معارك متتالية في كل مكان!

كانت سيارتا العصابة، لا تتوقعان ما حدث؛ فقد كانتا تندفعان بسرعة المائتي كيلو، وعندما ضغط «أحمد» زر تابلوه سيارة الشياطين، انفتحت طلمبة ترش الأرض بمادةٍ لزجة، جعلت الطريق كالصابون. في نفس الوقت، كان «خالد» مستعدًّا؛ فقد ضغط قدم البنزين، فاندفعت سيارة الشياطين بسرعتها القصوى. أمَّا سيارتا العصابة فقد اصطدمتا بقوة، بعد أن فشل سائقاها في السيطرة عليهما. كانت السيارتان تظهران على الشاشة أمام الشياطين، وهما تتباعدان ثم تصطدمان في عنف، وفجأة دوى انفجارٌ رهيب، اهتزَّ له المكان اهتزازًا قويًّا، في الوقت الذي كانت فيه سيارة الشياطين منطلقة في طريقها لا يعوقها شيء.

كانت صورة السيارتين واضحة على الشاشة، بعد أن اشتعلت فيها النيران، في الوقت الذي ظهر بعض الفلاحين يجرون إليهما في محاولةٍ لإنقاذهما، وعندما ظهر الطريق المتقاطع الذي يؤدي إلى المدينة، انحرف «خالد» معه، وأخذ طريقه مرةً أخرى إلى حيث يوجد مخزن الصقر، أو «الرجل العنكبوت»، أو «سام سترونج».

قال «عثمان»: لقد كانت معركة سريعة جيدة!

ابتسم «بو عمير» وهو يقول: لقد اتجهنا إلى المصيدة، ووقعوا هم فيها!

عندما ظهرت مدينة «مانشستر» مرةً أخرى، قال «أحمد»: انتظر قليلًا، إنَّنا في حاجةٍ إلى رسم خطة للمعركة القادمة، داخل المخزن.

انحرف «خالد» إلى منطقة انتظارٍ للسيارات، وتوقف.

عرف «أحمد» الموقف كاملًا، ثم عرض الخطط الجاهزة. وأخيرًا قال: إنَّني أقترح الخطة «ن»؛ لأنها تعطينا فرصةً كاملة للدخول إلى المخزن.

وافق الشياطين على الخطة «ن»، وبسرعةٍ كان «خالد» ينطلق بالسيارة إلى حيث يوجد «الرجل العنكبوت». كان الطريق طويلًا، وكان الشياطين يفكرون فيما يمكن أن يحدث، فقد كانوا يتوقعون ظهور مطاردات جديدة، إنَّ «سام سترونج» لن يتركهم بعدما حدث.

قال «بو عمير»: ينبغي أن نستبدل السيارة بأخرى!

لم يردَّ أحدٌ مباشرة، إلا أن «قيس» قال بعد قليل: إنها فكرةٌ طيبة!

قال «أحمد»: لا بأس …

رفع سماعة التليفون وتحدث إلى عميل رقم «صفر»، الذي ردَّ قائلًا: سوف تكون السيارة البيضاء عند النقطة «ع» بعد ربع ساعة!

نقل «أحمد» حديث العميل إلى الشياطين، فعدَّل «خالد» خط سيره، إلى النقطة التي حددها العميل. وبعد نصف ساعة، كانت سيارة الشياطين تدخل مخزنًا مظلمًا، وعندما أضاء «خالد» نور السيارة، ظهرت السيارة الجديدة البيضاء. غادر الشياطين سيارتهم السابقة، واستقلُّوا السيارة البيضاء، وفي لحظاتٍ، كانوا يقطعون الطريق إلى حيث مخزن الأسلحة.

كان «أحمد» يفكر: إذا كان المكتب في لندن له حراسة قوية، فإنَّ المخزن سوف يكون أشد حراسة، وهذا يحتاج إلى مغامرةٍ غير عادية.

شرَد وهو ينظر من نافذة السيارة إلى السائرين في الشارع، في الوقت الذي كان عقله يعمل بسرعة. فكر مرةً أخرى: إنَّنا سوف نجد طريقنا عندما نصل إلى هناك؛ فكل عمل مرتبط بظروفه.

نظر في تابلوه السيارة، حيث توجد البوصلة التي تحدد مكان المخزن … استمر الطريق طويلًا، فضغط على زرِّ الشاشة الصغيرة، فظهر الطريق خلف السيارة، كانت السيارات تمر بشكلٍ عادي، ولم يكن هناك ما يلفت النظر، فجأة، ظهرت نقطةٌ حمراء فوق دائرة البوصلة.

قال وهو ينظر إلى «خالد»: إنَّنا نقترب، ينبغي أن تُهدِّئ من سرعة السيارة!

قرأ الرقم الذي لمع في دائرة البوصلة، ثم أضاف: إن أمامك ألف متر فقط!

أخرج من جيبه خريطةً صغيرة، وبسطها على ركبتيه، ثم بدأ يحدد مكان المخزن بالضبط … ثم تفاصيله من الداخل. كان المخزن كما تحدده الخريطة، عبارة عن مساحةٍ ضخمة يحددها سور صخري، له بوابة حديدية واحدة، له نظام حراسة خاص، بعيونٍ إليكترونية وأجراس إنذار، بجوار أنه مسلحٌ تسليحًا خاصًّا.

نظر في البوصلة، ثم قال ﻟ «خالد»: توقف الآن!

توقف «خالد» على يمين الطريق، فقال «قيس»: أعتقد أنَّ اقترابنا الآن، فيه خطرٌ كبير، وينبغي أن ننتظر هبوط الليل!

قال «بو عمير»: إنَّني أحبذ فكرة «قيس»!

ردَّ «أحمد» بعد لحظة: هذا صحيح، وسوف ننتظر! صمت قليلًا، ثم قال: إنَّ وجودنا هنا يثير الشبهة، فلا أظن أنَّ أحدًا يقترب من المخزن، ما لم يكن متعاملًا معه، بجوار أنَّ «سام سترونج» سوف يفعل شيئًا ضدنا. ومن يدري؛ فقد نكون مراقبين فعلًا الآن!

استغرق الشياطين في التفكير. في الوقت الذي كانت تشير إلى الثالثة بعد الظهر، فكر: إنَّ الوقت لا يزال مبكرًا، ونحتاج لمكانٍ بعيد!

نظر حوله، ثم قال: هيا بنا نبحث عن مكان، نقضي فيه هذه الساعات الطويلة …

إلا أنَّ «خالد» مدَّ يده، ورفع سماعة التليفون متحدثًا إلى عميل رقم «صفر»، الذي حدَّد لهم مكانًا قريبًا. وضع «خالد» السماعة، ثم نقل الحديث إلى الشياطين. في نفس الوقت، دار بالسيارة عائدًا، وبعد ربع ساعة، كانوا يقفون أمام كافتريا صغيرة، توحي بالراحة. كانت عبارةً عن غابة صغيرة في نهايتها كوخ، أوقفوا السيارة في أماكن الانتظار، ثم اتجهوا إلى حيث الغابة الصغيرة. كانت هناك لافتة مكتوبٌ عليها «رست» أو «راحة»، وكان هذا اسم الكافيتريا.

كانت أعين الشياطين ترقب كل الاتجاهات، فمن يدري؟ قد يكون بين الأشجار، من يراقبهم الآن. أخذوا مكانًا منعزلًا بجوار الكوخ الصغير، الذي يبدو وكأنَّه قد انتزع من لوحةٍ مرسومة … جاءت سيدةٌ عجوز، تملأ وجهها ابتسامةٌ طيبة، وسألتهم عما يريدون، طلبوا بعض ساندويتشات الجبن، ومشروبات ساخنة.

ابتسمت وهي تقول: شاي، أو قهوة؟

قال «أحمد»: قهوة باللبن.

انصرفت السيدة، فقال «عثمان»: إنَّه مكانٌ ممتع.

ابتسم «قيس» وهو يقول: هذا إذا لم يكن يتبع «سام»!

ابتسم بقية الشياطين.

كان «أحمد» يفكر: لماذا لا يرسل فراشة تجسس إلى حيث المخزن؟ إنَّها يمكن أن تنقل لهم ما يدور بداخله. فجأة شعر بأن جهاز الاستقبال يسجل رسالة، وضع يده عليه، ثم بدأ يستقبل الرسالة وكانت من رقم «صفر»، تقول: «إنَّ «سام» ينزل في الفيلا رقم ٢٠ في شارع ١٩٦، وإنَّ عليهم أن ينهوا مغامرتهم هناك.»

نقل الرسالة إلى الشياطين فنظروا إلى بعضهم، إلا أنَّ نظرتهم قد تغيرت بسرعة، لقد رأوا مجموعةً من الرجال تتقدم تجاههم. نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم بدءوا يتحفزون.

همس «أحمد»: خذوا حذركم، إنَّنا أمام معركةٍ جديدة.

بسرعةٍ كانت قنابل الدخان، قد أصبحت في أيديهم.

همس: الدخان!

في سرعةٍ، تدحرجت قنابل الدخان الصغيرة، في اتجاه مجموعة الرجال، في الوقت الذي خرجت فيه المسدسات في خفة، في انتظار حدوث شيء. بدأت قنابل الدخان تؤتي مفعولها، انتشر الدخان بسرعة، ثم بدأت طلقات الرصاص.

كان الشياطين أسرع في التحرك، قبل أن يُصاب أحدهم. لقد أصبح الرجال داخل دائرةٍ من الدخان، تخيفهم تمامًا. في نفس الوقت، بدأ صوت سعالهم يرتفع، أسرع الشياطين إلى خلف الكوخ، وعندما بدءوا تحركهم في اتجاه السيارة، حدث ما لم يكن يتوقعه أحد. فبينما «أحمد» يقود المجموعة إذا بشيءٍ ثقيل ينزل فوق كتفيه، إلا أنَّ «خالد» الذي كان يتقدم خلفه مباشرة، استطاع أن ينقذ الموقف. لقد كان الشيء الثقيل، عبارة عن رجل ضخم، نزل فوق كتفي «أحمد» فسقط به. أسرع «خالد» وضرب الرجل، إلا أنَّ الضربة لم تؤثر فيه تمامًا … وقفز «قيس» في الهواء وضرب الرجل ضربةً قوية، فطار بعيدًا عن «أحمد». فجأة وكأنَّ الأشجار تُسقط رجالًا، قفزت مجموعةٌ منهم، إلا أنَّ الشياطين كانوا جاهزين. تلقى «بو عمير» أحدهم بين ذراعيه، ثم دار به دورةً كاملة، وتركه، فطار مصطدمًا بساق شجرة، ثم سقط على الأرض بلا حراك.

في نفس الوقت، كان «عثمان» قد اشتبك مع اثنين معًا، ضرب الأول ضربةً قوية بيده، وضرب الآخر بقدمه. كان «أحمد» هو الآخر، قد اشتبك مع العملاق الذي سقط فوقه، ضربه ضربةً عنيفة جعلت العملاق لا يرى حوله. وعندما انتهى منه، تلقى آخر، لكنه بطرف عينيه رأى خنجرًا يلمع في الطريق إلى ظهر «قيس». جذب الرجل الذي أمامه بقوة، ثم اندفع به إلى حيث يوجد «قيس»، اصطدم الرجل ﺑ «قيس» فأسقطه بعيدًا، في الوقت الذي أخذ الخنجر طريقه إلى صدر الرجل.

بينما اتجه «أحمد» في نفس اللحظة، إلى الرجل الحامل الخنجر وضربه ضربةً قوية، جعلته يطير في الهواء. في تلك الأثناء كان «بو عمير» قد اشتبك مع رجلٍ آخر في صراعٍ قوي …

استمرت المعركة ساعة … وعندما انتهت كان الشياطين يشعرون بالتعب، إلا أنَّ معركةً أخرى كانت في الطريق إليهم، فقد رأى الشياطين مجموعةً أخرى تقترب نحوهم.

همس «أحمد» بسرعة: يجب أن ننسحب، فالمهم هو «سام»!

تراجع الشياطين في حذر، إلا أنَّ «خالد» كان أسرع؛ فقد قفز قفزاتٍ متتالية، في اتجاه السيارة، غير أنَّ رصاصةً مفاجئة خرجت في الطريق إليه، لكنَّها لم تصبه، فلم يكن تحركه يتم في خطٍّ مستقيم، فقد كان يتحرك في خطٍّ متعرج، حتى لا يُصاب … ولم يكن أمام الشياطين، إلا أن يشتبكوا مع المجموعة الجديدة، لكنَّهم لم يعطوهم الفرصة في معركةٍ بالأيدي. لقد اشتبكوا معهم في صراع المسدسات، وهم يتقهقرون في الطريق إلى حافة الغابة. وعندما وصلوا إليها، كان «خالد» قد اقترب بالسيارة، وعندما جاورهم تمامًا، كانت أبوابها قد فُتحت، فقفزوا داخلها بسرعة.

كانت طلقات رجال العصابة تطاردهم، إلا أن سيارة الشياطين كانت مصفَّحة، فلا تتأثر بالرصاص … فانطلق «خالد» بسرعةٍ خارقة، لكن فجأة بزرت مجموعة تسد أمامهم الطريق، وقد حملت المدافع الرشاشة.

قال «أحمد» في قوةٍ: اندفع إليهم!

كانت الطلقات تصطدم بجسم السيارة، وكأن السماء تمطر، إلا أنَّ الرصاصات، كانت ترتد في الهواء، ولم يكن أمام رجال العصابة، إلا أن يلقوا بأنفسهم بعيدًا عن طريق السيارة، حتى لا تصطدمهم. وعندما انطلقت سيارة الشياطين، في طريقها إلى داخل المدينة، تنفس الشياطين. لقد كانت المعارك متتالية، لكنَّهم شعروا الآن أنَّهم في حاجةٍ إلى بعض الوقت، يستردون فيه نشاطهم.

قال «عثمان»: هل نعود إلى الفندق لبعض الوقت؛ حتى يهبط الليل؟

ردَّ «أحمد»: لا أظنُّ أنَّنا سنجد وقتًا؛ فهم لن يتركونا حتى النهاية!

أخرج «قيس» حباتٍ صغيرة من جيبه، وقدم واحدةً لكل واحدٍ من الشياطين، وهو يبتسم قائلًا: وجبةٌ سريعة جيدة.

أخذ الشياطين يمضغون الحبات الصغيرة، فابتسم «بو عمير» قائلًا: اللحم ليس ناضجًا بما يكفي.

أكمل «عثمان»: هل أستطيع الحصول على طبقٍ من الخضار؟

ضحكوا جميعًا، فقد بدءوا يشعرون بالانتعاش، خصوصًا وأنَّهم حققوا انتصاراتٍ جيدة في المعارك الأخيرة. لكن فجأة تبدل كل شيء … فقد ظهرت سيارتان تقطعان عليهم الطريق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤