الفصل السادس عشر

العرائف والهزازنة

يذكر القارئ أن أولاد سعود بن فيصل، الذين احتربوا وعمهم الإمام عبد الله، كانوا مقيمين في الخرج فصار لهم في تلك الناحية أشياع وأنصار. ويظهر أن النزعة إلى العصيان ظلَّت تتَّقد في صدور أولئك السعوديين الذين أسرهم يومئذٍ ابنُ الرشيد وخلَّصهم من الأسر ابنُ عمِّهم عبد العزيز، والآن عندما عادوا من الكويت والأحساء، نزلوا إلى الخرج يريدون الاستيلاء عليه.

ولكن أهل تلك الناحية، وأميرهم إذ ذاك فهد بن المعمر، صدُّوهم عن ذلك، وطردوهم في اليوم الثاني بعد وصولهم، فرحلوا إلى حيث اتَّقدت منذ سنتين فتنة الهزازنة — إلى جهات الحوطة والحريق.

أما الهزازنة الذين كانوا أسرى في الرياض فكان عبد العزيز قد أطلق سراحهم، وأذن لهم بالرجوع إلى بلادهم؛ إكرامًا لأمير قطَر قاسم بن ثاني الذي توسَّل من أجلهم. فعندما جاء «العرائف» بعد أن طُرِدوا من الخرج، رحَّب الهزازنة بهم وتعاهدوا وإياهم، فتوحدت القوتان والمقاصد.

وكان قد انضمَّ إليهم أناسٌ آخرون في الحوطة، فمشوا معهم إلى الحريق ثم هجموا على القصر هناك، وفيه سرية لابن سعود فحاصروه سبعة أيام واستولوا عليه.

أما ابن سعود فعندما عاد من القصيم بعد أن صالح الشريف حسين وخلَّص أخاه سعدًا من الأسر، جاء توًّا إلى ناحية الحريق الذي كان قد استولى عليها العرائف والهزازنة، ومعهم جمعٌ كبير من البادية.

إن الحريق كائنة في وادٍ بين جبلين وليس لها غيرُ طريق واحد، فأسرى فيه عبد العزيز ليدخل البلدة ليلًا على حين غرة. وعندما وصل في اليوم التالي إلى قصر قريب منها نزل هناك وأمر جيشه، الذي لم يكن يومئذٍ غيرُ ألف ومائتين من الحضر، أن يُعسكِر ويستعدَّ لحصارٍ طويل.

ولكن خيَّالة العدو في جولة من الجولات اصطدمت بفصيلة من خيَّالته فكانت الشرارة التي أضرمت نار الحرب.

هجم حضر عبد العزيز هجمة واحدة على الحريق ولم يقفوا حتى استولوا عليها وعلى بلدة أخرى اسمها مفيجر، فشرد آل سعود «العرائف» على خيلهم، والتجئوا إلى أهل الحوطة فردوهم خائبين، فرحلوا إذ ذاك إلى الأفلاج.

وكان في السَّيح هناك أخوهم فيصل، وفي ليلا١ أحمد السديري من قِبَل ابن سعود، فاحترب الاثنان قليلًا قبل وصول «العرائف».

أما عبد العزيز فبعد انتصاره في الحريق زحف جنوبًا فنزل نعام — قرية في الطريق — وأراد الجيش أن يهجم على الحوطة فيكتسحها فأبى ذلك قائلًا: «لا أسعى في خراب بلدين من بلادي في يوم واحد، سأقدم لأهل الحوطة الصلح وأعطيهم الأمان، لعل الله يهديهم سواء السبيل.»

أما الأمان فظفروا به شكرًا لعالمهم ورؤسائهم الذين خرجوا إلى عبد العزيز وقد عقدوا المحارم في رقابهم، ولكن أهل الحوطة برابرة قتلة لا يضعون على الرقاب، ولا يفهمون في العقاب غير السيف. ومع ذلك فقد صفح عبد العزيز مشترِطًا أن يدخل بجيشه البلد، فدخل ظافرًا ثم زحف إلى الأفلاج.

وبينا هو على ماءٍ في الطريق جاءَه رسول من أميره السديري يقول: إن حين وصول العرائف إلى السيح علم أهل البلدة بما جرى في الحريق ففروا هاربين. وقد تركوا فيها أمتعتهم وأموالهم، فغنمها السديري عند احتلاله تلك الناحية.

ولكن سعود بن عبد الله، أحد «العرائف» وعبد العزيز الهزاني الذي فرَّ هاربًا بعد فتنة الهزازنة الأولى، ومعهم ثلاثون رجلًا، هجموا على السيح، بعد أن هجرها أهلُها دون أن يعلموا بما جرى في الحريق، فقبض السديري عليهم كلِّهم وألقاهم في السجن.

وصل عبد العزيز فأطلق سراح سعود بن عبد الله، وخيَّره في أمرين؛ البقاء عنده أو الالتحاق بإخوانه، فاختار البقاء (هو سعود العرافة الموجود الآن في الرياض وسنعود إلى ذكره)، ولكن الذين شردوا من العرائف، إلَّا واحدًا كان قد سار إلى الحساء ليستنهض البادية هناك، رحلوا إلى مكة ولاذوا بالشريف حسين.

أما الهزاني وجماعته المأسورين فقد عفا عبد العزيز عن راشدٍ٢ منهم وأمر بقتل الآخرين. هي المرة الأولى التي حلَّت القسوة محلَّ الحلم في حكمه. ولا غرو، فقد سبق منه الإحسان، وتكرَّرت منهم الإساءة.
ووضْعُ الندى في موضع السيف بالعلى
مضرٌّ كوضع السيف في موضع النَّدى
١  ليلا قاعدة الأفلاج، والسيح بلدة من بلدانها فيها مياه جارية.
٢  راجع الحاشية في (الفصل الثالث عشر الأقارب والعقارب).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤