ختان البنات

كلنا يذكر أن إحدى اللجان في هيئة الأمم قد أوصت بسن قوانين تمنع ختان البنات، وذلك لوثوق هذه اللجنة بأن هذا الختان ليس سوى تعذيب وتمزيق للبنات، ثم بعد ذلك، عندما يبلغن سن الشباب، يكون من أثر هذه العملية الضرر الكبير وقت الزواج حين تجد الفتاة أنها لا تتجاوب مع زوجها في التعارف الجنسي، وهذا إلى أمراض تصيب المبيضين.

وكلنا يذكر أيضًا أن حكومة السودان منعت ذلك الختان الذي كان مألوفًا عند إخواننا السودانيين، وهو عملية كان ينزع بها جزء كبير من عضو التناسل في البنات، وهذا بعد آلام عظيمة.

وكانوا يصفون هذه العملية بأنها «فرعونية»، ولا أدري من أين جاءوا بهذا الوصف الذي لم أجد له تبريرًا في العادات الفرعونية التي نعرفها، ولو كانت فرعونية حقًّا لكنا نحن أبناء الفراعنة أولى بممارستها من السودانيين.

والأصل البدائي للختان في الصبي الذكر معروف، وله ما يبرره في العقلية التي كانت تكبر من شأن التعارف الجنسي، وكان العذر واضحًا في ذلك؛ إذ لم تكن للإنسان البدائي لذة أخرى، ثم يمكن أن نجد في الطب الحديث تبريرًا، أو ما يقارب التبرير، لهذه العملية في الصبي، أما عملية الختان للفتاة فليس لها أي تبرير في الطب كما ليس لها أقل سند في الدين.

وقد بحث الأستاذ «محمد الغزالي حرب» في كثير من كتب الشريعة الإسلامية فلم يجد لهذه العادة البغيضة أصلًا في الدين، وعلى هذا الأساس استطاع إخواننا السودانيون أن يلغوا ختان الفتاة دون أي حرج في الدين.

لا ليس ختان الفتاة من الدين، وإنما هو من ذلك المجتمع الذي حط من قدر المرأة عن طريق التسري وشراء الإماء؛ لأننا في تصور المقتنيين للإماء، نأتمن الفتاة المختونة من حيث ضعف شهواتها الجنسية بقطع الجزء الانتصابي في عضوها التناسلي، ونخشى بقاء هذا العضو لئلا تخون ممتلكها، ثم نحن لا نبالي أن تستمتع الأَمَةُ بالجنس.

ولكننا في عصرنا لم نعد نتسرى، ولم نعد نشتري الإماء، فليس هناك ما نخشاه إلا إذا كنا لا نثق بأمانة الزوجة وولائها لزوجها، وذلك الذي لا يثق بالمرأة خير له أن يحجم عن الزواج، ولا يقدم عليه بتاتًا، حتى تتغير عقيدته هذه.

وكل ما نجني في عصرنا من ختان الفتاة هو البرود الجنسي فيها وقت الزواج، فهي لا تتجاوب مع زوجها في أثناء التعارف، ولو أن البرود كان تامًّا لا تحس شيئًا معه، لكان كل ما هنالك من أثر هو الأسف لحرماننا إياها لذة طبيعية من حقها ألا تُحْرَمها، ولكن الواقع أنها تحس ولكن في ضعف وبرود.

وهما ضعف وبرود يحملان الزوج على أن يتخذ من المخدرات ما يعتقد أنه يطيل به مدة التعارف كي تتجاوب زوجته معه، ومن هنا تفشى الحشيش وسائر المخدرات، فإن الغاية منها جنسية في أغلب الحالات، وقد سمعت ممن يكافحون المخدرات أن الزوجات هن اللائي يحرضن أزواجهن على استعمالها بغية الإطالة في مدة التعارف حتى لا يحرمن من السرور الجنسي؛ وذلك لأن قطع الجزء الانتصابي في المرأة بالختان لا يمحو اللذة الجنسية تمامًا، وإنما هو كما قلت يضعفها فقط، ويؤخر التجاوب عند الزوجة إزاء زوجها، فإذا انتهى هو، وارتاح كانت هي لا تزال في منتصف الطريق، تجد العذاب بدلًا من السرور، وهي في مثل هذه الحالات تكره زوجها، وتنفر من العلاقة الجنسية التي لا ترتوي بها، بل تجد فيها ما يزيد عطشها، بل هناك من الأطباء من بقولون: إن لهذه المواقف أثرها السيئ الآخر في المبايض التي تمرض.

بل أستطيع أن أزيد في تعداد الأضرار من عادة الختان للمرأة، فإن عطش الزوجة للوصول إلى الذروة وقت التعارف قد يحملها على الالتفات إلى غير زوجها في أمل الوصول إلى غايتها التي لم يستطع هو أن يبلغها إياها.

فمن ناحية تؤدي عادة الختان هذه إلى تحريض الأزواج إلى استعمال الحشيش وسائر المخدرات، ومن ناحية أخرى قد تحمل الزوجات على الزنا، في حال امتناع الأزواج عن المخدرات، وفي كلتا الحالتين نجد التعاسة بدلًا من السعادة الزوجية.

وعلى حكومتنا أن تأخذ برأي اللجنة التي أشرنا إليها في هيئة الأمم المتحدة فتسن القانون اللازم لمنع الختان، وتعاقب كل من يمارس هذه الحرفة ويرتكب هذه الجريمة، فإننا أعضاء في هذه الهيئة، وعلينا ألا نخالف قراراتها، ومع ذلك لن نكون مبتدعين في سن هذا القانون، فإن السودان قام بذلك قبلنا.

•••

إن ألوفًا بل ملايين من الزوجات، قد استحالت حياتهن الزوجية إلى تعاسة وعذاب بسبب ختانهن في الطفولة، والرأي السائد بين العامة أن المرأة إذا لم تختن فإن شهواتها عندئذ لا تقهر وأنها لا تشبع من التعارف الجنسي.

ومثل هذا الكلام العامي هو بعض الآراء الشرقية الأصلية بشأن المرأة، وأنها إنسان شرير بطبيعته، خبيث ماكر بنشأته، بل إنها إنسان حقير عند المقارنة بالرجل، وبعض هذه الآراء كان سائدًا في أوروبا إلى وقت قريب، ولكن الحضارة ألغت الرِّق الذي كان يسود الشرق والغرب معًا حتى منتصف القرن الماضي.

وإلى وقت قريب كانت المرأة الأوروبية تحرم التصرف حتى في ممتلكاتها الموروثة عن والديها، ويترك التصرف لزوجها وحده.

ولكن الحضارة هذبتنا، فأصبحنا نقول بالمساواة بين الجنسين، كما نجد ذلك في الحقوق الدستورية والمدنية وسائر الحقوق، ومن العار أن تبقى عندنا هذه العادة القديمة التي تفسد علاقاتنا الزوجية وتتعس الزوجات وتحرمهن حقًّا يستمتع به الرجال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤