الفصل الثالث

(المنظر: غرفة ذات أثاث ورياش في منزل حسن بك رضوان. في الخلف باب يؤدي إلى بلكون مشرف على الحديقة، باب في الشمال يؤدي إلى الحديقة، بابان في اليمين يؤديان إلى داخل المنزل وثانيهما مغلق، مكتبة في اليمين وأخرى في الشمال، كراسي منثورة، منضدة في الوسط إلى اليمين باب البلكون حبل جرس مدلًّى، نافذة في الشمال.)

(ترفع الستار عن حسن بك داخلًا من الشمال وخلفه خليل.)

حسن (متكدرًا) : أكل الدجاج! إنه ليس بثعلب إذن بل وحش أو تنين هائج!
خليل : لم يبقَ يا سيدي إلا دجاجة واحدة أفلتت لطول عمرها.
حسن : وفي رابعة النهار أيضًا! هذا مريع ومخيف!
خليل : وبماذا تأمر الآن يا سيدي؟
حسن : لقد سئمت الحبائل والشراك لأني فشلت فيها، فانصب حواجز لدى كل ثغرة أو باب في سور الحديقة واحفر كثيرًا من الحفر وغطِّها بالأعشاب عسى أن يقع اللعين في إحداها.
خليل : أمرك يا سيدي (يخرج شمالًا).
حسن : آه لو يقع اللعين في قبضتي! تالله لكنت … (يدخل شعبان ورمضان أفندي) أهلًا وسهلًا.
شعبان : لقد أخبروني أنك تريد أن تكلمني في هذه الغرفة.
حسن : نعم، والمسألة خدمة بسيطة أحب أن …
شعبان (مقاطعًا) : تعملها لي؟
حسن : لا بالعكس، فإني أحب أن تخدمني خدمة صغيرة. ولكن ما لك قد تغيرت؟
شعبان : كأنك تعني أنك دائمًا تولينا أفضالك وأننا نتقبَّل منك هذه الأفضال وأنك …
حسن : لا لا، فإني لا أعني شيئًا من هذا القبيل.
رمضان : أو أننا ننتهز فرصة كرم أخلاقك لإرهاقك …
حسن : لا لا، فإني لم أقل ذلك.
شعبان : نعم إنك لم تقل ذلك بنصه، ولكن …
رمضان : يُستدلُّ من وجهك أنك تعنيه.
حسن : بالله! ما بكما؟ فهل لم أخدمكما قط؟
شعبان : وهل أنكرنا فضلك حتى تذكِّرنا به؟
حسن : ما هذا أيها الصديقان؟ وعلام تتحدثان؟ كأني بكما تريدان خلق سبب لمشاحنتي.
رمضان : بل أنت يا بك الذي تريد مشاحنتنا.
حسن : أبدًا أبدًا والمسألة في غاية البساطة، فهل تحبان أن تولياني فضلًا؟
شعبان : بالطبع ولم لا؟!
رمضان : إنك تعرف أن الواجب يقضي علينا بذلك.
حسن : هذه لهجة قاسية كما أظن، ولكن لعلها طريقتكما في التعبير.
شعبان : وما هي المسألة؟
حسن : المسألة أن لي شابًّا أحبه كما لو كان ولدي، وأرغب في أن تجد له وظيفة.
شعبان (يجلس على كرسي ذي جنبين) : وما الذي دعاك لأن تلجأ في ذلك إليَّ؟
حسن : دعاني كونك رئيسًا في مصلحتك وأن الشاب الذي أقدمه إليك ذكيٌّ حقيقة وحاصل على الشهادات اللازمة، وإذا قلت لك اسمه …
شعبان (مقاطعًا بسرعة) : لا، لا أحب أن أعرف اسمه!
رمضان : لأن هذا يزيد في أسف أخي لاضطراره إلى الرفض.
حسن : الرفض!
شعبان : يا صديقي العزيز المسألة مسألة مبدأ، وأنا شديد التمسك بمبدئي.
رمضان : فضلًا عن أنها مسألة اجتماعية لها نتائج كبرى.
حسن : طريقة طيبة للتخلص من الموضوع، ولكن لماذا لا تعمل شيئًا خاصًّا لأجلي؟
شعبان : لأني صديقك؟
رمضان : بلا شك، واسمح لي أن أقول إن هذا الطلب غير شريف.
حسن : تالله ما كنت لأعرف أن …
شعبان (مقاطعًا) : إنك تريد أن يتقدَّم فتاك عن غيره من المرشحين بواسطة الأيدي الخفية والمحاولات.
رمضان : ويحتمل جدًّا أن يكونوا خيرًا منه.
شعبان : وتريد أن تجعلني شريكك في هذا العمل، واسمح لي أن أقول إنك تريد أن تجعلني شريكًا في هذه المؤامرة!
رمضان : مؤامرة بلا نزاع، لا أكثر ولا أقل.
حسن (غاضبًا) : بل خير من ذلك أن تقولا الرشوة وشراء الذمم والتلفيق والتدليس وأني محتال ونصاب وغشاش!
شعبان (يطلع ويجلس على الكنبة) : لا لا، فإننا لا نقول ذلك.
حسن : هذا لحسن الحظ (وقد غلبته سلامة نيته) ولكني على كل حال لا أظن هذا كله إلا من قبيل المزاح؛ لأني لو كنت أجبتكما بمثل هذه الأجوبة كلها ما سألتماني شيئًا …
شعبان : آه! رجعنا إلى النغمة القديمة والْمَنِّ.
حسن : لا لا، ولكني أريد أن أقول …
رمضان : تالله لو كنا نعرف أن قبولنا لأفضالك …
شعبان (متممًا) : يجعلنا نبيع ضميرينا …
حسن (مقاطعًا محتدًّا) : ضميريكما! ألا لعنة الله على هذين الضميرين! إن هذا ليزيد عن الحد بكثير! أي شيطان رجيم وسوس إليكما أني في حاجة إلى ضميريكما؟ احتفظا بهما! ضميريكما! ماذا الذي استفدته من هذين الضميرين خلال ثلاثين سنة مضت؟!

(يدخل الصاغ حاملًا علبة بها مسدسان وخلفه مرسي أفندي والشيخ خورشد.)

الصاغ : تفضل يا عزيزي البك (يقدم له علبة المسدسين).
حسن (ينظر فيها) : ما هذا؟
مرسي : علبة المسدسين.
الصاغ : لتأخذ روح جارك!
شعبان : بطل موقعة الكرنبة.
مرسي : وقد عملنا الترتيب اللازم لندعو جارك أسعد بك لمبارزتك.
حسن (مندهشًا مبهوتًا) : مبارزتي! ماذا؟ أنا أبارز؟ في أي بلد نحن وفي أي عصر؟ وكيف تظنون أني …
الصاغ (مقاطعًا) : لا لا، نحن لا نظن شيئًا قط، وليس لك مجال لأن تقول كلمة؛ لأن الأمر يعنينا أكثر مما يعنيك. اجلسوا يا سادة (يجلسون).
خورشد (يقف) : إنما أرجو أن تسمحوا لي بكلمة في الموضوع لأن حسن بك له عليَّ أفضال كثيرة، ويهمني جدًّا ما دمتم قد أخبرتموني بالمسألة كلها أن ينتهي الأمر فيها بحل يرضي الجميع.
حسن (يحاول القيام فيجلسونه بالقوة) : أنا أشكرك جدًّا يا شيخ خورشد (يمد يده).
الصاغ : اطمئن واترك المسألة لأصدقائك.
مرسي : إننا لا نمانع حلًّا يكون فيه إرضاء لضمائرنا بالنسبة للإهانات التي وجهها أسعد بك لصديقنا هذا (مشيرًا إلى حسن بك).
حسن (محاولًا النهوض) : أظن أنه ليس ضروريًّا أن …
الصاغ ومرسي وشعبان (يمنعونه عن النهوض) : اسكت. (إلى الشيخ خورشد) نعم؟
خورشد : أسعد بك يا سادة في ساعة غيظ وغضب مال إلى الهوى أكثر من ميله إلى الحكمة وأخرج من بين شفتيه كلمة «جبان».
رمضان : هل لنا أن نفهم من ذلك أنك موافق على هذه الكلمة؟
خورشد : نعم.
مرسي : هذا قبيح جدًّا!
شعبان والصاغ : لَآيةٌ في القبح!
حسن (يقف) : إني لا أرى …
الصاغ (يجلسه) : قلنا لك اترك المسألة لأصدقائك!
رمضان (إلى الشيخ خورشد) : إذا كنت تهزأ بعواطفنا وإحساسنا فخير لك أن تجلس!
خورشد : كلَّا يا سادة، وإن كلمة «جبان» كثيرًا ما استعملت في مواقف مضحكة!
الجميع (باستغراب) : مضحكة؟!
خورشد : نعم، وهي الصفة التي يصح أن …
مرسي : إنها صفة لا تصح مطلقًا.
خورشد : إذن اسمحوا لي بالتفسير!
شعبان : إنك لتسيء التفسير وتشوِّه معنى الكلمة.
حسن : أنا أرجوك التفسير (يحاول النهوض فيسحبونه ناحية).
مرسي والصاغ وشعبان : قلنا لك اترك الأمر لأصدقائك! لا تتدخل!
خورشد : كلمة جبان يا سادة تدل على شخص ضعيف القلب، وهذا الصنف فطري ولا حيلة لصاحبه فيه، وهي من هذه الوجهة تعتبر تقرير حقيقة لا إهانة مقصودة، ويقولون في اللغة: فلان جبان الكلب؛ أي كريم لأن كلبه لا ينبح عندما يرى ضيفًا، فهي في هذه الوجهة مدح لا ذم!
الجميع : تفسير مدهش!
حسن (يفلت من أيديهم ويسرع إلى الشيخ خورشد ويصافحه) : ممنون جدًّا يا شيخ خورشد؛ لأنه لم يبقَ مجال لكلمة في الموضوع.
الصاغ (يدفع حسن بك إلى مرسي) : لقد صدق حسن بك؛ لأنه لم يبقَ مجال لكلمة في الموضوع ما دمنا لا نقبل مثل هذا التفسير.
حسن : آه!
مرسي (يدفع حسن بك إلى شعبان) : نحن نصمم على طلب الاعتذار وإلا فالمبارزة!
حسن : ولكني لا أريد اعتذارًا ولا أطلب اعتذارًا!
الصاغ : أسمعتم يا سادة؟ إن زعيمنا وصاحب الحق فينا يرفض قبول الاعتذار!
شعبان : ولو أن هذا يسوءنا جدًّا إلا أننا لا نرى مفرًّا من إعداد معدات المبارزة.
رمضان : وله أن يختار نوع السلاح الذي يرتضيه.
الصاغ (إلى حسن بك) : ليس أفضل من المسدسات! اسمع كلامي.
حسن : لا لا.
الصاغ : كما تريد، هل تفضل السيوف؟
مرسي : وتكون المبارزة باكرًا صباحًا.
حسن : لا لا، أبدًا!
مرسي : صديقنا أيها سادة يريد أن تكون المبارزة في الحال.
الصاغ : لأنه لا يغسل الإهانة إلا نقط من الدماء.
حسن : لا لا!
الصاغ (إلى حسن بك) : هل فهمتم قصده أيها السادة؟ إنه راضٍ بنقط من الدماء؛ إذن فستكون المبارزة عنيفة هائلة!
حسن : كلمة واحدة أقولها في الموضوع وهي آخر وأول ما أقوله؛ وهي أني لا أقاتل مطلقًا!
الجميع (باندهاش) : لا تقاتل؟!
حسن : بالطبع لا أقاتل، وكيف أبارز مبارزة مميتة لأجل رأس كرنبة؟!
مرسي : اسكت يا عزيزي لئلَّا يسمعك أحد.
الصاغ : هل تريد أن تُلحق العار بأصدقائك؟
شعبان : وتجعلنا أضحوكة بين الناس؟
رمضان : إذا كنتَ شخصيًّا لا تخجل فلا تُلحق الفضيحة بنا!
مرسي : هذا جبن حقيقة.
الصاغ : وسفالة! هل تراني أرتعش؟
شعبان : جبان ولا شك!
حسن (بإجهاد متضايقًا) : جبان! ما دمتم تريدون أن أقاتل فها أنا مستعد، وسأقاتل كل إنسان؛ أسعد بك أولًا وبعده أنتم واحدًا بعد واحد! هيا بنا فقد غَلَتْ دمائي في عروقي وما عدت لأطيق على هذا صبرًا.
الصاغ : هكذا الشهامة! هيا بنا.

(يدخل الدكتور من الباب الأعلى اليمين.)

حسن : نعم هيا بنا!
الدكتور : عفوًا يا سادة ربما تحتاجون في أمركم إلى طبيب جرَّاح، وها أنا في خدمتكم!
حسن : نعم هلمَّ معنا يا دكتور، أسرع!
الدكتور : إنما أرجو أن تمهلوني لحظة واحدة حتى أعدَّ حقيبتي!
مرسي : حقيبة الأسلحة والمشارط؟
الدكتور : لا لا، بل حقيبة ملابسي، أوَلسنا مسافرين إلى بلجيكا؟
الجميع : بلجيكا؟!
الدكتور : أنسيتم يا سادة أنكم هنا في مصر وأن القانون المصري لا يبيح المبارزة، ويعتبرها قتلًا معاقب عليه بالإعدام، والشهود يحكم عليهم بالأشغال الشاقة؟!
الجميع : الأشغال الشاقة؟!
حسن : هذا لا يهم، لقد دعوتموني جبانًا، وها أنا لست جبانًا ولا يهمني الموت ولا الأشغال الشاقة!
الدكتور : أرجو أن تخفض صوتك حتى لا يسمعك أحد؛ لأن هذا يعتبر شروعًا في قتل وهذه جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس.
الجميع : الحبس؟!
حسن : لا لا، لا يهمني، لقد أُهنت كثيرًا وسمعت كثيرًا فلا أبالي مطلقًا.
مرسي : على كل حال لا أظن أن هناك ما يدعو إلى هذا كله يا عزيزي حسن بك!
شعبان : كما أنه لا يصح أن تخاطر بحياتك إلى هذا الحد.
حسن : أقول مرة أخرى إني مستعد!
رمضان : المسألة أبسط من البساطة.
خورشد : وإنك يا بك رجل رب أسرة.
الصاغ : أتريد أن تتقهقر؟
مرسي : إنه ليس مثلك متعطشًا إلى الدماء.
حسن : إذن لا تريدون أن أقاتل؟
الجميع : لا لا، أبدًا.
خورشد (يصافح حسن بك) : أنا أهنئك من صميم قلبي يا حسن بك!
حسن : متشكر جدًّا يا شيخ خورشد (يخرج الشيخ خورشد).
الدكتور : عن إذنك يا حسن بك؛ لأني أريد أن أرى فريدًا (يخرج من اليمين).
الصاغ : جبناء (يتناول علبة المسدسين ويخرج بهما من الشمال).
شعبان : إننا نهنئك من صميم قلوبنا يا حسن بك!
مرسي : لقد أخرجناك من هذه الورطة على أحسن ما يكون.
حسن : الحمد لله على كل حال، لقد كنت كالمجرم المحكوم عليه بالإعدام ثم أُطلق سراحه حتى لقد اشتقت لأن أرى زوجتي … (مرسي وشعبان يتبادلان النظرات … إلى مرسي) ماذا تقول؟
مرسي : أنا؟ أنا لم أقل شيئًا.
حسن : إذن تفضلوا إلى الحديقة لو شئتم.
مرسي : لا لا، قد يحتمل أن يكونا هناك فنفاجئهما.
حسن : تفاجئونهما؟ من هما؟
شعبان : دعك منه يا عزيزي، نسأل الله الستر والسلامة! هلموا بنا على شاطئ النيل.
حسن : الستر والسلامة! بل قفوا هنا لأن هذه النظرات المريبة وهذه العبارات الغامضة قد أثارت غضبي.
رمضان : إذا كنت لا تملك زمام نفسك فإننا لا نستطيع …
حسن : ها أنا متغلب على عواطفي فأوضحوا ما في أنفسكم لأني مُصِرٌّ على معرفته.
مرسي : ما دمت مُصِرًّا فاسأل شعبان أفندي!
شعبان : الموضوع مؤلم فقل أنت يا مرسي أفندي.
مرسي : آه! ليتني كنت أنانيًّا! ولكن الصداقة تُحتِّم على المرء أن يضحي عواطفه.
رمضان : حبذا لو اتصلت بك المسألة من غيرنا.
حسن (بعزم وإصرار) : هل تريدون أن تقولوا أم لا؟
شعبان : لا شك أنه يؤلمك جدًّا أن تسمع …
حسن : أن أسمع ماذا؟
مرسي : أن الهانم حرمك وفريد أفندي.
حسن : ماذا؟
مرسي : بينهما علاقة أكثر مما يلزم …
حسن (غاضبًا محتدًّا) : زوجتي وفريد! كيف اجترأتم على هذا القول؟!
رمضان : الصداقة تُجَرِّئ على كل شيء.
حسن (بغضب شديد) : الصداقة! كيف اجترأتم على إهانتي في عرضي! ماذا؟! هل انتهى بنا الأمر إلى هذا الحد لدرجة أن من يدَّعون أنهم أصدقائي يقولون في وجهي وفي منزلي إن زوجتي … زوجتي التي أحبها من كل جوارحي … آه! لقد طعنتموني في قلبي طعنة نجلاء!
مرسي : الموضوع مؤلم حقيقة ولكن لا أستطيع أن أتجاهل ما رأيته بعيني.
حسن (مختنقًا) : وماذا رأيت؟
مرسي : رأيت (متمهلًا ببرود) رأيتهما يتناجيان. وماذا أيضًا يا شعبان أفندي؟
حسن (تائهًا) : يتناجيان؟
شعبان : إني في الحقيقة …
حسن : هل أبت عليكم الصداقة إلَّا أن تلوثوا أحب وأطهر ما لديَّ في الدنيا؟! إذن فماذا يفعل البغض وماذا تفعل الكراهية؟!
مرسي : ولكن إذا …
حسن : إذا ماذا! قل يا سيدي قل ما عندك! أتريد أن تقول ماذا تكون الحال إذا كان الأمر صحيحًا؟ كان يجب أن تَدعوني في ظلمة جهلي لا أن تلقوا بي في أتون من النار.
مرسي : لقد قمنا بواجبنا وانتهى الأمر، فلا داعي لإطالة المناقشة فيه.
حسن : انتهى الأمر! كلَّا كلَّا! بل يجب أن تطول فيه المناقشة! أتظنون أني أرضى بترك زوجتي ترزح تحت نِير هذه الشبهة المنكرة؟ أو أنني أدع شرفي وشرف زوجتي وشرف ابن عمي تحت رحمة هذه الصداقة؟ كلَّا كلَّا! لقد علمتموني أن الطهر لا يكون طهرًا حتى يقوم عليه الدليل، ولا بد من إقامة هذا الدليل اليوم بل الآن في هذه الساعة، ولو أني لست أدري الوسيلة إنما يجب إقامة البينة (يختنق صوته ويقع على مقعد خائرًا).
مرسي : يا صديقي العزيز إنه ليسرنا جدًّا أن يتضح لنا خطؤنا، فاعمل بنصيحتي كما عمل صديق لي من قبل في ظروف كهذه تمامًا، فإنه ادَّعى أنه مسافر وأنه لا يعود إلا في اليوم التالي، وخرج من منزله ثم عاد فجأة في نفس اليوم وفتح الباب بمفتاح كان في جيبه وانسلَّ داخلًا بخفة دون أن يشعر به أحد، وعندما فتحتُ غرفة النوم رأيتُ …
شعبان : أنت؟!
مرسي : لا لا، بل صديقي فإنه رأى … بالاختصار اقتنع تمامًا.
حسن : وتريدني أن ألجأ إلى هذه الحيلة القذرة؟ وكيف أستطيع أن أرى وجهها بعد ذلك؟ وكيف أقول لها إني مرتاب في أمانتها؟ تالله إن الكلمات لتخنقني خنقًا!
شعبان : لا لا، ويكفي أنك تعتذر بأنك لم تدرك القطار.
رمضان : أو نسيت منديلك أو كيس نقودك.
حسن : أو أية أكذوبة أخرى.
مرسي : أكذوبة؟ نحن إنما نريد أن نتأكد الخبر.
شعبان : وتكشف الحقيقة بنفسك.
حسن (محتدًّا) : الحقيقة! أية حقيقة؟!
مرسي : يظهر أنك غير مصدق.
حسن : مصدق! تالله لا أدري ماذا أصدق ومن أصدق؟ فقد كدت أخبل بينكم ولا ريب عندي أنكم كاذبون! أتخدعني امرأتي؟ ولماذا؟ إني أحبها بل أكاد أعبدها، ولم يشغلني في حياتي إلا البحث وراء ما يسعدها ويسرها! ثم ها أنتم تقولون إنها تخونني؟ ومع من؟ مع فريد ابن عمي بل ابن دمي ولحمي؟! يا للهول! لا لا، المسألة مكذوبة بلا شك وكل شيء ينطق بكذبها (يفكر) ولكن لو صح الخبر ماذا يكون مصيري؟! (يرتمي على مقعد خائرًا ووجهه بين يديه ثم ينهض فجأة) لا لا! هذا كذب! كذب! كذب!
مرسي : أظن أنه خير لنا أن نتركك وحدك لتفكر في أمرك بحرية تامة.
شعبان : نعم هيا بنا (يخرجون من الشمال).
حسن : ألهَبوا النار في قلبي وخلَّفوني أصطلي لظاها (يدخل الدكتور من اليمين).
الدكتور : كيف حالك الآن يا عزيزي البك؟
حسن (تائهًا) : من؟ أنا! تسأل عن حالي؟
الدكتور : نعم، ولقد تركت أمينة هانم الآن وهي في أشد الشوق إلى رؤيتك؛ لأنها لم تَرَكَ طول النهار.
حسن (ذاهلًا) : في أشد الشوق إلى رؤيتي! وهل رؤيتي مما يُشتاق إليه؟
الدكتور : ما الخبر يا حسن بك؟ وما الذي جرى؟
حسن (متنهدًا بألم) : آه! لا شيء غير أني … غير أني (لنفسه) رحماك يا رب! (له) سأسافر.
الدكتور (مندهشًا) : تسافر؟ ومتى؟ وإلى أين؟ ولأي غرض؟
حسن : لا أدري ولكني مسافر الليلة إلى مصر (تدخل أمينة هانم من اليمين).
الدكتور (لحسن بك) : ها هي الهانم قد أتت، تفضلي يا هانم فإننا هنا وحدنا (تدخل).
أمينة : أين كنت يا بك طول هذا اليوم فلم أَرَكْ؟ ما بالك مهمومًا؟
حسن : لا شيء، ولكني مسافر الليلة إلى مصر.
أمينة (باندهاش) : مسافر الليلة إلى مصر؟ ولأي سبب؟
حسن (متألمًا) : مضطر، ولكني سأعود في صباح الغد.
أمينة : ولماذا لا تسافر غدًا صباحًا وتعود في المساء إذا كان لا بد من هذا السفر؟
حسن : مرغم يا أمينة (لنفسه وقد نزل) ليس في قولها ما يدعو لسوء الظن، ولكن كيف يمكن اختلاق جريمة كبرى كهذه بدون أساس.
أمينة (للدكتور على حدة) : ألا تعلم سبب سفره؟
الدكتور : لا والله، ولكن أين فريد؟ فإني لم أره اليوم قط.
أمينة : خرج للصيد منذ الصباح ولم يَعُد بَعدُ. (لزوجها) وهل لا تزال مصممًا على السفر؟
حسن : نعم لأن الأمر هام جدًّا. (لنفسه) يا لهول الشك!
أمينة : إنما يجب أن تعدنا بالعودة غدًا بقطار الظهر!
حسن : إن شاء الله (يخرج مذهولًا دون تحية).
أمينة : ماذا؟ أتخرج بدون أن تسألنا عما إذا كنا نحتاج إلى شيء من مصر أو تودعنا على الأقل؟
حسن (يعود) : لقد نسيت، إلى الملتقى يا عزيزتي (يصافحها) إلى الملتقى يا دكتور (يصافحه) إن المنزل في رعايتك (يخرج من الشمال).
أمينة (تشيعه بنظراتها حتى الباب) : يدهشني جدًّا هذا السفر الفجائي (تهز رأسها متحيرة) عن إذنك يا دكتور، أسعد الله مساءك (تخرج من اليمين).
الدكتور : تفضلي يا هانم أسعد الله مساءك (وحده) «إن منزلي في رعايتك»؛ مسئولية كبرى أُلقيت على كاهلي ولكني أقدِّرها قدرها وما يفعله الله يكون (يطل من البلكون فيدخل فريد من الشمال ومعه بندقية الصيد).
فريد (لا يرى الدكتور) : الجو خالٍ صاف، وهذا لحسن الحظ!
الدكتور (وهو في البلكون) : من هناك؟ (ينزل).
فريد (يتثاءب) : الدكتور؟ أنت هنا؟ تالله لقد أنهكني الصيد اليوم حتى تعبت جدًّا وأشعر بحاجة شديدة إلى النوم، أسعد الله مساءك (يدخل من اليمين).
الدكتور (وهو يتبعه) : أسعد الله مساءك، أسعد الله مساءك! ما معنى هذا الكلام! يتغيَّب اليوم بطوله ولا يعود إلا في اللحظة التي يخلو فيها البيت من صاحبه. لا بد أن في الأمر خبثًا يُدبر فكيف السبيل إلى منع حدوثه؟ (يفكر) وكيف أحتال للمبيت هنا الليلة؟ (ينظر في ساعته) الساعة العاشرة. (يدخل فؤاد من الشمال وإحدى يديه على رأسه والأخرى على معدته مصفرَّ اللون جدًّا وهو يتعثَّر في مشيه) آه! آه!
الدكتور : ما الخبر يا بني؟
فؤاد : لا أدري يا دكتور ولكني مريض جدًّا وأشعر بدوار شديد!
الدكتور : مبادئ إغماء، لا بأس لا بأس فالأمر يسير.
فؤاد : وكأن الأرض تدور بي، آه (يقع على كرسي).
الدكتور (يذهب لمساعدته) : تشجع تشجع! لقد كان الوغد يدخن.
فؤاد : سيجارة واحدة أخذتها من جيب أبي.
الدكتور : ولكنها كثير بالنسبة إليك.
فؤاد : آه! سأموت! سأموت!
الدكتور : نعم بالطبع ستموت، ولكن ليس الآن.
فؤاد : ها، أنا سأموت؟ آه!
الدكتور : بل ستنام ستنام. (ينادي) زينب زينب! قليلًا من الماء بسرعة (تدخل زينب).
زينب (تُقدِّم كأس الماء) : ها هو الماء يا سيدي، ما الذي جرى؟
الدكتور : لا شيء وسيفيق في الحال رُشِّي الماء على وجهه (يتركها ترش الماء وينزل … لنفسه) إن سوء تصرف هذا الغلام قد خدمني أجلَّ خدمة؛ إذ سأتخذ من حالته وسيلة لبقائي إلى جنبه طول الليل فأتمكن من مراقبة فريد مراقبة دقيقة وأقوم بحق رعاية البيت كما أراد صاحبه. (لفؤاد) كيف حالك الآن يا فؤاد؟
فؤاد : مريض جدًّا يا دكتور.
الدكتور : إذن قم إلى فراشك لأعطيك دواءً منومًا.
فؤاد : لا أستطيع المشي يا دكتور.
الدكتور : لا بأس فأنا أمشي بالنيابة عنك (يحمله ويدخل من اليمين).
زينب : أيكون هذا رجلًا وسيجارة كادت تقضي عليه؟! (تدخل أمينة من الباب الثاني اليمين.)
أمينة (وهي عند الباب) : هاتي شمعة هنا في غرفتي فإني أريد أن أنام في الحال … أغلقي الباب.
زينب (تذهب إلى الباب الشمال) : المفتاح ليس في الباب يا سيدتي فهل أخذه أحد؟
أمينة (تتقدم) : ليس في الباب (تجلس) أغلقيه بالأكرة وباب البلكون أيضًا.
زينب (وهي عند البلكون) : ما أبدع ضوءَ القمر الليلة!
أمينة : اتركي أحد البابين مفتوحًا (لنفسها) ما أغرب حاله الليلة! فهل تراه قد عرف ما جرى؟ مستحيل! ولكن لماذا لا أخبره وليس في الأمر ما أخجل له؟ لا لا، إنه ابن عمه ويعزُّه كثيرًا، وإذا أخبرته فلا يعلم العاقبة عندئذٍ إلا الله.
زينب : إنك يا سيدتي إذا ظللت جالسة هكذا فلا تلبثين أن تنامي وأنت جالسة كما نمت بالأمس.
أمينة : لا لا، أخلي غرفة نومي وأغلقي النوافذ هناك وانتظريني.
زينب : أمرك يا سيدتي (تخرج من الباب الثاني اليمين).
أمينة (وحدها) : إنه يحبني وأحبه وعندما ودَّعني ذلك الوداع المريب شعرت كأنه قد أخذ قلبي معه، ولكن كيف أجسر أن أقول له إن ابن عمك الذي تحبه كما لو كان ولدك … ولكن هل تراه يصدقني إذا أخبرته؟ أوَلا يرتاب فيَّ أيضًا ويظنني شريكة في هذا الجرم؟ إن الوقت لا يزال فيه متسع ويجب أن هذا الشاب يهجر هذا البيت! ولقد وعدته أن يقابلني هنا وسأرجوه بل آمره أن يرحل عنَّا! آه! أشعر كأن في عيني نارًا تلتهب وأتمنى لو أن تفارقني هذه الوساوس وأن أجد إلى النوم سبيلًا (تخفي وجهها في يديها فتدخل زينب من الباب اليمين الثاني).
زينب : نامت! هل تأمرين بشيء يا سيدتي؟
أمينة (منتبهة) : كلَّا! ألم أقل لك انتظريني في غرفتي؟ اذهبي الآن إلى غرفتك فإني لم أعد في حاجة إليك.
زينب : أمرك يا سيدتي (تخرج من الباب اليمين).

(يدخل فريد من الباب الأول اليمين ويغلقه بالمفتاح ويضع المفتاح في جيبه فتتنبه أمينة هانم.)

أمينة : أتزالين هنا يا زينب؟
فريد : هُسْ! إنه أنا (يقترب منها بالتدريج) ولكن ما بالك مضطربة؟ لقد فوجئنا بالأمس أما الليلة …
أمينة : إذا كنت نادمًا على ما فرط منك بالأمس فإني أتقبَّل عذرك، ولكن يجب أن تعلم أنه بعد الذي جرى لا يمكن أن تبقى في المنزل، فعِدنا بمغادرة القرية كلها في صباح الغد وأنا أعفو عما سلف، وأسعد الله مساءك (ذاهبة إلى غرفتها).
فريد (محاولًا أن يمسكها) : لا لا … لا تهجريني!
أمينة : سيدي! أرجوك (تذهب خلف الكنبة).
فريد : بل أنا الذي أرجوك بل ألتمس بل أتوسل وأبتهل! دعيني أفرغ لك هنا كل ما في قلبي على قدميك (يمسك يدها وهي تحاول إفلاتها) استمعي يجب أن تستمعي!
أمينة : اتركني بربك وحسبك هوسًا (تحاول التخلص).
فريد : أتركك؟ أبدًا! وإذا كنت متهوسًا فبجمالك وفي حبك.
أمينة : سيدي … بربك دعني! (تفلت منه وتقع على كرسي وتخفي وجهها بيديها) لقد اجترمت أكثر مما كنت أتصور وهذا قصاص شديد.
فريد : اجترمت؟ وهل في الحب جريمة؟
أمينة : الحب؟ كذب وبهتان! فأنا لا أحبك ولم أنظر إليك نظرة حب قط.
فريد : يا للمغالطة! وكيف تفرقين بين قلبي وقلبك؟
أمينة : حسبك لا تزد! فقد خدعتني ونصبت لي حبائل من ريائك ومَلَقِك، واتخذت من مراعاتي لك وعطفي عليك وسيلة للتغرير بي فاعتبرت مراعاتي غرامًا وعطفي حبًّا.
فريد : لا تهزئي بقلبك وما استكنَّ فيه؛ لأن هذا الصدود هو اعتراف صريح.
أمينة : كفى يا سيدي اتركني (تبتعد).
فريد : هذا ما لا يمكن أن يكون قط (يقترب منها).
أمينة : إذن فلا أبقى هنا لِأُهان (تذهب إلى الباب الأول اليمين) مغلق! وهل رأيتني قد تشغلت إلى حد أنك تجسر …
فريد (يتقدم إليها) : الحب يشجعني على كل شيء!
أمينة (ترمي كرسيًّا بينها وبينه) : اقترب مني وأنا أصرخ مستنجدة (تقترب من البلكون).
فريد : إنك لا تجسرين على ذلك حرصًا على سمعتك (يعترضها).
أمينة (تذهب إلى حبل الجرس المدلى) : لا أجسر؟ سترى!
فريد (يتناول حبل الجرس بإحدى يديه ويقطعه بالأخرى) : قُضي الأمر!
أمينة (تقترب إلى المنضدة) : آه يا سيدي! ارحمني! وإذا كان لا يزال لديك بقية شرف أو شهامة فاتركني أتوسل إليك!
فريد (يتناول يدها) : اعترفي بأنك تحبينني، إن لم يكن بكلام فبنظرة.
أمينة (تلمح خيالًا على زجاج النافذة في الشمال) : ويلاه! لقد انكشف الأمر.
فريد : مستحيل.
أمينة (وهي تكاد أن يغمى عليها) : لمحت خيالًا على زجاج النافذة.
فريد : آه (يندفع إلى البلكون ليختفي فيه فتسرع أمينة بإغلاق الباب عليه ثم تعود متعثرة خائرة القُوى إلى كرسي في الوسط ترتمي عليه).
أمينة : لقد نجوت.

(يدخل حسن بك من الباب الشمالي بسكون وتُؤَدَة.)

حسن : وجدتك! كذب ولا شك!
أمينة (مضطربة) : رباه! زوجي.

(تسرع إليه وتطوق عنقه بذراعيها.)

حسن (ملاطفًا) : إنه أنا يا حبيبتي فلا تنزعجي.
أمينة : لم أنزعج ولكم سررت جدًّا لعودتك.
حسن : أظنك لم تتوقعي حضوري بهذه السرعة يا أمينة؟ لقد تخلفت عن القطار، ولكن ما بالك مضطربة؟
أمينة : المفاجأة أدهشتني.
حسن (بحنان) : كيف أطلب إليك العفو؟
أمينة (مندهشة) : العفو؟ عن أي شيء يا عزيزي البك؟
حسن : لأني ظننت أن …
أمينة : ماذا ظننت؟
حسن (مترددًا مرتبكًا) : لقد ظننت … في الحقيقة أنا … آسف جدًّا … لأني … أزعجتك على هذه الصورة (يمشي فيرى الكرسي الذي سبق أن وقع على الأرض) من الذي أوقع هذا الكرسي؟ آه، ومن قطع حبل الجرس؟ (يدخل الدكتور شمالًا).
الدكتور : هُس!
حسن بك وأمينة : الدكتور!
الدكتور : أرجوك المعذرة يا بك، فإني ما كنت أظن أنه أنت الذي يتكلم هنا.
حسن (مرتابًا) : لقد تخلفت عن القطار، ولكن …
الدكتور : أرجوك أن تخفض صوتك؛ لأنه لم يَنَمْ إلا الآن فقط.
حسن : من؟
الدكتور : الفتى فؤاد.
حسن : فؤاد؟
الدكتور : نعم، فقد أصيب بالدوار من جراء سيجارة دخنها (إلى أمينة) ولكن ما بالك قلقة عليه إلى هذا الحد يا هانم؟ لقد تحسَّنت حالته الآن كثيرًا.
حسن (مندهشًا) : هذا الفتى الصغير يدخِّن؟
الدكتور : يظهر أنه دخن الليلة لأول مرة فأصيب بإغماء ودخل عليَّ مصفرَّ الوجه كالأموات، وما لبث أن سقط على الأرض من شدة الدوار، ثم جعل يتدحرج حتى قلب الكراسي وأتلف نظام الغرفة كما ترى.
حسن : آه، إذن فهذا هو السبب، ولكن مَن قطع حبل الجرس؟
الدكتور : أنا، فقد أذهلني الشقي حتى إني عندما أردت أن أدعو زينب لمساعدتي جذبت الحبل بعنف فانقطع في يدي، ويظهر أن الهانم كانت نائمة هنا في غرفتها (يشير إلى الغرفة) واستيقظت على صوت الجلبة فجريت علينا ولما رأت تلك الجلبة قلقت على الفتى كثيرًا.
حسن : ذلك لأنها رقيقة القلب جدًّا (لنفسه) إنها الطهارة مجسَّمة وقد كذب الواشون.
الدكتور : وتالله لقد أصابت الهانم إذ أشارت عليَّ بألا نخبر والد الفتى؛ لأنه قد تعافى والحمد لله.
أمينة : لقد طمأنتني يا دكتور (للدكتور على حدة) إنك لكريم جدًّا يا سيدي!
حسن : لماذا لا تتنفسين إذن يا أمينة؟ أتراك تشكين شيئًا؟
أمينة (بضعف) : لا شيء، لا شيء.
الدكتور : لا تنسَ يا بك أن ما تعانيه الهانم الآن من الضعف ليس إلا نتيجة ما أصابها من الاضطراب.
حسن : نعم نعم، أضف إلى ذلك أن هواء الغرفة حار جدًّا يجعل المرء يكاد يختنق ويجب أن أفتح باب البلكون (ذاهبًا).
أمينة (للدكتور همسًا) : إنه هناك.
الدكتور (على حدة) : فهمت. (لحسن بك بسرعة) انتظر يا حسن بك، انتظر حتى لا تتعرض الهانم لالتهاب في الرئة. (لها على حِدَة) يجب أن يخرج.
حسن (وقد سمعه) : مَن؟ مَن الذي يخرج يا دكتور؟
الدكتور (يخرج من جيبه زجاجة صغيرة بسرعة) : غطاء هذه الزجاجة؛ فإن فيها دواء منعشًا وقد حاولت فتحها عندما كان فؤاد مغمًى عليه فلم أُفلح. هل معك مبراة يا حسن بك؟
حسن : تفضل (يناوله المبراة).
الدكتور : شكرًا لك (يخبط على الزجاجة بالمبراة) يجب أن تخرج ولا بد من خروجك: واحد اثنين ثلاثة، نُط (يفتح الزجاجة).
حسن : ها لقد نط!
الدكتور (باهتمام وسرور) : لا شك في ذلك (يناول الزجاجة لأمينة هانم) استنشقي الآن يا هانم (إلى حسن بك) يمكنك أن تفتح الباب إذا أردت يا بك (حسن بك يفتح الباب).
حسن (ينزل لأمينة هانم) : لعلك أحسن الآن يا أمينة؟
أمينة (تنظر نحو البلكون) : نعم أحسن كثيرًا.
حسن (يتسمع) : هُسْ! هُسْ (يجري نحو البلكون مسرعًا ويدخله).
الدكتور (قلقًا) : ما الخبر؟
أمينة (على حِدة) : رآه وقُضي عليَّ (لزوجها وقد أسرع نحو الباب الشمال) ما الذي جرى يا بك؟ إلى أين؟
حسن (وهو خارج بسرعة من الشمال) : سمعت حركة في الحديقة (يخرج بسرعة).
أمينة : دكتور! دكتور! أشعر بالدوار الشديد! آه! وقد مادت الأرض تحت قدمي!

(تسقط على كرسي مغمًى عليها وتنزل الستار بسرعة.)

(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤