الفصل الثامن والثلاثون

الإخوان على أبواب عمان

١٣٤٣ﻫ / ١٩٢٤-١٩٢٥م: في الشهر الأول من هذا العام (آب ٩٢٤م) مشت جيوش نجد غربًا من الجنوب ومن الشمال، ولكن السلطان عبد العزيز — لغرض حربي — أمر بغزو الشرق العربي قبل الزحف إلى الحجاز، ولم تكن هذه الغزوة بدون أسباب تبرِّرها.

قد أسلفنا البيان فيما كان بين حكومتَي نجد وشرقي الأردن من النزاع بخصوص الجوف وقرايا الملح، ولكن جنود السلطان كانت قد احتلت تلك القرى، فما الداعي إذن إلى تجاوزها الحدود، إلى الغزو؟

إن هنالك تعدِّيات وتعويضات ذُكِرت في مطالب نجد في مؤتمر الكويت. فقد أغار ولد سليمان بن حازي من شيوخ الحويطات على قافلة من تجَّار نجد في طريقهم إلى الشام، فقتلوا ثمانية من رجالها ونهبوا ما يزيد على السبعمائة بعير.

وكانت قد تكرَّرت الإغارات على أهل نجد من عربان الحويطات وبني صخر — أولئك الذين كان الأمير عبد الله يقرِّبهم منه ويُجزِل لهم العطاء — فبلغت المنهوبات، بموجب اللائحة التي قُدِّمَت في المؤتمر، ألفَ جمل وأربعين رأسًا من الخيل، ما عدا الأحمال التي تُقدَّر بثمانين ألف ليرة عثمانية.

لذلك طلب السلطان عبد العزيز أن تُغرَّم قبيلة بني صخر بمائتي ألف ليرة ضمانة لسلامة التجارة والتجار بين نجد وسورية. وبما أن حكومة عمان لم تكترث لهذا الطلب عمد السلطان إلى القوة. مشى الإخوان من أطراف وادي سرحان، وعددهم يتراوح بين الألفين والثلاثة آلاف، فالتقَوا في طريقهم بثُلَّة من جنود شرقي الأردن، عددهم مع رجال الحملة خمسة وعشرون، وهم سائرون إلى قصر الأزرق، يحملون المؤن والذخيرة إلى الحامية فيه، فذبحوهم إلَّا واحدًا وغنموا الحملةَ كلَّها، ثم تقدموا غربًا فهجموا على الطنيب، وأم العمد، والقسطل ويادودة، وكادوا بعد أن اجتاز فريقٌ منهم سكة الحديد أن يصلوا العاصمة.

figure
الملك حسين في عمان يوم بُويِع على الخلافة.

كان الأمير عبد الله يومئذٍ متغيبًا، فصدرت أوامر الحكومة بالدفاع، فبادر العربان وفي مقدمتهم الصخور والحويطات إلى محاربة أعدائهم، فاشتبكوا وإياهم في معركة دامية بضع ساعات. وكان بيك باشا — القائد الإنكليزي للجند النظامي — قد أرسل الطيارات والسيارات المدرَّعة على الإخوان، فحلَّقت الطيارات فوق العربان المتلاحمين، وشرعت ترميهم كلَّهم بالقذائف، كما أن السيارات أطلقت عليهم جزافًا مدافعها الرشاشة، كأني بأولئك الإنكليز يقولون: من أين لنا أن نعرف النجدي من الأردني، والعرب في القيافة لا يفرقون بعضهم عن بعض. نعم، كلهم عرب. أغمض عينيك يا ابن جان بول واضرب.

قبل مجيء الطيارات والسيارات كان قد وقع في ساحة القتال نحو مائة رجل من الفريقين، وعند تشتُّتهم كان عدد القتلى من الإخوان وعربان عمان قد تجاوز الأربعمائة.

وكان بعض الأسرى من المتدينة يحملون علبًا من التنك إنكليزية الصنع فيها لحم مُقدَّد، فقال أولئك الحكماء — دهاقنة السياسة — في الصحافة وفي الدواوين: وهل مَن يُنكِر بعد هذا أن الإنكليز يساعدون ابن سعود؟ هذا لحمهم المُقدَّد يأكله الإخوان.

وما تلك العلب غير قسم من الحملة التي غنمها الإخوان، تلك الحملة التي كانت معدَّة لحامية الشرق العربي في قصر الأزرق. نعم، هو لحم مُقدَّد من بلاد الإنكليز، ولكن السيارات والطيارات الإنكليزية أمطرت الإخوان وعرب عمان على السواء وابلًا من القذائف والرصاص.

لولا هذه القوة الهائلة التي كانت تُدِيرها الأيدي الإنكليزية، لاكتسح النجديون الشرق العربي، ورفعوا فوق رُبَى عمان علمَ ابن سعود.

أما سمو الأمير عبد الله فعندما عاد إلى عاصمته شكر الله ولا شكَّ وشكر رُبَّة الجنود التي لا تزال تكلأ بعينها الزرقاء البيت الهاشمي.

وأما سيد هذا البيت الأكبر جلالة الملك حسين، فقد كان في قصره بمكة متوسدًا وسادةَ الخلافة، مطمئن البال، واثقًا بما تضمره الأيام، وهو يدبج المقالات لجريدة القبلة: «نحن نشكر كمالات حكومة بريطانية العظمى على ما أظهرتْه من الحمية في الشرق العربي، ولكننا مع ذلك لا نتنازل عن حقٍّ من حقوقنا … إن سورية جزءٌ من البلاد العربية وإن فلسطين للعرب، ولا نوقِّع معاهدةً فيها ما ينفي هذا القول بل هذا الحق … ومَن أعرفُ منَّا بالبدو وبالمتدينة؟ قنبلة من مدفعٍ تبدِّدُهم، وطيارة واحدة تشتِّت شملهم، والبرهان في الشرق العربي …»

وكان جلالته يومئذٍ يفكِّر في تعزيز ملكه في الشرق الأوسط أيضًا، فعيَّن وزير خارجيته الشيخ فؤاد الخطيب سفيرًا للحجاز في طهران.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤