ثلاثُ مفاجآتٍ سيئة

كان في الحفرة ستُّ سمكاتٍ متوسطة الحجم … وبرغم نقص المياه في الحفرة الصغيرة فقد كانت الأسماك حية، وقال «محب»: ماذا تستنتج من هذا يا «نبيل»؟

نبيل: هناك احتمالان لا ثالث لهما؛ إما أنَّ مياه البحر قد صَعِدَت إلى الشاطئ، فصنعت الحفرة، ثم انحسَرتْ مخلِّفةً وراءها هذه الأسماك. وإما أنَّ شخصًا قد اصطاد هذا السمك ثم حفَر الحفرة ووضَعه فيها.

محب: إذا كانت من صيد شخص، وبالصِّنَّارة، فسنجد آثار الصِّنَّارة في فم السمكة!

نبيل: صحيح! ولكن إذا كانت بالشِّباك فلن يبدُوَ عليها أيُّ أثَر.

وأمسَكوا بالأسماك وأخذوا يفحَصون أفواهها الضيقة … كان واضحًا أنها صِيدَت بصنارة … فقد كانت الآثار واضحةً على أفواهها.

لوزة: صادَها شخص … أين هو؟

نبيل: أؤكِّد لكما أن مَن صادها هو «عم سالم»، وإذا لم تكن آثاره موجودةً هنا فربما لأن الأمواج أزالَتْها!

لوزة: وأين صِنَّارته؟

نبيل: من يدري ماذا حدث؟ … وأنتم أيُّها المغامرون الخمسة مهمتكم معرفةُ ماذا جرى ﻟ «عم سالم»!

حمل الأصدقاء الثلاثة كمية السمك، ثم أسرعوا عائدين ليصلوا في موعدهم إلى مكان اللقاء مع المجموعة الأخرى … لم يكن الثلاثة الآخرون قد عثَروا على شيء. وكان «زنجر» معهم يقفز حائرًا وهو يدرك أن المغامرين يبحثون عن شخصٍ غائب، أو شيءٍ مفقود.

أخذ المغامرون الخمسة و«نبيل» يتحدَّثون عن السمك الذي عثَروا عليه … كان «نبيل» متأكدًا أن «عم سالم» هو الذي اصطاده … فأين ذهب؟ وماذا سيفعلون بدونه؟ وكيف سيدخُلون المنزل؟

قال «تختخ»: من السهل فَتحُ إحدى النوافذ والدخول منها، لقد فعَلْنا ذلك من قبلُ في سبيل الفِرار من العصابات، أو البحث عن شيءٍ يخدم العدالة.

نبيل: إن ذلك سيكون شيئًا رائعًا! فقد نستطيع من فحص المنزل من الداخل أن نعرف ماذا حدث ﻟ «عم سالم».

أسرعوا بالعودة إلى المنزل القديم، ومن حقيبة «تختخ» خرجَت حقيبةٌ صغيرة بها مجموعة من الأدوات الدقيقة، ودار «تختخ» حول المنزل يفحَص النوافذ حتى استقَر رأيه على نافذةٍ معيَّنة، اقتَربَ منها ثم أخذ يُعالِجُها برفق وهدوء، لقد استطاع ببراعة أن يُحدِّد المكان الذي تُفتح منه النافذة، ثم أزال ثلاثَ قِطَع من خشب «الشيش» ومدَّ يده ففتح المِصْراع الخشبي، ولحسن الحظ لم يكُنِ الزجاج مغلقًا، وهكذا وبسرعة قفز إلى الداخل، وأسرع ففتح الباب ودعا الأصدقاء للدخول.

كان المنزل من الداخل قمةً في النظافة والنظام برغم قِدَمه، كان كل شيء في مكانه، وكل شيء لامعًا ونظيفًا …

وقال «نبيل»: إن «عم سالم» كان بحَّارًا، وما يزال يعيش بعقلية البحَّار، إنه يستيقظ مبكرًا كأنه في السفينة، ويقوم بتنظيف وترتيب كل شيءٍ قبل أن يخرج للصيد.

وأشار «نبيل» إلى موقعِ غُرفة «عم سالم» في أول المنزل بجوار المدخل مباشرة، ودخل «تختخ» و«محب» إليها وفتَحا النافذة، كانت عشراتٌ من الأشياء الصغيرة موضوعةً في أماكنها … وأكثرها يمثِّل تذكاراتٍ من الموانئ المختلفة؛ مرسيليا … نابولي … هامبورج … بيريه … وغيرها … وكانت ملابس «عم سالم» البحرية ما زالت موجودةً ومعلَّقة داخل «دولابه» كأنها جديدة.

وقال «محب»: إنه رجلٌ مدهش.

تختخ: المهم أين ذهب؟

محب: إن علينا أن نرتاح ونغتسل، ثم نجتمع ونرى ما سنفعل.

وخرجا إلى بقية الأصدقاء … وأخذ «نبيل» يُوزِّعُهم على الغرف وأماكن النوم.

طلبت «لوزة» أن تأخذ هي و«نوسة» غرفة تطل على البحر … كانت تريد أن تقضي وقتها بجوار النافذة لتُشاهِد البحر وتتمتَّع برؤية أمواجه … وتحقَّق لها ما تريد.

وأَسرعَ «نبيل» إلى مخزنٍ مجاور للفيلَّا حيثُ أدار ماكينة النور … ثم أدار موتور رفع المياه حتى يملأ خزَّان المياه ويُدير الثلاجة.

بعد ساعةٍ تقريبًا كان الجميع يجلسون في صالة المنزل القديم، وكان السؤال الكبير الذي يواجههم جميعًا هو: أين ذهب «عم سالم»؟ وبعد مشاوراتٍ طويلة قال «نبيل»: إذا لم يعُد حتى المساء فلا بد من المشي حتى الطريق الرئيسي والبحث عن سيارة والإسراع إلى رجال الشرطة، إنني أخشى أن يكون قد أصابه مكروه!

ولكنَّ المغامرين كانوا يفكِّرون في شيءٍ آخر … إن معهم «زنجر»، ومن الممكن أن يعتمدوا عليه في البحث عن «عم سالم».

وتحدَّث «تختخ»: علينا أن نَشوِي هذه الأسماك الرائعة ونتغدَّى ونرتاح … ثم نبحث أمر «عم سالم» … فإذا فَشِلنا فلا بد طبعًا من إخطار رجال الشرطة!

اقترح «نبيل» عليهم شيَّ السمك خارج المنزل، وقال: سنجمع كميةً من الحطب والأعشاب الجافة ونَشْوي السمك عليها … إنه يُصبِح ألذَّ طعمًا من شيِّه داخل البيت.

وتفرَّقوا خارج المنزل وجمَعوا الحطب، وأشعلوا نارًا عالية ألقَوْا فيها بالأسماك، في حين كانت «نوسة» و«لوزة» تُعدَّان الأرز والسلطة وبقية متطلبات الغداء، وبعد ساعةٍ تناوَلوا غداءً شهيًّا، ولكنهم لاحظوا وهم يتغدَّون غياب «زنجر» وأخذوا يُنادون عليه دون جدوى، وانتهى الطعام دون أن يَظهَر ﻟ «زنجر» أثَر، وخرجوا جميعًا يبحثون عنه، ولكن «زنجر» اختفى، وكأنَّما ابتلَعه البحر أو الرمال.

أَحَس الجميع بالقلق لغياب «زنجر»، وقال «عاطف» مُعلِّقًا: إنه مكانٌ عجيب، لقد اختفى «عم سالم»، ثم اختفى «زنجر»، فمن الذي سيختفي بعد ذلك؟

كانت كلمات «عاطف» تحمل نذيرًا خفيًّا … هل يختفي واحدٌ من المغامرين أو «نبيل» بعد ذلك؟ إنهم ما زالوا في وضح النهار، فماذا سيحدث في الليل؟

كان «تختخ» مستغرقًا في تفكيرٍ عميق، لقد حلموا جميعًا برحلةٍ ممتعة، ولكن البداية لا تُبشِّر بالخير، لقد وجدوا «عم سالم» مختفيًا، ولم تمضِ ساعاتٌ على وجودهم حتى اختفى «زنجر» أيضًا … وقرَّر ألَّا يُضيِّع وقتًا؛ ففي حالات الاختفاء تُصبح الدقائق ثمينة، وهكذا قال: سنَخرُج جميعًا للبحث عن «زنجر»، إن الريح ساكنة، وسنجد آثاره على الرمال، وسننتشر جميعًا في شكل مروحةٍ حول الفيلَّا ونلتقي بعد ساعة.

وخرجوا جميعًا، وبعد لحظاتٍ كانوا قد تفرَّقوا كلٌّ في اتجاه، وارتفعَت صيحاتهم في الفضاء الساكن. زنجر … زنجر!

استمرَّت محاولة البحث، ولكن لم يكن هناك أثَرٌ للكلب الأسود الذكي، لقد كان حبل الرمال الذي يمتد بمحاذاة الشاطئ يُخفي البحر عن الصحراء … ويُخفي الصحراء عن البحر … على سفوحه الممتدة تتكاثَف غاباتُ البوص وأشجار التين العجوز، وبعد سفوحه المُطِلَّة على الصحراء ترتفع مئاتٌ من الصخور الضخمة، حيث يمكن اختفاء أي شخصٍ دون أن يُعثر له على أثَر.

مضت الساعة وهم جميعًا يبحثون دون أن يظهر «زنجر»، وبدأَت رحلة العودة إلى الفيلَّا، وكانت هناك مفاجأةٌ ثالثة في ذلك اليوم المُرهِق … لقد حضَر جميع أفراد الفريق ولكن لم تظهر «لوزة»!

في البداية ظنَّ الجميع أنها تخلَّفتْ لأنها صغيرة، وربما لم تستطع العودة سريعًا … ربما متعبة … ربما وجدَت شيئًا ستعود به … ولكن ربع ساعةٍ مضت دون أن تظهر «لوزة» … نصف ساعةٍ مضت دون أن تظهر «لوزة» … ثم مضت ساعة دون أن تظهر «لوزة».

بدا واضحًا أن «لوزة» قد اختفَت … إنها لحقت ﺑ «عم سالم» ثم «زنجر»، إن قوةً خفيةً لا يعرفها أحدٌ منهم تصطاد بسرعة وإتقان، ولا يمكن مقاومتها.

ساد الصمت وهم يقفون في ظل الفيلَّا، وكان «عاطف» يمدُّ بصره إلى بعيدٍ … كان قلبه يخفق بشدة وهو يرجو أن يرى أخته «لوزة» قادمةً من خلف أحد التلال، ولكن مضت ساعتان دون أن تَظهَر «لوزة».

وتأكَّد الجميع أنهم في موقفٍ خطير، وأن القوة الخفيَّة التي تعمل ضدَّهم دون أن يَدْروا قادرةٌ على اصطيادهم واحدًا وراء الآخر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤