السلطان الثامن عشر

السلطان إبراهيم ابن السلطان أحمد الأول

وُلِدَ عام ١٠٢٤، وجلس على عرش السلطنة سنة ١٠٤٩. وتفصيل ذلك هو أن السلطان مراد الرابع توفي دون أن يعقب ذكورًا، ولم يبق بعد موته من نسل آل عثمان سوى أخيه السلطان إبراهيم، وهذا كان مسجونًا مدة سلطنة أخيه كما جرت العادة، ولما توفي أخوه أسرع كبار المملكة إلى مكان الحبس ليخبروه بذلك، فعند قدومهم خاف وارتعب واهمًا أنهم قادمون لقتله، ولم يصدق ما قالوه له، ولذلك لم يفتح لهم باب السجن، فكسروه ودخلوا عليه يهنئونه، فظن أنهم يحتالون عليه للاطلاع على ضميره، فرفض قبول الملك بقوله: إنه يفضل الوحدة التي هو بها على ملك الدنيا. ولما أن عجزوا عن إقناعه حضرت إليه والدته، وأحضرت له جثة أخيه دليلًا على وفاته، وحين ذاك اطمأن باله، وجلس على سرير السلطنة، ثم أمر بدفن جثة أخيه باحتفال وافر، وساق أمامها ثلاثة أفراس من جياد الخيل التي كان يركبها في حرب بغداد، ثم مضى إلى جامع أيوب وهناك قلَّدوه بالسيف ونادوا له بالخلافة. أما هيئته فما كانت تعجب الناظرين؛ لأن وجهه كان مشوَّهًا بالجدري، وكان ما عدا ذلك ضعيف الرأي جبانًا، فسلَّم الأحكام إلى أمه ووزير الصدارة قره مصطفى باشا، وانهمك في بحار الملذات بين ألف وخمسمائة سرية.

وفي سنة ١٠٢٥، جاءه رسول من شاه العجم يعلمه بجلوس الشاه عباس الثاني، وفي السنة ذاتها، وُلِدَ له ولدان؛ وهما: محمد وسليمان، فخابت بذلك آمال التتار الذين كانوا يُؤمِّلون أنه بعد موت السلطان إبراهيم تنقطع سلالة آل عثمان، ويصير حق السلطنة لهم، ثم ساق جنودًا تحت قيادة سياوش باشا وحسين باشا لمحاربة القزق، فلم يظفروا عليهم، ولذلك أرسل عسكرًا آخر بقيادة سلطان زاده محمد باشا، فحاصروا آزاق وقرمان، وبعد عدة هجمات دخلوها ظافرين.

وفي شهر ربيع الأول من سنة ١٠٥٥، أرسل عمارة بحرية مؤلَّفة من أربعمائة مركب لمحاربة جزيرة كريت، وذلك لأن مراكب أهالي ونديك ومالطة تعدت على مراكب الدولة، ثم ذهبت فاحتمت عند مشيخة البندقية في كريت، ولما وصلت العمارة العثمانية إلى الجزيرة المذكورة أقامت الحصار على مدينة قندية، التي هي من أعظم مدن تلك الجزيرة، واستولت عليها في مدة يسيرة، ثم تحولوا عنها إلى افتتاح باقي مدائن الجزيرة، وبعد أن مكثوا يحاربونها مدة خمسة وعشرين سنة تيسَّر لهم افتتاحها وذلك على عهد السلطان محمد الرابع. ومن كون السلطان إبراهيم كان منهمكًا في الملذات، ومهتمًّا في البذخ والإسراف، حتى إنه أمر بصنع قائق مرصع بحجار الماس، وبما أن أعماله كانت غير مرضية خُلِعَ وجلس مكانه ولده السلطان محمد وهو ابن السبع سنوات، فهاجت عساكر السباهية، الذين كانوا نظير الأليكشارية في الاقتدار، من إقامة صبي ملكًا عليهم، وطلبوا إرجاع السلطان إبراهيم، فخاف أكابر الدولة الذين سعوا في خلعه من رجوعه لئلَّا ينتقم منهم، وعوَّلوا على قتله، فذهبوا إلى السرايا المسجون بها ومعهم قرة علي السيَّاف، ولما دخلوا عليه أمروا السياف بقتله، فلم يتجاسر أن يرفع يده عليه، ثم انطرح على أقدام الوزير يتوسل إليه أن يقتله ولا يجبره على قتل السلطان، فضربه الوزير بالعصا على رأسه ففجه. أما السلطان فلما رآهم داخلين عليه نهض خائفًا مذعورًا وقال لهم: ماذا تريدون مني؟ ألست أنا سلطانكم؟ فأجابوه: كلَّا؛ لأنك ما اتبعت آثار أجدادك، وخالفت ناموس الشريعة، وخربت المملكة، وأضعت زمانك منقادًا وراء الملذَّات، وقد كانوا اسْتَفْتَوا المفتي عن قتله تحت حجة أنه كان يبيع الوظائف بالمال، فأفتاهم بقتله، وإذ ذاك جاءه آغا الأليكشارية ووزير الصدارة محمد باشا، وأعلموه بأنه قد حُكِمَ عليه بالموت، ثم وثبوا عليه وأعدموه الحياة سنة ١٠٥٨، ودفن في تربة السلطان مصطفى. رحمهما الله وأسكنهما الجنان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤