرعًا إلى الدور الثاني … ودق باب الأستاذ «عفيفي» فلم يجب أحد، فلم يتردَّد وفتح الباب … وكم كانت دهشته عندما وجد الرجل العجوز مقيَّدًا مُكمَّم الفم … وعيناه تنظران إلى الحائط!

لم يكن هناك أحد في الغرفة … ونظر «تختخ» إلى حيث تتجه نظرة الرجل المشلول … ووجد في الجدار خزانةً سرية، مفتوحة … وفارغة … وتَذَكَّر النظرة التي رآها عندما زاروه. كانت تتجه ناحية الخزانة عندما تحدَّثوا معه عن الجوهرة والثعبان الأعمى … لقد كان استنتاجه صحيحًا، وعَرفَ ساعتها أن الخزانة في هذا المكان، وأن الجوهرة بها … ولكنه للأسف لم يستفد من هذه المعلومة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤