الفصل الأول

غَزْوَةُ الأَفْيالِ

(١) وادِي الْقَمَر

«صَفْصافَةُ» كانَتْ أَرْنَبَةً ذَكِيَّةً.

«صَفْصافَةُ» كانَتْ بارِعَةَ الْحِيلَةِ، شُجاعَةً لا تَخافُ.

«صَفْصافَةُ» كانَتْ تَجْمَعُ بَيْنَ الذَّكاءِ وَالشَّجاعَةِ، وَسَعَةِ الْحِيلَةِ والْبَراعَةِ.

الْأَرانِبُ كانَتْ شَدِيدَةَ الإِعْجابِ ﺑ«صَفْصافَةَ» لِذَكائِها وَشَجاعَتِها، وَسَعَةِ حِيلَتِها وَبَراعَتِها.

الْأَرانِبُ كانَتْ شَدِيدَةَ الإِعْجابِ بِاْلأَرْنَبَةِ الشُّجاعَةِ الذَّكِيَّةِ الْبارِعَةِ.

الْأَرانِبُ اختْارَتْ «صَفْصافَةَ» زَعِيمَةً لَها.

الْأَرانِبُ كانَتْ تَسْتَرْشِدُ بِرَأْيِ «صَفْصافَةَ»، وَتَهْتَدِي بِنَصِيحَتِها، وَتَعْمَلُ بِمَشُورَتِها.

«صَفْصافَةُ» كانَتْ تَعِيشُ مَعَ شَعْبِها فِي راحَةٍ وَأَمانٍ، وَهُدُوءِ بالٍ واطْمِئْنانٍ.

(٢) فِي الَّلياليِ الْقَمْراءِ

«صَفْصافَةُ» وَصَواحِبُها كانَتْ تَعِيشُ فِي «وادِي الْقَمَرِ»، بِالْقَرْبِ مِنْ عَيْنِ ماءٍ.

عَيْنُ الْماءِ كانَتْ مَمْلُوءَةً بِالْماءِ الْعَذْبِ.

الْأَرانِبُ كانَتْ تَشْرَبُ مِنَ الْماء الْعَذْبِ الْذِي تَفِيضُ بِهِ الْعَيْنُ فِي وادِي الْقَمَرِ.

لَوْلا عَيْنُ الْماء كانَتْ سَعادَةُ الْأَرانِبِ تَتَبَدَّلُ تَعاسَةً.

ضَوْءُ الْقَمَرِ كانَ يَمْلَأُ الْوادِيَ رَوْعَةً وَبَهاءً.

الْقَمَرُ كانَ يُرْسِلُ أَشِعَّتَهُ عَلَى عَيْنِ الْماءِ، فِي الَّليالِي الْقَمْراءِ.

الْقَمَرُ كانَ يَتَأَلَّقُ وَيَتَلَأْلَأُ.

أَشِعَّةُ الْقَمَرِ كانَتْ تَزِيدُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ فِتْنَةً وَجَمالًا.

الْأَرانِبُ كانَتْ سَعِيدةً فَرْحانَةً.

الْأَرانِبُ كانَتْ تَجْتَمِعُ فيِ الَّليالِي الْقَمْراءِ، حَوْلَ عَيْنِ الْماءِ، تَنُطُّ حَوْلَ الْعَينِ وَتَقْفِزُ.

الْأَرانِبُ كانَتْ تَقْضِي فِي وادِيها، أَسْعَدَ أَيَّامِها وَأَبْهَجَ لَيالِيها.

الْأَرانِبُ كانَتْ تَحْمَدُ اللهَ عَلَى ما هَيَّأَ لَهَا فِي وادِيها السَّعيِدِ، مِنْ أَسْبابِ اَلْعَيْشِ الرَّغِيدِ.

عَيْنُ الْماءِ كانَتْ تَتَجَلَّى فِي أَبْهَجِ مَناظِرِها، حِينَ يَتَأَلَّقُ الْقَمَرُ فِي السَّماءِ، وَتَكْسُوها أَشِعَّتُهُ الْفِضَّيَّةُ نُورًا وَبَهاءً.

حَوْلَ الْعَيْنِ: كانَ يَحْلُو الْحَدِيثُ والسَّمَرُ، فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ.

لا عَجَبَ إذا أَطْلَقَ عَلَيْها الْأَرانِبُ اسْمَ: «عَيْنِ الْقَمَرِ».

(٣) يَوْمٌ لا يُنْسَى

ذاتَ يَوْمٍ: حَدَثَ ما لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بالِ الْأَرانِبِ.

كانَ يَوْمًا مُزْعِجًا … كانَ يَوْمًا هائِلًا … كانَ يَوْمًا مَشْئُومًا: كَدَّرَ صَفْوَ الْوادِي، وَبَدَّلَ أَمْنَةُ خَوْفًا.

الْأَرانِبُ لَمْ تَنْسَ ذلِكَ الْيَوْمَ طُولَ حَياتِها.

تَسْأَلُنيِ: «أَيُّ هَوْلٍ أَصابَها؟ أَيُّ مُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِها؟ أَيُّ كارِثَةٍ حَلَّتْ بِأَرْضِها؟»

أَنا أُخْبِرُكَ بِجَوابِ ما سَأَلْتَ.

إِليْكَ يُساقُ الْحَدِيثُ.

(٤) الْأَفْيالُ والْأَرانِبُ

جَماعَةٌ مِنَ الْأَفْيالِ كانَتْ تَعِيشُ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً.

وادِي الْأَفْيالِ كانَ بَعِيدًا عَنْ وادِي الْقَمَرِ.

وادِي الْقَمَرِ كانَ بَعِيدًا عَنْ وادِي الْأَفْيالِ.

الْأَرانِبُ كانَتْ تَعِيشُ فِي وادِيها ناعِمَةَ الْبالِ وادِعَةً.

الْأَفْيالُ كانَتْ تَعِيشُ فِي بِلادِها الْبَعِيدَةِ هانِئَةً سَعِيدَةً.

قَبْلَ هَذا الْيَوْمِ: الْأَفْيالُ لَمْ تُفارِقْ وادِيَها.

قَبْلَ هَذا الْيَوْمِ: الْأَفْيالُ لَمْ تَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَرانِبِ.

قَبْلَ هَذا الْيَوْمِ: الْأَرانِبُ لَمْ تَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَفْيالِ.

(٥) الْوادِيانِ

وادِي الْقَمَرِ كانَ خِصْبًا: كَثِيرَ الْماءِ، كَثِيرَ النَّباتِ.

وادِي الْأَفْيالِ كانَ — مِثْلَ وادِي الْقَمَرِ — خِصْبًا: كَثيِرَ الْماءِ، كَثِيرَ النَّباتِ.

الْوادِيانِ كِلاهُما: كانَ ماؤُهُما غَزِيرًا، وَزَرْعُهُما نَضِيرًا، وَنَباتهُما كَثِيرًا، وَشَجَرُهُما كَبيرًا.

(٦) هِجْرَةُ الْأَفْيالِ

فِي يَوْمٍ مِنَ اْلأَيَّامِ: بَدَأَتِ الْمَصائِبُ واْلآلامُ.

تَغَيَّرَ كُلُّ شَيْءِ فِي وادِي الْأَفْيالِ.

أَصْبَحَ ساكِنُو الْوادِي فِي شَرِّ حالٍ: اْلأَرْضُ الْخِصْبَةُ أَقْفَرَتْ.

اْلأَنْهارُ الْعَذْبَةُ غاضَتْ.

اْلأَشْجارُ الْكِبارُ وَالصِّغارُ ماتَتْ.

عُيُونُ الْماءِ الْجارِيَةُ نَضَبَتْ.

الْمُرُوجُ الْخُضْرُ يَبِسَتْ.

الْحُقولُ الْمُثْمِرَةُ أَجْدَبَتْ.

لَمَّا نَضَبَتْ عُيُونُ الْماءِ، جَفَّ الزَّرْعُ، وَماتَ النَّباتُ.

لَمَّا نَضَبَ الْماءُ، الْأَفْيالُ عَطِشَتْ.

لَمَّا جَفَّ النَّباتُ، الْأَفْيالُ جاعَتْ.

الْأَفْيالُ صاحَتْ: «يا لَلْهَوْلِ! عُيُونُ الْماءِ غاضَتْ. أَشْجارُ الْوادِي ماتَتْ. الْحُقُولُ أَجْدَبَتْ. الْمُرُوجُ يَبِسَتْ!»

الْأَفْيالُ تَحَيَّرَتْ. أَصْبَحَتِ الْأَفْيالُ فِي شَرِّ حالٍ.

الْأَفْيالُ لَمْ تَجِدْ فِي وادِيها طَعامًا وَلا شَرابًا.

الْأَفْيالُ كادَتْ تَمُوتُ جُوعًا وَعَطَشًا.

كَيْفَ تَعِيشُ بَعْدَ أَنْ جَفَّ الزَّرْع وَنَضَبَ الْماءُ؟!

•••

ماذا تَصْنَعُ الْأَفْيالُ الْجائِعَةُ الْعَطْشَى؟

كَيْفَ تَعِيشُ الْأَفْيالُ دُونَ طَعامٍ وَلا شَرابِ؟

هَيْهاتَ! هَيْهاتَ! لا سَبِيلَ إِلَى الْحَياةِ دُونَ طَعامٍ وَلا شَرابٍ.

الْأَفْيالُ هَرَبَتْ مِنْ وادِيها، وَرَحَلَتْ عَنْ بِلادِها.

الْأَفْيالُ مَشَتْ فِي طَرِيقِها، تَبْحَثُ عَنْ طَعامِها وَشَرَابِها.

(٧) الْأَفْيالُ الْغازِيَةُ

فِي الْيَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ، انْتَهَى بِها السَّيْرُ إِلَى وادِي الْقَمَرِ.

الْأَفْيالُ دَخَلَتِ الْوادِي … لَمْ تَسْتَأذِنْ سُكَّانَ الْوادِي.

الْأَفْيالُ الْكِبارُ، غَزَتِ الْأَرانِبَ الصَّغارَ.

أَقْدامُ الْأَفْيالِ الْكِبارِ، هَدَمَتْ بُيُوتَ الْأَرانِبِ الصَّغارِ.

الْأَرانِبُ خافَتْ … هَرَبَتْ مِنْ دِيارِها … عَزَمَتْ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِثَأْرِها، وَتَنْتَقِمَ مِنْ أَعْدائِها.

أَيُها الْقارئُ الصَّغِير: أَنْتَ تَسْأَلُنِي: كَيْفَ تَنْتَقِمُ الْأَرانِبُ الصَّغارُ، مِنْ أَعْدائِها الْأَفْيالِ الْكِبارِ؟

أَنا أُفَسِّرُ لَكَ ما غابَ عَنْ بالِكَ. أَنا أُجِيبُ عَنْ سُؤالِكَ: الْأَرانِبُ الصَّغِيرَةُ كانَتْ عَلَى حَقٍّ. الْأَفْيالُ الْكَبِيرَةُ كانَتْ عَلَى باطِلٍ؛ اعْتَدَتْ عَلَى الْأَرانِبِ الصَّغِيرَةِ.

الْأَرانِبُ الصَّغِيرَةُ لَمْ تَعْتَدِ عَلَى الْأَفْيالِ الْكَبِيرَةِ.

الْأَفْيالُ الْكَبِيرَةُ كانَتْ مَغْرُورَةً بِقُوَّتِها.

الْأَرانِبُ الصَّغِيرَةُ كانَتْ مُسْتَمْسِكَةً بِحَقِّها، مُعْتزَّةً بِوَطَنِها.

الْأَرانِبُ ضاعَفَتْ مِنْ حَماسَتِها، لَمْ تَسْتَسْلِمْ لِهَزِيمَتِها.

(٨) فِي بَيْتِ «صَفْصافَةَ»

الْأَرانِبُ أَسْرَعَتْ إِلَى بَيْتِ زَعِيمَتِها. أَخْبَرَتْها بِما جَرَى.

الْأَرانِبُ كانَتْ تَهْتَدِي بِرَأيِ «صَفْصافَةَ».

الْأَرانِبُ كانْتْ تَعْرِفُ ما تَمَيَّزَتْ بهِ «صَفْصافَةُ» مِنْ إِقْدامٍ وَشَجاعَةٍ، وَحِكْمَةٍ وَبَراعَةٍ.

وَلَكِنْ: ماذا تَصْنَعُ الزَّعِيمَةُ «صَفْصافَةُ»؟

كَيْفَ تَنْتَقِمُ لِشَعْبِها مِنْ عَدُوِّها؟

أَطالَتِ التَّفْكِيرَ، وَأَحْكَمَتِ التَّدْبِيرَ.

«صَفْصافَةُ» كانَتْ عاقِلَةً شُجاعَةً.

الْعَقْلُ والشَّجاعَةُ — إذا اجْتَمَعا — يَصْنَعانِ الْعَجائِبَ.

الْعَقْلُ والشَّجاعَةُ — إذا اجْتَمَعا — يَدُكَّانِ الْجِبالَ، وَيَهْزِمانِ الْأَفْيالَ.

«صَفْصافَةُ» قالَتْ لِلأَرانِبِ: «حَقُ الضَّعِيفِ الْجَرِيءِ، لا بُدَّ أَنْ يَنْتَصِرَ عَلَى باطِلِ الْقَوِيِّ الْمُسِيءِ. حِيلَةُ الضَّعِيفِ الذَّكِيَّ، تَنْتَصِرُ عَلَى بَطْشِ الْجَبَّارِ الْقَوِيِّ.»

فِي نِهايَةِ الْمُؤْتَمَرِ، أَعَدَّتْ «صَفْصافَةُ» وَصواحِبُها خُطَّةً بارِعَةً لِتَخْلِيصِ الْوادِي، وَطَرْدِ اْلأَعادِي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤