الفصل الحادي عشر

عصر العمل الخيري النسائي

لا أعتقد أن النساء أفضل من الرجال. نحن لم نقم بتحطيم طرق السكة الحديد، ولم نُفسد التشريعات، ولم نرتكب الكثير من الآثام التي ارتكبها الرجال؛ غير أننا يجب أن نتذكَّر أننا لم نملك الفرصة للقيام بذلك.1
جين أدامز، الحاصلة على جائزة نوبل للسلامة

في هذا الكتاب، بحثنا جميع الزوايا الخاصة بالعمل الخيري النسائي: التاريخ، والقادة، والبرامج؛ الإمكانات والدوافع؛ تأثير النوع، والأجيال، والأساليب التي تتبرع بها النساء. ويتساءل هذا الفصل الأخير: «ماذا لو؟» ماذا لو أصبحت وسائل تبرع المرأة هي وسائل تبرع الجميع؟ ماذا ستكون عليه حال العالم؟ دعنا نُلقِ نظرة على بعض ما تُنجزه المرأة بالفعل من خلال عطائها.

(١) التعايش السلمي

عندما سُئلت رئيسة دولة ليبيريا، إلين جونسون سيرليف: هل ستستمر الحروب إذا ما أدارت النساء العالم؟ أجابت: «لا، سيصبح العالم أفضل، وأكثر أمنًا، وأكثر إنتاجية. سوف تجلب المرأة بُعدًا إضافيًّا لتلك المهمة، وهو مراعاة الجنس البشري. وهذا يتأتَّى من كونها أنثى.»2
إن السلام هو موضع الاهتمام الأكبر الذي عبَّرت عنه النساء في أبحاث عام ٢٠٠٧ التي قامت بها شو-هاردي وستيفنز.3 كان السلام عادةً أول شيءٍ تتحدث عنه المرأة معنا في الحوارات غير الرسمية. وتشعر ليز ليفيت هيرش، القاطنة بمدينة لوس أنجلوس، أنه قبل وقف الحرب والشروع في الحديث، علينا أن نتعرف بعضنا على بعض.
«التعرف عليك» هو ما كان بالضبط في خلد هيرش عندما قامت في عام ٢٠٠٢ بتوسيع مفهوم «برامج أجنحة ليفيت»، وهي سلسلة من الحفلات الموسيقية الصيفية المجانية بدأها والدها في عام ١٩٧٤ في ولاية كونيكتيكت. والآن يوجد خمسة «أجنحة ليفيت» في أنحاء القُطر تعرض حفلات موسيقية مجانية للناس من مختلِف الأعمار، والألوان، والطبقات بمدرجات الملاعب. تقول هيرش: «يساعد المفهوم على أن يتعارف الأفراد بعضهم على بعض بطريقة مريحة؛ فيمكن أن أجلس على العشب بجوار شخصٍ يحصل على مورد رزقه من خلال الإشراف على إيقاف السيارات في الباحات المخصصة لذلك؛ فنحن متكافئون هنا، وهذا الملتقى يقضي على الطبقية، ويمنح الناس كرامتهم، وهو منتدًى رائع لإثراء البشر في الوقت ذاته.»4

ومن أجل الحصول على التمويل من برامج أجنحة ليفيت من الضروري وجود شراكة مع المجتمع وإنتاج ما لا يقل عن خمسين حفلة مجانية سنويًّا، مع تقديم مجموعة متنوعة من العروض الاحترافية. تقول هيرش: «إن الأمر يروق لي لأنه يمزج بين العدالة الاجتماعية والمتعة. إنه نوع من البرامج يحظى بإجماع الأصوات في مجلس المدينة ويسهم بالكثير من أجل معالجة التوترات العرقية في الجنوب. إنها الموسيقى في الفضاء الشعبي التي تمنح الكرامة للجميع.»

ومن بين الوسائل الأخرى التي تنتهجها النساء في «التعرُّف عليك» اصطحاب أبنائهن لتقديم العون في مطاعم الفقراء والتخطيط للإجازات الأسرية التي تتضمَّن أعمالًا تطوعية في الولايات المتحدة والبلدان الأخرى. هذه التجارب تُمد الكبار والأطفال بمعلومات عما يحدث خارج حياتهم المستقرة، وهي معرفة مباشرة ترسخ التسامح من خلال التفاهم. تقول نيكولاس كريستوف وشيريل وودان في كتابهما «نصف السماء: تحويل الظلم إلى فرص للنساء في أنحاء العالم»5 إنه ليس من المهم فقط مكافحة الفقر، ولكن مهم كذلك فهمه وقضاء وقت في ملاحظته بصورة مباشرة؛ فعندما نلاحظ ونفهم، نتخلص من خوفنا، وتكون المحصلة التعايش في مناخٍ أكثر سلامًا للجميع.

(٢) عالم مستدام

ترى جولي ويكس، العضو المنتدب ومدير البحوث السابق في مركز المرأة لبحوث إدارة الأعمال، أنه عندما تتمتع المرأة بسلطات واسعة في العمل الخيري، وعندما تنخرط في المجتمع وتكون مسئولة عن حياة أفراده اقتصاديًّا واجتماعيًّا، سيكون هناك مزيد من التعاون في صنع القرار ومقدار أقل من القسوة في السياسة الوطنية. وتقول: «سيكون هناك مزيد من الناس يتحدثون أثناء الوقوف حول مبردات المياه، وسوف تحرص النساء على ضمان أن الشركات تتبع نهج خط الأساس الثلاثي.»6
و«خط الأساس الثلاثي» هو نهج في صُنْع القرار ابتكره جون إلكينجتون في كتابه الصادر في عام ١٩٩٧ بعنوان «من يأكلون لحوم البشر بالشوكات: خط الأساس الثلاثي في قطاع الأعمال للقرن الحادي والعشرين»7 هذا المفهوم يجعل الشركات مسئولة عن جميع الأطراف ذات الصلة، بما في ذلك كل شخصٍ مرتبط بالشركة بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة، وكذلك مسئولة عن الكوكب الذي نحيا عليه. وهنا يتم توجيه ثلاثة أسئلة للشركات لتتفكر فيها: (١) هل أجني الربح من وراء عملي؟ (٢) ما هي مسئوليتي المشتركة؟ (٣) ما تأثير شركتي على البيئة؟ وتعتقد ويكس أنَّ تبنِّيَ هذا النهج يمكن أن يُحدِث تغييرًا هائلًا. «سوف تفعل الشركات، سواءٌ كانت ربحية أو غير ربحية، شيئًا ما للجنس البشري غير صُنْع الأموال.»

نحن نتطلَّع إلى عالم تدرك فيه كافة الشركات، والمؤسسات، والمنظمات غير الربحية أهميةَ مراعاة القضايا المجتمعية، والدعوة إلى تدشين برامج تخلق الاستقرار والأمن والإنصاف في العالم. على مدار زمنٍ طويل كانت المؤسسات ترى أن «ترك الميراث» هو شيء يفعله المتبرعون من أجلها. وقد حان الوقت لكي تبحث هذه المؤسسات ذاتها في الميراث الذي تريد هي أن تتركه: ميراث لا يتعلق مطلقًا بالمباني وصُنْع الأموال، ولكن يتعلق بخلق وتمويل برامج تُحدِث الفارق لدى من يسير في رِكابها. وهنا يكمن التحدِّي والفرصة أمام النساء: التحدِّي في جعْل مؤسساتهن أكثر جرأة، وانتهاز الفرصة والثقة في أن إمكاناتهن سوف تُحقِّق التغيير الذي يحتاجه العالم. والأمر موكول إلينا جميعًا لكي نعمل معًا من أجل خلق عالمٍ قابل للحياة كميراث للأجيال القادمة.

(٣) عالم رحيم

في عام ٢٠٠٧، انتقلت مارسيلا أورفانانوس دي روفزار، الناشطة الخيرية والفائزة بجائزة هانك روسو لعام ٢٠٠٨ الممنوحة من مركز العمل الخيري بجامعة إنديانا، بصحبة زوجها إلى نيويورك. نظرت روفزار حولها لترى ما تستطيع أن تفعله من أجل تقديم العون في مدينتها الجديدة. وتقول: «كنت أريد أن أقترب أكثر من المجتمع.»8

ما اكتشفتْه روفزار هو وجود عدد لا يُصدَّق من ذوي الأصول اللاتينية في حاجةٍ إلى تثقيف في الجوانب المالية؛ فهم لا يعرفون معنى مفاهيم مثل الميزانيات، والحسابات البنكية، والاستثمار، والادخار، والتقاعد. والكثير منهم لم يستطع العمل لأنهم لا يملكون بطاقة إقامة دائمة، ولكنهم يريدون تحسين حياتهم وحياة أُسَرهم. ومع نهاية السنة الأولى، وفَّرت روفزار التثقيف المالي والعمل لخمسمائة فردٍ من بينهم ٧٥٪ من النساء.

ترى روفزار أن إنجازاتها تعود إلى إحساس الشفقة لديها ورؤيتها العالمية، وتقول: «نحن مجتمع عالمي. ولم أَعُدْ أرى أطفالي من ذوي أصول مكسيكية فقط. لقد تمت تنشئتهم ليعتنوا بكافة الأفراد في العالم. ومن المهم حقيقةً أن نتخيل أنفسنا كجزء من عالم يضمُّ جميع الأقطار وجميع الأجناس. فنحن جميعًا نناضل من أجل شيء واحد؛ إذ نريد أن نحيا ونعطيَ أطفالنا أفضل ما لدينا.»

(٤) التعليم الجيد للجميع

تقول ليندا باش، رئيس المجلس القومي لبحوث المرأة: «تُظهر أبحاث البنك الدولي أنه عندما يتاح للأفراد التعليم الجيد، فإنهم ينجحون.»9 وتؤكد دراسة البنك الدولي على أن التعليم يُمثل فائدة خاصة للفتيات. «يؤثر [التعليم] بعمق على الصحة الإنجابية، ويحسن أيضًا من المعدلات العمرية للطفل وصحته من خلال التمتع بمعدلات تغذية أفضل وتحصين أعلى. وقد يكون التعليم هو السلاح الوقائي الأكثر فعاليةً ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز.»10
تقول كريس جرام، المدير العام لشبكة العمل النسائي ورئيسها التنفيذي: «على الأقل ٧٠٪ من البشر الذين يعيشون في حالةٍ من الفقر حول العالم وفي الولايات المتحدة هم من النساء والأطفال.»11 إن توفير التعليم المطلوب هو واحد من الخطوات الأولى، بجانب الرعاية الصحية الجيدة، من أجل المساعدة في تحقيق حياة أفضل للنساء، وعائلاتهن، ومجتمعاتهن.

(٥) الرعاية الصحية الجيدة للجميع

تشكل النساء أغلبية مقدمي الرعاية الصحية في هذه البلاد، وهن من يتخذن معظم قرارات الرعاية الصحية لأسرهن.12 وهن يدركن أن الرعاية الصحية حق أساسي. وقد ذكرت السيدة الأولى ميشيل أوباما، التي قامت بجولات شاقة من أجل إصلاحات الرعاية الصحية في عام ٢٠٠٩: «تؤدي النساء دورًا فريدًا ومهمًّا على نحو متزايد في محيط العائلات، ومن بين كل عشر أمهات تَذكُر تِسعٌ أن مسئولية اختيار أطباء أطفالهن تقع عليهن. ويعتني أكثر من ١٠٪ من النساء في هذا القُطر بأحد الأقارب المرضى أو المسنين.»13
لقد استخدمت المرأة شفقتها وعملها الخيري من أجل تحقيق رعاية صحية أفضل في الماضي وما زالت تقوم بذلك؛ فقد أدَّت وفاة الابن الأصغر لآنا كليس نتيجة الحُمَّى الروماتيزمية في عام ١٩٩٨ إلى أن تصبح على وعيٍ قوي بافتقار الأطفال إلى الرعاية المتخصصة؛ مما جعلها تسارع الخُطى من أجل تفادي ذلك. وكان زوج كليس، جيمس، يعمل مطور عقارات ومصرفيًّا وتاجرًا دوليًّا. وبمساعدة ثلاثٍ وعشرين صديقة، قامت كليس بإقامة أول منشأة في شمال غرب المحيط الهادي لعلاج الأطفال الذين يعانون من هذا المرض، ومعظمهم كان سَيُكتب عليهم مقاساة حياة من الألم والعجز ما لم يتم علاجهم. وما زالت الرؤية الأساسية لكليس — العناية بالأطفال بصرف النظر عن الجنس، أو الدين، أو النوع، أو قدرة الأسرة المالية — بمنزلة المرشد لمستشفى سياتل للأطفال إلى يومنا هذا.14 وحتى سنوات قليلة مضت، كان جميع أعضاء مجلس إدارة المستشفى من النساء.
ومن بين النساء اللاتي تأثرن وتحركن للعمل عقب وفاة عزيزٍ لديهن باتريشيا ميلر وباربرا برادلي باكجارد اللتان أقامتا مؤسسة فيرا برادلي لأبحاث سرطان الثدي بجامعة إنديانا عقب وفاة صديقة مقربة بسبب سرطان الثدي، ونانسي برينكر التي أنشأت مؤسسة سوزان جي كومين من أجل الشفاء بعد أن تُوفِّيت أختها الوحيدة، سوزان، بسبب سرطان الثدي في عام ١٩٨٠ عن ستة وثلاثين عامًا.15 وقد استخدم الكثيرُ من النساء ثرواتهن، وشفقتهن، وطاقتهن؛ لتأسيس منشآتٍ لعلاج السرطان، وعيادات خارجية، وكليات طب، وتمويل أبحاث الأمراض، ودعم المهن الاحترافية بالأموال وتقديم منح دراسية تفيد الأطفال والنساء والرجال.

(٦) المزيد من العمل الخيري

على مدار سنواتٍ ناقشنا الحاجة إلى لغة للعمل الخيري، لغة لا تجعل الأفراد يشعرون بالقلق عند التحدُّث عن المال. كنا في حاجةٍ إلى طريقة للتحدُّث عن العمل الخيري تُماثِل الطريقة التي يتحدَّث بها الناس عن التسوق والاستثمارات. وقد اقترحت تراسي جاري مكانًا منذ عدة سنوات لإطلاق شارة البداية في اجتماع مجلس إدارة معهد العمل الخيري النسائي؛ وكان على أعضاء المجلس دفع المبلغ نفسه الذي أنفقوه في ذلك اليوم على مشتريات الملابس لصالح معهد العمل الخيري النسائي مهما كان مقدار ذلك المبلغ. وقد نجحت الخطة؛ فنحن لن نتوقف عن التسوق، وزادت المساهمات لمصلحة المعهد. ولم نقتصر على ذلك، بل أصبح العمل الخيري مثار حديثنا أيضًا.

ولكن بالتأكيد فإن قيمة مشتريات يومٍ واحدٍ لا تعكس كامل قدرتنا على التبرع.

تقول الناشطة الخيرية آن إلينجر: «كثير منا، ومن بينهم متحمسون للعمل الخيري، يتبرع بجزء يسير من طاقته المالية.»16 وقد أنشأت هي وزوجها، كريستوفر، منظمة على شبكة الإنترنت تُسمَّى «العطاء الأكثر جرأةً في الأوقات الاستثنائية» لمعاونة الأفراد على معرفة كيف يصبحون أكثر جرأة، وفعالية، ووفاءً كمتبرعين.17 تقول إلينجر: «إن رسالة العطاء الجريء هي تحفيزنا على التبرع بكامل قدرتنا أثناء فترة حياتنا عن طريق توفير نماذج للقدوة والدعم العملي. وليس ثَمَّةَ شيء يُبطل الإحساس بالنُّدرة مثل السخاء.» وهي تعتقد أن النساء سيتبرعن الآن بصورةٍ أكبر لأن القضايا أصبحت مهمة. «يوجد الكثير من القضايا العاجلة — الاحتباس الحراري على سبيل المثال — التي تزداد خطورتها مع مرور الزمن. قد أود، حقًّا، مواصلة التبرع في السبعينيات من عمري، ولكن ماذا ستكون حال العالم حينَذاك؟ هل من الحكمة التبرع الآن بصورة أكبر؟»

(٧) التغيرات الجذرية

يطلق «تقرير شريفر» على الولايات المتحدة اليوم «أمة من النساء.»18 ماذا يعني هذا للعمل النسائي الخيري؟ وللعمل الخيري برُمَّته؟ وما هي التغيرات التي سوف تنتج عن لحظة التحوُّل هذه؟ وإذا راقنا الأسلوب الذي تُغيِّر به النساء العالم، فكيف نستطيع أن نجعل هذا يحدث على نطاقٍ أكبر، وبصورةٍ أسرع؟

(٧-١) الاتصال بالكتلة الحرجة

لم تسلك بعض النساء التاريخيات واللاتي يتقلدن مناصب سياسية حاليًّا طرق التنشئة نفسها التي نسبناها إلى النساء في الفصول الأولى. تَدبَّر هؤلاء «النساء الحديديات»: الملكة إليزابيث الأولى، وجولدا مائير، ومارجريت تاتشر؛ فقد كُنَّ جميعًا في عالمٍ من الرجال بمفردهن. وعندما تكون النساء في بيئة يسيطر عليها الذكور مثل الحكومات وقطاع الأعمال، فغالبًا ما يتصرفن مثلما يتصرف الرجال. تقول جولي ويكس، رئيسة منظمة «النساء قادرات»، التي من بين عملائها البنك الدولي، وشركة أمريكان إكسبريس، وشركة بوز ألين هاميلتون: «فقط عندما تكون النساء كتلة حرجة، تتوافر لديهن القدرة على التصرف كالرجال. فإذا كانت هناك امرأة واحدة، يجب أن تتصرف كالرجال. ولكن متى وُجدت الكتلة الحرجة، تصبح النساء أكثر ارتياحًا لإثارة آراء بديلة وقرارات مختلفة.»

إن الوصول إلى الكتلة الحرجة يعني توافر قدرٍ كافٍ من ناشطات العمل الخيري مع توافر ما يكفي من الأموال لتغيير ثقافة العمل الخيري؛ بحيث يجري سماع صوت النساء والإنصات إليه، ونشر قِيَم النساء والأخذ بها، وتقدير رأي المرأة وخبراتها الحياتية مثلما هي الحال مع الرجل.

تتميز النساء بالفعل بقوتهن بوصفهن مستهلِكات؛ فنحن نعلم أن النساء يتخذن ٨٣ بالمائة من كافة القرارات الاستهلاكية،19 ومن المتوقَّع أن يصل معدل الزيادة في الدخل العالمي للنساء إلى ١٠٫٥ تريليونات دولار بحلول عام ٢٠١٣.20 ويتمثل التحدِّي والفرصة للنساء في استخدام هذه القوة من أجل المعاونة في تغيير العالم.

وقد برهنت النساء على قدرتهن الفائقة على القيادة التعاونية، وتكوين الآراء الجماعية، وبناء العلاقات أكثر من بناء الإمبراطوريات. وعندما تتاح لهن الفرصة، فإن القيادة النسائية للعمل الخيري ستكون ذات نفعٍ للجميع. ولكن يجب أن توجد كتلة حرجة لكي يتحقق هذا.

(٧-٢) إضفاء الصبغة المؤسسية على العمل الخيري النسائي

ترى ديبرا ميش، مديرة معهد العمل الخيري النسائي بمركز العمل الخيري بجامعة إنديانا، أن السبيل الذي يمكن أن يسود من خلاله العمل الخيري النسائي هو الأبحاث القوية فقط. تقول ميش: «إن بناء القاعدة التجريبية هو الأمر المهم. فإذا نظرت إلى أي مجال، مثل الإدارة، وكيف يفهم الناس المقصود بالمدير الجيد، فإن القاعدة الكلية هي كيف تتم ترجمة الأبحاث على أرض الواقع حتى يتمكن الممارسون من استخدامها يوميًّا.»21

وتعتقد ميش أنه بفهم طبيعة العمل الخيري النسائي من خلال البحث والترجمة الواقعية، فإن المزيد من النساء سوف ينظرن إلى أنفسهن على أنهن ناشطات في العمل الخيري. وسوف يؤثر هذا الفهم على الرجال أيضًا عندما يعلمون أن ما يزيد عن ٥٠ بالمائة من السكان يقومون بالتبرع. تقول ميش: «نحن لا نتحدَّث عن تغييرٍ صغير. نحن نتحدَّث عن تغيير العالم بأكمله.»

(٧-٣) التفكير الوردي

يوصي أحد الكُتُب الشهيرة عن التسويق في أوساط النساء بألا تلجأ المؤسسات الأمريكية إلى «التفكير الوردي» الذي عفا عليه الزمن لاعتماده على الأنماط التقليدية والتخلُّص من الرجال؛ إنه يجعل المرء يفكر كثيرًا في الفراشات، والقلوب، والأزهار؛ إنه مفعم بحُسن النية وصِدق الطوية.

وعلى الرغم من اتفاقنا على الكثير مما جاء في الكتاب (انظر الفصل الثامن)، فإن الأمر يحتاج إلى إعادة دراسة. بالتأكيد اللون الوردي يُمثِّل جميع الأشياء الحسنة في حملة مكافحة سرطان الثدي. نرى ذلك في المنتجات بدءًا من شوكولاتة هيرشي، مرورًا بأجهزة آي بود، وصولًا إلى الهواتف الخلوية. إنه لون خالٍ من التعبير عن أي شيءٍ غير سارٍّ أو عدواني. إنه اللون الذي يُعبِّر عن النساء والفتيات.

إن الكثير من الفتيات الصغيرات لديهن غرف نوم وفساتين ذات لون وردي، كما أن معظم النساء لديهن على الأقل قطعة ذات لون وردي في دولاب ملابسهن أو في البيت؛ لذا دعنا «نفكر بطريقة وردية» ونرى ماذا ستكون عليه حال العالم عندما يكون اللون الذي يمثل النساء والفتيات يعني عالم السلام، والرخاء، والبيئة النظيفة، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، والرعاية الصحية الجيدة، والتعليم المتميز للجميع.

هل يبدو هذا مفعمًا بحُسن النية وصِدق الطوية؟ ربما ليس لهذه الدرجة. إن الأمر يتلخَّص في أن العيون تفيض بالدمع عندما ترى الأشياء التي يهتم بها النساء والميراث الذي يرغبن في تركه.

(٨) جميع الأشياء الطيبة

تُدير النساء ثرواتهن بتأنٍّ ومنهجية، وكذلك بسخاء وجرأة. وهن يوحدن مواردهن بغية الوصول إلى حلٍّ للقضايا المجتمعية؛ فكلَّ يوم تأتي منحة من زوجين بفضل تأثير إحدى النساء، وكلَّ أسبوع يتم إنشاء دائرة عطاء نسائية جديدة، وكلَّ عام يتم التبرع بمزيد من الملايين لصالح القضايا التي يعتنين بها؛ القضايا التي تُحدِّد مصير القرن الحادي والعشرين.

وتدرك النساء أننا جميعًا نعتمد بعضنا على بعض؛ فما يحدث في مجموعة، أو مجتمع، أو مدينة، أو ولاية، أو دولة يؤثر على ما يحدث في العالم بأَسْره. لقد باتت القوة كلمة موجودة الآن في مفردات المرأة. إنها قوة تحقيق التغيير من خلال القيادة. هذه هي الرسالة التي تريد النساء من المؤسسات غير الربحية أن تسمعها، وتفهمها، وتنطلق من خلالها. إنهن يُرِدْنَ من المؤسسات غير الربحية أن تعلم أن التنوع مهم للعمل الخيري لأنه يُحقِّق التواصل بين الأجيال.

ورد في ترنيمة الأطفال القديمة أن «الملك كان في ديوان المحاسبة يَعد نقوده، وكانت الملكة في الرَّدهة تأكل الخبز والعسل.» والآن الملكة توجد كذلك في ديوان المحاسبة تتبرع بالمال بجانب الملك، وهي تشاركه الرَّدهة حيث يأكلان الخبز والعسل ويشربان اللبن ويجعلان من هذا المكان أرضًا تضم «جميع الأشياء الطيبة» كما يقول العهد القديم. وسوف تكون الأرض التي تضم جميع الأشياء الطيبة مكانًا عظيمًا للنماء والمشاركة بفضل العمل الخيري النسائي؛ بفضل العمل الخيري للرجال والنساء، الآن وفي المستقبل. إنه نهج للعطاء يعني السلام، والعدالة، والاستدامة، والمساواة للجميع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤