عفاريت اللصوص

(١) حِمَارُ الزَّارِع

كَانَ حِمارُ الزَّارِعِ نَشِيطًا، لا يَتْعَبُ مِنَ الْعَمَلِ، وَلا يَعْصِي لِسَيِّدِهِ الزَّارِعِ أَمْرًا. وَكانَ الزَّارِعُ مُعْجَبًا بِنَشاطِهِ. فَلَمَّا كَبِرَ الْحِمارُ، وَأَضْعَفَتِ الشَّيْخُوخَةُ قُواهُ، وَأَصْبَحَ عاجِزًا عَنِ الْعَمَلِ، كَرِهَهُ سَيِّدُهُ، وَعَزَمَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ. وَنَسِيَ كُلَّ ما أَدَّاهُ لَهُ حِمارُهُ النَّشِيطُ مِنْ مُعاوَنَةٍ (أَيْ: مُساعَدَةٍ) فِي أَيَّامِ شَبابِهِ.

(٢) هَرَبُ الْحِمارِ

وَكانَ الزَّارِعُ يُحَدِّثُ بَعْضَ أَصْدِقائِهِ — ذاتَ يَوْمٍ — أَنَّهُ عازِمٌ عَلَى قَتْلِ حِمارِهِ. فَسَمِعَ الْحِمارُ كَلامَ سَيِّدِهِ — لِحُسْنِ حَظِّهِ — فَخافَ عَلَى نَفْسِهِ، وَفَكَّرَ فِي الْهَرَبِ مِنْ بَيْتِ سَيِّدِهِ إِلَى إِحْدَى الْغاباتِ، لِيَقْضِيَ فِيها أَيَّامَهُ الْباقِيَةَ آمِنًا مِنْ شَرِّ النَّاسِ وَغَدْرِهِمْ.

(٣) شَكْوَى الْكَلْبِ الْأَمِينِ

وَما كادَ حِمارُ الزَّارِعِ يَسِيرُ بِضْعَ خُطُوَاتٍ حَتَّى لَقِيَ فِي طَرِيقِهِ صَدِيقَهُ الْكَلْبَ الْأَمِينَ نائِمًا، وَعَلَيْهِ آثارُ التَّعَبِ وَالْحُزْنِ. فَأَيْقَظَهُ مِنْ نَوْمِهِ وَحَيَّاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ حُزْنِهِ. فَقالَ لَهُ الْكَلْبُ الْأَمِينُ مُتَأَلِّمًا: «لَقَدْ كَرِهَنِي سَيِّدِي، لِأَنَّنِي كَبِرْتُ وَعَجَزْتُ عَنْ خِدْمَتِهِ. وَقَدْ سَمِعْتُهُ — أَمْسِ — يُحَدِّثُ أَحَدَ أَصْدِقائِهِ أَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى قَتْلِي، فَهَرَبْتُ مِنْهُ. وَلَكِنَّنِي فَكَّرْتُ كَثِيرًا فَلَمْ أَهْتَدِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ أَعِيشُ فِيهِ. ثُمَّ أَجْهَدَنِيَ التَّعَبُ فَنِمْتُ.» فَقالَ لَهُ الْحِمارُ: «لا تَحْزَنْ يا صَدِيقِي، وَهَلُمَّ (أَيْ: تَعالَ) مَعِي إلَى الْغابَة، لِنَتَعَاوَنَ مَعًا عَلَى الْعَيْشِ.»

فَفَرِحَ الْكَلْبُ الْأَمِينُ بِذَلِكَ أَشَدَّ الْفَرَحِ، وَسارَ الْكَلْبُ الْأَمِينُ مَعَ صَاحِبِهِ فِي طَرِيقِهِما إلَى الْغابَةِ.

(٤) شَكْوَى الْقِطِّ الْأَنِيسِ

وَما كادَ الْحِمارُ وَالْكَلْبُ يَسِيرانِ خُطُوَاتٍ قَلِيلَةً حَتَّى قابَلَهُمَا الْقِطُّ الْأَنِيسُ، فَرَأَياهُ مُتَأَلِّمًا مَحْزُونًا. فَسَلَّمَا عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِما التَّحِيَّةَ. ثُمَّ سَأَلَهُ الْحِمارُ عَنْ سَبَبِ حُزْنِهِ، فَأَجابَهُ الْقِطُّ: «لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي (أَيْ: مِقْدارُ عُمْرِي)، وَعَجَزْتُ — يا صَدِيقِي — عَنْ صَيْدِ الْفِيرانِ، فَكَرِهَتْنِي سَيِّدَتِي، وَمَلَّتْ بَقائِي، أَعْنِي: سَئِمَتْنِي وَضَجِرَتْ مِنِّي. وَعَزَمَتْ عَلَى أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنِّي وَتُلْقِيَنِي فِي الْبَحْرِ، فَهَرَبْتُ مِنْها. وَلَسْتُ أَدْرِي: كَيْفَ أَعِيشُ؟ وَإلَى أَيْنَ أَقْصِدُ؟» فَقالَ لَهُ الْحِمارُ: «تَعالَ مَعَنَا إلَى الْغابَةِ، لِنَعِيشَ فِيها مُتَعاوِنِينَ عَلَى الْحَياةِ.»

فَفَرِحَ الْقِطُّ بِذَلِكَ، وَسارَ مَعَهُما، وَهُوَ مُبْتَهِجٌ أَشَدَّ الِابْتِهاجِ.

(٥) شَكْوَى الدِّيكِ الصَّائِحِ

وَما زالُوا سائِرِينَ — فِي طَرِيقِهِمْ — حَتَّى وَصَلُوا إلَى دَسْكَرَةٍ (أَيْ: مَزْرَعَةٍ). فَرَأَوْا فِيها صَدِيقَهُمُ الدِّيكَ الصَّائِحَ، وَعَلَى وَجْهِهِ أَماراتُ الْكَآبَةِ وَالْحُزْنِ، فَسَأَلَهُ الْحِمارُ عَنْ سَبَبِ تَأَلُّمِهِ، فَقالَ لَهُ الدِّيكُ: «ماذا أَصْنَعُ يا صَدِيقِيَ الْعَزِيزَ؟ لَقَدْ كُنْتُ فِي هَذا الصَّباحِ مُبْتَهِجًا أَشَدَّ الِابْتِهاجِ. وَكُنْتُ أَشْعُرُ بِنَشاطٍ وَفَرَحٍ. وَلَكِنَّنِي سَمِعْتُ سَيِّدَتِي — رَبَّةَ الْبَيْتِ — تَقُولُ لِبِنْتِها: «سَنَذْبَحُ هَذا الدِّيكَ غَدًا، لِنُهَيِّئَ بِهِ غَداءً فاخِرًا لِعَمِّكِ الَّذِي سَيَحْضُرُ مِنَ السَّفَرِ». فَضاقَتْ بِيَ الدُّنْيا، وَلَمْ أَدْرِ ماذا أَصْنَعُ؟ وَإلَى أَيِّ مَكانٍ أَقْصِدُ؟» فَقالَ لَهُ الْحِمارُ: «اهْرُبْ مَعَنا إلَى الْغابَةِ، حَيْثُ تُطْرِبُنا بِصَوْتِكَ الْجَمِيلِ، وَنَعِيشُ آمِنِينَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ.»

فَفَرِحَ الدِّيكُ بِذَلِكَ، وَسارَ مَعَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ إلَى الْغابَةِ.

(٦) فِي الْغابَةِ

وَسارَ الْحِمارُ وَالْكَلْبُ وَالْقِطُّ وَالدِّيكُ حَتَّى وَصَلُوا إلَى الْغابَةِ، عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَبَقُوا مُدَّةً طَوِيلَةً فَرْحانِينَ بِنَجاتِهِمْ، واجْتِماعِ شَمْلِهِمْ، حَتَّى جاءَ وَقْتُ النَّوْمِ؛ فَنامَ الْحِمارُ وَالْكَلْبُ، تَحْتَ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَتَخَيَّرَ الْقِطُّ فَرْعًا مِنْ فُرُوعِها، فَنامَ فَوْقَهُ، وَقَفَزَ الدِّيكُ (أَيْ: وَثَبَ وَنَطَّ) إلَى الشَّجَرَةِ، وَوَقَفَ عَلَى فَرْعٍ آخَرَ مِنْ فُرُوعِها. وَرَأَى الدِّيكُ نُورًا يَلْمَعُ مِنْ بَعِيدٍ، فَقالَ لِرِفاقِهِ (أَيْ: لِأَصْحابِهِ): «إنَّنِي أَرَى ضَوْءًا يَلُوحُ لِي فِي الْغابَةِ، فَهَلُمُّوا (أَيْ: تَعالَوْا) بِنا نَتَعَرَّفْ مَصْدَرَهُ، لَعَلَّنا نَجِدُ فِيهِ مَأْوًى (أَيْ: مَسْكَنًا) خَيْرًا مِنْ هَذا.»

فَفَرِحَ الْحِمارُ بِذَلِكَ الرَّأْيِ، وَقالَ لَهُمُ الْكَلْبُ: «أَسْرِعُوا بِنا أَيُّها الرِّفاقُ (أَيِ: الْأَصْحابُ)، لَعَلِّي أَظْفَرُ فِي ذَلِكُمُ الْمَكَانِ بِقِطْعَةٍ مِنَ اللَّحْمِ — أَوِ الْعَظْمِ — آكُلُها، فَإِنِّي جائِعٌ جِدًّا.»

(٧) بَيْتُ اللُّصُوصِ

وَسارُوا جَمِيعًا حَتَّى وَصَلُوا إلَى مَصْدَرِ الضَّوْءِ، فَوَجَدُوا بَيْتًا مُنْفَرِدًا فِي الْغابَةِ. وَكانَ ذَلِكَ الْبَيْتُ مَأْوَى جَماعَةٍ مِنَ اللُّصُوصِ يَعِيشُونَ فِيهِ، فَاقْتَرَبَ الْحِمارُ مِنَ النَّافِذَةِ، فَرَأَى اللُّصُوصَ جالِسِينَ حَوْلَ مائِدَةٍ فاخِرَةٍ، فَأَخْبَرَ الْحِمارُ أَصْحابَهُ بِما رَآهُ، فَقالَ لَهُ الدِّيكُ: «يَجِبُ أَنْ نَتَعاوَنَ جَمِيعًا عَلَى دُخُولِ هَذا الْبَيْتِ وَطَرْدِ مَنْ فِيهِ».

فَقالَ لَهُ الْحِمارُ: «وَكَيْفَ نَدْخُلُهُ وَنَأْمَنُ شَرَّ أَهْلِيهِ (أَيْ: سَاكِنِيهِ)؟»

فَوَقَفُوا يُفَكِّرُونَ جَمِيعًا فِي الطَّرِيقَةِ الَّتِي يَسْلُكُونَها لِلْوُصُولِ إلَى غَرَضِهِمْ، حَتَّى اهْتَدَوْا — بَعْدَ تَفْكِيرٍ طَوِيلٍ — إلَى حِيلَةٍ ناجِحَةٍ.

(٨) الْمُوسِيقَى الْمُزْعِجَةُ

فَوَقَفَ الْحِمارُ عَلَى رِجْلَيْهِ الْخَلْفِيَّتَيْنِ، وَوَضَعَ رِجْلَيْهِ الْأَمامِيَّتَيْنِ عَلَى نافِذَةِ الْبَيْتِ. وَقَفَزَ الْكَلْبُ عَلَى ظَهْرِ الْحِمارِ، وَالْقِطُّ عَلَى ظَهْرِ الْكَلْبِ، وَالدِّيكُ عَلَى ظَهْرِ الْقِطِّ. ثُمَّ بَدَءُوا فِي الْغِناءِ؛ فَنَهَقَ الْحِمارُ، وَنَبَحَ الْكَلْبُ، وَمَاءَ الْقِطُّ، وَصاحَ الدِّيكُ. فَتَأَلَّفَتْ مَنْ أَصْواتِهِمْ مُوسِيقَى مُزْعِجَةٌ — فِي سُكُونِ اللَّيْلِ — تَمْلَأُ الْقُلُوبَ رُعْبًا وَهَلَعًا (أَيْ: خَوْفًا شَدِيدًا وَفَزَعًا).

(٩) هَرَبُ اللُّصُوصِ

ثُمَّ اقْتَحَمُوا النَّافِذَةَ — مَرَّةً واحِدَةً — فَحَطَّمُوا (أَيْ كَسَرُوا) زُجاجَها، وَانْطَفَأَ الْمِصْباحُ الَّذِي كانَ يُضِيءُ الْغُرْفَةَ، فامْتَلَأَتْ قُلُوبُ اللُّصُوصِ رُعْبًا، وَفَرُّوا هارِبِينَ، وَظَنُّوا أَنَّ بَيْتَهُمْ قَدِ امْتَلَأَ بِالْجِنِّ وَالْعَفارِيتِ.

(١٠) فِي بَيْتِ اللُّصُوصِ

وَفَرِحَ الْحِمارُ وَالْكَلْبُ وَالْقِطُّ وَالدِّيكُ بِنَجاحِ حِيلَتِهِمْ وَأَكَلُوا، وَشَرِبُوا. ثُمَّ نامَ الْحِمارُ فِي فِناءِ الدَّارِ (أَيْ: فَضاءِ الْبَيْتِ الَّذِي لا بِناءَ فِيهِ). وَنامَ الْكَلْبُ خَلْفَ الْبابِ. وَنامَ الْقِطُّ بِجِوارِ الْمُوقَدِ. وَنامَ الدِّيكُ عَلَى سَطْحِ الْبَيْتِ.

(١١) فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ

وَلَمَّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، وَرَأَى اللُّصُوصُ أَنَّ الْبَيْتَ هادِئٌ لا صَخَبَ (أَيْ: لا ضَجَّةَ وَلا صِياحَ) فِيهِ، وَلا ضَوْضَاءَ، حَسِبُوا أَنَّهُمْ تَعَجَّلُوا بالْفِرارِ (أَيْ: أَسْرَعُوا بِالْهَرَبِ) مِنْ غَيْرِ داعٍ، وَظَنُّوا أَنَّ الْهَواءَ فَتَحَ النَّافِذَةَ بِعُنْفٍ، فَخَيَّلَ إلَيْهِمْ مِنَ الذُّعْرِ (أَيْ: صَوَّرَ لَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ) أَنَّهُمْ رَأَوْا أَشْباحًا (أَيْ: أَشْخاصًا) لا وُجُودَ لَها. وَتَشَجَّعَ شَيْخُ اللُّصُوصِ، فَتَسَلَّلَ إلَى الْبَيْتِ فِي الظَّلامِ. وَأَحْضَرَ شَمْعَةً، وَأَرادَ أَنْ يُوقِدَها، أَيْ: يُشْعِلَها. فَلَمْ يَجِدْ عُلْبَةَ الْكِبْرِيتِ. وَلَمَحَ عَيْنَيِ الْقِطِّ، فَظَنَّهُما جَذْوَتَيْنِ (أَيْ: جَمْرَتَيْنِ مُلْتَهِبَتَيْنِ) مِنَ النَّارِ. فاقْتَرَبَ مِنَ الْقِطِّ، وَأَدْنَى الشَّمْعَةَ (أَيْ: قَرَّبَها) مِنْ عَيْنِهِ لِيُوقِدَها، فاسْتَيْقَظَ الْقِطُّ مَذْعُورًا (أَيْ: خائِفًا).

وَلَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْمِزاحَ الثَّقِيلَ، فَقَفَزَ (أَيْ: نَطَّ) فِي وَجْهِهِ، وَضَرَبَهُ بِمِخْلَبِهِ (أَيْ: بِظُفْرِهِ) ضَرْبَةً عَنِيفَةً، وَخَمَشَهُ (أَيْ: خَدَشَهُ)، أَعْنِي: مَزَّقَ جِلْدَهُ. فَحَسِبَهُ اللِّصُّ عِفْرِيتًا يُرِيدُ أَنْ يَفْتِكَ بِهِ (أَيْ: يَقْتُلَهُ). فَجَرَى مُسْرِعًا إلَى الْبابِ، فَعَثَرَ بِالْكَلْبِ. فَهَبَّ الْكَلْبُ (أَيْ: ثارَ وَهاجَ) مَذْعُورًا، وَعَضَّهُ فِي رِجْلِهِ، فاشْتَدَّ ذُعْرُ اللِّصِّ، وَخَرَجَ هارِبًا إلَى فِناءِ الْبَيْتِ، فَعَثَرَ بِالْحِمارِ، فَرَكَلَهُ الْحِمارُ (أَيْ: رَفَسَهُ) بِرِجْلِهِ. واسْتَيْقَظَ الدِّيكُ — حِينَئِذٍ — فَمَلَأَ الْبَيْتَ صِياحًا، فامْتَلَأَ قَلْبُ شَيْخِ اللُّصُوصِ ذُعْرًا. وَما كادَ يَصِلُ إلَى أَصْحابِهِ، حَتَّى ارْتَمَى عَلَى الْأَرْضِ، لِشِدَّةِ ما أَصابَهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالتَّعَبِ.

(١٢) الْعَفارِيتُ الْمَوْهُومَةُ

وَلَمَّا سَأَلَهُ أَصْحابُهُ عَمَّا حَدَثَ لَهُ، قَصَّ عَلَيْهِمْ ما أَدْهَشَهُمْ، وَمَلَأَ قُلُوبَهُمْ ذُعْرًا، فَقالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ جِنِّيَّةً (أَيْ: عِفْرِيتَةً) — فِي الظَّلامِ — تُرْسِلُ مِنْ عَيْنَيْها نارًا مُتَّقِدَةً (أَيْ: مُشْتَعِلَةً)، وَقَدْ قَفَزَتْ عَلَى كَتِفِي، وَأَدْخَلَتْ أَصابِعَها الصُّلْبَةَ فِي وَجْهِي. وَلَمْ أَكَدْ أَفِرُّ هارِبًا، حَتَّى ضَرَبَنِي جِنِّيٌّ آخَرُ — كانَ مُخْتَفِيًا خَلْفَ الْبابِ — بِمُدْيَةٍ (أَيْ: سِكِّينٍ) حادَّةٍ. ثُمَّ ضَرَبَنِي مارِدٌ آخَرُ بِعَصًا غَلِيظَةٍ كانَتْ فِي يَدِهِ. وَخُيِّلَ إلَيَّ (أَيْ: تَصَوَّرْتُ) أَنَّنِي سَمِعْتُ جِنِّيًّا رابِعًا يَصِيحُ (أَيْ: يَصْرُخُ) مِنْ أَعْلَى الْبَيْتِ صَيْحاتٍ مُزْعِجَةً: «أَخْرِجُوا هَذا الْخَبِيثَ مِنَ الْبَيْتِ».

(١٣) خاتِمَةُ الْقِصَّةِ

وَلَمْ يَكَدِ اللُّصُوصُ يَسْمَعُونَ مِنْ شَيْخِهِمْ هَذِهِ الْقِصَّةَ الرَّاعِبَةَ (أَيْ: الْمُخِيفَةَ)، حَتَّى امْتَلَأَتْ قُلُوبُهُمْ خَوْفًا. وَلَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ مِنْهُمْ — بَعْدَ ذَلِكَ — عَلَى الِاقْتِرابِ مِنَ الْبَيْتِ، حَتَّى لا تُهْلِكَهُ الْعَفارِيتُ الْجَدِيدَةُ الَّتِي سَكَنَتْهُ. أَمَّا أَصْحابُنا الْأَعِزَّاءُ، فَقَدْ عاشُوا — فِي بَيْتِهِمُ الْجَدِيدِ — أَسْعَدَ عَيْشٍ. وَلَوْ ذَهَبْتَ — أَيُّها الْقارِئُ الصَّغِيرُ — إلَى بَيْتِهِمْ، لَرَأَيْتَهُمْ فِيهِ مَسْرُورِينَ.

•••

وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَ لَكَ اسْمَ تِلْكَ الْغابَةِ — الَّتِي عاشُوا فِيها — لِتَراهُمْ بِنَفْسِكَ، وَلَكِنَّنِي نَسِيتُ اسْمَها الْآنَ. وَسَأُحاوِلُ أَنْ أَذْكُرَهُ بَعْدَ قَلِيلٍ، لِتَرَى صِدْقَ ما قَصَصْتُهُ عَلَيْكَ.

انْتَهَتِ الْقِصَّةُ

محفوظات

ظِلِّي

أَنْتَ — يا ظِلِّي — رَفِيقُ عُمْرِي
أَنْتَ — يا ظِلِّي — عَجِيبُ الْأَمْرِ
كَمْ تَطُول، ثُمَّ تَبْدُو غايَةً فِي الْقِصَرِ
أَوْ تَزُول، ثُمَّ تَعْدُو — بَعْدَها — فِي أَثَرِي
إنَّ ظِلِّي مُشْبِهِي كُلَّ الشَّبَهْ
كُلَّما اسْتَيْقَظْتُ أُلْفِيهِ انْتَبَهْ
قافِزًا خَلْفِي — طَوْرًا — وَأَمامِي
صامِتًا لَمْ يَدْرِ ما مَعْنَى الْكَلامِ
حَرَكاتِي كُلُّها يَأْتِي بِها
لا يُبالِي سَهْلَها مِنْ صَعْبِها
أَنْتَ قَدْ حَيَّرْتَنِي فِي أَمْرِي
أَنْتَ خَلْفِي — حِينَ أَجْرِي — تَجْرِي
أَنْتَ — إنْ أُبْطِئْ — بَطِيءُ السَّيْرِ
أَيُّ نَفْعٍ لَكَ، لَسْتُ أَدْرِي؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤