لم تكن مصادفة!

توقفت السيارة تمامًا عند بوابة قديمة … ونزل الخمسة ثم اتجهوا يسارًا إلى مكان مهجور له بضعة سلالم تؤدي إلى البحر … وتوقف «أحمد» يسأل: إلى أين نذهب؟

قال الشاب: إنني أريد أن تختفوا عن أعين هؤلاء الرجال، إنهم لن يتورعوا عن قتلكم!

أحمد: إنني لا أعرف مَن أنت؟! ولماذا حاول هؤلاء الرجال ضربك؟!

الشاب: إنها قصة طويلة … ستعرف كل شيء بعد لحظات.

ونزلوا جميعًا السلالم إلى «لنش» مطفأ الأنوار … وعندما وصلوا إلى السلم، أطلق الشاب صيحة تشبه عويل الذئب … ومن طرف القارب ارتفع عويل آخر … ثم سمعوا صوت أقدام … وأُضيء نور في مؤخرة القارب … ولدهشة «أحمد» الشديدة سمع الشاب يقول: «ليو»!

وأصابت الدهشة «عثمان» و«رشيد»، فقد تساءل الثلاثة إذا كان «ليو» هذا … هو نفس الرجل الذي جاءوا لمقابلته.

وسأل «أحمد» الشاب وهم يدخلون: هل «ليو» هو …؟

ولكن قبل أن يكمل سؤاله ظهر الوجه الذي شاهدوا صوره في مقر الشياطين … وأصاب الثلاثة شبه ذهول … ولكن «ليو» تقدم وهو يحمل مسدسًا ضخمًا، وبعد أن تأمل «أحمد» لحظات، قال: هل الأرقام من ١ إلى ١٣ صحيحة؟ … وهي جملة كودية لا يعرفها إلا عملاء رقم «صفر» …

ورد «أحمد» على الفور: إن «صفر» يسبق رقم واحد!

قال «ليو»: مرحبًا بالأصدقاء.

أشار «ليو» إلى الشاب وقال: إنه «دانج» … وهو من أكثر رجالي إخلاصًا!

ثم أشار إلى الولد الصغير وقال: وهذا أيضًا.

قال «أحمد»: «أوزي»!

ليو: هل عثر عليك؟

أحمد: إنني أنا الذي عثرت عليه …

أشار «ليو» إلى «دانج» وقال: ابتعد بالقارب … إن هناك حديثًا طويلًا.

أسرع «دانج» يدير محرك القارب … وسرعان ما كان القارب يجري في المحيط، وكان الموج عاليًا، وبركان «مونت مايون» يبدو في الأفق، وقد اشتعلت رأسه بالنار … ودارت أكواب الشاي، وقطع البسكويت …

وقال «أحمد»: هل علمت أن «كوان يو» قُتل؟

رد «ليو»: بالطبع … إن «كوان» كان رجلًا هامًّا في هذا العالم … ولكن أحدًا لم يكن يعرف عنه شيئًا … لقد كان رجلًا مخلصًا لعمله معكم، لهذا كان يختفي عن الأنظار، وكان يعيش متنقلًا من مكان إلى آخر … ومن جزيرة إلى جزيرة … ولا أدري حتى الآن كيف استطاعوا اصطياده؟!

أحمد: مَن هم؟

ليو: في الفترة الأخيرة من عملنا في «المثلث الذهبي» الذي ينتج أكبر كمية من الأفيون في العالم، كانت هناك عصابة وسيطة مقرها مدينة «زامبونجا» في الجنوب … وقد استطاع «ليو» ومجموعة من رجالنا أن يحطِّموا هذه العصابة التي كانت تسمي نفسها «التاجالوجا» وهو اسم إحدى اللغات القديمة في بلادنا …

وصمت «ليو» قليلًا ثم قال: لقد كانت عصابة «التاجالوجا» هذه تقوم بتسويق نصف إنتاج المخدرات تقريبًا في المنطقة … وتملك أسطولًا ضخمًا من القوارب … والسيارات … والطائرات أيضًا … وكانت تعليمات منظمتكم هي أن نسعى إلى جمع أكبر كمية من المعلومات عن «التاجالوجا» ولكن «كوان يو» تجاوز التعليمات واشتبك مع العصابة في صراع مميت، وقد استطعنا في الشهور الأخيرة … أن نكشف هذه العصابة للسلطات الفلبينية، وقد قبضوا على عدد كبير من أعضائها ولكن …

ورشف «ليو» رشفة كبيرة من قدحه ثم مضى يقول: ولكن بعض رجال البوليس تعاونوا مع العصابة، وكشفوا لها عن مصدر المعلومات التي وصلتهم … وعرفت العصابة على الفور أن «كوان يو» هو المسئول عن الإيقاع بهم … وقد تعرضنا لغارات وحشية من العصابة … ولكننا استطعنا أن نصمد لها … ولكن «كوان يو» اختفى فجأة … واضطررت للهرب بعد أن أعلنت في المقهى أنني ذاهب إلى زيارة أسرتي!

أحمد: ولكن … لقد كانت مصادفة أن ندخل المقهى، وأن نلتقي مع «دانج» في تلك المشاجرة!

ليو: ليست هناك مصادفات … لقد أرسلت «أوزي» و«دانج» للبحث عنكم.

أحمد: ولكن كيف عرفت بحضورنا … هل لك اتصال بالمقر السري؟

ليو: أبدًا … ولكن عندما اختفى «كوان يو» تأكدت أنكم ستعلمون هناك في المقر السري (ش. ك. س)، وكان عملاء رقم «صفر» يأتون دائمًا إلى فندق المحيط ليقابلوني في المقهى الذي يقع تحت الفندق، لذا توقعت أنه سيرسل بعض أعوانه للبحث عن «كوان يو» … فطلبت من أحد زملائي هناك أن يستعلم عن وصول أشخاص غرباء إلى الفندق ويبلغني … وعندما وصلتم وسجلتم أسماءكم في الفندق اتصل بي هذا الصديق وأبلغني … وهكذا أرسلت لكم «أوزي» و«دانج».

أحمد: لقد تصرفت بحكمة وذكاء!

ابتسم «ليو» في خجل، ثم عاد وجهه يتجهم وهو يقول: ما هي التعليمات التي عندكم بخصوص مقتل «كوان»؟

أحمد: أن نعرف كَمَّ المعلومات التي حصلت عليها العصابة من «كوان»، وهل اعترف بالرموز والاتصالات التي تمت بينه وبين رقم «صفر» … وهل عندهم معلومات عن منظمتنا ونوع العمل الذي تقوم به؟ إن حصولهم على أية معلومات عنا مسألة خطيرة كما تعرف!

فكر «ليو» لحظات ثم قال: إن «كوان» ليس الرجل الذي يفشي أسرار المنظمة … ولكن عصابة «التاجالوجا» عصابة متوحشة … إنهم يعملون في تجارة المخدرات، وهي تدر عليهم أرباحًا هائلة … ولعلهم انتزعوا منه بعض الاعترافات!

أحمد: وهل تعرف العصابة طبيعة الاتصالات بينك وبين «كوان»؟

ليو: لم يكونوا يعرفون الكثير عني، فقد كان «كوان» يأتي إلى المقهى كأي زبون آخر … وعلى فترات متباعدة، وكان يعطيني التعليمات التي يريد تنفيذها، أو طلب المعلومات التي تهمه … ثم يأتي بعد فترة، فأقدِّم له الشاي، ومعه المعلومات المطلوبة على ظهر الفاتورة؛ ولكن عندما عرفت العصابة أن «كوان» هو الذي قدم المعلومات للبوليس فقد راقبوه طويلًا … ولعلهم في النهاية اكتشفوا الصلة التي بيني وبينه!

أحمد: وبماذا تنصح؟! إن التعليمات أن نذهب إلى «باتنجاس» لنشهد الجنازة، ونتعرف هناك على أفراد العصابة.

فكَّر «ليو» قليلًا ثم قال: إننا نستطيع أن نصل إلى «باتنجاس» بهذا اللنش.

ثم عاد يقول: ولكنني أعرف بعض أفراد هذه العصابة، إن زعيمهم فقط هو الذي لا يعرفه أحد، ويُقال إنه يعيش متنقلًا في الجنوب بين الجزر المنتشرة هناك … خاصة في مدينتَي «زامبونجا» و«دافاو».

نام كل مَن في اللنش عدا «أحمد» و«ليو»، وكان «ليو» يقود اللنش ببراعة بين الجزر الكثيرة المنتشرة في الطريق البحري بين «مانيلا» و«باتنجاس» … وكان «أحمد» يتحدث معه فيما سيفعلونه عندما يصلون «باتنجاس» …

أحمد: إنك يجب ألا تظهر عند المقبرة … فالعصابة تعرفك.

ليو: هذا صحيح … ولكنني يجب أن أكون قريبًا منكم، فأنتم لا تعرفون البلاد!

أحمد: ولكن ماذا كشفت تحقيقات البوليس في مصرع «كوان يو»؟

ليو: لم ينشر عن هذا إلا القليل، فقد وجدوا «كوان» غريقًا في النهر، وقد تشوهت ملامحه تمامًا، وعرفوا شخصيته عن طريق الأوراق التي وُجدَت معه.

استسلم «أحمد» إلى تفكير طويل ثم قال: هل كنت تعرف مقر «كوان» في «باتنجاس»؟!

ليو: ولا أعتقد أن هناك مَن يعرفه غيري، وقد كان عادةً لا يقول لأحد أين يعيش، ولكن عندما اشتدت حدة المعارك، أعطاني العنوان ورقم التليفون.

أحمد: متى نصل «باتنجاس»؟

ليو: قرب الفجر.

أحمد: سنذهب إلى مقر «كوان» لعلنا نستطيع العثور على شيء يكشف سر مصرعه.

استسلم «أحمد» للنوم على أن يقوم «دانج» بقيادة اللنش بعد ذلك.

عندما استيقظ الشياطين الثلاثة، كان الظلام مخيمًا على المحيط، وأضواء «باتنجاس» تلمع عن قرب … وشرح «أحمد» ﻟ «رشيد» و«عثمان» حديثه مع «ليو» وقراره بالذهاب معه إلى مقر «كوان» … وطلب منهما انتظاره مع «أوزي» و«دانج» لحين عودته …

اختار «ليو» مكانًا مهجورًا على الشاطئ رسا عنده باللنش، وقفز هو و«أحمد» إلى الشاطئ وأسرعا تحت جنح الظلام الذي بدأ ينقشع …

قال «ليو»: المسكن قريب؛ لهذا اخترت هذا المكان!

بعد مسيرة ربع ساعة، وصلا إلى شارع رئيسي، كان ساكنًا في هذه الساعة المبكرة … ثم انحرفا إلى الشارع الجانبي، وقال «ليو»: شيء غريب … إن شقة «كوان» مُضاءة!

وأشار بإصبعه إلى شقة في الدور الثالث في عمارة قديمة ضخمة.

أحمد: هل أنت متأكد أنها شقته؟

ليو: طبعًا!

وقفا لحظات ثم قال «أحمد»: هيَّا بنا … هل معك سلاح؟

ليو: مسدس صغير!

أحمد: ربما نحتاجه … فقد جئت بلا أسلحة تقريبًا!

وسارا بجوار المنازل حتى وصلا إلى العمارة، ودخلا …

وقال «أحمد»: سنصعد على السلالم …

صعدا بسرعة إلى الشقة … وتوقف «أحمد» أمام باب الشقة يُنصت … ولكنه لم يسمع شيئًا بالداخل، فأخرج من جيبه أداة رفيعة أدارها في قفل الباب فانفتح، وأشار إلى «ليو» أن ينتظره، وأخذ منه المسدس ودخل … كانت الشقة في حالة فوضى كاملة … وكان واضحًا أن شخصًا أو أشخاصًا قد قاموا بتفتيش الشقة، واستدعى «أحمد» «ليو»، وأخذا يفتِّشان الشقة مرة أخرى …

كان «أحمد» قد تلقى تدريبًا خاصًّا على تفتيش الشقق؛ فترك «ليو» يقلب في الأشياء بينما وقف ينظر حوله في تأمل عميق … فهو يضع نفسه مكان «كوان يو» … لو أن شيئًا هامًّا يريد أن يخفيه في هذه الشقة … فأين يخفيه؟ وإذا كان عند «كوان» جهاز لاسلكي … ولا بد أن عنده جهازًا لاسلكيًّا … فأين يضعه؟

اتجه إلى المطبخ … فبين الأدوات المنزلية العديدة … وفي الثلاجات والبوتاجازات يمكن إخفاء جهاز اللاسلكي … وقد أدرك أن مَن فتَّش المنزل لم يكن مُدرَّبًا على التفتيش؛ فقد كان المطبخ مُنظَّمًا … ووقف «أحمد» في منتصف المطبخ وأخذ يتلفت حوله … ثم نظر إلى الأواني الموضوعة على الأرفف، واختار من بينها آنية معدنية مما تُستخدم في المطبخ تحت ضغط عالٍ (برستو) ومد يده فأنزلها، ثم نظر إلى العداد الموجود لحساب ضغط البخار ثم فتح الغطاء، ثم نظر في الآنية … كان واضحًا أن قاعها مرتفع بمسافة خمسة سنتيمترات على الأقل … وعرف على الفور أنه أصاب في استنتاجه … ثم إن هذا النوع من أجهزة الاتصال قد تلقوا عليه تدريبات في المنظمة … وهكذا أدار عداد ضغط البخار، وأخذ قاع الآنية يرتفع تدريجيًّا حتى خرج من مكانه … وفي التجويف الذي تركه … كانت هناك قصاصة ورق عليها بضعة سطور …

«إنني أتوقع أن يحدث لي شيء بين لحظة وأخرى، وإنني متأكد أن زملائي الشياطين اﻟ «١٣» سوف يصلون في وقت مناسب.

إن عصابة «التاجالوجا» تسيطر على هذه المنطقة بالكامل، ورأس العصابة هو في الأغلب «موريس لانو»، وأقول «الأغلب» لأنني لست متأكدًا … ولكن الشواهد كلها تقول إن «لانو»، وهو نائب الحاكم في المدينة، هو الموجِّه الحقيقي للنشاط السري للعصابات في هذه المنطقة … وإنني أجمع الأدلة على حقيقة نشاطه لأقدمها للسلطات هنا … فمن الصعب أن أتغلب عليه وحدي …

أكتب هذه السطور بسرعة، لأنني سأغادر المكان، فقد عرفَتْه «التاجالوجا».»

أعاد «أحمد» الآنية إلى حالتها العادية، ووضع الورقة في جيبه ثم خرج إلى الصالة … كان «ليو» ما زال يبحث، فقال له «أحمد»: لا تبحث أكثر مما فعلت!

ليو: هل عثرتَ على شيء؟

أحمد: نعم … هل تعرف «موريس لانو»؟

ليو: طبعًا … إنه شخصية مشهورة جدًّا في الفلبين … فهو نائب الحاكم في «باتنجاس» وهو رجل مشهور بحب الخير.

ابتسم «أحمد» وهو يقول: حب الخير؟

ليو: نعم … فهو يتبرع لكل المشاريع الخيرية التي تتم في «باتنجاس» … وفي غيرها من مدن الفلبين.

أحمد: هيا بنا.

ليو: ماذا ستفعل؟

أحمد: سنعود إلى اللنش … وهناك سنفكر فيما سنفعل.

نزلا بعد أن أغلقا باب الشقة وتركاها مضاءة … وسارا إلى الشاطئ … ولكن … كانت في انتظارهما مفاجأة ضخمة … لقد اختفى اللنش …

وأخذا ينظران إلى أضواء القمر وهي تتسلل على مياه المحيط …

وقال «أحمد»: لعلك لا تذكر المكان الذي رسَوْنا فيه!

ليو: إنني لا يمكن أن أخطئ!

أحمد: إن كارثة على وشك الحدوث، ويجب …

ولكن قبل أن يتم جملته ظهر الولد الصغير «أوزي» يجري بين الرمال …

صاح «أوزي»: أين أنتما؟

أحمد: أين بقية الزملاء؟

أوزي: لقد فوجئنا بهجوم من زورق مُسلَّح كبير … وقد ألقيت بنفسي في الماء حتى أخبركما بما حدث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤