كتاب وجواب

سيدي الأستاذ الكبير١

تلقيت كتابكم الكريم، وتمنيت لكم توفيقًا في مهمتكم التي انتدبتم لها مقرونًا بطيب الإقامة في وادي النيل.

كم نكون مغتبطين بزيارتكم بيروت لنتشرف بمقابلتكم وزيارتكم التي تتهلل الجامعة الوطنية بها، فأهلًا وسهلًا بالأستاذ الجليل، وعسى أن تشعرونا قبل ترككم القاهرة إلى بيروت.

سيدي

إنني أنتظر رأيكم السديد الذي احتفظتم به، وكذلك رسمكم الكريم الذي وعدتم بإرساله. أما ما كتبته جديدًا فلم أرسله إلى لندن؛ لأنني قرأت في الصحف خبر مجيئكم القاهرة، ولم أرسله إلى القاهرة خوفًا من أن يفقد؛ فهو محفوظ عندي لأرسله إليكم بعد عودتكم إلى لندن، أو عندما تشرِّفون هذه الديار.

وختامًا تفضلوا بقبول تحياتي وتمنياتي لكم.

عاليه
١٥ / ١٠ / ١٩٣٩

جواب المستشرق جب
سيدي الأستاذ المحترم٢

أعترف بتقصيري في حقكم، وأتسرع إلى تداركه، ولا عذر لي إلا أن شتى المشاغل قد حالت دون متابعة دراساتي في الأدب العربي الحديث مع شدة اهتمامي به، حتى عضوية المجمع اللغوي؛ لأن غيبتي السنوية في مصر والقيام بأعماله يضطرني إلى مضاعفة ما عليَّ من الأعمال المدرسية في لندن، وكذلك منعني من الزيارة المنشودة إلى لبنان.

ولقد تسلمت — ولكم مزيد الشكر — مقالكم الأخير في الأدب العربي في برازيل، وقرأته بكل اهتمام، لا سيما وليس لي معرفة شخصية بالأدباء هناك وبمنتجاتهم. وقد شوقني ما كتبتم فيهم إلى الحصول على بعض منها، وسأحاول ذلك لأدرسها في الوقت القريب.

إلا أنه لا يمكنني أن أوافقكم فيما قلتم عن الأستاذ كراتشكوسكي؛ فإنه باحث جليل القدر في الأدب القديم والأدب الحديث، قد تفرغ له من ثلاثين سنة، وعندما ابتدأت بدراسة الأدب الحديث اتصلت به كتابة، وانتفعت كثيرًا برسالاته ومقالاته وإرشاداته. ومما يجوز أن يقرِّبه لكم أنه تخصَّص بدرس الأدب اللبناني، وأراه شيخنا بهذه الساحة.

وختامًا، أرجوكم قبول هذا الرسم مني مع تحياتي واحتراماتي.

جب
في ٢٩ تشرين الثاني سنة ١٩٣٩

أخي عبد الله٣

قال شاعرنا بشار:

تعطي الغزيرة درَّها وإذا أبت
كانت ملامتها على الحلَّاب

لقد أجدت وأحسنت فوُفِّقت، وبحسب نياتكم ترزقون.

نيتك الحسنة وفَّقت سعيك المشكور، وإن أجرك عند ربك لعظيم.

فهنيئًا لك وللوطن ببناء خليتك الاجتماعية، وسوف تقترن باسم عبد الله المشنوق ما دام في الدنيا دين وعلم وطب وعمل.

ألهمك ربك فأقدمت على هذا العمل الجبار، فبينت الخلية العظمى وكنت يعسوب الدين والدنيا.

إني أهنئك من صميم قلبي، وليت للأمة أفرادًا مثلك ينهضون بها إلى أعلى ذرى المدنية المثلى، والسلام.

حاشية: لقد بنيت الخلية العظمى؛ فأرجو أن لا تنسى «النخروب» الذي تزج فيه ابن أخيك … فالضرورة قصوى.
عاليه
١٧ / ٤ / ١٩٥٣

أخي شكيب٤

وصلتني مجلتكم «أصداء» فقرأتها ولم أخرم منها حرفًا. أعجبت بما فيها، وكان إعجابي بمقاصدها وعزمها أشدَّ، حقق الله الآمال.

هذا نبأ مهم. أما النبأ الأهم فهو ما قرأته في الصحف عن ترككم كرسي السياسة القلق؛ لتقعدوا على طنفسة الأدب الناعمة، مرحى للأدب ينصرف إليه من كانوا أدباء «من البابوج إلى الطربوش».

قد تستغرب إعراضي عن التهنئة بالوظيفة والتفاني إلى ما صرت إليه، لا تتعجب؛ فقد تعودت — وبهذا عرفت — ألا أُقبِلَ على تلاميذي وأصدقائي إذا تسلقوا جبال الحكم، أو تزحلقوا على ثلوجها طامحين إلى الفوز بكأس البطولة.

لا تقل لي: إنك تدوس كبرياء أرسطو بكبرياء أعظم منها. لا يا أخي، ولكنني أكره الحَوْم حول الكراسي، ولا أنظر إلى القيم الشخصية بمنظار غيري، وما أدراك؟ فقد يكون ولَّد فيَّ هذا الاشمئزاز غرور بعض الأصدقاء المبتلين بداء الكرسي؛ فاحمد الذي شفاك منه.

لقد ذقنا ثمارك الشهية في «نهم» و«قدر يلهو»، فعسى أن تحمل إلينا «أصداء» كل طريف زكي.

إنني أتمنى لها المرور في أطوار العمر حاشا السرار منها.

أتمنى أحر التمني أن تنجو «أصداء» من الأدب الخروبي — درهم دبس على قنطار حطب — وأن تسلم من داء الاجترار تعبيرًا وتفكيرًا؛ فالاجترار طاعون الأدب العربي.

سلمك الله، وأخذ بيدك، وسلمت لمن لا ينساك.

عاليه
١٥ / ١ / ١٩٤٥

أخي الدكتور فارس الحايك – بعلبك

يا عشير الصبا ورفيق الشباب!

ذكرتني — وما أنا بناسٍ — بكل ما أثارته رسالتك من شئون وشجون بلدية.

كان في البلاد رجال يجيئون على الصوت أيام الطربوش المغربي واللبادة والكبران والمداس. أما اليوم فقد ذهبت الألبسة الناعمة بتلك الرجولة، ولم يبق منها إلا الطلول الدوارس، وعليها يجب أن نبكي.

بلادنا جميلة، ولكن حظها قليل.

بلادنا مخلصة ولكنها محبة غير محبوبة …

يغمزونها فتلبي، أما هي فتدعو، بل وتستغيث وما من مجيب.

بقعتنا تعيش في الظلام، وهي مقطوعة عن العالم كأنها ليست من الجمهورية.

لا يشعر الآخرون بوجودها إلا حين يريدون إثبات وجودهم …

تقول لي يا أخي: «وما أحلاك حين تكلمت بلغة بلادنا: قرأت حبرًا على ورق في المجالس. يا ترى الطينة ما بدها تعلق ولا مرة؟ رجاع تا نرجع عا بلادنا نترنم بدق المجوز، ونقعد حد مواقدنا بالشتي عا ضو سراج زيت الحلو، وبالصيف بعرزالنا المعمول من ورق غار وادي الهامي، ونقضي ما تبقى من العمر مثل ما عملوا جدودنا، ونشرب من مياه بيارتنا، واللي قاعدين عا ضو الليل مثل النهار، والمياه تتدفق بدورهم وحماماتهم — وتلقونهم حد مخدتهم — ما هم أحسن منا، شفناهم وشفنا أعمالهم.»

ذكرتني دعوتك إياي للرجوع بالخوري يوحنا طنوس حين جاء للسلام على أحد المطارين، وكان هذا المطران قد اختل عقله قليلًا يومًا ثم شفي، فقال له ذاك الأُسقف: «أنت الخوري حنا طنوس؟ بعدك مشتول؟» فأجابه الخوري حنا: «أنا جايي تا أسألك يا سيدنا.»

فيا أخي الدكتور الحبيب، أنا ما زلت في عين كفاع أعيش كما ذكرت، فليتك أنت تفعل كما قلت ونراك بيننا في هذا الصيف، إن بلادنا تركتها رجالها.

يهجرونها شبابًا ليعودوا إليها على الأعواد أمواتًا يستريحون في ترابها الطاهر كرفيقنا وحبيبنا الدكتور فرحات، الذي أوحى إليك مأتمُه هذه الرسالة النفيسة.

إننا نحتاج إلى مطالبة جدية إذا أردنا لبقعتنا عمرانًا. أما الحبر على ورق فمثله معروف مشهور …

إلى اللقاء في وادي إلهامي أو دير القطين، لا بل في «مار عبدا» حيث اختبأ مدةً المطران يوسف إسطفان؛ سكرتير عامية أنطلياس، ثم مات شهيد قهوة المير …

عين كفاع

عزيزي ع. م، فالوغا

وصلتني رسالتك متأخرة، ولأحكام لا ترد تأخرت أنا أيضًا. أرجو المعذرة.

قلت في مكتوبك: إنني انتقدت رواية «الحب أقوى» للأستاذ رئيف خوري من ناحية اللغة فقط؛ ولهذا أسألك إعادة النظر في المقال الأول.

أما قولك: «والقسم الآخر من الأغلاط ليس من الأهمية بحيث يحتاج إلى مثل هذا الهجوم.» فلا أوافقك عليه.

إن الخطأ خطأ، وعلى الناقد أن يدل عليه؛ لأن فيه ما ينفعُ الأديب والناس.

أما رأيي في القصة وكاتبها فقد أبديته في ذاك المقال أيضًا، وها أنا أعيد القول بناءً على طلبك: إن الأستاذ رئيف خوري أغزر أدباء اليوم إنتاجًا، وفيه يصح قول زهير في الحرب:

«يغلُّ لنا» ما لا تغلُّ لأهلها
قُرًى بالعراق من قفيز ودرهمِ

وإنتاجه هذا يقرأ بلذة؛ لأن كاتبه ذو شخصية ذات علامات فارقة، ولآثاره «ماركة مسجلة» يعرفها بها اللبيب. وهي تلك التعابير التي يرسلها رئيف عفو الطبع فتجيء طريفة ظريفة.

أنا أحب رئيف خوري، ولكن هذا الحب ليس يحول دون نقده، وما أحسب ما دللت عليه من خطأ عند رئيف إلا خطأ نراه عند كُتَّاب الوقت القارحين، ولا أحسب الأستاذ إلا معوِّلًا على هؤلاء. ظَنَّهم «ثقاتٍ» فوقع فيما وقعوا فيه.

إن الأستاذ رئيف خوري هو «الأمل المنشود»، كما قال شاعرنا الكبير الأخطل الصغير، ومعاذ الله أن يضيع من يدي …

فانعَمْ يا عزيزي عبد الكريم بالًا؛ إن أديبك المفضل رئيف خوري يبدو على محك الفن من عيار عشرين وما فوق، وسيصير عيار ٢٤ إذا تأنَّى ولم يُلبِّ كل صوت، وما تلك «الأغلاط» إلا زنجار أزاله المحك عن الذهب، فأعاد إليه رونقه وسناءه.

عين كفاع
١٥ / ٩ / ١٩٥١

عزيزي الأستاذ بطرس بواري

لا أستطيع أن أقول لك كما قلت لي: «إعجابي وتقديري لك كبيران.» لأني لا أعرفك، وإن كان «البواريون» أبناء عم لنا يصح فينا وفيهم قول عمر لهند: «إنما نحن وهم شيء أحد.»

أعذرني إذن إن شككت بوجودك؛ لأني أخاف أن أكون في هذه المناقشة مثل دون كيشوت وسانشو بانسا.

أشكرك أولًا وإن كنت أبغض هذا البحث العقيم، وخصوصًا متى كان على حد قول بشار: «كالروم تغزو وتؤخذ الخزر.» تُخطئ المطبعة وأُطالب أنا …

أما أضعت وقتك في انتقاد كلمة «وفير» وهي من هفوات الطبع وصوابها: «يوشح الواقع ببرفير خياله المجنح.»

ثانيًا: وأنا أكره جدًّا أولًا وثانيًا وثالثًا: «اللها تفتح اللهى.» هي كما قلت، والكلمة مقولة قديمًا، وأظنني أحسن كتابتها على حقها؛ فهي إما من كبائر المطبعة، وإما من خطايا ناموسي …

ثالثًا: تسألني عن فعل نخر وتقول: والفعل بكسر الخاء لازم، ولم تنص كتب اللغة على أي تعديل له.

لقد ذكرت الكسر يا أخي ونسيت الفتح … فقد عدَّت العرب نخَر المفتوح الخاء وقالوا: نخر الناقة … إلخ، فكما عرفوا هم كيف يستدرون الناقة بنخرها، كذلك يحق لنا نحن أن نفعل، بعدما عرفنا ما ينخر العظم وغيره …

أما قولك: «وأظن أنه لو جازت هذه التعدية لأدخله من عرَّب التوراة، ومنهم الشيخ إبراهيم اليازجي.»

أنت تجهل يا صاحبي أن هذه الآية محذوفة من «توراة البروتستان»، ولو عرفت لما قلت: «ومنهم الشيخ إبراهيم.»

وبعد، فكيف يأتي الشيخ إبراهيم بفعل غير موجود في الأصل؟ فترجمة التوراة حرفية، ثم من قال لك إن الشيخ إبراهيم مضى لسبيله وردَّ الباب خلفه؟

أما كلمة «احتار»، فقد كثر سائلي عنها حتى أجبت أحدهم «جهاد» في مجلة الأحد، وإن صدق الظن فأنت «جهاد» الأمس و«بطرس بواري» اليوم؛ ذلك السائل المتكتم، فقد ملأت خياشيمي رائحة أسلوبك.

وأخيرًا، كلمة القسس التي زعمت أن جمعها ممنوع؛ لأن مفردها قس بفتح فسكون، وهذا لا يجمع على فُعُل بضمتين.

لا، يا أستاذ، إن لفظة قس مثلثة القاف، وهي سريانية معربة أصلها قشو وقشيشو، ومعناها الشيخ والقديم، والشيخ فاضل عندهم، والقديم مقدس دائمًا؛ ولذلك جاء في المعجم الذي اعتمدت عليه القسس الفضلاء؛ فليتك شعرت بأن قوله: «الفضلاء» يدل على أنها جمع! أليس كذلك؟

وأما اعتذارك أخيرًا عن النقد بقولك: «إن كل ما قصدت ليس إلا محض استيضاح دون أن يكون له ثمة أي نقد» (كذا).

فالجواب عليه أنك لم تنتقد رجلًا معصومًا، وأنا أُرحِّب بالنقد ترحيبي بصديق عزيز، وأرجو منك ألا «تشفق أن ينشب بيني وبين الأستاذين مبارك إبراهيم والعوضي الوكيل نقد لغوي.»

لكل خطاب يا بثين جواب. وما إخالك رأيت مني غير ذلك.

٣١ / ٨ / ١٩٥٣

إلى الست هيفا نصار

لا يا سيدتي، لا أريد المرأة منبوشة الشعر منفوشته كالجنيَّة، ولا أريدها قذرة تفلة تنبعث رائحة المطبخ وغيره من ثيابها، ولكني لا أريد وجهها كقناع المرفع والبربارة ولا ثيابها مسرحية … إني أكره أعظم كرهٍ تلك الشفاه المطلية بالأحمر القاني، وذلك الوجه المطيَّن بالبودرة. أريدها حسنة الهندام بلا زركشة، نظيفة الوجه بلا تدبيج.

أما العطر فخيره ما كان «قطبة مخفية». وفي الجملة: التصنُّع مكروه.

إن المليحة من كانت محاسنها
من صنعة الله لا من صنعة البشر

إلى سليم فرحات – طرابلس

يظهر أنك ميَّال إلى الأدب. عال يا أخي. ومتى سألتني: ماذا تشير عليَّ أن أطالع، فكأنك تقول لي: أشرْ عليَّ ماذا آكل.

كلْ يا أخي ما تشتهيه نفسك وتقطعه معدتك … طالعْ كلَّ ما يعجبك، ثم لا تقلد أحدًا متى كتبت، فخير لك أن تكون أنت من أن تكون فلانًا مهما سَمَا وعَلَا.

إلى الطالب ﻫ. أ. – بغداد

تسألني يا عزيزي: ما هي القصة؟ وما الوسيلة ليصبح المرء قصاصًا؟ وطريقة مَن يَتبعُ لتخيل القصة؟

وتسألني: ما السبيل لنقد الأدب؟

إن قول شوقي يصح هنا كل الصحة:

وتر في اللهاة ما للمغني
من يد في صفائه أو ليانه

لم يعنِ شوقي غير الشاعر، وليس القصُّ والنقد إلا موهبة كالشعر. أنا أعتقد أن تعليم الناشيء ما ينبغي للكاتب من أصول، واطِّلاعه على الآداب العالمية جميعها لا يخلق منه قصَّاصًا أو ناقدًا أو أديبًا، إذا لم تكن الطبيعة قد حبتْه تلك المواهب؛ فنصيحتي لك أن تجرب، فإذا أعجبتك نفسك وأعجبت الناس؛ فذاك، وإلا فما لك ولهذا. فخير لك أن تجلي في مضمار «البحث العلمي» مثلًا من أن تكون سكيت الحلبة في شوط الأدب الشخصي.

إلى السيدة إملي فارس إبراهيم؛ أمينة سر أهل القلم
يا بنت أخي

أَما اتفقنا بعد تلك المخاطبة التليفونية التي تفضلت بها، على أن تبعثي إليَّ بروايات جائرة ك. ل. م. حتى أقرأها، كما جرت العادة، ثم نجتمع للحكم؟ فما عدا مما بدا …

أما كان الأستاذ إميل خوري — مدير دعاية ك. ل. م. — يجيب السائلين عن النتيجة: حتى يعود مارون من الصيف؟ وعدتُ أنا من الصيف؛ فضيعتِ أنتِ اللبن!

أتريدين أن تكوني دِكْتاتورة في جمعية أهل القلم؟ الدكتاتورية للرجال، ومع ذلك ثاروا عليها؛ فكوني حكيمة يا سيدتي.

أتكون مصيبتي فيكِ كمصيبة ابن الرومي في هاتيك الأنثى التي اغتصبت عقاره؟

اسمحي لي أن أقول لك: إنك ما كنت عند ظني …

إن الحاكم لا «يردُّ» إلا في مواقف معلومة، فهل حسبتم الدكتور جميل جبر أخي أو ابن عمي؟

يا بنت أخي

إذا كانت هذه سيرتنا نحن أهل القلم، فماذا نترك لأهل النبوت والجلم؟

إن عملكم يحمل الناس على الشك بنادٍ «ما هفَّ ولا قعد على الرف.»

الجائزة «هولندية»؛ فاتركوا الغريزة تعطي درَّها …

والسلام.

٢٤ / ٣ / ١٩٥٤

إلى الأستاذ ن. ج، بيروت

وصلت رسالتك، وجوابًا عليها أقول لك؟ لا تيأسوا من رحمة الله، فلا بد من إنصافكم، لا يموت حق وراءه طالب.

إننا لا نطلب صدقةً ولا حسنة ولا ثروة نتنعم بها؛ فشعار المعلم: أعطنا خبزنا كفاف يومنا. ولولا خوفنا من الشيخوخة والهرم ما طلبنا ضمانًا كغيرنا من خدام هذا البلد.

قم للمعلم وفِّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا

هذا نقد لا يشتري رأس بندورة ولا خيارة ولا عنقود عنب … هذا ضحك على الذقون.

وبعدُ، يا عزيزي، فثقتي كبيرة بصاحب الفخامة. إن من ساوى بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات حتى سبق لبنان الشرق كله إلى ذلك، لا يرضى أن يظل معلم المدارس الخاصة غارقًا في بحر القسر والحاجة.

أيعيش معلم بلد الإشعاع في ظلمات اليأس والقنوط وهو يترنم كل يوم مع تلاميذه:

ملء عين الزمن
سيفنا والقلم

أليس هو باري القلم لا القوس؟

إن الإشعاع بلا زيت لا يدوم، فلا بد من صب الزيت لتدور الدواليب، وإلا وقفت العجلة.

إننا لكلمة الحكومة منتظرون؛ فقد طال دور احتضان قانون المعلمين، وستنفقص البيضة — إن شاء الله — عن ديك فصيح …

إلى خالد زهر الدين

تعلمنا في المادة ٩٩ من المجلة حين درسنا الشريعة ما يأتي: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه؛ فلا تعجل علينا — يا أبا هند — نخبرك اليقين.

الموعد قريب جدًّا، وسنرى ما يقول الأستاذان طه حسين ورئيف خوري. أنا لا أظن أن في الدنيا كاتبًا يكتب «بازاري» للعوام، و«استعمال» للخواص؛ فالكاتب السليقي يكتب ولا يعنيه لمن يكتب؛ ففيما كتب ابن المقفع والجاحظ والشدياق والريحاني زاد للجميع. إن سفرة الكاتب ممدودة، فمن لا يهضم اللحم له في المرق ما يسد جوعه …

ليس لنا أن نقول: هذا أدب للعامة، وهذا أدب للخاصة في زمن زالت فيه الفروق اجتماعيًّا، والذين كانوا يسمونهم عامة أصبحوا يفهمون ما يكتب. إن الكاتب لا يخطر بباله أن يكتب لفئة دون غيرها إلا في مواضيع لها أرباب.

هذه كلمة عجلى، ولنا إلى هذا الموضوع عودة بعد أن يقول الأستاذان الفاضلان كلمتيهما.

إلى مجهول

كان العرب يقولون للشاعر متى أجاد: أنت أشعر العرب في هذا البيت، ونحن اليوم نستطيع أن نقدم شاعرًا على سواه في قصيدة ما. أما أن نخلع عليه بردة الإمارة ونجعل أمراء الكلام رعيةً لإحسانه، كما قيل لأبي تمام؛ فهذا كلام هراء. أما شعر اليوم ففيه الجيد والرديء، وكذلك كان منذ كان الشعر. وفي شعرنا المعاصر ما يضاهي الشعر القديم ويفوقه. أنا لست ممن يقدسون القديم لأنه قديم؛ فليس تاريخ الأدب متحفَ عاديات، والشعر لا يقاس بالعتق والقدم، فكم شاعر معاصر نراه نحن دون القدماء؛ لأننا لا نحكِّم ذوقنا وعقلنا فيه.

لا أظن أن الجاحظ كان على ضلال حين رأى أن أبا نواس وبشار بن برد الشاعرين المحدثين يضارعان أو يفوقان كبار شعراء الجاهلية، قال يلوم من يحكم للقائل لا للقول: «ولو كان له بصر لعرف موضع الجيد ممن كان، وفي أي زمان كان.»

(الحيوان ٤٠، جزء ٣)

إلى «أحد القراء» الصنائع، بيروت

تسألني إذا — لا سمح الله — انتُخبت نائبًا، أفلا يهمني أن أرضي منتخبيَّ أولًا؟

الجواب: بلى، ولكني أسعى أن لا أجنف على من انتخبوا غيري.

وتقول لي: كيف أحل مشكلة تخلُّف النواب عن حضور الجلسات؟

وأقول لك: هناك قانون إذا طبق على المتخلفين؛ فلا يغيب أحد بعد ذلك. إذا كان على كل موظف أن يحافظ على «الدوام»، فلماذا لا يكون ذاك فرضًا على النائب؟

وما زالت البلاد مقسمة مناطق نفوذ نيابية، فلماذا لا يشتغل النواب إلا «بالحرتقات»، وإذا حضروا فللمعارك والمناوشات.

إلى مستفيد

لماذا تخجل وتتكتم؟ فلا حياء في طلب العلم.

سألتني عن «إذا» إن كانت تجزم المضارع. إنها لا تجزم وإن كانت ذات جواب كغيرها من أدوات الشرط، وقد وردت جازمة في الشعر: وإذا تصبك خصاصة فتجمَّل.

أما كلمة «وحده» فهي منصوبة دائمًا على الحالة الحالية؛ نحو: وحدك، وحدهما، وحدهم، وحدهن إلخ، ولا تأتي مضافة إلا في قولنا: فلان نسيج وحده؛ للتعظيم، وجحيش وحده؛ للتحقير.

أما قول بعضهم «لوحدي»، فاللام لا محل لها.

عزيزي بهاء الدين حدرج

شكوت من الأستاذين طه ومقلد إلى محكمة صاحب الجراب البهية، فأصدرت حكمها مستعجلًا مبرمًا. ولعلك قد صرت تنعم بقراءة «الأحد» في حينها. سرني منك تقديرك لما في جرابي من بقج وصرر، ولو كان كل من نسدي إليهم النصح يعومون على جرابنا مثلك لكانت البلاد بألف خير.

لا تلم الأستاذ طه؛ فهو مدير وكالة أنباء الشرق ورئيس تحرير جريدة الأحد، والرأس كثير الأوجاع، كما يقول المثل. أما الأستاذ مقلد فشاعر، والشعراء في كل وادٍ يهيمون، ولولا ذلك لما عاد من أرضكم فارغ الجراب …

قلت في رسالتك إنك طلبت أن تُرسَل إليك الأحد في البريد الجوي، فكان أن حرنت ولم تصل لا في سفينة نوح — عليه السلام — ولا في يخت المرحوم هتلر، وهكذا صح فيك القول: طلبت الزيادة فوقعت في النقصان. وهذا ما أصابني أنا أيضًا، وسيأتيك الخبر.

ما أسعد جريدة الأحد! بل ما أسعد جريدة تظفر برضا قارئ خفيف الدم مثلك! إن جريدة لها عاشق يترقب قدومها بمثل شوقك ووَجْدك لهي حقًّا من أسعد الصحف، وما أجمل الساعة التي تستطيع فيها جريدة الأحد أن تتصل بشطرنا المغترب بواسطة طائرة خاصة تسمى طائرة وكالة أنباء الشرق، أو طائرة جريدة الأحد! وليس هذا ببعيد الوقوع؛ لأن «توجهات» أنظار المغتربين تعمل العجائب.

عزيزي بهاء الدين

إن جريدة الأحد ستصلكم إن لم تكن وصلتكم بالطائرة، ولو كانت الصواريخ في متناولنا لقذفناها إليكم قذفًا حتى تصلكم ساعة صدورها.

أما ما ذكرته بشأن نصائحي للنواب التي قرأتها في أحد أجربتي، فكن واثقًا أنها حبر على ورق؛ فالجماعة لا يفهمون بلغة أصحاب الأقلام. إن من يكتب بالنبوت يُصغى إليه. أما من يكتب بالستيلو فلا يبالي به أحد. فأين وعود طه ومقلد من وعود هؤلاء، فأنا أكتب إليك والغبار يسد أنفي وخياشيمي. طلبت من وزارة الأشغال رشَّة زفت ترد مثار نقع الحواري عن البيوت والتبغ والعنب والتين وبقية الأثمار؛ فكانت النتيجة أن أرسلوا «ورشة» ترقع الطريق بالتراب الأحمر، فصارت بيوتنا وثمارنا مبودرة محمرة في وقت واحد.

إن الأستاذ مقلد لا يضر أحدًا إذا أخلف الوعد، ولكن وعود هؤلاء تقتل الناس صبرًا … وكيف تطلب من مقلد أن يعد ويفي إذا كان من هم أكبر جدًّا يعدون وفي نيتهم ألا يفوا.

سلِّم يا أخي بهاء الدين على كل من في «دكار»، وثق أن الأمور عندنا تمشي من حسن إلى أحسن.

ليتك تشرفنا بزيارة لتكون أسرة الأحد في استقبالك بالمطار الذي يرفع رأسنا ورأس مغتربينا بين أمم الأرض.

فبعدما كنا نقاسي المشقات لندل الناس على مكان لبنان في الأرض، أصبحنا ولنا المطار الثاني في العالم، ومع ذلك لا يزال فينا من يقول: عنزة ولو طارت.

١٥ / ٧ / ١٩٥١

إخواني

ثقوا أن سؤالكم جاء متأخرًا جدًّا … قد نسيت نسيانًا مبينًا ما في كتبي المطبوعة وعددها — حتى الساعة — اثنان وثلاثون.

من طبعي ألا أعيد قراءة كتبي بعد ظهورها؛ ولهذا أراني عاجزًا عن المفاضلة بين تلك المخلوقات …

ليس الذي تسألون عنه محبة؛ إن هو إلا تفضيل. أما إذا كنتم تعنون المحبة بمعناها الأصلي، فأحب كتبي إليَّ هو ذاك الذي لا تجرؤ دار نشر على طبعه، وسيبقى «يتيمًا» بعدي إذا لم تملك يميني ما يمهد له السبيل إلى النور؛ فالله أسأل أن يقيض له وصيًّا يعمل بقوله تعالي: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. أكتب هذا وأنا منتظر سحب اليانصيب الوطني غدًا …

صلوا لأجلي.

١١ / ١ / ١٩٥٤

كتب إليَّ السيد ج. م. من المملكة العربية السعودية، يسألني: كيف نعرف حركة عين مضارع الفعل الثلاثي؟ وهل هناك قاعدة عامة نصل بواسطتها إلى معرفة ذلك، أم أن المرجع هو القاموس … إلخ؟ ثم قال: عندنا من يقول بأن هناك قاعدة لمعرفة حركة عين الفعل الثلاثي من صيغة المضارع، وأنها موجودة في كتب الصرف، ولكنَّ مَن يقول هذا لا يذكر القاعدة … إلخ انتهى.

عزيزي ج. م.

إن عين الفعل المضارع الثلاثي هي بلية البلايا. يكلفوننا اليوم أن ننطق بها كما نطقوا، وهم — كما تعلم — كانوا قبائل شتى، وكل قبيلة تحرك لسانها على هواها، كما هي الحال عندنا اليوم في لبنان، فكل قرية تكاد تختلف لهجةً عن جاراتها. هكذا كانوا هم، ومن هنا جاءنا ويل عين فعل المضارع، التي تكون غالبًا مفردة، وأحيانًا مزدوجة، وتارة مثلثة. الأعراب يؤثرون الخفة؛ لأن أسلوب حياتهم كان يستدعي خفة الظهر؛ ولذلك فتحوا أول الماضي ولم يبدءوا بالساكن، ثم منعوا التقاء الساكنين. ولما أعيا الخلف وضْعَ قاعدة للهجة السلف، قالوا لنا: إذا التبست عليك حركة عين المضارع الثلاثي؛ فافتح.

أما ما ذكره أيمة الصرفيين، فهو من باب الغلبة لا من باب القياس المطرد، وعملًا بكلمتهم المأثورة: ما لا يُدرك كله لا يُترك جله. أكتب لك ملخص ما قالوه في هذا الباب:
  • (١)

    وزن فعل «المفتوح العين» يكون ضم عينه قياسيًّا في مضارع الأجوف والناقص الواوين، وإذا كان الأجوف والناقص يائيين تكسر عينه، وكذلك تكسر عين مضارع المثال اليائي والواوي إذا خلا من حرف حلق.

  • (٢)

    فعل «المكسور العين» تُفتح عين مضارعه: نحو يعلم ويمرض. أما الذي هو من باب حسب — بكسر العين — فعين مضارعه مكسورة. وقد حصروه في أربعة أفعال من الصحيح: حسب، ونعم، وبئس، ويبس، وفي ثلاثة عشر فعلًا من المثال الواوي فقط؛ وهي: ورث، وثق، ومق، ورى، ولي، وبق، وحر، وغر، وله، ورع، وهم.

    وتُكسر أيضًا عين الثلاثي المضاعف إذا كان لازمًا.

  • (٣)

    وزن فعل «المفتوح العين» الثلاثي تُفْتح عين مضارعه، إذا كانت عينه أو لامه من حروف الحلق، وللأيمة اعتراضات على هذا القياس؛ فقسْ أنت عليه مؤقتًا إلى أن يهبني الله وإياك حكم العين بالعين، والسن بالسن …

  • (٤)

    وأخيرًا، إن فعل «المضموم العين» تُضَمُّ عين مضارعه، وكذلك الثلاثي المضاعف المتعدي.

لا أجمل يا عزيزي في هذا الباب من تقليدنا القدماء بقولنا: والله أعلم! والسلام عليك.

وزارة المعارف، العراق
سيدي الوزير

أرفع لمعاليكم في طيه مقالًا كتبته عن الجاحظ أديب العرب الأكبر، وإني لآمل أن تشرفوها بالمطالعة، ثم بما ترون وتأمرون. الجاحظ رهن كلمتكم هذه؛ فإن شئتم بعثتموه بعد ألف ومائة عام، وإلا فيظل مقبورًا حيث لا ندري إلى ما شاء الله.

عفوًا سيدي، ولئن أزعجتكم وثقلت عليكم فيما كتبت؛ فشفيعي قولهم: المورد العذب كثير الزحام.

لا زلتم ذلك المورد الفياض يروي ظمأ الأمة العطشى. والسلام وأسمى الاحترام.

الداعي لمعاليكم
مارون عبود
عاليه
١٧ / ٢ / ١٩٣٧

سيدي

حيَّا الله الوزير ورعاه وأبقاه موضع الاحترام، يكرِّم الأدباء أحياءً وأمواتًا.

أما بعد، فيخطر على بالي «الجاحظ» كل يوم، وأنا من المعجبين كثيرًا بهذا العقل العربي الفريد، وما ترك لنا من تراث أدبي منقطع النظير، فكتبت هذه المقالة بمناسبة ذكراه — الألف والمائة سنة — ورفعتها هديةً إلى معاليكم كما تقرءون، وظني يشبه اليقين أن اقتراحي سيصادف صدرًا رحبًا من الوزير البصَّام، الصادق العزم؛ فهو إن لم يحققه كله فلا يترك جلَّه.

جرَّأني — يا مولاي — على ما فعلت ثناء ملء الأفواه؛ أفواه الشباب العراقي الفخور بمكارم أخلاق وزيره المعجب بإقدامه، فأحمد الله أني سقطت على جدير يحقق بعض أمنيتي.

حقق الله له كل أمانيه، وحفظه للأدب، وبارك في عمره.

الداعي لمعاليكم
عاليه
٢١ / ٦ / ١٩٣٦

العراق، المكتب الخاص
وزارة المعارف، العدد ١٠٠٩٦
التاريخ ١٩ ربيع الثاني ١٣٦٥ / ٨ تموز ١٩٣٦
إلى حضرة السيد مارون عبود المحترم

نشكركم جدًّا على ما أبديتم من عواطف سامية في كتابكم المؤرخ ٢١ / ٦ / ١٩٣٦، راجين لكم اضطراد التقدم والنجاح في خدمة العلم والأدب، وسنسعى جاهدين لتحقيق أمنيتكم.

وفقكم الله لما فيه خير البلاد وصلاح الأمة، ودمتم بخير.

وزير المعارف

أخي الأستاذ زيدان المحترم

أطالع هلالكم النامي كلما وقع في يدي، وإنني أثني على عنايتكم بالثقافة العربية عامة والأدب خاصة — أخذ الله بيدكم — فالابن سرُّ أبيه.

منذ شهرين اقترحت في جريدة صوت الأحرار على معالي وزير معارف العراق الجليلِ الاحتفالَ بذكرى الألف والمائة لأديب العرب الأكبر الجاحظ، وذلك في مقال أهديته إليه، فأجاب حضرته بكتاب لطيف، وسيعمل إن شاء الله.

يبدو لي أن الفكرة صادفت استحسانًا، فدمشق أعلنت في نهاية أسبوع المتنبي أنها ستحتفل العام القادم بالجاحظ، فهل يحق لي أن أسألك — ولا تعارف بيننا — أن تكون البادئ فتخص الجاحظ بعدد ممتاز «جدًّا». إنه ليستحق أكثر من ذلك، والمجال واسع جدًّا لأقلام المفكرين، فعسى أن تحققوا أملي، وتفتتحوا عام الجاحظ؛ فنظل السابقين في هذا الميدان، فننمي ميراثًا مات عنه آباؤنا وجدودنا.

والسلام عليكم وعلى أسرة الهلال جمعاء ممن يحترم جهادكم ويقدركم.

عين كفاع
٢٥ / ٨ / ١٩٣٦

حضرة الأستاذ الكبير مارون بك عبود، مدير التعليم العربي في الجامعة الوطنية بعاليه
سيدي الأستاذ الكبير

أتشرف بأن أرسل إليكم نسخة من الإعلان الذي بدأت أنشره على صفحات «المكشوف»؛ للدلالة على الخطة الجديدة التي اعتزمت السير عليها في جريدتي هذه.

وإنني بفضل الكتلة القوية من أدباء لبنان الذين التفوا حول فكرة الجريدة، أرجو أن أبلغ الهدف الذي وضعته أمام عيني، وهو جعل «المكشوف» لسان حال النهضة الأدبية في هذه الربوع، وإعطاء الأقطار العربية فكرة صادقة عن الترقي الذي بلغته هذه البلاد في الأدب والثقافة.

لذلك، ولما كنتم في طليعة الأدباء الذين أعتمد عليهم ليساهموا في هذا العمل الأدبي، فإنني أرجو أن تخصُّوا المكشوف بمقالاتكم القيمة من الآن فصاعدًا، وأن تعتبروها جريدتكم التي تُعبِّر عن الأفكار التي تدينون بها في ناحيتي النقد والأدب.

وتفضلوا بقبول فائق احترامي.

أسماء بعض الذين يشتركون في تحرير «المكشوف»:

الأساتذة: فؤاد إفرام البستاني، يوسف غصوب، خليل تقي الدين، الدكتور أسد رستم، جبرائيل جبور، قسطنطين زريق، ميخائيل نعيمة، إلياس أبو شبكة، رئيف خوري، توفيق عواد، عبد الله لحود وغيرهم …

فؤاد حبيش
بيروت
١٨ آذار سنة ١٩٣٦

أخي الأديب الحبيشي المجاهد٥

عذرًا يا أخي، إذا أبطأت عليكم بالجواب؛ ففي أضيق الأوقات تلقيت كتابكم الكريم. سأبذل قصارى الجهد لأشاطركم ولو شيئًا من عملكم الثقافي. أما الآن فأنا غارق حتى أذني في الفحص الفصلي، فعفوًا إلى حين، وسنتقابل الاثنين القادم ونتحدث طويلًا. ليتكم ترسلوا لي عددًا من المكشوف لأرى محياه وأستأنس برؤيته.

وفي الختام، أصافحكم وأتمنى لكم التوفيق والثبات.

سيدي الأستاذ مارون أبو المؤمنين، وأبو محمد!

أحييك تحية الولاء والاعتبار، وأدعو بفوزك وفلاحك، وأسأل العناية أن تزيدك قوة ومضاءً لتخدم الأدب والعلم، وتنقي الزوان من الحنطة، وتجعلها صالحة للطحن والنخل والعجن؛ ومن ثم للتغذية.

طالعت ما تفضلت عليَّ به من الإطناب في تقريظك العدد التاريخي، وقد شعرت كما يشعر التلميذ عندما ينال جائزة ثمينة في آخر السنة: شعور فرح واغتباط، أو كما يشعر الجندي عندما يقلده قائده وسام الاستحقاق مكافأةً على جهاده.

فتقريظك، يا سيدي، للعدد المذكور هو بمثابة وسام غالي الثمن وضعته على صدر أبي الهول، فلمعت جواهره في نفسي، وجئت الآن أشكرك من صميم فؤادي على ذلك، وأرجو الله أن يعينني على خدمة بلادي وأبناء بلادي بعد أن قاربت من السبعين، وأن يبقيك سالمًا معافًى لخير العلم والنقد والأدب والثقافة.

بعد هذا أرغب إليك، أيها اللبناني الحافظ في صدره كل شاردة وواردة من أمثال وحكم وطنية، فضلًا عن اللغة التي تملكت زمامها، أن تتكرم عليَّ برسمك العزيز لأحفظه مع رسوم من أجلُّهم وأحبهم.

والسلام عليك من مُقِرٍّ بفضلك.

شكري الخوري
في ٢٧ آيار سنة ١٩٣٧

سيدي الأستاذ الجليل

من حضر فما غاب. هكذا يقول المثل اللبناني، وفي الأعذار ما يقال وما لا يقال؛ فأرخوا ذيل العفو على تقصيري، وظنوا خيرًا ولا تسألوا عن الخبر.

تطلبون رسمي لتحفظوه مع رسوم من تحبون، فهو واصل إليكم، وأعد نفسي سعيدًا؛ لأنني أُحصيت بين الذين تحبونهم، ويحق لي أن أطلب رسمكم فلا تضنوا به عليَّ. وإنني معجب بهمتكم العالية؛ ولذلك أسأل الله أن يحفظ صحتكم الغالية، ففيها منفعة للناس وخصوصًا للبنان المفتقر إلى النزهاء المخلصين نظيركم.

وصلتني آثاركم الطيبة المنبثقة من نفسكم، وأخيرًا تناولت ديوان السبعلي؛ الشاعر اللبناني الذي يتحسس الحياة حتى يكاد يلمسها. وحسبه أنه حاز رضى صاحب أبي الهول؛ الكلي الذوق والحس.

وختامًا، إنني أهز يدكم هزة الوقار والاحترام والإخاء.

عاليه
٢٧ تشرين الثاني ١٩٣٧

أيها الصديق الأجل الأحب الأغلى

قرأت الآن في الصحف أن وسام المعارف الفرنسي قد سعى إليك، فأنزله — حفظك الله — من صدرك منزلًا يتجاهى به، واجعله على مقربة هنالك من منابع الأدب والوفاء، والصدق والإخلاص، والعزيمة والسرائر الكريمة؛ فهو أعجمي غريب ينزل اليوم خير منازل العرب.

فهنيئًا له بسعة صدرك، وهنيئًا لنا بطول عمرك.

أمين نخله
بيروت في ١٩ حزيران ١٩٣٩

أخي الحبيب٦

حسبي من الوسام أن يخلق مثل ذاك الكلام؛ فرسالتك أخلد منه وأمجد. إنه يذهب وهي تبقى تؤيد القول: إن من البيان لسحرًا.

عاش شاعر هذا الدهر وبديع هذا الزمان.

أخي الأستاذ الأديب٧

تحيةً واحترامًا ومصافحة أخوية، وبعد: فإنني أطالع تباعًا مقالاتك الطيبة حول أدبنا وأدبائنا في المنار، وأخاف أن أشكر فيقال لي: ما شكر السوق إلا من ربح.

أخذ الله بيدك ووفقك إلى خدمة الأدب العربي.

قرأت في أحد فصولك أن العدد المنشور فيه مقال المجمع العربي الملكي غير تام، فأرسلته إليك في البريد، وإذا وقع ما كنت تحذر من فقد المقال الثاني من محصول الشهر، فتفضل بالإشارة لأرسله إليك، ولا تهمل تاريخ العدد.

وتقبل ختامًا فائق احترامي وإخلاصي.

٢٣ نيسان ١٩٣٦

حضرة الأخ الشاعر٨

بفرح تلقيت قصيدتكم «الأوتار المتقطعة»، وفي طيها رسالتكم اللطيفة. إني سعيد جدًّا بهذا التعارف القلمي، وقريبًا أقول كلمتي في نشيدكم، وقد ذاع خبره بين طلاب المدرسة الشباب، ولا شك أنهم سيقبلون عليه ويطلبونه.

وفي الختام، أصافحكم وأتمنى لكم سيرًا حثيثًا سديدًا في طريق الثقافة والفن.

أخي الحبيب الشيخ خليل٩

تناولت كلمتك الطيبة، وشكرت لك عنايتك واهتمامك بأخيك.

ثق يا أخي أنني ماض … دخلت المعركة ولن أعود منها وفي حقيبتي سهم، ولا أبالي أقاتلًا كنت أم مقتولًا؛ فقد سئمنا هذا الاستئثار، وشبعنا من التطبيل والتزمير كأنما الأدب صار عرس رعاع.

إن آلهة الأدب تأنف هذا التبرج والتطوس، ونحن إنما نكتب في الأدب للأدب، صوابًا كان أم غلطًا، وما يهمنا ما زلنا نقوله مؤمنين؛ لنقول رأينا فيه عن يقين، ويشهد الله علينا أننا لا نتحامل، بل لا نبوح إلا بسريرتنا.

أنا ماضٍ يا خليل، وإن حق لي قلت لك: احمل صليبك واتبعني إلى جلجلة النقد الأدبي أيها الأديب الموهوب.

أخي١٠

وصلني كتابك الكريم ولم أر فيه الكتاب الذي أشرت إليه، فأرجو منك أن تتفضَّل عليَّ به حالًا لأطَّلع عليه وأعيده إليك؛ فلعل فيه ما يحلو ويطيب ويحبب العمل إليَّ.

أنا في انتظاره، وقد كتبت فصلًا جديدًا يصل إليك قريبًا، فعجِّل عليَّ بالكتاب غير مأمور.

لم تشر إلى من يعنيهم الأمر أن يرسلوا إليَّ ثلاث نسخ من العدد الذي نشر لي فيه؛ فلا تبخل عليَّ بذلك.

السلام عليك وعلى أسرة صوت الأحرار الكريمة.

من أخيك
عين كفاع
٢٧ آب ١٩٣٤

أخي الأستاذ الفاضل١١

إنا نسير على الدرب التي نهجتموها؛ فعبير الزهور لما يزل في أنوفنا.

حسبنا رضاكم عنا؛ فلكلمتكم الوجيزة منزلتها الكبيرة عندي، فخير الكلام ما ترك للفكر مسرحًا ولم يحبسه في قفص، والسلام.

أيها الأخ الحبيب١٢

تحيات وقبلات حارة، وبعد: فما شككت ولن أشك لحظة في وفائك ومحبتك وإخلاصك، بعدما بدت لي صفحتك النبيلة إذ تعارفنا واطمأننت إلى سيماك. الكتاب، يا أخي، يقرأ من عنوانه كما يقال عندنا، وعنوانك سامٍ رفيع — والحمد لله — فكيف يخامرني إذن الشك بالأديب الأديب.

نزولًا على رغبتك — ورغبتك عندي تشبه الأمر — سأكتب مقالًا عن محمد علي الكبير، وعنوانه الذي طلبته سيكون: بين الوادي والجبل. أما البحث فحول ما تركت حكومته من أثر في النفسية اللبنانية، وسيكون شاملًا الثقافة والتاريخ والاجتماع.

بقي عليك أن تخبرني فورًا عن موعد صدور العدد الخاص — في أي شهر — وعن الموعد الذي تضربه لوصوله إليك؛ لأقدم الأعجل على المستعجل من أعمالي؛ فأنا كما يقول الشاعر في الجراد:

… … … …
إنا على سفر لا بد من زاد

سلَّمني وكيل مكتب دار المعارف في بيروت الأستاذ خليل طعمة بيانًا عن سلسلة اقرأ، وآخر حلقة صدرت منها — عدد نيسان، المغني المجنون — وسأتكلم عنها في حديث النشاط الأدبي في البلاد العربية من محطة الشرق الأدنى، ١٩ مايو، الساعة ٨.

تصفحت هذا البيان فإذا فيه مؤلفات خُصَّت بتولستوي وتشيكوف وغيرهما من أدباء الغرب، وفيه أيضًا مؤلفات شعرائنا وأدبائنا القدامى، فلماذا لا تنشرون مثلًا مؤلفًا في هذه السلسلة عن أمين الريحاني؛ صديق العرب والعروبة؟ أحسبوه كاروزو المغني المجنون؟

وختامًا، أحييك منتظرًا جوابك عن هذا وذاك وذلك. سلِمتَ لأخيك.

عاليه
١ / ٥ / ١٩٤٩

أخي الأديب المحترم
أسعد الله صباحك يا صباح

تحيات وقبلات على رجاء الاجتماع القريب، إن قدَّر الله، لا كما أصابنا في الصيف الماضي. تعتب عليَّ في رسالتك لأني لم أرسل مقالًا؛ فهل طلبته مني ولم أرسله في حينه؟ أرجو منك في قابلٍ أن تشعرني قبل الطلب بمدة.

أقسم لك على أنه ليس في ملفاتي شيء جاهز؛ لأنني لا «أشتغل إلا توصية»، فإذا شئت أن تنبئني كم مقالًا تريد مني في هذه السنة (١٩٥٩) أكون جد ممنون، ولا سيما إذا عيَّنت المواعيد التي يجب أن تكون فيها عندكم.

هذه السنة لا عذر لكم عن عدم زيارتي؛ عندنا فرصة مدرسية تبتدئ في ٢٩ آذار وتنتهي في ١٢ نيسان، فإذا سمحت لكم أشغالكم في خلال الموعد السابق ذكره؛ فأنا أكون منتظرًا في عين كفاع.

وهناك سترون الخمرة النواسية العتيقة جدًّا، والعرق اللبناني المثلث العتيق أيضًا، فنشرب كأس زيارتكم ومحبتكم.

في طيه المقال المطلوب. وختامًا، أصافحكم شاكرًا من كل قلبي.

٢٩ / ١ / ١٩٥٩

الأستاذ عبد الله المشنوق

إن أمًّا جليلة أنجبت مثل عبد الله يحق لنا جميعًا أن نحزن عليها، ونتمنى على الله أن يمنح الأمة أمهات من طرازها النادر.

كنت حزينًا على أُمَّتك، وها أنت اليوم تحزن على أُمِّك. أحسن الله عزاءك، وأعاضنا بطول بقائك.

أخوك

سيدي الأستاذ الجليل١٣

أطالع نقداتك في جريدة الأحد، فأُسرُّ بأسلوبك العذب النقي، وأُكبِرُ حريتك الأدبية.

أرسلت إليك هدية «الأجزاء الأربعة» من مذكراتي. أرجو أن يتسع لك الوقت فتطالعها وتكتب فيها نقدًا لا تقريظًا.

أتمنى لك دوام التوفيق والصحة.

محمد كرد علي
دمشق
٢١ / ٧ / ١٩٥١
figure
نموذج من خط محمد كرد علي.

سيدي الأخ

عرفت رجلًا اسمه إبراهيم مصور، كان رئيس التراجمة في نظارة الأشغال في مصر فصادقته، وكان من زحلة، درس في الجامعة الأميركية وخُصَّ بقلم بليغ، حتى كانت أوامر الوزارات المصرية كلها تصدر بلغة ركيكة إلا وزارة الأشغال التي كان يرأسها المصور؛ فإنها كانت سليمة من الخطأ وبليغة. وقد ترجَم «كتاب الدليل إلى ورود أعالي موارد النيل» ترجمة رائعة، ووضع ألفاظًا في المياه وغيرها كانت مجهولة فأحياها. والرجل مات في مصر ولم أسمع أن أحدًا ترجم له، فهل لك أن تساعدني على جلب مواد تصلح للترجمة إحياءً لذكره، وخدمةً للأدب.

وأشكر لك سلفًا، وأرجو أن تغض عن تعجيزي لك.

هذا وسلامي إلى من عندك من العيال وصحتي لا تشكر ولا تذم. أمتعك الله بالعافية.

ودمت لأخيك.

محمد كرد علي
دمشق
٢ شباط ١٩٥٣

سيدي

تحيات واحترامات فائقة، وبعد: فعملًا بإشارتكم الكريمة، كلفت أمين سر مدرستنا البحث عن كتاب الدليل لإبراهيم مصور فلم يجده، ولكنه وجد له كتابين في دار الكتب اللبنانية؛ وهما: كتاب الري، وكتاب الخزانات، ثم كلفت من يبحث عن كتاب الدليل في خزانتي الجامعة الأميركية والآباء اليسوعيين، حتى إذا وجدناه أتوجه إلى بيروت وأطَّلع على الكتب كلها، وأوافيكم بما يلزم لمشروعكم. جزاكم الله خيرًا عن خدمة العلم الجلي.

أما مقالكم عن إبراهيم اليازجي، فقرأته في دار الكتب اللبنانية، وكان أمين سر المكتبة معجبًا ومقدرًا في وقت معًا.

أما الصفحة المعدة للمذكرات فأشكركم عليها. وهذا فضلٌ جديد. أبقاك الله لنا ذخرًا.

سيدي

كنت عزمت على التشرف بزيارتكم في هذه الفرصة الربيعية، فإذا بشئون تستدعي ذهابي إلى ضيعتي، فإلى اللقاء في أواخر حزيران، إن شاء الله.

قدمت اليوم في البريد خمسة كتب: زوابع، أشباح ورموز، أقزام جبابرة، وجوه وحكايات، مجددون ومجترون. وحين أصل إلى البيت أبعث بما بقي.

تفضلوا سيدي بقبول أسمى احترامي وإجلالي لشخصكم الموقر — حفظكم الله ومتع الأدب العربي بطول بقائكم.

سيدي الأخ الأستاذ

حان الوقت الذي ضربته لي لزيارة الغوطة (أواخر حزيران)، فأنا في انتظار هذا الوعد الكريم، وأرجو تحقيقه وإعلامي عن يوم سفرك لأكون في جسرين، على أنني — إن أذن الله — أكون فيها يوم ٢٦ الجاري، وأُفضِّل أن توافيني رأسًا إلى قريتي، وبعد قضاء أيام فيها نعود إلى العاصمة للتعرف إلى أحبابي وأحبابك على البعد. اقرأ ما ينشره سيدي الأخ «من الجراب» الأحد، ومنها ما كان حقه أن ينشر في جريدة كبرى التي تطبع الملايين، ولكن هكذا حظ بلادنا.

هل وصلتك كتبي «الإسلام والحضارة العربية» و«أمراء البيان» و«رسائل البلغاء» التي كنت أرسلتها إليك في الشهر الماضي.

ألف قبلة على أمل اللقاء القريب.

محمد كرد علي
دمشق
٢٠ / ٥ / ١٩٥٢

سيدي١٤

احترامات فائقة وأدعية حارة، وبعد: فلا تسل يا سيدي عن مبلغ تأثري بما كتبته إليَّ، وبما تفضَّلت به عليَّ من منشورات المجمع.

وصلت أمس الدفعة الأخيرة مما أمرتم بإرساله من الكتب النفيسة، وستبقى ذخرًا تعتد به خزانتي، وذكرًا من العلامة محمد كرد علي؛ لأنها هدية منه.

كم أكون سعيدًا إذ أتشرف بمقابلتكم، وأزور المجمع والمكتبة الظاهرية، وأتعرف إلى صحابتكم الكرام! ولعل ذلك يكون قبل زيارتكم في ضيعتكم، ودعوتكم لتشريف قريتي في الصيف.

سوف أكتب عن هذه الكتب النفيسة التي بعثتموها من مرقدها لأفيَ بعض ما يجب. أما العمر، والعمر كله إن شاء الله، فقد غاليت فيه؛ إظهارًا للفضل، وحثًّا للشباب. بارك الله في عمركم النافع للأمة والوطن.

سيدي١٥

قليلون هم الرجال الذين نرى صورة قلوبهم في عيونهم وجبينهم. إنك أحدهم، وما خلتني أثناء وجودي عندكم إلا عائشًا بمحيط جديد يعجز قلمي عن وصفه. إنها لضيافة فردوسية، وما أحسب الغوطة إلا قطعة من جنة الله في أرضه. لا عيب في تلك المتعة الخالدة إلا أن عددها كان قصيرًا، وكذا تكون كواكب الأسحار.

فلأستاذنا الأكبر أجزل الشكر، وعليهِ أشرف التحيات. متعني الله بلقائه طويلًا في بيته الأصغر بلبنان، وما أيلول ببعيد إن شاء الله.

وختامًا، أقبلكم أحر القبلات الأخوية.

عين كفاع
٤ / ٧ / ١٩٥٢

حضرة الأديب الكبير مارون عبود١٦

بمناسبة عيد ميلادكم الخامس والسبعين، اغتنم هذه الفرصة لأوجه إليكم أصدق التمنيات، راجيًا لكم صحة وافرة ونجاحات جديدة في نشاطكم الأدبي القيم.

سفير اتحاد الجمهوريات
الاشتراكية السوفييتية في لبنان
سيرغي كيكتيف

حضرة صاحب السعادة سفير اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في لبنان، السيد كيكتيف

من قلب ممتلئ شكرًا وعرفان جميل، أبعث لسعادتكم بأحر عواطفي، وأتمنى لكم ولجمهورياتكم المتحدة دوام التوفيق والازدهار، وأرجوكم أن تتأكدوا من فائق امتناني لما أبديتموه حضرتكم، وأبدى الرفاق نحوي في موسكو عاصمة السلام من تقدير، أرجو أن أكون قد استحققته.

إلى حضرة الأديب السيد اليكسي سوركوف المحترم

من شط بحرنا المتوسط؛ حيث أنا اليوم، أبعث إليكم وإلى الإخوان الأدباء السوفييت بتحية الأرز في العام الجديد.

نرجو أن يكون عام سلام عالمي وطيد الأركان، تتحقق فيه آمال الحسني النية.

تفضلوا جميعًا بقبول أحر تحياتي.

الكسليك «جونيه»، ١٩٦٠

معالي الأمير الجليل١٧

بعد الاحترام الفائق والتحيات الحارة، أعرض:

تشرفت برسالتكم الكريمة اليوم ولم يبق من الأجل المضروب لكتابة المقال إلا أسبوع، وأسبوع لا يكفي لكتابة موضوع رصين لمجلة أرصن؛ لأنه يقتضي له مراجعات وتفتيش، ونحن في هذا الأسبوع الباقي من الشهر غارقون في امتحانات المدرسة وحفلتها، فإذا كان عندهم متسع من الوقت، فأنا أستطيع أن أكتبه وأضعه في البريد الطائر يوم ٢١ تموز بالضبط.

فإذا وافقتم على ذلك أبرقوا لي هكذا على عنواني الآن:
عاليه، مارون عبود
نوافق.

إن مثل هذا الموضوع لا بد له من مراجع، واعتمادي في ذلك على مكتبي وشيوخ القرية، ولا أتمكن من ذلك إلا في أوائل تموز إذ أذهب إلى بيتي في أوائل تموز.

وختامًا، تفضلوا بقبول احترامي.

سيدي الأستاذ الرئيس، أيدك الله١٨

باعتزاز وفخر، أتشرف بالانتساب إلى مجمعكم الموقر مستظلًّا راية رئاستكم، وسأبذل قصارى جهدي حتى أكون عند ظن الأستاذ الرئيس الجليل والإخوان، أعضاء المجمع العاملين المحترمين.

لقد انتخبتموني فتوجتم بياض شعري بإكليل مجد أدبي؛ فلكم شكري الذي يعجز قلمي عن التعبير عنه، والله نسأل أن يُوفِّقنا جميعًا إلى خدمة لساننا العربي المبين وأمتنا الحبيبة.

وتقبلوا ختامًا، يا معالي الرئيس الجليل، تحياتي الحارة، واحترامي لأخلاقكم الرفيعة، وتقديري لعبقريتكم الفذة في الصناعتين.

عاليه
١٠ / ٣ / ١٩٥٥

سيدي الدكتور١٩

ما وجدتني استحققت بعدُ شكرَ العميد. لقد استعجلت يا سيدي، فأمامنا درس وجه طه حسين الجديد. وبكلمة أوضح اتجاه الدكتور وتوجيهه في هذا القصص الناتئ الخطوط، المتناسق الألوان.

أما عن الشرف الذي أوليتنيه بدعوتي إلى دار حكمتك — الكاتب المصري — فاسمح لي أن أقول: قد دعوت مستجيبًا، «وقد تجوز فلوس بخارى في الدنانير.»

إنني مستعد للنضال في الجبهة التي تنتدبني إليها؛ فتفضل واقترح، أما أنا فلي شرط واحد، وهو حرية القول، وسواء عندي كان ذلك في الدار أم كان في المجلة.

اقبلوا سيدي تحياتي واحتراماتي مع أصدق عواطفي وأحرها.

سيدي الرئيس٢٠

بعد تقديم أسمى الاحترام، أعرض لفخامتكم:

هذا كتاب آخر ظهَرَ أمس، جئت أتشرف برفعه اليوم إلى فخامتكم، وهو مجموعة صور لبنانية انتزعتُها من فم الزمان قبل أن يلتهمها، ونشرتها قبل أن تطويها الأيام وتطويني.

إنني أرفع هذه الوجوه اللبنانية المختلفة الأشكال والألوان والميول إلى أمثل وجه لبناني عرفه تاريخ هذا الجيل.

أبقى الله سيدي للبنان العريق؛ ليظل معززًا مرفوع الرأس. «وإذا سلمت له سلم.» كما قال أبو عبادة لممدوحه المعتصم.

أخيل إميل٢١

أقبلك القبلة الأخوية، وأحمد الله على تذكرك معلمك بعد ربع قرن فأكثر، فدعوتَه إلى حفلة الكوكتيل التي أقمتها يوم الأحد، ولكن سوء حظي حال دون حضوري. كنت في عين كفاع والرسالة قعدت تنتظرني في عاليه، فتناولتها أول أمس «الأربعاء»؛ فخيرها بغيرها …

وسأحضر الأربعاء خصيصًا إلى الندوة لأسمع محاضرتك، وبعدُ: فقد مررت أمام قصرك الجديد منذ ثلاثة أسابيع فأعجبني السور وكيف تكون الدور، ثم رأيت صورتك مع الأحبار الأجلاء الذين كرسوه بالماء المبارك. بارك الله في عمرك وفي عائلتك الكريمة.

ليس لي حق تكريس الماء، ولكن عندي خمر. وقد قرأت منذ عامين أنك أعددت في القصر كهفًا خاصًّا بالنبيذ، وبناءً على هذا سأحمل إليك عند ذهابي إلى البيت للانتخاب الفرعي الكسرواني ثلاثة صناديق من أنواع خمرتي؛ ٣٠ زجاجة مختلفة الأعمار.

أما في الموسم القادم، أي في هذا الصيف، فسأعد لك مائة زجاجة: مُرَّةً وحُلْوة وبين بين، إن شاء الله.

أعرف أنك تستطيع أن تشتري ألوف الزجاجات، ولكن خمرتي مختلفة عن سواها نكهة وطعمًا وجودة، والامتحان أكبر برهان.

فاعذرني على هذا التطفل؛ فالرِّجْل لا تدب إلا حيث تحب.

احتراماتي لحضرة السيدة عقيلتكم والآنسة ابنتكم، وحرسك الله وصانك.

عاليه
١٧ / ٤ / ١٩٥٣

حضرة الأستاذ مارون عبود المحترم، بيروت
لأستاذي الفاضل سلامًا واحترامًا

وبعدُ، أشكركم على تهنئتكم بالعيد المجيد، وتمنياتكم الصادقة، والمشروب الذي تلطفتم بإرساله، فثملت للذكريات السعيدة داعيًا الله أن يعيده عليكم وعلينا بأحسن حال، وأهدأ بال.

المخلص
إميل البستاني
بيروت في ٢٦ / ٤ / ١٩٥٤

سيدي المدير المحترم

بعد التحية، كانت حلوة جدًّا زيارة مصر العزيزة والتعرف إلى أدبائها، ولكنني آسف جدًّا؛ لأن طبيبي لم يرخص لي بالسفر، فالعمليتان الجراحيتان لا يزال أثرهما ملموسًا، فأرجو قبول عذري؛ فما أخرَّني عن الرد إلا درس الموقف من جميع نواحيه، ثم الخوف من الخلف بالوعد.

وختامًا، تفضلوا قبول فائق احترامي.

عين كفاع، لبنان
٢٦ / ٧ / ١٩٥٦

سيدي الرئيس

بعد تقديم فائق الاحترام، أعرض لفخامتكم:

إن وقفاتكم المجيدة في سبيل هذا الوطن تزيدني كل يوم محبة لكم، وتعلُّقًا بكم، ناهيك بالعنفوان الذي لا ينتزعه من صدورنا كر السنين والأجيال؛ فنحن أبناء تلك البقعة التي ترعرع أدونيس على شاطئها اللازوردي لا نحجم في مجال الفخر، بل نقول: الرئيس اده منا.

وهناك رابطة عامة بيننا. كلانا، يا مولاي، يسعى لتأسيس لبنان، فخامتكم سياسيًّا ونحن أدبيًّا، فمنذ سنوات والسعي مستمر؛ ليظهر لبنان العريق الثقافة بأجمل وجه، وحجتنا نوابغنا الذين شرفوا الأجيال الغابرة، وحجتنا أيضًا أن هذا العرين لم يخل يومًا من الأسود، وحسب هذا الجبل فخرًا أن تكون أنت رَجُله.

نحن نكافح، يا مولاي، ونجاهد حتى آخر نفس، ولكن ما ضرَّ لو أمرتم القائمين على شئون التربية الوطنية أن يلتفتوا إلى الأدباء.

هذا ما دفعني يا سيدي إلى رفع كلمتي إليكم، وهذا أيضًا ما حملني على تقديمها إلى فخامتكم الآن؛ فقد خفتُ أن لا تحيطوا بها علمًا.

وفي الختام، أسأل الله تأييدكم عضدًا للبنان، وفخرًا للبقعة التي نشأ فيها أصلك.

الداعي لفخامتكم
عاليه
١٥ / ١٢ / ١٩٣٧

أخي الأستاذ جميل جبر

تحيات أخوية وبعد، فقد عدت إلى عاليه من عين كفاع مساء الاثنين ليلًا، وصباح الثلاثاء تشرفت بمطالعة بطاقة الدعوة؛ فأسفت جدًّا لهذه الفرصة الثمينة.

إني أتمنى لك مزيد التوفيق، ولا زال منزلك عامرًا، وخيرك غامرًا. والسلام عليك.

٢١ / ٤ / ١٩٥٤

الأخ الحبيب إميل٢٢

في طيه حبر على ورق. الكلمة عن الشيخ العلايلي فيها خطأ كثير.

حضرت في الموعد إلى دار بيروت ولم أجد أحدًا، فحشرت بطاقتي في مكان ما من الباب وصعدت إلى عاليه.

لم أقرأ بريد مارون عبود عن مربي الجيل! وقد مرَّ عليه أسبوعان، فما السبب؟

وختامًا أقبلكم.

٢٠ / ٥ / ١٩٥٤

جونيه، زوق مكايل، القصر الجمهوري٢٣
حضرة صاحب الفخامة الأمير اللواء فؤاد شهاب، رئيس الجمهورية المعظم

حسبي، يا مولاي، اعتزازًا بالجائزة أنها تحمل اسمكم الخالد بأعمالكم النزيهة النبيلة، عسى أن يمنَّ الله عليَّ بالقوة فأتمكن من التشرف بناديكم لإملاء عيني من طلعتكم الشهابية. عشتم للأمة ذخرًا، وللبنان مدبرًا ونصيرًا.

بيروت، الجامعة الأميركية، الدكتور قسطنطين زريق
figure
نموذج من خط صاحب الرسائل في آخر حياته.

يا أصدقاء الكتاب المحترمين

أشكر لكم تهنئتكم، وأشارككم والأمة الثناء الطيب على الأمير العظيم الذي لا تفوته مكرمة. لقد أحسنتم اختيار صديقكم — الكتاب — فهنيئًا لكم ولنا جميعًا هذا النشاط الزاخر.

بيروت، وزارة التربية الوطنية
صاحب المعالي المفكر وزير التربية الوطنية الأستاذ كمال بك جنبلاط

إنكم عين الكمال والمجد، سيدي، فأسأل الله أن يحفظكم ويؤيدكم.

شكرًا ودعاء حارًّا بأطول الأعمار.

بيروت، وزارة التربية الوطنية
حضرة المدير العام الأستاذ فؤاد بك صوايا

أشكر لكم من صميم الفؤاد، وأدعو أحرَّ الدعاء كلما خطرتم بالبال، أخذ الله بيدكم لتظلوا ناهضين بأعباء وزارتكم الجليلة.

بيروت، دار المكشوف
الشيخ فؤاد حبيش

آسف من أعماق قلبي لأني لا أستطيع رؤيتكم في ناديكم. إن للشيخوخة أحكامًا لا مردَّ لها. حفظك الله.

١  المستشرق جب.
٢  صاحب الرسائل.
٣  الأديب الأستاذ عبد الله المشنوق.
٤  الدكتور شكيب الجابري.
٥  الشيخ فؤاد حبيش؛ صاحب دار المكشوف.
٦  الأديب الأستاذ أمين نخلة.
٧  الأستاذ محمد أسعد الكيلاني.
٨  الشاعر الأستاذ رياض المعلوف.
٩  الأديب الشيخ خليل تقي الدين.
١٠  الأستاذ خليل كسيب.
١١  الأديب الشيخ أمين تقي الدين.
١٢  الأديب الأستاذ عادل الغضبان، مدير دار المعارف المصرية، في بيروت.
١٣  أولى رسائل العلامة محمد كرد علي، رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق.
١٤  العلامة محمد كرد علي، رئيس المجمع العلمي العربي.
١٥  العلامة محمد كرد علي، رئيس المجمع العلمي العربي.
١٦  أمسية أقيمت في موسكو بمناسبة ذكرى ميلاد المؤلف الخامسة والسبعين، الأنباء السوفييتية، تاريخ ١٢ شباط ١٩٦٢.
١٧  «العادات اللبنانية» موضوع مقال كتبه المؤلف لجامعة الدول بطلب الأمير رئيف أبي اللمع.
١٨  الأديب الأستاذ خليل مردم بك، رئيس المجمع العلمي العربي، دمشق.
١٩  الأديب الدكتور طه حسين. وكان قد طلب من المؤلف أن يسهم في تحرير مجلة الكاتب المصري.
٢٠  الشيخ بشارة خليل الخوري، رئيس الجمهورية اللبنانية بمناسبة صدور كتاب «أقزام جبابرة».
٢١  المهندس والأديب إميل البستاني، مؤسس شركة المقاولات والتجارة.
٢٢  الصحافي الأستاذ إميل الحايك.
٢٣  أجوبة برقيات تلقاها عندما تقرر منحه أول جائزة وضعها رئيس الجمهورية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤